شرح زيارة آل ياسين / الحلقة السابعة عشرة
شرح زيارة آل ياسين/ الحلقة السابعة عشرة
هيئة التحرير
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح المقطع: (وَأَنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ، وَأَنَّ نَاكِراً وَنَكِيراً حَقٌّ، وَأَشْهَدُ أَنَّ النَّشْرَ حَقٌّ، وَالْبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ، وَالْمِرْصَادَ حَقٌّ، وَالْمِيزَانَ حَقٌّ، وَالْحَشْرَ حَقٌّ، وَالْحِسَابَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ، وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ بِهِمَا حَقٌّ).
يشير المقطع الذي تتحدّث عنه الزيارة المباركة إلى أحوال يوم القيامة، ويشير مجملاً إلى المفاصل الرئيسة التي ستقع على المؤمنين في أوّل مراحل انتقالهم من دار الدُنيا الى دار الآخرة، بل تحدّث المقطع عن ضرورة الإيمان وحقّانية المعتقد الذي يؤثّر في أول حالات الانتقال هذه وهو الموت.
وهنا لابدّ أنْ نشير إلى أنّ الحلقة السابقة من هذا الشرح قد بيّنت أنّ هناك عالماً سنراه، سمّته الروايات بالرجعة، وتحدّثت عنه كثيراً، وبيّنت خصائصه، وأنّ هذه الزيارة أشارت إلى هذا العالم، وأنّ الإيمان به من الحقائق التي يجب أنْ يعتقد بها الإنسان الموالي، وقد تقدّم تفصيل شرح الفقرة الخاصة بذلك في الحلقة السابقة، وكأنّ الزيارة تريد أنْ تتحدث لنا عن تفاصيل العقائد العملية التي يجب الإيمان بها، وعلى الترتيب المعاش من قبل المعتقد، فعقيدة يجب الإيمان بها في الدنيا، وعقيدة تدّخر معك إلى الرجعة، وعقيدة ستشاهدها عند البرزخ، وهي ما عبّرت عنه الزيارة المباركة بأحوال يوم القيامة، فالموت وهو القنطرة التي نعبر منها إلى ذلك العالم الفسيح، الزمتنا الزيارة الإيمان بحقّانيته، وأنّ أوّل حالة نشاهدها بعد عبور هذه القنطرة الحق هو ناكر ونكير، وسؤالهما الحثيث عن افعالنا واقوالنا وافكارنا، وأنّهما لم يتركا صغيرة ولا كبيرة قد فكّرنا فيها أو تحدثنا عنها أو عملنا بها إلاّ واحصياها، وسيحاسبننا عليها.
ثم تتسلسل الزيارة الشريفة بسرد المراحل التي سنمر عليها وضرورة الإيمان بحقّانيتها، وإنّنا سنراها رأي العين، من النشر والبعث والصراط والمرصاد والميزان والحشر والحساب والجنة والنار، وأنّ معاني هذه الحقائق قد ذكرها القران الكريم وفسرتها الروايات الشريفة، ولابدّ هنا أنْ يستقطع المؤمن جزءا من وقته ليقف على حقيقة هذه الاشياء وموقفه تجاهها.
ثم عطفت الزيارة المباركة على مقولة في غاية الاهمية، حيث قالت إنّ الوعد بهذه الاشياء، والوعيد على من لم يؤمن بها حق لا ريب فيه، فالمؤمنون الذين آمنوا بهذه الحقائق، ومارسوا عملياً التكاليف المترتبة عليهم تجاه يوم البعث والنشر، وتجاه الصراط والحشر، وحاسبوا انفسهم وزانوها، اولئك المتّقون الموعودون بالجنة وسيرونها.
امّا الوعيد الناجم عن الاستخفاف والتهاون بهذه الحقائق، فإنّ من لم يزن نفسه ولم يؤمن بأنّ هناك نشراً وحساباً ومرصاداً، وأنّ من يحصي عليه عمله لا يخفى عليه شيء، اولئك موعدهم النار وأنّه هذه حق وحقيقة سيرونها إلاّ ما رحم ربك.
إنّ الحديث عن هذه الحقائق التوحيدية في زيارة خاتم الائمّة وآخرهم يكشف لنا من زاوية أُخرى أنّ العقيدة ينبغي أنْ تسير مع المؤمن، وتكون حاضرة في وجدانه في كل الحالات التي يعيشها أيام دهره، فأثناء الزيارة وفي العبادة وأداء القربات، وفي كل حال هو عليها ينبغي أنْ لا يغفل عن ذلك وأنْ يذكره، ليكون هذا الذكر حافزاً للتقوى وذخراً ليوم المعاد.
فضلاً عن أنّ هناك إشارات أُخرى لا تخفى على من يتأمل في فقرات الزيارة، فكون زيارة الإمام عليه السلام منبعاً من منابع التوحيد، وكتاباً يشرح العقائد، فإنّ زيارتهم ترفد الإنسان المؤمن بمجموعة كبيرة وزخم لا نهاية له من المعارف الالهية التوحيدية، وتشير من جهة أُخرى إلى أنّ التوحيد الذي ينبغي أنْ يكون عليه الإنسان المؤمن مفتاحه الارتباط بالإمام عليه السلام، وانّ ما يترتّب على هذا الارتباط هو اخذ الحقائق من معينها، فلا يبقى على المؤمن إلاّ الإيمان بها.