الفهرس
لتصفح الصحيفة بـ Flsh
لتحميل الصحيفة كـ Pdf
المسار:
صدى المهدي » العدد: ٦٩ / ربيع الأول / ١٤٣٦ هـ
مواضيع العدد
العدد: 69 / ربيع الأول / 1436 هـ

السفارات الكاذبة عن الإمام المهدي عليه السلام / الحلقة الأولى

السفارات الكاذبة عن الإمام المهدي عليه السلام/ الحلقة الأولى

الشيخ خليل رزق

تعتبر مسألة السفارة والنيابة عن الإمام المهدي عليه السلام، من المناصب الهامّة والخطيرة، كونها تُعطي حاملها وصاحبها درجة رفيعة ومنزلة كبيرة في داخل المجتمع الإسلامي، فضلاً عن إعطائه صبغةً شرعية منصوص عليها من قبل شخص الإمام عليه السلام نفسه، وهذا الأمر له بُعدُه الخاص على مستوى حصول السفير أو النائب على صفةٍ تخوّلُهُ إمكانية استغلال فرصة تحويل أمر السفارة إلى الاستفادة من كثير من الأمور لمصالحه الشخصية.
ولأهميّة هذا المنصب نرى الإمام المهدي عليه السلام قد أكّد في الكثير من الرسائل والتوقيعات الصادرة عنه على توثيق وكلائه وسفرائه، وإعطائهم صفات تؤهّلهم لتحمّل مسؤولياتهم، والنهوض بأعباء السفارة، وكذلك نرى حرص الإمام عليه السلام على إبراز بعض المعجزات لهم تأكيداً وحرصاً منه على عدم التشكيك بهم من قبل الناس، وقد أدّى هؤلاء الوكلاء دورهم بأفضل وجه، وتحمّلوا أعباء المسؤولية الموكلة إليهم، واستطاعوا تنفيذ كل ما أراده الإمام عليه السلام في عصر الغيبة الصغرى، وكانوا مثلاً أعلى في التضحية والفداء في سبيل الحفاظ على الإمام عليه السلام وحمايته وإيصال رسالته إلى الناس.
ونظراً لأهمية هذا الموقع الحسّاس بما يحمله من إمكانية الاستغلال المعنوي والمادي برز العديد من الأصوات التي ادّعت حصولها على شرف السفارة كذباً وزوراً، وذلك بعد أعوام قليلة من بدء عصر السفارة والنيابة وكان من أبرز أسباب هذه الإدعاءات أحد أمرين:
الأول: محاولة اكتساب هذا الشرف والمنصب المعنوي بين الناس، لكون السفير من جملة مهماته زعامة وقيادة المجتمع.
الثاني: أنّ السفير هو المرجع الأساس في تسلّم الأموال الشرعية نيابةً عن الإمام عليه السلام. وهذا ما كان واضحاً وجلياً في بعض المدّعين للسفارة الذين كان هدفهم الحصول على المال فقط.
وقد طاول الانحراف وادّعاء السفارة شريحة من أصحاب الإمام المهدي عليه السلام كما حصل من قبل مع سائر الأئمة عليهم السلام.
ففي عصر الإمام الهادي والإمام الحسن العسكري عليهما السلام انحرف عن الخط القويم والصراط المستقيم لأئمة أهل البيت عليهم السلام عدد من أصحابهما الذين كانت لهم سوابق مُشرِقة، وشرف اللقاء الدائم مع الإمامين العسكريين عليهما السلام، ورووا عنهما الأحاديث ودوّنوها في الكتب، ولكنّ ضعف الإيمان، وعدم الإخلاص ووجود القابلية عند هؤلاء للانحراف والطمع في الأموال والشهرة الاجتماعية أدّى إلى سوء العاقبة عند هذه الفئة من الناس.
التسلسل التاريخي للتزوير:
بدأ التزوير وادّعاء السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام في عهد السفير الشيخ محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه، وأمّا أبوه السفير الأول فقد كان أقوى وأسمى من أنْ يعارضه معارض، بعد تاريخه المجيد مع الإمامين العسكريين عليهما السلام. وثناؤهما العاطر عليه، وأداؤه لمختلف أنواع الجهاد في عهدهما وبموجب توجيهاتهما وتعاليمهما... كما أنّ الظروف لم تكن لتساعد على دعوى السفارة، فإنّ الغيبة الصغرى ما زالت في أوّلها، وتتبع السلطات ومطاردتهم للإمام المهدي عليه السلام ولكل من يمت إليه بصلة قوية، وقد كانت سفارة عثمان بن سعيد (السفير الأول) جهاداً كبيراً وتضحية عظمى، فكيف يمكن حينئذٍ أنْ يعرّض الشخص نفسه للمطاردة والخطر تلقائياً بانتحال السفارة.
على أنّ التزوير لا يكاد يحتمل وجوده قبل أنْ يعتاد الناس على هذا النحو من السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام. وهذا الاعتياد يحتاج في تحقّقه إلى زمن بطبيعة الحال، تعيشه القواعد الشعبية تجاه السفارة الصادقة، وهو ما تحقّق في أول الغيبة الصغرى، وخلال الأعوام القليلة التي قضاها عثمان بن سعيد في السفارة.
وقد توفّر المزورون خلال الفترة الطويلة التي قضاها السفير الثاني في سفارته، وتاريخنا الخاص وإنْ لم يضع النقاط على الحروف من تواريخ التزوير... إلاّ أنّه على أية حال يدل على بدء السفارة الكاذبة في زمان هذا السفير.
فقد ادّعى السفارة زوراً عن الإمام المهدي عليه السلام في زمان أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنهما)، عدّة أشخاص، أوّلهم: أبو محمد الشريعي وهو أوّل من ادّعى مقاماً لم يجعله الله فيه، ثمّ محمد بن نصير النميري ادّعى ذلك الأمر بعد الشريعي، وأحمد بن هلال الكرخي وغيرهم...
وقد كان بعضهم صالحين في مبدأ أمرهم، ومن أصحاب الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام، فانحرفوا وسلكوا مسلك التزوير فجابههم العمري رضي الله عنه بكل قوّة وانتصر عليهم، وخرجت من الإمام المهدي عليه السلام التواقيع والبيانات بلعنهم والبراءة منهم، والتأكيد على كذب سفارتهم وسوء سريرتهم.
وأمّا الشيخ الحسين بن روح (السفير الثالث) فقد ابتلى بأشدّهم تأثيراً وأوسعهم أصحاباً: محمد بن علي الشلمغانيالعزاقري.
وكان في مبدأ أمره مؤمناً مستقيماً، بل وكيلاً لابن روح، ثم ظهر انحرافه وسقم عقيدته _ كما سيأتي..
وكان آخرهم في دعوى السفارة الكاذبة _على ما يظهر من عبارة الشيخ الطوسي رضي الله عنه_ أبو دلف الكاتب، حيث كان على ذلك إلى ما بعد وفاة السمري (السفير الرابع).
كانت هذه إطلالة تحليلية على عملية التزوير التي حصلت في السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام، ولابدّ من التعرض إلى بعض التفاصيل المتعلقة بأحوال هؤلاء.
ونحن إذ نذكرهم هنا كما ذكرهم الشيخ الطوسي في كتابه (الغيبة) ووفقاً للترتيب والتسلسل الذي ذكره في باب ذكر المذمومين الذين ادّعوا النيابة والسفارة كذباً وافتراءً، مع بعض التصرّف.
قال الشيخ الطوسي رضي الله عنه:
أوّلهم _ المعروف بالشريعي:
اسمه الحسن وكان يُكنّى بأبي محمد، وكان من أصحاب الهادي عليه السلام ثم العسكري عليه السلام، وهو أول من ادّعى مقاماً لم يجعله الله فيه، ولم يكن أهلاً له، وكذب على الله وعلى حججه عليهم السلام، ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء، فلعنته الشيعة وتبرّأت منه، وخرج توقيع الإمام عليه السلام بلعنه والبراءة منه. ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد.
ثانيهم _ محمد بن نصير النميريّ:
وهو من أصحاب الإمام الحسن العسكري عليه السلام، وعند وفاة الإمام ادّعى مقام أبي جعفر محمد بن عثمان (السفير الثاني) وأنه سفير الإمام المهدي عليه السلام ونائبه، ولكن الله تعالى فضحه بما ظهر منه من الإلحاد والجهل، ولعن أبي جعفر محمد بن عثمان له، وتبرِّيه منه، واحتجابه عنه، وادّعى ذلك الأمر بعد الشريعي.
وإليه تنسب الفرقة النصيرية، وكان يدّعي أنه رسول نبي، وأن علي بن محمد الهادي عليه السلام أرسله، وكان يقول بالتناسخ، ويغلو في الإمام الهادي عليه السلام ويقول فيه بالربوبية، ويقول بإباحة المحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم، ويزعم أن ذلك من التواضع والإخبات والتذلّل في المفعول به، وأنه من الفاعل إحدى الشهوات والطيّبات، وأن الله عز وجل لا يحرِّم شيئاً من ذلك.
وتبعه في أقواله جماعة، سمّوا بالنميرية، ذكروا أن منهم: محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات، وهو والد علي بن محمد بن موسى بن الفرات الذي وزّر بعد ذلك للمقتدر العباسي المعاصر لسفارة ابن روح. استوزره عام 299 هـ. وبقي ما يزيد على الثلاث سنين في الوزارة. فمن هذا يظهر كيف تؤيّد السلطات خط الانحراف الداخلي عن الأئمة عليهم السلام.
وعندما اعتُلّ محمد بن نصير النميري العلّة التي توفي فيها قيل له _ وهو مثقل اللسان _: لمن الأمر من بعدك؟! فقال بلسان ضعيف ملجلج : أحمد. فلم يدروا من هو، فافترقوا بعده ثلاث فرق.
قالت فرقة: إنّه أحمد ابنه، وفرقة قالت: هو أحمد بن محمد بن موسى الفرات، وفرقة قالت: إنّه أحمد بن ابي الحسين بن بشر بن يزيد، فتفرّقوا فلا يرجعون إلى شيء.

العدد: ٦٩ / ربيع الأول / ١٤٣٦ هـ : ٢٠١٤/١٢/٢٧ : ٦.٣ K : ٠
: الشيخ خليل رزق
التعليقات:
لا توجد تعليقات.