شرح دعاء الندبة / الحلقة التاسعة والعشرون
شرح دعاء الندبة/ الحلقة التاسعة والعشرون
رابطة إحياء دعاء الندبة
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات هذا الدعاء الشريف، دعاء الندبة، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح الفقرة التالية: (اَيْنَ بَقِيَّةُ اللهِ الَّتي لا تَخْلُو مِنَ الْعِتْرَةِ الْهادِيـَةِ).
لقد ذكر أهل البيت عليهم السلام أنّ الإمام المهدي عليه السلام هو بقية الله للنّاس من ذريّة المصطفى المطهّرين، حيث ذكر الإمام الباقر عليه السلام حديثاً عن الإمام المهدي عليه السلام قال فيه: (القائم منّا منصور بالرعب مؤيّد بالنصر...فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة... وأوّل ما ينطق بهذه الآية: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ)، ثم يقول أنا بقيّة الله في أرضه وخليفته وحجّته).
وقد ذكر الإمام الصادق عليه السلام ذلك أيضاً حينما تحدّث عن الائمة وعددهم بعد رسو الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحقّ بقيّت الله في الأرض وصاحب الزّمان).
وفي الزيارة التي أراد الإمام المهدي عليه السلام أنّ يزار بها إذا أراد أحد المؤمنين زيارته عليه السلام، قال: (السلام عليك يا بقيّة الله في أرضه).
فهذه المقاطع النوريّة والكلمات المضيئة من أهل البيت عليهم السلام بحقّ إمامنا، تصفه بانّه بقيّة الله. انّ هذه العبارة (بقيت الله) المباركة التي نسبت الإمام الى الله سبحانه وتعالى، وانّه هو الغصن الطاهر الوحيد الباقي من تلك الشجرة المباركة، هي تريد أنْ تقول ان الباقي من الله سبحانه وتعالى في الأرض هو هذا الغصن، فمن أراد أنْ يستمسك بشجرة طوبى، وأنْ يصل إلى ثمار تلك الشجرة الطيبة لابدّ أن يتمسك بهذه البقية الباقية، وكأنّ الآية والروايات تريد أنْ تشير الى أنّه في ازمان سبقت كان هناك تمثيل أكبر ووجود أوسع لله سبحانه وتعالى في الأرض، وكان أكثر من غصن، ويمكن للإنسان أنْ يلجأ إلى أي منهم، فيصل الى الله سبحانه وتعالى، والواقع أيضاً يشهد بذلك، ففي زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان الغصن النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجوداً والفاطمي والعلوي والحسني والحسيني، فخمسة اغصان لتلك الشجرة الطيبة موجودة،...
وفي أزمان الائمة عليهم السلام، كان يوجد اكثر من غصن، ففي زمن الباقر عليه السلام كان هو موجوداً والإمام الصادق عليه السلام أيضاً موجوداً، وفي زمان الهادي عليه السلام كان هو موجوداً، وكان في فترة ما، أبوه موجوداً، وهو الجواد عليه السلام، وفي فترة أخرى كان ولده العسكري عليه السلام موجوداً.
طبعاً لا يخفى انه في بعض الفترات كان الباقي من الأئمة شخص واحد ولكن حيث سيولد له مولود فإنه لم يكن وحيداً سوى مهدي آل محمد بعد شهادة أبيه عليهم السلام.
لكنّ الذي يؤسف له انّنا نعيش في زمان لا يعيش فيه إلاّ غصن واحد وهو حجّة الله في أرضه، والأسى الأكبر والأسف الأعظم أنّ هذه البقية الباقية قد غُيّبت، وعشنا فترة من التّيه والحيرة والظُلمة، فنحن لا نستنير اليوم بنور يشعّ من وجوده ولا نرى هذا البدن المباركة بيننا، فنقتبس من آثار رحمته، نعم نحن نعتقد يقيناً بأنّه موجود بيننا ولكنّنا لا نراه، ولا نستأنس بسماع حديثه والقعود في مجلس يحضر فيه، فيا لها من مصيبة عظمى وداهية كُبرى ألمّت بنا.
نعم لقد عوّض الله سبحانه وتعالى من آمن به واستيقن حضوره ووجوده ثواباً عظيماً يفوق ثواب وأجر من عاش في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن لطيف ما نطقت به الآية الكريمة التي سيتحدّث بها إمامن عليه السلام عند ظهوره المبارك، انّها قالت إنّ هذه البقيّة الإلهية وهذا الوجود الربّاني هو خير لكم أيّها الناس من كل وجود آخر، فهو خير لكم من زوجاتكم، وخير لكم من ابنائكم، وخير لكم من أموالكم، وخير لكم من مناصبكم، وخير لكم من مكانتكم الاجتماعية، وخير لكم من كلّ وجود حصلتم عليه وبذلتم الجهد في سبيل نيله، خير من علم العالم، وخير من صلاة المصلّي، وخير من دعاء الدّاعي، وخير من قربات كل قربى، خير من ذلك كلّه بمعزل عنه وعن قربه، هذا إنْ كنّا مؤمنين، فإنّ الآية تقول: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ).
وفعلاً هو امتحان مختصر ولكنّه صعب وايّما صعوبة، هل تجد في نفسك أنّ الإمام الحجّة وبقيّة الله في ارضه ووجوده الإلهي هو خير من كلّ شيء عداه وسواه، فتكون مؤمناً، أم أنّ هناك شيئاً آخر تجده في نفسك هو خير من الإمام عليه السلام؟.
لا يملك الإجابة على هذا السؤال إلاّ من استيقن بما في نفسه، وهو سؤال بعدد نفوس المؤمنين.