لولا الإمام عليه السلام لساخت الأرض بأهلها
لولا الإمام عليه السلام لساخت الأرض بأهلها
محمد الخاقاني
من المعروف لدى الباحثين في لغة الضاد التي نزل بها القرآن وجاءت بها سنّة المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعترته الطاهرة عليهم السلام ونحوها أنّ الجمل والعبارات والمفردات فيها، هي مبانٍ، تعارف أنْ يفيد منها المتلقي عدّة معانٍ، ومثال ذلك:
(لولا)، التي تقول عنها تقريرات المتخصّصين بعلم النحو إنهّا من حروف الشرط، وانّها تدل في ضمن الجملة التي ترد فيها على امتناع شيء لوجود غيره، وذلك ظاهر من مبنى جملتها، وهي أداة الشرط (لو)، اضيفت إليها (لا)، فمعنى جملتها يدلّ على عدميّة وامتناع حدوث ذلك الشيء الذي ما كان ليمتنع حدوثه إلاّ بوجود ما بعد (لولا).
وفي سياق الحديث عن هذه الأداة، هناك في ضمن الروايات التي اثبتتها الكتب الحديثية والروائية رواية جاء في مبناها هذه اللفظة، تقول هذه الرواية عن صادق العترة عليه السلام: (لولا الإمام عليه السلام لساخت الأرض بأهلها).
وإذا ما أردنا أنْ نطبّق أسلوب الشرط في جملة لولا على مثل هذه الرواية الشريفة لكانت محصّلة المعنى:
لولا وجود صاحب العصر والزمان، الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام بين ظهراني أهل الكرة الأرضية _مع غيابه عن معرفتهم وتشخيصهم له_ لحدث ما لا يحمد عقباه، بل لهلكوا جميعاً بذهاب هذا الكوكب، وذلك الهلاك كما حدّدته الرواية الشريف يكون بأنّ هذه الأرض تسيخ بأهلها، وذلك بعد أنْ تميد وتفقد عوامل استقرارها وارتكازها، حيث تزول أوتادها ورواسيها (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَميدَ بِكُمْ)، فتموج ويضطرب مستقرّها، فلا شيء يمسكها ويبقيها في خط سيرها الذي وضعتها فيه اشاءة الله، لتتهيأ لها بذلك أسباب الطمس والزوال، فتسيخ بأهلها. وهو هلاك ما بعده هلاك، وعذاب ليس مثله عذاب، إلاّ ما يراه المستحقّون من صور جهنم وساءت مصيرا.
أعاذنا الله جميعاً من هذا الشر المستطير، بل من كل أمر خطير.
وبتعبير آخر إنّ الحياة على الأرض مرتبطة باستقرارها _أي الأرض_.
وهنا نقول: هل حدث هذا أو مثل هذا لحد الآن؟.
بالتأكيد انّه لم يحدث _والحمد لله_ ولنْ يحدث، إنْ شاء الله، ما دامت بركات الإمام عليه السلام فينا.
وإذا ما رجعنا إلى تطبيق شروط عمل ومعنى (لولا) على هذه المسألة، لعرفنا أنّ من منع هذا الحدثان وهذا البلاء عنّا، هو وجود آخر العترة الطاهرة عليهم السلام، بيننا _نحن أهل الأرض_.
نعم إنّه _أي إمامن عليه السلام_ وجوده طارد للشر، بل انّ فيوضاته هي مقدم الخير، كل الخير، وأنّ نوره عليه السلام دفع للبلاء، بل هو النماء ونشر الرخاء، ووجوده منع النقمة أو زوال النعمة، بل انّ شخصه الكريم هو الرحمة _ولا غرو_ فهو سليل من أكّد فيه كتاب الله القول (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمينَ).
فكأنّ بقاء الإمام عليه السلام فوق سطح هذه المعمورة هو بقاؤها ضمن نظام الكون، وكأنّ بقاءه عليه السلام هو حفظ لهذا النظام، بل هو كذلك بالتأكيد.
أي كما أنّ مشيئة الله تعالى قضت توقّف الحياة على سطح الكرة الأرضية على وجود الماء والشمس والهواء، فإنّ مشيئته _عزّوجل_ قضت أنْ يتوقّف النظام الكوني وجوداً واستمراراً على وجود الحجّة عليه السلام عليها.
وهذه هي المرتبة السامية للإمام الحجّة، والتي هي فرع المرتبة المحمدية، وإحدى مراتب التجلّي المحمدي باعتباره بعض ما اثبته له صلى الله عليه وآله وسلم الوحي (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فيهِمْ).
فبقاء الحجّة عليه السلام بقاء أهل الأرض، وذهابه ذهابهم، ولولا الإمام لساخت الأرض بأهلها.