إمامة الإمام المهدي عليه السلام بين النص والتواتر / حقيقةٌ عقدية قطعية
إمامة الإمام المهدي عليه السلام بين النص والتواتر: حقيقةٌ عقدية قطعية
مرتضى علي
إنّ من أقوى مانمتلكه نحن أتباع مدرسة أهل البيت عليه السلام في مشروعيَّة وحقّانية إمامة الإمام المهدي عليه السلام هو النصُ القطعي الدلالة، والتواتر المفيد للأطمئنان النوعي في نفوس مُحَصِّليه.
وقبل البدء بالبحث لابُدَّ لنا من توضيح مفهوم النص والتواتر اللذين نستند إليهما في تثبيت إمامة الإمام المهدي عليه السلام وحقانيتها.
فالنصّ إصطلاحاً: هو الوسيط اللغوي الذي يُنشِئُه المتكلّم، ويحمل في متنه دلالة يقينية وقطعية تُفيد ماأراد إيصاله إلى المتلقي للنص وبصورة صريحة وجلية لاتقبل التأويل. وهو مانُسميه في علم الأصول بالدليل الشرعي اللفظي.
وأمّا التواتر : فهو إخبار جماعة يمتنع اتفاقهم عقلا على الكذب، كما يمتنع عقلاً أيضا خطؤهم واشتباههم.
والمعروف عن مفهوم التواتر عقلانيا انه من القضايا العقلية الأولية في بداهتها وقطعية نتيجتها المفادية.
وبعد هذا نقول إنّ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد نصّ صراحة وقطعا على إمامة الإمام المهدي عليه السلام وبشكل متواتر ومشهور في المجاميع الروائية.
وأبرز نص ذكره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الخصوص هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم للحسين عليه السلام (إبني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم يملأ الأرض قسطا وعدلا كما مُلِئت ظلما وجورا).
ومن النصوص الصحيحة أيضافي صراحتها ودلالتها القطعية في إمامة الإمام المهدي عليه السلام هو ما رواه الصحابي الجليل الثقة (جابر بن عبد الله الإنصاري رضي الله عنه) حيث قال: لمّا نزل قوله تعالى:
(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَطيعُوا اللَّهَ وَ أَطيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).
قُلتُ: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرفنا الله فأطعناه وعرفناك فأطعناك ,فمَنْ أولوا الأمر الذين أمرنا الله بطاعتهم؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم ( هم خلفائي يا جابر وأولياء الأمر بعدي) وفي نسخة (أئمة المسلمين من بعدي) أوّلهم أخي علي عليه السلام ثُمّ من بعده الحسن عليه السلامولده ثُمّ الحسين عليه السلام ثُمّ علي بن الحسين عليه السلام ثُمّ محمد بن علي، وستدركه يا جابر فإذا أدركته فاقرأه منّي السلام، ثُمّ جعفر بن محمد عليه السلام ثُمّ موسى بن جعفر عليه السلام ثُمّ علي بن موسى الرض عليه السلام ثُمّ محمد بن علي عليه السلام ثُمّ علي بن محمد عليه السلام ثُمّ الحسن بن علي عليه السلام ثُمَّ محمد بن الحسن عليه السلام يملأ الأرض قسطا وعدلا كما مُلِئَت ظلما وجورا).
ومن النصوص الصحيحة أيضاً ما ذكره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً ( إنّ الله اختار من الأيام يوم الجمعة ومن الشهور شهر رمضان ومن الليالي ليلة القدر واختار من الناس الأنبياء واختار من الأنبياء الرسل صلى الله عليه وآله وسلم واختارني من الرسل واختار منّي عليا واختار من علي عليه السلام الحسن عليه السلام والحسين عليه السلام واختار من الحسين عليه السلام الأوصياء وهم تسعة من ولده ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المُبطلين وتأويل الجاهلين).
وقد نصّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام على ولادته عليه السلام وإمامته، فقد أخرج الشيخ الصدوق قدس سره عن أحمد بن الحسن بن إسحاق القمي رضي الله عنه أنه قال: ( لما ولِدَ الخلف الصالح ورد من مولانا أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام على جدّي (أحمد بن إسحاق كتاب وإذا فيه مكتوب بخطّ يده عليه السلام الذي كان يردُّ به التوقيعات عليه: ولِدَ المولود فليكن عندك مستورا وعن جميع الناس مكتوما فإنّا لم نُظِهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته والمولى لولايته أحببنا إعلامك ليسرَّكّ ألله به كما أسرّنا والسلام).
وروى الشيخ الصدوق قدس سره أيضاً: أنّ أحمد بن إسحاق قال: (سمعتُ أبا محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام يقول: الحمدُ لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خَلقا وخُلقا يحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته ثُمَّ يُظهِره فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما مُلِئَت جورا وظلما).
وتحدَّثَ الشيخ المفيد قدس سره في كتابه (الإرشاد) عن وفاة الإمام الحسن العسكري والد الإمام المهدي عليه السلام فقال (وخلَّفَ إبنه المُنتَظَر لدولة الحق وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وشدّة طلب سلطان الزمان له واجتهاده في البحث عن أمره ولما شاع من مذهب الشيعة الإمامية فيه وعُرِفَ من انتظارهم له فلم يُظهِر ولده عليه السلام في حياته ولا عرفه الجمهور بعد وفاته).
وللأمانة فإنّ النص على إمامة الإمام المهدي عليه السلام جاء متواتراً وبشكل قطعيّ الدلالة من كل إمام معصوم قبله عليه السلام ونحن نعتقد أنّ نص الأئمة المعصومين عليه السلام هو دليل شرعي قطعي بحدّ ذاته ويجب التعبّد به في مفاداته العقدية والشرعية، وإخبارات المعصومين عليه السلام هي أيضا تُفيد التواتر القطعي بيقينية إمامة المهدي عليه السلام وذلك لاختلاف أزمانهم وعدم اجتماعهم في وقت واحد ولاستحالة صدور الكذب عنهم وحاشاهم عن ذلك، إنّ ثُنائيّة النص والتواتر تُشكّل قيمة عقلانية وشرعية عالية جداً، لأنّها ترتكز على نقطة محورية وهي عدم اجتماع المُخبرين في وقت واحد واستحالة اتفاقهم على الكذب وانتفاء المصلحة من الكذب عندهم، لاختلاف طبقات وأمصار الناقلين للنصوص المتواترة لفظياً ومعنوياً.
وحتى لو درسنا ثنائية النص والتواتر بطريقة رياضية مادية وفق نظام حساب الاحتمالات فسنصل يقينا لنتيجة قطعية يقينية المفاد والهدف،لأنّ الخبر بحدّ ذاته يُمثِّل قيمة ودرجة في حساب القرائن وتراكمها.
وإذا تصفحنا الروايات الكثيرة يتولّد عندنا اطئمنان رياضي وعلمي بوجود حقيقة دينية وهي إمامة الإمام المهدي عليه السلام وحقانيّتها.