السفارات الكاذبة عن الإمام المهدي عليه السلام / الحلقة الثالثة
السفارات الكاذبة عن الإمام المهدي عليه السلام/ الحلقة الثالثة
الشيخ خليل رزق
ضمن حديثنا في الحلقتين السابقتين عن تاريخ ادّعاء السفارة نبيّن في هذه الحلقة البعض الآخر من المدعين الذين سجلتهم صحف التاريخ بأسطر سود ...... ، ومنهم:
سادسهم _ محمد بن علي الشلمغاني:
المعروف بابن أبي العزاقر أو العزاقري، نسبته إلى شلمغان، وهي قرية بنواحي واسط في العراق.
كان من المحدِّثين، وله مؤلفات كثيرة جمع فيها الأحاديث التي وصلت إليه من أئمة أهل البيت عليهم السلام ولمّا انحرف وتغيَّر، جعل يتلاعب بالأحاديث، ويزيد فيها، ويُنقِص فيها.
ونظراً لاستقامة عقيدته وسلوكه الصالح قبل انحرافه نصّبه الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح وكيلاً عنه عند استتاره من الخليفة المقتدر، وكان الناس يقصدونه ويلقونه في حوائجهم ومهمّاتهم، وكانت تخرج على يده التوقيعات من الإمام المهدي عليه السلام عن طريق ابن روح.
قال الشيخ الطوسي عنه:
(كان وجيهاً عند بني بسطام، لأنّ الحسين بن روح كان جعل له منزلة عند الناس لأنه كان في أول أمره من الشيعة وصنّف كتباً على مذهبهم، ثم ارتدّ فكان عند ارتداده يحكي كل كذب وبلاء وكفر لبني بسطام، ويسند إلى الحسين بن روح فيقبلونه، فبلغ ذلك الحسين بن روح فأنكره وأعظمه ونهى بني بسطام عنه، وأمرهم بلعنه فلم ينتهوا لأنه كان يموّه عليهم بأنني أذعت السر فعوقبت بالإبعاد، فبلغ ذلك الحسين بن روح فكتب إلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه، فأطلعوه عليه فبكى بكاءً شديداً وقال: إنّ لهذا القول باطناً عظيماً وهو أن اللعنة الابعاد فمعنى قوله لعنه الله، باعده عن العذاب والنار، والآن قد عرفني منزلتي ومرّغ خدّيه على التراب وقال: عليكم بالكتمان).
وأما أبرز انحرافاته فهي:
قوله بالحلول والتناسخ، أي: يدّعي أن الله تعالى قد حلّ فيه، ويقول لأتباعه: إن روح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انتقلت إلى محمد بن عثمان (النائب الثاني للإمام المهدي) وأنّ روح أمير المؤمنين عليه السلام انتقلت إلى بدن الشيخ الحسين بن روح، وأن روح فاطمة الزهراء عليها السلام انتقلت إلى أم كلثوم بنت محمد بن عثمان، ويدّعي لأصحابه أنّ هذا سرٌّ عظيم، ينبغي أن يبقى مكتوماً.
وقد ترتّب على بعض هذه العقائد أن أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه، دخلت على أم أبي جعفر بن بسطام، فأعظمتها غاية الإعظام حتى أنها إنكبّت على رجلها تقبّلها، فلما أنكرت ذلك منها، أخبرتها بما قاله لهم العزاقري من العقائد، وأن روح السيدة الزهراء عليها السلام قد تجسّدت فيها، فكيف لا تعظمها وتكبر شأنها؟!
ولم يفد تكذيب أم كلثوم لهذه العقائد، وردعها لتلك المرأة عنها، لما سبق من العزاقري بأنه سر عظيم وقد أخذ عليهم أن لا يكشفونه لأحد.
وحين رأت أم كلثوم ذلك، بادرت إلى أبي القاسم بن روح رضي الله عنه، فأخبرته بالقصة. فقال: يا بنية! إيّاك أن تمضي إلى هذه المرأة بعدما جرى منها ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك ولا رسولاً إن أنفذته إليك، ولا تلقيها بعد قولها. فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد. قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم: بأن الله إتّحد به وحلَّ فيه كما يقول النصارى في المسيح عليه السلام، ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله. قالت: فهجرت بني بسطام، وتركت المضي إليهم...
وشاع هذا الحديث في بني نوبخت، فلم يبق أحد إلا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه، وممن تولاه ورضي بقوله أو كلمه.
ثم ظهر توقيع من صاحب الزمان عليه السلام يلعن أبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني والبراءة منه وممن تابعه وشايعه، ورضي بقوله وأقام على توليه، بعد المعرفة بهذا التوقيع.
وقد خرج التوقيع من الناحية المقدسة إلى الشيخ الحسين بن روح، وفيه يقول الإمام المهدي عليه السلام:
(... إن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني، وهو ممّن عجل الله له النقمة، ولا أمهله، قد ارتدّ عن الإسلام وفارق، وألحَدَ في دين الله، وادّعى ما كفر معه بالخالق _ جل وتعالى _ وافترى كذباً وزوراً، وقال بُهتاناً وإثماً عظيماً، كذب العادلون بالله وضلّوا ضلالاً بعيداً وخسروا خسراناً مبيناً. وإنّا برئنا إلى الله تعالى والى رسوله صلى الله عليه وآله وسلموآله عليهم السلام منه، ولعنّاه، وعليه لعائنُ الله ترى، في الظاهر منّا والباطن، والسرّ والعلن، وفي كل وقت، وعلى كل حال وعلى من شايعه وبايعه، وبلغه هذا القول منّا فأقام على تولّيه بعده.
وأعلمهم _ تولاك الله _ أنّنا في التوقّي والمحاذرة منه، على مثل ما كنّا عليه ممّن تقدّمه من نظرائه من الشريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم. وعادة الله _ جل ثناؤه _ مع ذلك قبله وبعده _ عندنا جميلة وبه نثق، وإياه نستعين، وهو حسبُنا في كل أمورنا ونعم الوكيل).
وقد صدر هذا التوقيع الشريف عام اثني عشر وثلاثمائة، حين كان الشيخ الحسين ابن روح مسجوناً في دار المقتدر العباسي، وبالرغم من ذلك فقد سلَّم الشيخ هذا التوقيع إلى أحد أصحابه، وأمره أن يوزّعه توزيعاً عاماً بين الشيعة، فانتشر ذلك بينهم، واتّفقوا على لعنه والبراءة منه، والابتعاد عنه.
وقد كان للشيخ الحسين بن روح دور كبير في فضح الشلمغاني وكشف حقيقته عند الشيعة، وبذل جهداً كبيراً في إيصال خبر انحرافه إلى الناس.
وعلى أثر ذلك انتشر خبر لعنه بين الناس، وصار حديث المجالس، ولما اشتدّ الأمر على الشلمغاني وأحسّ بالتحدّي والمجابهة من الشيخ ابن روح والمجتمع الموالي له، أراد أن يباهل ابن روح حتى يضع المجتمع أمام حدّ الواقع، وذلك أنه بعد أن اشتهر أمره وتبرّأ منه ابن روح، اجتمع الشلمغاني بجماعة من رؤساء الشيعة في مجلس الوزير ابن مقلة _ وزير الراضي عام 322هـ_ فرأى أن كل فرد منهم يحكي عن الشيخ أبي القاسم لعنه والبراءة منه.
فقال الشلمغاني: اجمعوا بيني وبين الحسين بن روح، حتى آخذ بيده ويأخذ بيدي، فإن لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه فجميع ما قاله فيَّ حق!
ووصل خبر الشلمغاني وانحرافه إلى الراضي _ الحاكم العباسي يومذاك _ فأمر بإلقاء القبض عليه، فاختفى الشلمغاني، وصار ينتقل من بيت إلى بيت، وكان ابن مُقلة _ الوزير _ يبحث عنه حتى وجده فألقى القبض عليه، ووجد عنده رسائل كتبها إليه بعض أتباعه، وخاطبوه فيها بكلمات لا تليق إلاّ بالله تعالى مثل: يا إلهي وسيدي ورازقي.
وأخيراً ساقوه إلى محكمة تشكّلت من الفقهاء والقضاة ورؤساء الجيش، وبعد محاكمات عديدة، اتّفقت كلمتهم على قتله، فضربوه بالسياط، ثم ضربوا عُنقه وأحرقوا جثّته، وألقوا رمادها في نهر دجلة.
سابعهم _ أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان البغدادي:
وهو حفيد عثمان بن سعيد (النائب الأول)، وابن أخ أبي جعفر العمري (السفير الثاني). ادّعى السفارة كذباً وزوراً عن الإمام المهدي عليه السلام. وكان معروفاً بأنه قليل العلم، ضعيف العقل.
وكان له أصحاب، منهم أبو دلف محمد بن المظفر الكاتب الذي ادّعى النيابة لأبي بكر البغدادي فكان يدافع عنه ويفضله على أبي القاسم الحسين بن روح وغيره.
ولمّا لم يكن أبو بكر البغدادي معروفاً لدى الجميع بانحرافه باستثناء عمه أبي جعفر العمري وبعض أصحابه، أراد أبو جعفر أن يفضحه أمام الناس، ويبيّن حقيقة أمره وانحرافه.
لذا يُذكر أن أبا بكر دخل يوماً مجلس عمِّه محمد بن عثمان وكانوا يتذاكرون حول الأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام فقال محمد بن عثمان للحاضرين: أمسِكوا _ أي أُسكتوا _ فإنّ هذا الجائي ليس من أصحابكم.
وحُكي أنه ادّعى الوكالة لليزيدي بالبصرة، فبقي في خدمته مدّة طويلة، وجمع مالاً عظيماً، فسُعي به إلى اليزيدي فقبض عليه وصادره وضربه على أم رأسه حتى نزل الماء في عينيه فمات ضريراً.
ثامنهم _ أبو دُلف الكاتب:
هو محمد بن المظفّر الكاتب الأزدي، ادّعى السفارة كذباً وزوراً، وكان معروفاً بالإلحاد ثم أظهر الغلو ثم جُنَّ وسُلْسِل (أي صار مجنوناً وقُيّد بالسلاسل) ثم صار مفوضاً.
قال الراوي: وما عرفناه قط، إذا حضر في مجلس إلاّ استخف به، ولا عرفته الشيعة إلاّ مدة يسيرة، والجماعة تتبرأ منه وممن يومي إليه وينمس به (أي ينتسب إليه).
وأمّا انحرافاته: فمنها أنه كان من المُخَمِّسة، وهم طائفة من الغُلاة تقول: إن الخمسة _ وهم سلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمّار، وعمرو بن أُمية الضمري _، هم الموكلون بمصالح العالم من قِبل الرّب.
فهذا نبذ يسير عن بعض الذين ادّعوا السفارة والنيابة عن الإمام المهدي عليه السلام. وغيرهم ممن لم نذكرهم، من الذين مثّلوا خط الانحراف وحاولوا الوصول إلى تحقيق أطماعهم الشخصية من خلال الكذب والافتراء.