متابعات شؤون المرجعية الدينية والحوزة العلمية
متابعات شؤون المرجعية الدينية والحوزة العلمية
صفحة تهتم بمتابعة ما يصدر عن المرجعية الدينية (المتمثلة بالنيابة العامة في عصر الغيبة الكبرى) من خطابات اتجاه الأُمّة ومواقف اتّجاه الاحداث وكذلك تنقل أحاديث النقاد والكتاب والادباء حول آراء المرجعية وأفكارها اتّجاه الاحداث.
هيئة التحرير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين، أمّا بعد: فليعلم المقاتلون الأعزّة الذين وفّقهم الله عزّ وجلّ للحضور في ساحات الجهاد وجبهات القتال مع المعتدين:
1_ أنّ الله سبحانه وتعالى ـ كما ندب إلى الجهاد ودعا إليه وجعله دعامةً من دعائم الدين وفضّل المجاهدين على القاعدين ــ فإنّه عزّ اسمه جعل له حدوداً وآداباً أوجبتها الحكمة واقتضتها الفطرة، يلزم تفقهها ومراعاتها، فمن رعاها حق رعايتها أوجب له ما قدّره من فضله، ومن أخلّ بها أحبط من أجره ولم يبلغ به أمله.
2_ فللجهاد آدابٌ عامّة لابدّ من مراعاتها حتى مع غير المسلمين، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يوصي بها أصحابه قبل أن يبعثهم إلى القتال، فقد صـحّ عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: (كان رسول الله – صلّى الله عليه وآله ــ إذا أراد أن يبعث بسريّة دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول سيروا باسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تغلوا، ولا تمثّلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبيّاً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلاّ أن تضطرّوا إليها).
3_ كما أنّ للقتال مع البغاة والمحاربين من المسلمين وأضرابهم أخلاقاً وآداباً أُثرت عن الإمام علي عليه السلام في مثل هذه المواقف، مما جرت عليه سـيرته وأوصى به أصحابه في خطـبه وأقواله، وقد أجمعت الأمّة على الأخذ بها وجعلتها حجّة فيما بينها وبين ربّها، فعليكم بالتأسي به والأخذ بمنهجه، وقد قال عليه السلام في بعض كلامه مؤكّداً لما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حديث الثقـلين والغدير وغيرهما ــ: (انظروا إلى أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى، فإن لَبدُوا فالبدُوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا).
4_ فالله الله في النفوس، فلا يُستحلّن التعرّض لها بغير ما أحلّه الله تعالى في حال من الأحوال، فما أعظم الخطيئة في قتل النفوس البريئة وما أعظم الحسنة بوقايتها وإحيائها، كما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه، وإنّ لقتل النفس البريئة آثاراً خطيرة في هذه الحياة وما بعدها، وقد جاء في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام شدّة احتياطه في حروبه في هــذا الأمر، وقد قـال في عهـده لمالك الأشـتر ــ وقد عُلِمت مكانتـُه عنده ومنزلـتُه لديه ــ : (إيّاك والدماء وسفكها بغير حلّها فإنّه ليس شيء أدعى لنقمة وأعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدّة من سفك الدماء بغير حقّها والله سبحانه مبتدىء بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقويّن سلطانك بسفك دم حرام، فإنّ ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لأنّ فيه قود البدن).
فإن وجدتم حالة مشتبهة تخشون فيها المكيدة بكم، فقدّموا التحذير بالقول أو بالرمي الذي لا يصيب الهدف أو لا يؤدّي إلى الهلاك، معذرةً إلى ربّكم واحتياطاً على النفوس البريئة.
5_ الله الله في حرمات عامّة الناس ممن لم يقاتلوكم، لاسيّما المستضعفين من الشيوخ والولدان والنساء، حتّى إذا كانوا من ذوي المقاتلين لكم، فإنّه لا تحلّ حرمات من قاتلوا غير ما كان معهم من أموالهم.
وقد كان من سيرة أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان ينهى عن التعرّض لبيوت أهل حربه ونسائهم وذراريهم رغم إصرار بعض من كان معه ـــ خاصّة من الخوارج ــ على استباحتها وكان يقول: (حارَبنا الرجال فحاربناهم، فأمّا النساء والذراري فلا سبيل لنا عليهم لأنهن مسلمات وفي دار هجرة، فليس لكم عليهن سبيل، فأمّا ما أجلبوا عليكم واستعانوا به على حربكم وضمّه عسكرهم وحواه فهو لكم، وما كان في دورهم فهو ميراث على فرائض الله تعالى لذراريهم، وليس لكم عليهنّ ولا على الذراري من سبيل).
6_ الله الله في اتهام الناس في دينهم نكاية بهم واستباحة ً لحرماتهم، كما وقع فيه الخوارج في العصر الأول وتبعه في هذا العصر قوم من غير أهل الفقه في الدين، تأثراً بمزاجياتهم وأهوائهم وبرّروه ببعض النصوص التي تشابهت عليهم، فعظم ابتلاء المسلمين بهم.
واعلموا أنّ من شهد الشهادتين كان مسلماً يُعصم دمُه ومالُه وإن وقع في بعض الضلالة وارتكب بعض البدعة، فما كلّ ضلالة بالتي توجب الكفر، ولا كلّ بدعة تؤدي إلى نفي صفة الإسلام عن صاحبها، وربما استوجب المرء القتل بفساد أو قصاص وكان مسلماً.
وقد قال الله سبحانه مخاطباً المجاهدين : (يا أيّها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا، ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا) ، واستفاضت الآثار عن أمير المؤمنين عليه السلام نهيه عن تكفير عامّة أهل حربه ـ كما كان يميل إليه طلائع الخوارج في معسكره ــ بل كان يقول إنهم قوم وقعوا في الشبهة، وإن لم يبرّر ذلك صنيعهم ولم يصح عُذراً لهم في قبيح فعالهم، ففي الأثر المعتبر عن الإمام الصادق عن أبيه عليهما السلام : (أنّ علياً عليه السلام لم يكن ينسب أحداً من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ولكن يقول: هم إخواننا بغوا علينا)، (وكان يقول لأهل حربه : إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم ولم نقاتلهم على التكفير لنا).
7_ وإياكم والتعرّض لغير المسلمين أيّاً كان دينه ومذهبه فإنّهم في كنف المسلمين وأمانهم، فمن تعرّض لحرماتهم كان خائناً غادراً، وإنّ الخيانة والغدر لهي أقبح الأفعال في قضاء الفطرة ودين الله سبحانه، وقد قال عزّ وجلّ في كتابه عن غير المسلمين (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحب المقسطين)، بل لا ينبغي أن يسمح المسلمُ بانتهاك حرُمات غير المسلمين ممّن هم في رعاية المسلمين، بل عليه أن تكون له من الغيرة عليهم مثل ما يكون له على أهله، وقد جاء في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام أنه لما بعث معاوية (سفيان بن عوف من بني غامد) لشن الغارات على أطراف العراق ـ تهويلاً على أهله ـ فأصاب أهل الأنبار من المسلمين وغيرهم، اغتمّ أمير المؤمنين عليه السلام من ذلك غمّاً شديداً، وقال في خطبةٍ له: (وهذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار وقد قتل حسان بن حسان البكري وأزال خيلكم عن مسالحها، ولقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقـُلَبها وقلائدها ورعاثها، ما تمتنع منه إلاّ بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كلم، ولا أريق لهم دم، فلو أنّ امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً).
8_ الله الله في أموال الناس، فإنه لا يحل مال امرئ مسلم لغيره إلاّ بطيب نفسه، فمن استولى على مال غيـره غصـباً فإنّما حاز قطـعة من قطـع النيران، وقد قال الله سبحانه: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً)، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من اقتطع مال مؤمن غصباً بغير حقه لم يزل الله معرضاً عنه ماقتاً لأعماله التي يعملها من البرّ والخير لا يثبتها في حسناته حتى يتوب ويردّ المال الذي أخذه إلى صاحبه).
وجاء في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام أنه نهي أن يُستحّل من أموال من حاربه إلاّ ما وجد معهم وفي عسكرهم، ومن أقام الحجّة على أن ما وجد معهم فهو من ماله أعطى المال إيّاه، ففي الحديث عن مروان بن الحكم قال: (لمّا هَزَمنا عليٌ بالبصرة ردّ على الناس أموالهم من أقام بيّنة أعطاه ومن لم يقم بنيّة أحلفه).
9_ الله الله في الحرمات كلّها، فإيّاكم والتعرّض لها أو انتهاك شيء منها بلسان أو يد، واحذروا أخذ امرئ بذنب غيره، فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، ولا تأخذوا بالظنّة وتشبهوه على أنفسكم بالحزم، فإنّ الحزم احتياط المرء في أمره،والظنة اعتداء على الغير بغير حجّة، ولا يحملّنكم بغض من تكرهونه على تجاوز حرماته كما قال الله سبحانه: (ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).
وقد جاء عـن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في خطبة له في وقعة صفّين في جملة وصاياه: (ولا تمثّلوا بقتيل، وإذا وصلتم إلى رجال القوم فلا تهتكوا ستراً ولا تدخلوا داراً، ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم إلاّ ما وجدتم في عسكرهم، ولا تهيجوا امرأة بأذىً وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم)، وقد ورد أنه عليه السلام في حرب الجمل - وقد انتهت- ووصل إلى دار عظيمة فاستفتح ففُتحت له، فإذا هو بنساءٍ يبكين بفناء الدار، فلمّا نظرن إليه صحن صيحة واحدة وقلن هذا قاتل الأحبّة، فلم يقل شيئاً، وقال بعد ذلك لبعض من كان معه مشيراً إلى حجرات كان فيها بعض رؤوس من حاربه وحرّض عليه كمروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير: (لو قتلت الأحبة لقتلت من في هذه الحجرة).
كما ورد أنه عليه السلام قال في كلام له وقد سمع قوماً من أصحابه كحجر بن عدي وعمرو بن الحمق يسبّون أهل الشام أيّام حربهم بصفين: (إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إيّاهم (اللهم احقن دماءنا ودمائهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتّى يعرف الحقّ من جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به) فقالوا له يا أمير المؤمنين: نقبل عِظتك ونتأدّب بأدبك.
10_ ولا تمنعوا قوماً من حقوقهم وإن أبغضوكم ما لم يقاتلوكم، وقد جاء في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام أنه جعل لأهل الخلاف عليه ما لسـائر المسـلمين ما لم يحـاربوه، ولم يبدأهم بالحرب حتّى يكونوا هم المبتدئين بالاعتداء، فمن ذلك أنّه كان يخطب ذات مرّة بالكوفة فقام بعض الخوارج وأكثروا عليه بقولهم (لا حكم إلاّ لله) فقال: (كلمة حقّ يراد بها باطل، لكم عندنا ثلاث خصال: لا نمنعكم مساجد الله أن تصلّوا فيها، ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدأكم بحربٍ حتى تبدؤونا به).
11_ واعلموا أنّ أكثر من يقاتلكم إنّما وقع في الشبهة بتضليل آخرين، فلا تعينوا هؤلاء المضلّين بما يوجب قوّة الشبهة في أذهان الناس حتّى ينقلبوا أنصاراً لهم، بل ادرؤوها بحسن تصرّفكم ونصحكم وأخذكم بالعدل والصفح في موضعه، وتجنب الظلم والإساءة والعدوان، فإنّ من درأ شبهة عن ذهن امرئ فكأنّه أحياه، ومن أوقع امرأً في شبهة من غير عذر فكأنه قتله.
ولقد كان من سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام عنايتهم برفع الشبهة عمّن يقاتلهم، حتّى إذا لم تُرجَ الاستجابة منهم، معذرة منهم إلى الله، وتربيةً للأمة ورعايةً لعواقب الأمور، ودفعاً للضغائن لاسيّما من الأجيال اللاحقة، وقد جاء في بعض الحديث عن الصادق عليه السلام أنّ الامام عليّاً عليه السلام في يوم البصرة لما صلا الخيول قال لأصحابه: (لا تعجلوا على القوم حتّى أعذر فيما بيني وبين الله وبينهم، فقام إليهم، فقال: يا أهل البصرة هل تجدون عليّ جورة في الحكم؟ قالوا: لا، قال: فحيفاً في قسم ؟ قالوا: لا. قال: فرغبة في دنيا أصبتها لي ولأهل بيتي دونكم فنقمتم عليّ فنكثتم بيعتي ؟ قالوا: لا، قال فأقمت فيكم الحدود وعطّلتها عن غيركم؟ قالوا: لا). وعلى مثل ذلك جرى الإمام الحسين عليه السلام في وقعة كربلاء، فكان معنيّاً بتوضيح الأمور ورفع الشبهات حتّى يحيا من حيّ عن بينّة ويهلك من هلك عن بيّنة، بل لا تجوز محاربة قوم في الإسلام أيّاً كانوا من دون إتمام الحجّة عليهم ورفع شبهة التعسّف والحيف بما أمكن من أذهانهم كما أكّدت على ذلك نصوص الكتاب والسنة.
12_ ولا يظنّن أحدٌ أن في الجور علاجاً لما لا يتعالج بالعدل، فإنّ ذلك ينشأُ عن ملاحظة بعض الوقائع بنظرة عاجلة إليها من غير انتباه إلى عواقب الأمور ونتائجها في المدى المتوسط والبعيد، ولا اطّلاع على سنن الحياة وتاريخ الأمم، حيث ينبّه ذلك على عظيم ما يخلفه الظلم من شحنٍ للنفوس ومشاعر العداء مما يهدّ المجتمع هدّاً، وقد ورد في الأثر: (أنّ من ضاق به العدل فإنّ الظلم به أضيق)، وفي أحداث التاريخ المعاصر عبرةٌ للمتأمل فيها، حيث نهج بعض الحكّام ظلم الناس تثبيتاً لدعائم ملكهم، واضطهدوا مئات الآلاف من الناس، فأتاهم الله سبحانه من حيث لم يحتسبوا حتّى كأنّهم أزالوا ملكهم بأيديهم.
13_ ولئن كان في بعض التثبّت وضبط النفس وإتمام الحجّة ــ رعاية للموازين والقيم النبيلة ــ بعض الخسارة العاجلة أحياناً فإنّه أكثر بركة وأحمد عاقبة وأرجى نتاجاً، وفي سيرة الأئمة من آل البيت عليهم السلام أمثلة كثيرة من هذا المعنى، حتّى إنهم كانوا لا يبدأون أهل حربهم بالقتال حتى يبدأوا هم بالقتال وإن أصابوا بعض أصحابهم، ففي الحديث أنه لما كان يوم الجمل وبرز الناس بعضهم لبعض نادى منادي أمير المؤمنين عليه السلام: (لا يبدأ أحدٌ منكم بقتالٍ حتّى آمركم)، قال بعض أصحابه: فرموا فينا، فقلنا يا أمير المؤمنين: قد رُمينا، فقال: (كفّوا)، ثم رمونا فقتلوا منّا، قلنا يا أمير المؤمنين: قد قتلونا، فقال: (احملوا على بركة الله)، وكذلك فعل الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء.
14_ وكونوا لمن قِبَلكم من الناس حماة ناصحين حتى يأمنوا جانبكم ويعينوكم على عدوّكم، بل أعينوا ضعفاءهم ما استطعتم، فإنّهم إخوانكم وأهاليكم، واشفقوا عليهم فيما تشفقون في مثله على ذويكم، واعلموا أنّكم بعين الله سبحانه، يحصي أفعالكم ويعلم نياتكم ويختبر أحوالكم.
15_ ولا يفوتنكم الاهتمام بصلواتكم المفروضة، فما وفد امرئٌ على الله سبحانه بعمل يكون خيراً من الصلاة، وإنّ الصلاة لهي الأدب الذي يتأدّب الإنسان مع خالقه والتحية التي يؤديها تجاهه، وهي دعامة الدين ومناط قبول الأعمال، وقد خففها الله سبحانه بحسب مقتضيات الخوف والقتال، حتى قد يكتفى في حال الانشغال في طول الوقت بالقتال بالتكـبيرة عن كل ركـعة ولو لم يكن المرء مسـتقبلاً للقبلة كما قال عزّ من قائل: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين، فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً، فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علّمكم ما لم تكونوا تعلمون).
على أنه سبحانه وتعالى أمر المؤمنين بأن يأخذوا حذرهم وأسلحتهم ولا يجتمعوا للصلاة جميعاً بل يتناوبوا فيها حيطةً لهم، وقد ورد في سيرة أمير المؤمنين وصيته بالصلاة لأصحابه، وفي الخبر المعتبر عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة : (يصلّي كل إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه وإن كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال، فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلى ليلة صفّين ـ وهي ليلة الهرير ـ لم تكن صلاتهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء ـ عند وقت كل صلاة ـ إلاّ التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء، فكانت تلك صلاتهم، لم يأمرهم بإعادة الصلاة).
16_ واستعينوا على أنفسكم بكثرة ذكر الله سبحانه وتلاوة كتابه واذكروا لقاءكم به ومنقلبكم إليه، كما كان عليه أمير المؤمنين عليه السلام، وقد ورد أنه بلغ من محافظته على وِرده أنه يُبسط له نطعٌ بين الصفين ليلة الهرير فيصلّي عليه وِرده، والسهام تقع بين يديه وتمر على صماخيه يميناً وشمالاً فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته.
17_ واحرصوا أعانكم الله على أن تعملوا بخُلُق النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم) مع الآخرين في الحرب والسلم جميعاً، حتّى تكونوا للإسلام زيناً ولقيمه مَثَلاً، فإنّ هذا الدين بُنِيَ على ضياء الفطرة وشهادة العقل ورجاحة الأخلاق، ويكفي منبّهاً على ذلك أنه رفع راية التعقل والأخلاق الفاضلة، فهو يرتكز في أصوله على الدعوة إلى التأمل والتفكير في أبعاد هذه الحياة وآفاقها ثم الاعتبار بها والعمل بموجبها كما يرتكز في نظامه التشريعي على إثارة دفائن العقول وقواعد الفطرة، قال الله تعالى: (ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها) وقال أمير المؤمنين عليه السلام : (فبعث ـ الله ـ فيهم رسله وواتر أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّرهم منسيّ نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول)، ولو تفقّه أهل الإسلام وعملوا بتعاليمه لظهرت لهم البركات وعمّ ضياؤها في الآفاق، وإياكم والتشبّث ببعض ما تشابه من الأحداث والنصوص فإنّها لو ردّت إلى الذين يستنبطونه من أهل العلم ــ كما أمر الله سبحانه ــ لعلموا سبيلها ومغزاها.
18_ وإيّاكم والتسرّع في مواقع الحذر فتلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، فإنّ أكثر ما يراهن عليه عدوّكم هو استرسالكم في مواقع الحذر بغير تروٍّ واندفاعكم من غير تحوّط ومهنيّة، واهتموا بتنظيم صفوفكم والتنسيق بين خطواتكم، ولا تتعجّلوا في خطوة ٍ قبل إنضاجها وإحكامها وتوفير أدواتها و مقتضياتها وضمان الثبات عليها والتمسك بنتائجها، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا)، وقال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ)، وكونوا أشدّاء فوق ما تجدونه من أعدائكم فإنكم أولى بالحق منهم، وإن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون، اللهم إلا رجاءً مدخولاً وأماني كاذبة وأوهاماً زائفة كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً، حجبتهم الشبهات بظلمـائها وعميت بصائرهم بأوهامها.
19_ هذا وينبغي لمن قِبَلكم من الناس ممّن يتترس بهم عدوّكم أن يكونوا ناصحين لحماتهم يقدّرون تضحياتهم ويبعدون الأذى عنهم ولا يثيرون الظنة بأنفسهم، فإنّ الله سبحانه لم يجعل لأحدٍ على آخر حقّاً إلاّ وجعل لذاك عليه حقّاً مثله، فلكلٍّ مثل ما عليه بالمعروف.
واعلموا أنكم لا تجدون أنصح من بعضكم لبعض إذا تصافيتم واجتمعتم فيما بينكم بالمعروف حتى وإن اقتضى الصفح والتجاوز عن بعض الأخطاء بل الخطايا وإن كانت جليلة، فمن ظن غريباً أنصح له من أهله وعشيرته وأهل بلده ووالاه من دونهم فقد توهّم، ومن جرّب من الأمور ما جُرّبت من قبل أوجبت له الندامة، وليعلم أن البادئ بالصفح له من الأجر مع أجر صفحه أجر كل ما يتبعه من صفح وخير وسداد، ولن يضيع ذلك عند الله سبحانه، بل يوفيه إيّاه عند الحاجة إليه في ظلمات البرزخ وعرصات القيامة، ومن أعان حامياً من حماة المسلمين أو خلفه في أهله وأعانه على أمر عائلته كان له من الأجر مثل أجر من جاهد.
20_ وعلى الجميع أن يدعوا العصبيات الذميمة ويتمسّكوا بمكارم الأخلاق، فإنّ الله جعل الناس أقواماً وشعوباً ليتعارفوا ويتبادلوا المنافع ويكون بعضهم عوناً للبعض الآخر، فلا تغلبنّكم الأفكار الضيقة والأنانيات الشخصيّة، وقد علمتم ما حلّ بكم وبعامّة المسلمين في سائر بلادهم حتّى أصبحت طاقاتهم وقواهم وأموالهم وثرواتهم تُهدر في ضرب بعضهم لبعض، بدلاً من استثمارها في مجال تطوير العلوم واستنماء النعم وصلاح أحوال الناس، فاتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصّة، أمّا وقد وقعت الفتنة فحاولوا إطفاءها وتجنّبوا إذكاءها واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا، واعلموا أنّ الله إن يعلم في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم، إنّ الله على كلّ شيءٍ قدير.