المحاضرة المهدوية / انتظار الفرج
المحاضرة المهدوية / انتظار الفرج
السيد علي أكبر الحائري
قــدّم السيد لمحاضرته هذه بالدعاء:
(اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظ وقائدًا وناصر و دليلاً و عينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا وهب لنا رأفته ورحمته ودعاءه وخيره وعجّل فرجه وسهل مخرجه).
بعد هذا الدعاء ابتدأ السيد بشرح محاور محاضرته, وكانت:
1. ظلم آل البيت عليهم السلام و الوعد بوراثتهم الأرض.
2. فكرة المهدي لا تختص بالشيعة فقط.
3. ماذا يريد منا الامام عليه السلام؟.
4. كيف يكون الانتظار؟.
5. إنَّ المحب لمن يحب مطيع.
وإليك عزيزي القارئ موجزاً بهذه المحاضرة:
1. ظلم آل البيت عليه السلام و الوعد الإلهي بوراثتهم الأرض:
قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).
ورد في روايات كثيرة عن طريق أهل البيت عليهم السلام تكاد تكون متواترة, إنْ لم نقل بأنها جاوزت حد التواتر, وكلها تدل على تأويل هذه الآية الكريمة بشأن الإمام الحجة عليه السلام, أو بشأن الأئمة الأطهار عليهم السلام عامةً.
حيث أنه على مدى التأريخ كان الحق مظلوماً مهضوماً, وكان أهل الحق يستضعفون في الأرض, فالأنبياء الأطهار عليهم السلام قبل نبين صلى الله عليه وآله وسلم على طول التأريخ وإلى أنْ أكمل الله تعالى دينه بالنبي الأكرم وبرسالته صلى الله عليه وآله وسلم كان الحق الإلهي مستضعفاً, فكم من نبي من أنبياء الله قتل مضطهداً, وكم ظلم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حياته.
بل ماذا صنعوا بعترته الطاهرة عليه السلام, الأئمة الأطهار؛ الواحد تلو الآخر، ظلموا واضطهدوا فهم المستضعفون, وأنَّ الله تبارك وتعالى لابد أنْ ينصرهم, وهذا هو مصداق قوله تعالى (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ.... وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ), فهم الذين سيحكمون الأرض في يوم من الأيام.
وهناك من الروايات التي وردت بهذا الشأن الكثير,سأذكر هنا واحدة منها من باب المثل:
فقد جاء في (الغيبة) للشيخ الطوسي قدس سره:
(عن الحسين ابن محمد القطعي عن على بن حاتم عن محمد بن مروان عن عبيد بن يحيى الثوري عن محمد بن علي بن الحسين (الباقر عليه السلام) عن أبيه (السجاد عليه السلام) عن جده (الامام الحسن عليه السلام) عن علي عليه السلام في قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ). قال عليه السلام: هم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يبعث الله مهديهم بعد جهدهم فيعزهم ويذل عدوهم).
2. فكرة الإمام المهدي عليه السلام لا تختص بالشيعة فقط:
إنَّ فكرة الامام المهدي عليه السلام هي في الحقيقة فكرة أنصار الحق, وإنَّ المهدوية وظهور المنجي في آخر الزمان, كي ينجي البشرية من الظلم والطغيان, فكرة عامة لا تختص بالشيعة,ولا بالمسلمين, بل تعم جميع الأديان السماوية, بل كل البشرية؛ فإنَّ الكل وحتى الملحدين يطمح الى الخلاص من الظلم والظالمين.
يقول السيد الصدر قدس سره _إنّ فكرة الطموح لمجيء المنقذ للبشرية, وإنّ التأريخ البشري سينتهي بإصلاح جميع الأمور, فهذه الفكرة تشمل حتى الملحدين, بل حتى أطغى الناس ماديّة, فأصحاب المادية الجدلية يؤمنون على وجه الإجمال بأنّ المادية الجدلية ستدور وتنتهي الى يوم تتحول فيه البشرية الى حالة العدل والاستقرار, وتنتهي الى إصلاح جميع الأمور_.
وقد جاء دين الاسلام ليؤكد بأن الإسلام سيسود الأرض وسينتصر الحق على الباطل في يوم من الأيام, وأنّ ذلك سيتم على يد الامام الثاني عشر الامام المنتظر عليه السلام.
3. ماذا يريد منا الإمام عليه السلام؟:
لقد جاءت الروايات شبه متواتر ة تلك التي تحث على انتظار الفرج, وانه من أعظم العبادات. فقد ورد في بعض الروايات (انتظار الفرج من أعظم الفرج).
إنَّ الانتظار له مستلزمات وله محتوى, فإنّه بدون محتوى لا قيمة له, أي أنّ مجرد ادعاء الانتظار لا قيمة له, فالمفروض أنْ يكون بمحتواه الحقيقي الصحيح الذي يطمح اليه المؤمنون.
وأول أمره هو أنْ نكثف من علاقتنا وتعاملنا مع الحجة عليه السلام.. فإنه يرانا ويرى أعمالنا, فقد ورد في بعض الروايات أنَّ أعمالنا تعرض عليه في الأسبوع مرتين, ولعل في بعض الروايات لحظة بلحظة, وإنه ليفرح إن كانت أعمالنا خيرّة.
ولكن هل نكتفي بذلك,أي بتوثيق علاقتنا بإمامنا أنْ نذكر ونسبح ونلهج باسمهِ الشريف فحسب؟ أم أنْ يربي كل واحد منا نفسه بل ويهيء نفسه لظهوره الشريف.
إن إمامن عليه السلام يريد منا أنْ نربي أنفسنا في أعمالنا, ونجسد الشريعة في أفعالنا, أخلاقيا وفقهياً وتشريعياً.
أي أنْ نجسد الاسلام في نفوسنا وأفعالنا, في جوارحنا وجوانحنا,إنّ المفروض بنا دائماً وأبداً أنْ نتخلق بأخلاق الإمام الحجة وبأخلاق أجداده الكرام عليهم السلام.
4. كيف يكون الانتظار؟:
إنّ الانتظار لا يعني أن نقبع في بيوتنا ونترك العمل الإسلامي, نترك الدين.. وخدمة الاسلام بدعوى أننا مدعوون للانتظار .. وبدعوى أنَّ الإمام الحجة إذا ظهر هو الذي يصلح الأمور, بمعنى أننا علينا أنْ ننتظر فقط.
إنَّ الانتظار وبمعناه المتقدم هو الانتظار السلبي, وهو معنى منحرف .. لأن المفروض بالإنسان المنتظر أنْ يسهم في توفير المقدمات اللازمة لذلك الأمر الذي ينتظره.
فما هو واجبنا والحالة هذه .. أي حالتنا ونحن ننتظر قدوم الامام الحجة عليه السلام؟.
إنَّ واجبنا والحالة هذه هو أنْ نربي الناس ونهيئ الجو الإسلامي, بل والجو العام لتقبّل رسالة الامام عليه السلام, والتي هي رسالة الاسلام الحقيقية, فما علينا الا أنْ نهيئ الكوادر اللازمة الذين يمكن للإمام الحجة عليه السلام أنْ يعتمد عليهم في مهمته, وذلك اضافةً الى خاصة أصحابه الـ(313).
فإنِّ الإمام عندما يظهر لا يعتمد في إصلاحه على الإعجاز الإلهي .. نعم قد يكون عمله في بعض جوانبه إعجازاً .. الا أنه في الإطار العام يظهر ويكون عمله منوطاً بالأسباب الظاهرية, ومن ذلك أنه يحتاج في مهمته التصحيحية الى جنود من الكوادر المؤمنة وشخصيات مؤمنة مضحية تحمل عقائداً وفكراً قوياً كافياً .. ولكن كم لنا من مثل هذه الكوادر الآن .. وكم يجب ان نجهز مثلهم مستقبلاً؟
وهل علينا _باعتبارنا منتظرين_ أن نعمل ونواصل الجهد بالجهد الحقيقي في سبيل ذلك لتهيئة الجو المناسب لظهور الامام بل تقبّل ظهوره أولاً.
5. إن المحبَّ لمن يحب مطيعُ:
إنَّه بحسب الأحاديث الواردة فإن الإمام سيأتي ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
من هذا المنطلق .. انطلق بعض المفسدين لرأي يقول: ما دام الامام لا يظهر الا بعد أنْ تمتلئ الأرض بالظلم والجور, ومادام الأمر هكذا فما علينا الا أنْ نعمل المنكر وعلى أنْ نكثر من الفساد في الأرض.
وإذا أردنا أنْ نقترب من الامام اقتراباً حقيقياً أنْ نكون أكثر إفساداً وعصياناً, أي أنْ ننحرف ونذنب, وذلك لكي نسرّع بظهور الامام عليه السلام.
إنها حقاً فكرة شيطانية. فكيف نطلب من الناس وحتى الصالحين أنْ ينحرفوا لكي يظهر الامام عليه السلام, ليدافع عن الصالحين, فكيف يظهر دون أرضية صالحة لظهوره .. وفي منطقة ومقر حكمه في القدر الأقل, القدر الواقعي لانطلاق حملة التصحيح والاصلاح.
إنه لابد وأنْ تكون هناك أرضية صالحة, بل ومبنية على قواعد إسلامية مؤمنة.
إذن ما علينا الاّ أن نكون في جناح الصالحين الممهدين لظهور الامام المصلح. وعلينا أنْ نكون في الخط الصالح, ولا ننخرط في الخط الإجرامي المنحرف.
وأخيراُ فقد أختتم السيد محاضرته هذه بالتأكيد على:
أن هدف الامام الحجة عليه السلام هو أن يظهر ويحارب المفسدين, وشياطين الإنس والجن, بل ونبذ كل فكر شيطاني يعيق تحقيق الفكر الإلهي السماوي الرسالي المحمدي.
وما علينا _نحن الذين ننتظر ظهوره المقدس_ الاّ أنْ نعد لذلك ونمهد له _وهو المعنى الإيجابي للانتظار_
وأنْ نسهم بتحقيق أهداف الامام الحجة عليه السلام ورسالته وما يريده, وهو ما ادخره الله تعالى من أجله, بل أنْ ندعوا الله مخلصين أنْ يوفقنا لذلك ويجعلنا من المنتظرين الحقيقيين وجنود الامام المضحين في دولة العدل الإلهي, دولة أئمة العترة الطاهرين.