الهوية المهدوية والمرجعية الفكرية
الهوية المهدوية والمرجعية الفكرية
لطيف عبد النبي يونس
عندما نتأمل في كل فكر فاننا سنجد هناك مرتكزا وأساً يبتنى عليه، وهذا المرتكز ثابت لانّه يشكل أساس النظرية ومحور الفكر، وتتحرك كل التطبيقات على أساس تلك الأسس والمنطلقات. فمثلاً إنّ الأساس الفكري والعقدي للإسلام هو التوحيد، فلذلك رفع الإسلام شعاره الخالد (لا إله إلاّ الله)، وهذا الشعار الخالد أصبح المنهج الذي يتّبعه المسلمون، وبذلك أصبح المسلم في كل زمان ومكان يعرف بهذه الهوية، الهوية الإسلامية، فهناك إتحاد موضوعي بين الهوية للإنسان وفكره، وبين من يمثل هذه المرجعية الفكرية، وأي انفكاك بين هذه الهوية وبين الفكر وبأية صورة سوف يؤدّي إلى خلل كبير يصيب الهوية ويؤدي إلى شلل نفسي ومعرفي يؤدي بالنهاية إلى نوع من الحالة الاضطرابية والضّبابية في الرؤية.
أسس الهوية:
الهوية لا تأتي اعتباطاً وإنّما هي بذاتها تأتي من مجموعة أسس تبنيها وتؤسسها، وبالتالي تصبغها بصبغتها، ولذلك نجد هناك هوية مادية، وهوية دينية، وهوية ماركسية، وهوية ليبرالية، وهوية إسلامية، وتتكثر هذه الهويات بازدياد القيود المفروضة والسمات المفترضة حتى تصل إلى هوية شيعية وهوية سنية وهوية معتزلية.
الأسس التي تبتني عليها الهوية نابعة من نفس الرؤية الكونية التي تتنزل إلى النظرية ومن ثم إلى التطبيق، وعلى أساس هذا سيكون لدينا، هوية دينية إسلامية ونظريتها التوحيد والتطبيق، يمتزجا بها وتسير هذه الهوية جنباً إلى جنب مع الرؤية والنظرية، لأنّها منها وإليها تعود. ولذلك نجد أنّ الفرد الغربي لايختلف شكلاً ولا صورة وإنّما يختلف في الهوية، والاختلاف هو الذي يؤدي إلى جدل حضاري، نعم هناك اختلاف في بعض الأمور من قبيل اللغة لكنّها لاتؤدّي إلى جدل حضاري.
وهذا واضح جدا في زيارة وارث (السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله،السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله،السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وراث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله،السلام عليك يا وارث علي عليهم السلام...).
وهذا الخط الوراثي عامل في كل زمان ولم ينقطع، ويشكل المسلم جزءا منه لايتجزأ، ومن خلاله يحصل مفهوم أكّدت عليه النصوص أيضاً بشكل كبير، ومنها نفس الزيارة وزيارة عاشوراء، وهو مبدأ التولّي والتبرّي المبني على أساس خط الوراثة الإلهية. ومن خلال هذه البرمجة الإلهية تتشكل أيضاً الهوية الحضارية، والهوية الفكرية، والهوية التطبيقية، والهوية الحوارية. ويبني صاحب الهوية كل أفكاره وتحليلاته وتأملاته على هذه البرمجة، ومن غير الممكن أنْ ينسلخ عنها أبداً، نعم قد يخطأ أحياناً في تشخيص بعض الأمور ولكنّه في الإطار العام يتحرك تحت المنظومة الفكرية العامة.
المنتظر بين خط الوراثة وبين الهوية المهدوية الانتظارية:
لايختلف المنتظر عن المسار العام الذي بنيناه آنفاً، فنحن لو تأملنا في خط الوراثة الإلهي نجده كما تمثّل في الإمام الحسين عليهم السلام وآبائه من قبل، كذلك تمثّل اليوم بالإمام المهدي عليهم السلام، فهو الوارث لمقاليد الأنبياء والأوصياء، وهذه الوراثة هي خط فكري عقائدي وثقافي ممتد من حين بزوغ شمس الإسلام وإلى حين بزوغ شمس الإمام المهدي عليهم السلام، فلا تجد في عصر من عصر الإسلام لم يُتحدّث فيها عن الفكرة المهدوية أو الثقافة المهدوية، واستمرت هذه الصيرورة إلى يومنا هذا. فثقافة الانتظار التي تحدّث عنها العلماء والمفكرون والكتاب لم تهدأ، ولم تهن بل هي منظومة تصاعدية، وأصبحت تمثل الصيرورة الحقيقية للمنتظرين، فهي قدرهم وقضاؤهم ويجب أنْ يضحّوا من أجلها بكل غال ونفيس، كذلك أصبحت الثقافة المهدوية التي هي ثقافة الانتظار جزءاً لايتجزأ من الخط الوراثي الإلهي ويدخل فيه العالم والمفكر والأديب والإنسان البسيط، فأصبحت الهوية الحضارية والهوية الفكرية والهوية التطبيقية هي الهوية المهدوية والانتظارية.
منظومة الانتظار:
عندما نقول أنّ هناك منظومة، فإننا نعني بانّ هناك طيفا وألوانا ومحاوراً تتشكل منها ثقافة الانتظار، فهي ليست فقط نصوصاً تمس فقط علامات الظهور، أو علة الغيبة أو اصطلاحات ومفاهيم ربما يفهم منها شيء ويغيب منها أشياء بسبب الظروف الموضوعية أو بسبب قصور الفكر البشري أو أسباب أخرى، بل نجد انّ هناك نصوصاً واضحة وصريحة تمس كل محاور ثقافة الانتظار، مثل كيفية الانتظار وكيفية الدعوة إلى الإمام عليهم السلام الذي يتضمن العمل الذاتي والموضوعي، فهذه أمور لابدّ انْ تكون واضحة لكي يعمل عليها المنتظِر لتتشكل هويته الانتظارية. وتشكل الأدعية والمناجاة والزيارات ومعرفة الإمام عليهم السلام ركنا مهما في هذه المنظومة التي هي كما أسلفنا جزء لايتجزأ من الخط الوراثي الإلهي الذي اصبغ بصبغة المهدوية باعتبار انّ للإمام المهدي عليهم السلام خصوصية أكدت عليها النصوص.
شبهات في طريق الهوية المهدوية:
من خلال الطرح التشكيكي الذي بدأنا نراه في أروقة الفكر الإسلامي عموماً والشيعي خصوصاً، وجدنا فيه خطورة كبيرة على الهوية الفكرية، فمثلاً أخذت بعض التساؤلات تأخذ طريقها إلى الواقع وهو نفس السؤال الذي تردد في القرن الخامس عشر الأوروبي، وهو إنّ ما بين أيدينا من فكر هو الصحيح، ونفسه والذي يريده المعصوم عليهم السلام والذي يريده الله تعالى؟ ومن يقول اننا في أفكارنا وتأملاتنا على صواب؟، وقد وصلت الأمور في التشكيك إلى انّ ما يقوله العلماء والمحققون هو ليس إلاّ فهمهم، وكأنّ فهمهم منفصل عن المرجعية الفكرية العامة، وبالتالي من يقول إنّه صحيح؟ ومن هنا تولدت شبهة وهي (نحن في واد والمعصوم في واد) والفكر الذي بين أيدينا تقريباً شبه مفصول عمّا يريده المعصوم عليهم السلام. ومن الضروري جداً في هذا الخصوص الرجوع إلى ما كتبه الشيخ السند في كتابه (العولمة والحداثة والإرهاب في ميزان النهضة الحسينية) فهو يوضح المدارس الفكرية الغربية ومن ثم يستعرضها بالبحث والنقد ويأتي برأيه الإسلامي. وكذلك نجد السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره في كتابيه (اقتصادنا وفلسفتنا). وهناك فرق بين المنهج العلمي للبحث وبين المنهج التشكيكي، فالعلماء يؤكدون على البحث العلمي لانه منهجهم، وينهون عن الجهل في البحث الذي يؤدي إلى الشك الساري إلى بعض الأمور بما يشكل منهجاً ويؤدي إلى أمور خطيرة. فمن خلال ما بيّناه أعلاه من وجود خط الوراثة، والمنتظر هو جزء لايتجزأ منه، ومن خلال المنظومة الثقافية الشاملة تتشكل الهوية الانتظارية المهدوية، ومنهج التشكيك في هذه القضية له آثار كبيرة.