شرح دعاء الندبة / الحلقة الخامسة والثلاثون
شرح دعاء الندبة/ الحلقة الخامسة والثلاثون
رابطة إحياء دعاء الندبة
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات هذا الدعاء الشريف، دعاء الندبة، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح الفقرة التالية: (أَيْنَ قاصِمُ شَوْكَةِ الْمُعْتَدينَ).
ويقع الكلام فيه ضمن محاور: الأول بيان المعاني ومفردات المقطع، والثاني دلالات المقطع وخطاب الدعاء، والمحور الثالث روايات أهل البيت عليهم السلام تشرح المقطع.
المحور الأول: ورد في هذا المقطع ثلاثة مفاهيم:
المفهوم الأول: هو (القصم)، والقاصم اسم، جمعه (قواصم)، يأتي بعدة معانٍ منها: المحطّم والمهلك والمدمّر والكاسر والقاتل.
قال تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً).
المفهوم الثاني: (شوكة)، والشوك اسم جمعه (أشواك) ويأتي بعدة معانٍ منها: السلاح، القوة، البأس، الشيء الدقيق الصلب، ويأتي أيضاً بمعنى كبح الجماح.
قال تعالى: (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ).
المفهوم الثالث: المعتدون، (معتد) اسم فاعل من اعتدى، وتأتي بمعنى المهاجم والظالم.
قال تعالى: (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ).
قال تعالى: (وَتُخْرِجُونَ فَريقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)
المحور الثاني: دلالات المقطع وخطاب الدعاء
يستفهم الداعي عن محل الذات المهدوية التي تحمل الصفات الإلهية في إزالة شوكة المعتدين.
- فالإمام عليه السلام الذي يسعى الداعي من خلال ترنّمه بهذا المقطع أنْ يقع في قلبه معرفة محله وأين هو، ليرفع ما به وبالأمّة مما نزل بها ولا يزيله إلا هو.
- المهدي عليه السلام مهلك المعتدين وقاتل الظالمين ومحطّم المنافقين ومبيد المشركين ومدمّر الكافرين وكاسر شوكة الباغين، والفاصل بين الحق والباطل عند ظهوره أمام الخلائق أجمعين.
- الداعي يرفع كفّه بالدعاء ليستسقي رحمة الإله في أنْ يظهر المغيّب لأنّ العدوان أصبح شوكةً وجيوشاً ومجاميع وكيانات، وصارت له دول ومنظمات فلا يزيله إلا قاصم الشوكة، إلا من بيده قدرة (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً).
الداعي يرفع كفيه ضارعاً ليناجي بهما في صبيحة أشرف الأيام وسيدها أنْ ينزل قطر ماء الحياة ليكسر قرون العتاة، فقد تمادوا وتكبروا وظهرت قوتهم وبانت شوكتهم وجار عدوانهم، فإذا ظهرت يا ابن الحسن عليه السلام كسرت قرونهم وأذللت جيوشهم وأنزلت بهم المصيبة المهولة والتفرّق المدمّر.
- المهدي عليه السلام قاصم المعتدين، أفراداً وأفكاراً وسلوك، هو من يستفهم عنه الداعي في هذا المقطع ويتمنى ظهوره ويطلب من الله وجوده.
- المهدي عليه السلام قاصم المعتدين أسراً وعوائل ومناطق وعشائر وقبائل وقوميات ودول.
إنّ هذا المقطع الشريف من هذا الدعاء المبارك يرغّبنا أنْ نلتجئ إلى الله سبحانه وتعالى ملحّين عليه أنْ يدلّنا على كاسر قرون المعتدين ومبيد الطغاة الظالمين لنلتجئ إليه في محن دارت رحاها فاختلط حابلها بنابلها فعسر التمييز واشتدت الفتنة.
إنّ هذا المقطع كما ألمحنا لا يقتصر فيه طلب الدعاء من الله على إظهار الإمام المهدي عليه السلام بقوته وقدرته لكي يقضي على الجماعات المعتدية وإنما يشمل أكثر من بعد، فهو دعاء لأنْ يقضي على شوكة الاعتداء التي تنمو في نفوسنا وتكوّن لها قوى تضعف من إرادتنا فتنخر في عزائمنا وتهبط معنوياتنا وتقلل من قدراتنا على السعي في الإصلاح.
إنّه دعاء على الأفكار المنحرفة وعلى السلوكيات المنحرفة وعلى الأفراد المنحرفين وعلى الجماعات المنحرفة فليس هو دعاء للانتقام من أشخاص بأعيانهم أو جماعة بعينها فقط، إنما هو دعاء يطلب القضاء ابتداء من الفكرة والتصور والخاطرة إلى السلوك إلى الأفراد فالجماعات، فكل معتد وكل شوكة اعتداء يشملها مضمون هذا الدعاء.
المحور الثالث: أهل البيت يفسرون المقطع:
ففي دعاء للإمام الرض عليه السلام يدعو لصاحب الأمر عليه السلام: (اللهم أشعب به الصدع وارتق به الفتق وأمت به الجور واظهر به العدل وزين بطول بقائه الأرض وأيّده بالنصر وانصره بالرعب وقوّي ناصريه واخذل خاذليه ودمدم على من نصب له ودمر من غشه واقتل به جبابرة الكفر وعمدته وعمده ودعائمه واقصم به رؤوس الضلالة وشارعة البدع ومميتة السنّة).
فها أنتَ عزيزي القارئ ترى أنّ الحديث الشريف لم يجعل الوظيفة في قصم شوكة المعتدين على الأفراد أو الجماعات، وناظرة إلى الجانب المادي الخارجي فقط، بل هي تعم وتشمل إزالة وقصم كل اعتداء، اعتداء في الدين أو السلوك أو الأفكار أو غيرها.
وفي حديث للإمام زين العابدين عليه السلام يصف فيه أمير المؤمنين عليه السلام أي يصف فيه الإمام عليه السلام فيقول: (...وقاصم المعتدين ومبير المشركين...).