السيستاني (دام ظله الوارف).. وصايا الحشد
متابعات شؤون المرجعية الدينية والحوزة العلمية
صفحة تهتم بمتابعة ما يصدر عن المرجعية الدينية (المتمثلة بالنيابة العامة في عصر الغيبة الكبرى) من خطابات اتجاه الأُمّة ومواقف اتّجاه الاحداث وكذلك تنقل أحاديث النقاد والكتاب والادباء حول آراء المرجعية وأفكارها اتّجاه الاحداث.
تقدم هذه الصفحة المواد دون أنْ تتدخل إلاّ بما يناسب النشر من حذف او تقليص للمادة لأنّ مساحة الصفحة محدودة.
نعم إذا اقتضى التنبيه أو التنويه إلى أمر يُوجب الالتباس فإنّ ذلك سيكون آخر الصفحة
هيئة التحرير
السيستاني(دام ظله الوارف).. وصايا الحشد
الحشد الشعبي الوطني يواجه معركتين شرستين، معركته المصيرية مع داعش وإرهابها، ومعركة الدفاع عن هويته الوطنية التي تتمثل في مواجهته مع شركائه في هذه المعركة الذين يجددون اتهاماتهم له مع كل نصر ومنجز يحققه على الارض، مشككين في تلك المنجزات ومنتقدين لذلك الأداء بدوافع كثيرة ومثيرة للريبة والخوف من نواياهم، متجاهلين الكم الهائل من الشهداء الأبطال الذين وقعوا على الارض أجساداً بلا ارواح، فلم يبلغ الظلم أشده إلاّ مع تلك الفئة التي تطوعت استجابة لنداء الوطن وصراخ المشردين وسبايا المناطق التي احتلتها “داعش” في ليلة بلا ضحاها.
إذ لبّى هؤلاء الفتية الذين آمنوا بوطنهم نداء المرجع الأعلى في النجف الأشرف الذي أدرك خطورة الموقف وحاجة البلد لأبنائه، علماً أنّ إصدار فتاوى من هذا النوع ليس بالأمر الهين على مراجع الدين، لأن الفقيه يتوقف طويلا حد الاستحالة في إصدار فتوى تتعلق بالدماء والأرواح، لذلك لم يتجاوز عدد الفتاوى المتعلقة بالجهاد أصابع اليد على مر التاريخ وربما أقل بكثير من ذلك، إذ لم نشهد على مدى القرن الماضي سوى فتوى ثورة العشرين، وهذه إحدى سمات المدرسة الدينية في النجف الأشرف التي تحسب لمثل هذه الأحكام ألف حساب وحساب.
لكـنّ المـرجع السيستاني(دام ظله الوارف) تـجرّع كأس الحذر المنقوع بالمرارة قبل أن يُقدِم على مـثل تـلك الفـتوى لأنّه أدرك ورأى ما لم يـكن قد رآه سابقاً، بلداً مهدداً بالقتل والتشريد ومقدسات مستهدفة وهوية آيلة للمسخ وغير ذلك من ممـارسات سيـرتكـبها خـفافيش الظلام، مستعيداً مواقف أسلافه الذين أفتوا بمثل هذه الفتوى في التاريخ.
لكن ما حصل من ظلم لهذه الفتوى في وسائل الإعلام ينبئ عن إرادة سيئة ومقصودة حاولت تحريف الدلالات الوطنية والإنسانية لهذه الفتوى التي وقعت ضحية القراءات الخاطئة.
كما تعرضت هذه الفتوى لتقصير كبير من قبل النخب الثـقافية والسياسية والإعلامية في العراق وخارجه في إعادة تـسويقها وإضاءة أهميتها، لأنّ جميع هؤلاء فصلوا بين الفـتوى ومـخرجاتها، فقد وُلِدَت من رحم هـذه الفتوى أصـدق قوة وطـنية للدفاع عن البلد والوقوف بـوجه “داعـش” وهـي قـوة الحشد الشعبي، كما ساهمت هذه الفتوى في إعادة الاعـتبار والهيبة للمؤسسة العسكرية التي انهارت مـعنوياتها ليلة سـقوط المـوصل وما تبعـها من تـداعيات أمـنية، وما هو مـهم في هـذه الفتوى أنها مارست سلطة رقابية على أداء أبنائها الشرعيين من أبطال الحشد الشعبي، إذ لم يترك المرجع السيستاني(دام ظله الوارف) هذا الحشد بدون متابعة وتوجيه، فقد أصدر وثيقة مهمة ملحقة بهذه الفتوى لتقييم الأداء وهي عبارة عن مجموعة قواعد ومدونات و”توجيهات للمقاتلين الأبطال في ساحات الجهاد”.
تُعد هذه الوثيقة بمثابة صمّام أمان يعصمهم من الوقوع في أخطاء المعركة التي لم يسلم منها حتى النمل في جيش النبي سليمان، لأنه أدرك أنّ هذه النخبة المتبرعة بدمائها في سبيل الوطن سوف تتعرض لحملة تشويه من قبل سماسرة الحروب ومشعلي الحرائق الطائفية والمنتفعين منها.
إن إعادة قراءة هذه الوصايا وتفكيكها لا تقل أهمية عن إعادة استذكار الفتوى، لأنّ هذه الوصايا جاءت مكملة لفتوى النصر التي حفظت العراق من الانهيار، لذلك يجب على قيادات قوى الحشد الشعبي أن تشترط على مقاتليها حفظ هذه الوصايا عن ظهر قلب قبل أن تقبلهم في صفوفها.
نـطالع في هـذه الوصـايا وثـيقة تشبه الإعلان العالمي عن حقوق الإنسان، فهي تسـتلهم ذلك مـن روح الإسلام ومـبادئ التسامح وقبول الآخر، “فللجهاد آداب عامة لا بد من مـراعاتها حـتى مـع غـير المسلمين، كما أنّ للقتال مع البغاة من المسلمين وأضرابهم أخلاقاً وآداباً.
من تلك القاعدة ينطلق السيد السيستاني(دام ظله الوارف) في رسم الصورة الوطنية أمام المقاتلين، إذ يوصيهم بالنفوس، فلا يستحلنّ التعرّض لها بغير ما أحلّه الله، فما أعظم الخطيئة في قتل النفوس البريئة وما أعظم الحسنة بوقايتها وإحيائها.
كما يوصيهم بعدم الاستعجال في الهجوم والتأني في رمي الأهداف فإنْ وجدتم حالة مشتبهة تخشون فيها المكيدة بكم، فقدّموا التحذير بالقول أو بالرمي الذي لا يصيب الهدف.
ويستمر التحذير لهؤلاء المقاتلين من قبل المرجع بتأكيد واضح: الله الله في حرمات الناس ممن لم يقاتلوكم، لا سيما المستضعفين من الشيوخ والولدان والنساء، حتى إذا كانوا من ذوي المقاتلين لكم.
كذلك لا يجوز في فتوى السيد السيستاني(دام ظله الوارف) اتهام الناس في دينهم انطلاقاً من المزاجيات والأهواء لأنّ من شهد الشهادتين كان مسلماً يُعصم دمه وماله وإن وقع في بعض الضلالة وارتكب بعض البدع “فما كل ضلالة بالتي توجب الكفر، ولا كل بدعة تؤدي إلى نفي صفة الإسلام عن صاحبها.
بهذه الروح تنطلق فتوى السيد السيستاني(دام ظله الوارف) ووصاياه لتكرس مفهوما جديدا للتسامح وقبول الآخر وعدم فرض الوصايا على أفكار الناس، كما هو سائد في الفكر التكفيري لداعش لأنّ المعركة ليست معركة لوجستية فقط من وجهة نظر المرجع الأعلى، وإنما هي معركة فكر مستنير مع فكر متطرف، مواجهة بين القباب الخضراء ومن تحتها وأصحاب السراويل المتسخة واللحى العفنة التي يختبئ تحت كل شعرة منها مليون شيطان، فالرجل يعي بقوة حيثيات هذه المواجهة الإسلامية/الإسلامية التي يدعيها الطرفان، لأنّ الطرف المنتصر يجب أن يفكر بطريقة السيستاني والاّ سيكون داعشياً بلباس الحشد الشعبي.
جريدة الصباح العراقية 03/06/2015 مجاهد أبو الهيل