البعد التربوي لعدم التوقيت
البعد التربوي لعدم التوقيت
يوسف مدن
لا يجد قارؤوا قضية الانتظار وأحداثها تحديداً زمنياً دقيقاً، أو توقيتاً معينّاً للحوادث المستقبلية المرتبطة بها، بما فيها مسألة الظهور نفسها، فقد أكّدت النصوص جميعها على عدم تحديد زمن بعينه لوقوع الحوادث المستقبلية.
(كذب الوقّاتون.. كذب الوقّاتون.. كذب الوقّاتون).
(كذب الموقّتون، ما وقّتنا فيما مضى، ولا نوقِّت فيما يستقبل).
وفي هذه النصوص بعد تربوي واضح له علاقة بمسألة استمرار الحماس وتدفّقه في النفوس المنتظرة خلال فترة الغيبة الكبرى، فالإسلام جعل قضية الانتظار أمراً حيويّاً يشغل القلوب المؤمنة حتى يوم الخلاص أو (يوم الفتح) كما جاء في دعاء الندبة، فلا يفتر حماسها في الاستعداد والإعداد، لأنّ كل جيل يمر ببعض الحوادث المرتبطة بهذه المسألة يحسب نفسه معنيّاً بالأمر، ويهمّه تحديد الموقف الشرعي اللازم الإيجابي والعبادي، لهذا يظل دائم التربية لنفسه استعداداً لمواجهة الأحداث كي يُحدد لذاته الحركة الإيجابية المطلوبة، ويؤمن لها المصير الصحيح.. دنيا وآخرة.
أمّا لو عرف الناس أنّ موعد الظهور مثلاً بعد ألف عام من الغيبة، وقد مرّ هذا الزمن عليهم فإنّ اليأس سوف يقتل الحماس في النفوس التي تأتي قبل الظهور بتسعمائة عام، لأنّها لن تعيش هذه المدة بالتأكيد، وسوف لن تحظى بلقاء الإمام عليه السلام، كما أنّ النفوس التي تأتي بعد وقوع بعض الحوادث الهامة والمعينة زمنها بدقة، لن تتفاعل مع هذه الحوادث إلاّ كعبر، طالما أنّها أصبحت تاريخاً، ولن يعنيها الأمر، فلا ترقّب، ولا استعداد ولن تؤدّي مسؤوليات فترة الانتظار، فلو (عُيّن لهذا الأمر وقت لقست القلوب ولتراجع عامّة الناس) عن الإيمان، ليس بالإمام المهدي عليه السلام وحده، بل عن الإسلام كلّه، ويذوب معه أمل الخلاص من الظلم.
وفي نص آخر يبيّن أثر التوقيت في إضعاف الحماس وإماتة القلوب المتفاعلة مع أمر الظهور: (ولو قيل لنا إنّ هذا الأمر لا يكون إلاّ إلى مائتي سنة وثلاثمائة سنة ليئست القلوب وقست، ورجعت عامة الناس عن الإيمان).
ومن المؤكّد أنّه بدون التوقيت لمسألة ظهور الإمام عليه السلام على المسرح العام للأحداث، يظل الوجدان حيّاً، مترقّباً، مشغولاً بحماس شديد بمسألة الانتظار، مهموماً بأمورها، ويحسّ كذلك بأن ما ينجيه هو العمل لله مع الاعتراف بعقيدة المهدي عليه السلام والإقرار بولايته على المؤمنين والتفاعل مع هذا المبدأ العقائدي بما يرضي الله تعالى.
وإذا لم يكن الجميع مرتبطين بفكرة الانتظار، فمؤيدوها يملكون وعياً وتجربة وجدانية تجذبهم نحو ممارسة النشاط العبادي في إطار الفكرة، ومتطلعين إلى حركة الإمام التاريخية وكأنها على الأبواب.. بل هي قاب قوسين أو أدنى من ذلك.
وليس بمقدور الفرد المنتظر أن يبقى مترقّباً إذا كان حماسه لهذه القضية الحيوية فاتراً ومعدوماً، ويكون الأمر بخلاف ذلك باختفاء التوقيت، فيؤدي الفرد المنتظر دوره العبادي وتشرئب نفسه بحماس نحو ذلك اليوم.