شرح دعاء العهد- الحلقة السادسة
شرح دعاء العهد- الحلقة السادسة
الشيخ حميد الوائلي
ما زال حديثنا متواصلاً في شرح دعاء العهد المبارك، ويصل الحديث فيه إلى:
الفقرة الرابعة: (وَمُنْزِلَ الْقُرْآنِ الْعَظيمِ، وَرَبَّ الْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبينَ وَالاَْنْبِياءِ وَالْمُرْسَلينَ).
وما زال الحديث فيها متواصلاً عن الآيات الكبرى التي يريد أنْ يقدمها الداعي تمهيداً وطريقاً ومقدمة لأجل أنْ يبين عظم الميثاق والعهد الذي سيوقّعه مع الإمام المهدي عليه السلام عند مبايعته له، فإنّ القارئ لهذا العهد الشريف ابتدأ بأعظم الآيات الكونية عند الله سبحانه وتعالى، ثم ذهب منها إلى كتبه وملائكته المقربين فأنبيائه ورسله، لأجل أنْ يكونوا شهوداً على هذا العقد والتوقيع، ولأجل أنْ يستحضر في نفسه أهمية هذا العقد، فإنّ شخصاً يجعل من هذه الآيات العظام وسائط تبليغ، وشواهد العقد والعهد، وإيصال السلام والمبايعة، ستكون نفس البيعة هذه ذات أهمية قصوى سيدرك حقيقتها الداعي إذا التفت إلى مقامات شهود العقد وأهميتهم.
فلو أنّ شخصا أراد أنْ يخطب امرأة وجاء بعينة القوم شهوداً على العقد، فترى أنّ أحداً لا يسأل عنه لانهم عرّفوه بمن أتى معه، وهنا في هذا العهد الشريف يريد الدعاء أنْ يبين لنا أهمية المبايعة وخطورة التوقيع مع الامام عليه السلام لأنّ شهوده ووسائطه ونقلته هم بهذه المرتبة الجليلة.
ومن جهة أخرى فإنّ العقد بهذه الكيفيات يعكس مقام الإمام ورفعة مكانته، فإنّ هذه الوسائط والشواهد على العقد من ابرز الكواشف على المقام الرفيع والمنزلة السامية له، وهذا يرّتب من جهة أخرى على الإنسان المعاهد والمعاقد آثاراً كبيرة من جهة الالتزام والمخالفة.
كما أنّ هذه الآيات وذوي المقامات يعكسون لنا منزلة العهد والعقد، ويعكسون لنا خصوصية أخرى أيضاً، فإنّ صاحب هذا المقام الشامخ ليس بمقدور كل أحد أنْ يوصل سلامه وبيعته إليه (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) فالبيعة لأجل أنْ تقبل، والعقد لأجل أنْ يمضى يحتاج إلى وسائط تنقله، وشهود توثّقه، وهؤلاء لا يقبلون أنْ يشهدوا لكل احد ويتوسطون لأي كان.
فيا أيّها المؤمن يا من تقصد السلام على الامام عليه السلام ومبايعته ومعاهدته اعلم أنّ هذه البيعة لها شروط وأجواء وشهود لابد أنْ تتهيأ جميع هذه الأمور في ظروفها الخاصة لتقبل، فلابد أنْ تلتفت إلى ذلك وترعاه حق رعايته.
فالملائكة المقربون والأنبياء المرسلون والقرآن العظيم والكتب الأخرى من الزبور والتوراة والإنجيل، هؤلاء الذين جئت بهم لأجل أنْ يكونوا وسائط سلامك وشهودا لبيعتك لإمامك، اعرف مقامهم واعرف مقام إمامك، ثم اجعل لنفسك مقاماً في هذه الروضة، ارفع من نفسك لترتقي فتكون من المقبولين، وأقل درجة يمكن أنْ يكون الإنسان مقبولا منه السلام على الإمام أنْ يكون من المتقين، وليست التقوى كلمة تقال، إنّما هي عقيدة تدخل في الجوانح، ويؤمن بها الإنسان، وفكر ينظّم حياته وسلوك يمارسه، وكل ذلك نظّمته الشريعة وفق ضوابط وحدود وموازين، فلابد من الالتزام بها حتى نتمكن من أنْ يسمع سلامنا ويقبل العقد بيننا وبين الإمام عليه السلام.