المهدي في القرآن
المهدي في القرآن
عز الدين محمد البغدادي
لم يذكر المهدي عليه السلام في القرآن بشكل صريح, لكن وردت آيات، ذكر كثير من أهل التفسير أنها نزلت في المهدي.
من ذلك قول الله عزوجل: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)
وقد ذكر في تفسيرها بأنّ ذلك لا يتحقق الا مستقبلاً,ولمح الى ذلك الرازي فقال: واعلم أنّ ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجة, وقد يكون بالكثرة والوفور, وقد يكون بالغلبة والاستيلاء. ومعلوم أنه تعالى بشر بذلك,و ولا يجوز أن يبشر الا بأمر مستقبل غير حاصل, وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم, فالواجب حمله على الظهور بالغلبة.
وقال ابن جزّي: وإظهاره جعله أعلى الأديان وأقواها, حتى يعمَّ المشارق والمغارب.
كما أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في (سننه) عن جابر رضي الله عنه في قوله تعالى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهوديٌ ولا نصرانيٌ صاحب ملّة إلا الإسلام.
وعن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر الا أدخله كلمة الإسلام إمّا بعز عزيز وإما بذل ذليل. إمّا يعزهم فيجعلهم الله من أهله فيعزوا به, وإمّا يذلهم فيدينون له.
وهناك من ذكر في تأويلها وفي وقت تحققها أكثر من قول, قال ابن الجوزي: ومتى يكون ذلك؟ فيه قولان:
أحدهما: عند نزول عيسى عليه السلام فإنه يتبعه أهل كل دين وتصير الملل واحدة فلا يبقى أهل دين الا دخلوا في الإسلام أو أدوا الجزية.
والثاني: أنه عند خروج المهدي, قال السدي:
وقد ورد في الأثر عن الإمام الباقر أنّ الآية مبشّرة بظهور المهدي في آخر الزمان,وأنه _بتأييد من الله تعالى_ سيظهر دين جدّه صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأديان حتى لا يبقى على وجه الأرض مشرك.
وقد روى القندوزي الحنفي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في تفسير الآية: (والله ما يجيء تأويلها حتى يخرج القائم المهدي عليه السلام، فإذا خرج لم يبق مشرك إلا كره خروجه, ولا يبقى كافر إلا قتل).
ولا شك أن ما ورد في أنها نزلت في المهدي عليه السلام هو لازم لقول من قال من المفسرين إنّ ذلك يحصل في مستقبل الزمن, وإنّ الإسلام يدخل كل بيت، ونحو ذلك.
وفي تفسير قوله عزّ من قتال (لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) قال الطبري: أمّا خزيهم في الدنيا فإنه اذا قام المهدي عليه السلام وفتحت القسطنطينية؛ قتلهم وأسرهم وسباهم, فذلك الخزي.
وحكى القرطبي عن قتادة والسدي: الخزي لهم في الدنيا قيام المهدي عليه السلام, وفتح عمورية ورومية والقسطنطينية وغير ذلك من مدنهم.
وقال الشوكاني: أمّا خزيهم في الدنيا فإنه إذا قام المهدي عليه السلام وفتحت القسطنطينية. وعن مقاتل بن سليمان في قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) قال: هو المهدي عليه السلام في آخر الزمان, وبعد خروجه تكون امارات الساعة وقيامها.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ).
حيث صرح البغوي في تفسيره وكذلك الزمخشري والرازي والقرطبي والنسفي والخازن وتاج الدين الحنفي وأبو حيان وابن كثير وأبو مسعود أنّ الآية بخصوص عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان.
وقال الكنجي الشافعي: وقد قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسرين في تفسير قوله عز وجل (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ) هو المهدي عليه السلام يكون في آخر الزمان,وبعد خروجه يكون قيام الساعة وامارتها.
قال ابن حجر: قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسرين إنّ هذه الآية نزلت في المهدي عليه السلام, وستأتي الأحاديث المصرحة بأنه من أهل البيت عليهم السلام النبوي, وحينئذ ففي الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة وعلي عليهما السلام, وأنّ الله ليخرج منهما كثيراً طيباً, وأنْ يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة ومعادن الرحمة. وسِرُّ ذلك أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعاذ فاطمة عليها السلام وذريتها من الشيطان الرجيم, ودعا لعلي عليه السلام بمثل ذلك. وشرح ذلك كله يعلم بسياق الأحاديث الدالة عليه.
ومثل هذا التصريح تجده عند بعض أهل العلم كالشبلنجي الشافعي والسفاريني الحنبلي والقندوزي الحنفي والشيخ الصبان.
ولا خلاف بين هؤلاء وأولئك، لأن نزول عيسى عليه السلام سيكون مقارناً لظهور المهدي عليه السلام كما في صحيحي البخاري ومسلم وسائر كتب الحديث الأخرى.
وورد في تفسير قوله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) عن الامام ابي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام أنّه قال: (هم أصحاب المهدي عليه السلام في آخر الزمان).
وقال تبارك وتعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
قال الطبرسي قدس سره: فإنّ التمكين في الأرض على الإطلاق لم يتفق فيما مضى، فهو منتظر لأن الله عز اسمهُ لا يخلف وعده.
وروى الحسكاني عن ابن عباس أنها نزلت في آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ومنها قوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ) روي عن أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد من طرق عن أبي عباس أنها بخصوص ما ذكرناه.
وأخرج الطبري عن حذيفة بن اليمان تفسيرها في الجيش الذي يخسف به.
وقال الزمخشري: عن ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في خسف البيداء وذلك أنّ ثمانين ألفا يغزون الكعبة ليخربوها، فإذا دخلوا البيداء خسف بهم (فلا فَوْتَ) فلا يفوتون الله ولا يسبقونه.
قال الشوكاني: وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ) قال : هو جيش السفياني, قيل من أين أخذوا؟ قال: من تحت أقدامم.
وقال الطبرسي قدس سره: وأورده الثعلبي في (تفسيره),وروى أصحابنا في أحاديث المهدي عليه السلام عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام مثله.
وهناك آيات أخرى ذكرت وقيل في تأويلها إنّها نزلت في المهدي عليه السلام.