ثقافة الانقياد المهدوي واثرها الفكري والعملي
ثقافة الانقياد المهدوي واثرها الفكري والعملي
الشيخ حميد الوائلي
تمثل الاستقامة التي تولدها حالة الانقياد المنضبط المخلص الوحيد لتحقيق السعادة الدنيوية والفوز الاخروي.
ولا يخلو فرد خلقه الله تعالى من حالة الانقياد على المستوى الفكري، والعقدي، والسلوكي، وفي جميع المناحي، الاجتماعية، والسياسية، والمالية، والاسرية، والفردية.
وإنّ هوية الانسان تتشكل من خلال حالات الانقياد التي تفرض عليه، وهي امّا هوية فكرية، أو عقائدية، أو سياسية، أو اجتماعية، أو اسرية:
فالفكرية - هي الافكار - وهو _أي الإنسان_ امّا منضبط أو متحلل اما ديني، أو علماني، وهكذا.
امّا العقائدية - فهي العقائد - وهو اما اسلامي أو يهودي أو مسيحي أو بوذي، وهكذا.
وفي الهوية السياسية والاجتماعية والاسرية -فهو ابن فلان- من البلد الفلاني، أو من الطبقة الفلانية، أو من الحزب الفلاني وهكذا.
فمن ينقاد لهم الانسان يشكّلون له هويته.
فإذا كان انقياد الانسان واعياً ومنضبطاً، ومنطلقاً من أسس وقواعد كان مثمراً والا فلا.
اذن فالانقياد: اما واع ومنضبط أو منفلت وغير واع. والانقياد المنضبط والواعي لابد له من معرفة.
وهنا قاعدة علوية، وهي: (أوّل الدين معرفته).
فإذا كان الدين من الله، ولا يتدخل في تكوينه أحد، ومع ذلك فإن أوّل الاشياء فيه المعرفة، فما بالك بالأشياء التي نكوّنها ونتدخل في ايجادها، فلابد أنْ تكون المعرفة أكثر حاجة مضرورة فيها.
اذن ثقافة الانقياد امر لا مفر منه، لكن لابد أنْ نعرف من ننقاد له نظرياً، ونطبّق ذلك الانقياد عملياً.
ملاحظة مهمة:
إنّ الانقياد - هو استقامة، وهو هداية، وهو طلب النجاح، لانّ غير المنقاد لا يقدر على تحصيل هذه الاشياء، فالانقياد يساوي الهداية.
وعلى هذا سنبحث في الهداية بمعنى (الانقياد المهدوي) نظرياً، وعملياً.
حيث قلنا إنّ حقيقة الاتباع هي الهداية، فلابد أنْ نقول إنها لا تنفك عن المهدوية، فحقيقة المهدوية الظاهرة من مجموع ما دلت عليه آثارها هي: (ارجاع الناس واهداؤهم الى الاستقامة التي اريدت لهم من قبل خالقهم، وتحقيق العدل والقسط لهم برفع الظلم عنهم).
البعد النظري:
ودلائله: الفطرة الإنسانية، القرآن الكريم، والسنّة النبوية.
أ. الفطرة الانسانية:
اذ انها باحثة عن القدوة الحسنة التي تهديها، وقد سطّرت مسيرة البشرية آلاف الأنواع المختلفة من الاقتداء، والبحث عن القدوة الحسنة لاجل الاتباع.
فهي تنشد العدل الكامل، والاسوة الهادية، وإنْ لم تعرف انّها مشخصة بالمهدي عليه السلام.
ب. القرآن الكريم:
وهو الآخر أكّد هذه الحالة الفطرية ودعا لها من خلال جملة آيات منها:
- (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدي لِلَّتي هِيَ أَقْوَمُ).
- (هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ).
فعبّر عن هذه الفطرة بـ(الهداية)، وعن تحققها مهدوياً ولو بعد حين بـ(الاظهار).
ج. السنّة النبوية:
وقد جعلت الاقتداء بالمهدي أو قمة الهرم في الوصول الى الهداية المنشودة.
حيث جعلته الامان من الانزلاق وعلى كل المستويات التي تقدمت وعلى طول خط الوجود. وذلك بقرينة القرن بالحبل الإلهي المجعول حرزاً للبشرية وأمناً من انحرافها، كما هو مفاد حديث الثقلين.
هذا كله في البعد النظري... وهو واضح لدينا تماماً، فيبقى الكلام في البعد العلمي، وبشكل مختصر نقول:
البعد العملي:
وهو على شكل خطوات هي:
أولا: لابد أنْ نجعل هذه القضية (قضية الانقياد المهدوي والاهتداء به) أولى الاوليات.
فبقدر ما تجعل وتوجد في نفسك الاهتمام بالامام ينعكس ذلك على سلوكك.
وبمقدار ما يرى منك الامام ذلك فسوف يفيض عليك.
وشواهد ذلك من التاريخ الإسلامي
- قول الامام علي عليه السلام : (ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه وفيه) وهنا اجعل الإمام المهدي عليه السلام قبل كل الأشياء التي تديرها مهما صغرت أو كبرت واجعله بعدها وجعله معها وفيها وستجد حتماً آثار ذلك.
- وفي حديث الامام الرضا عليه السلام : ( هل يعرفون قدر الامامة ومحلها... الامامة هي الدال على الهدى) فالإمام المهدي عليه السلام هو الدال على الهدى.
- ما ورد في الزيارة، حيث نجد من ذلك:
- وجعلكم المسلك الى رضوانه. وهو واضح جداً في دلالته على الهدى بالمهدي.
- من أراد الله بدأ بكم. فإذا كانت البداية بهم فلابد أنْ تكون الهداية على طول الخط منحصرة بالكون.
- اين باب الله الذي منه يؤتى؟ فهو الباب الوحيد الذي يدخله السالكون لطلب هداية رب العالمين.
- قول الامام المهدي عليه السلام-(إنّا نحيط علماً بأنبائكم ... إنّا غير مهملين لمراعاتكم ولاناسين لذكركم).
ثانياً: لابد من المحاسبة الدقيقة للنفس في كل الأوقات، وملاحظة المؤشرات في التقدم او التراجع في هذه العلاقة مع الإمام عليه السلام.
وشاهد ذلك: (حاسبوا انفسكم قبل أنْ تحاسبوا وزنوها...).
ثالثاً: صراع الارادات، وتقديم إرادة الإمام عليه السلام على ارادة نفسه _أي الإنسان_.
ونعيد هنا مقولة امير المؤمنين عليه السلام:
(ما رأيت شيئاً الا ورأيت المهدي قبله وبعده ومعه وفيه).
* أي أنّه قبل العمل، قبل العلم، قبل الاسرة، قبل الافكار، قبل كل شيء يمثل وجودي، لابد أنْ ألحظ الوجود المهدوي. مع إرادتي ورغبتي. وأقدم من وإرادة من تتقدم