وأصبح مؤنساً لصاحب الزمان عليهم السلام
وأصبح مؤنساً لصاحب الزمان عليهم السلام
عارف آل سنبل
لقد شاءت الأقدار أنْ يصبح المتبوع تابعاً، وأنْ يلوذ غائب بغائب، فقد استكملت حلقات الكمال، وبلغت الأدوار الختام، وانكشف سر من أسرار صاحب العمر المديد... وكما قال الإمام الرض عليهم السلام: (وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته، ويصل به وحدته).
ولن يكون الخضر عليهم السلام وحده في هذه المهمة، وإنما سيكون واحداً ضمن مجموعة، فقد قال الإمام الباقر عليهم السلام: (وما بثلاثين من وحشة)، ومن بين هؤلاء الثلاثين الخضر عليهم السلام.
وقفة تأمّل:
نظرة واحدة لركب الحجة المنتظر عليهم السلام يمكن أنْ نرجع منها بكنز معرفي ثمين.
سنشاهد في الركب شخصين عظيمين، يسيران معه، ويأتمران بأمره، وهما بعض جنوده.
لقد عرضت الروايات صوراً سيراها الحاضرون في عصر الظهور، وسيكون في بعضها روح الله عليهم السلام مقتدياً بالإمام المهدي عليهم السلام في صلاته، ومنتظراً لأوامره، وفي بعضها الآخر سترى الخضر عليهم السلام حافاً به، يرفع به الله وحشته.
ولا تعجل على الحكم على ما طرحته بين يديك، وعد إلى الروايات فاقرأها متأملاً.
لقد روى البخاري في (صحيحه) أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كيف أنتم اذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم).
وروي عن حذيفة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فيلتفت المهدي، وقد نزل عيسى عليهم السلام، كأنما يقطر من شعره الماء، فيقول المهدي عليهم السلام: تقدَّم صلِّ بالناس، فيقول عيسى: إنما أقيمت الصلاة لك، فيصلي عيسى عليهم السلام خلف رجل من ولدي، فإذا صليت قام عيسى عليهم السلام حتى جلس في المقام، فيبايعه، فيمكث أربعين سنة).
تأمل _عزيزي القارئ_ في الرواية، وتوقف عند كلمة (فيبايعه)، فإنها تحمل دلالة أوسع مما يصوِّره الاقتداء في الصلاة، انها البيعة، وما البيعة إلا دليل الاتباع والاقتداء.
وأمّا الخضر عليهم السلام فقد تكفلت رواياتنا بالحديث عنه، فنصَّت على كونه مؤنساً للإمام المهدي عليهم السلام، ومؤتمراً بأوامره.
لقد جمعت راية واحدة بين الخضر وعيسى عليهما السلام، وهما يأتمران بآمر واحد، وقد سبق أنْ اجتمع مع موسى عليهم السلام، فلم يستطع معه صبراً... فلقد كلّف كل واحد منهما بأمر يختلف عن الآخر، فذاك ابن عمران عليهم السلام قد كلف بنظام تشريعي، وهذا الخضر عليهم السلام قد كلف بأمر تكويني، فموسى عليهم السلام قد كلف بالظواهر، والخضر عليهم السلام قد كلف بالبواطن.
الباطن والظاهر والتكوين والتشريع خطان متناسقان، يوصلان الإنسان إلى الكمال، ولكل خط رجاله، والمهم في الأمر أنّ رجال الخطين التشريعي والتكويني سيصبحون منقادين لآمر واحد، وهو الإمام المهدي عليهم السلام.
حقّاً لقد طأطأ كل شريف لشرفكم، وحقّاً إنّ الطير لينحدر من قمّتكم كليلاً.
إنّ التفكر في هذه الصورة يكفي الباحث في معرفة عظمة أهل البيت عليهم السلام، ويوقفه على شيء مما حازوه من الشرف.
وسيتضح أنّ الوصول إلى هدف الأنبياء _وهو إقامة العدل في كل شبر من الأرض_ يستلزم هذه القيادة المتعددة الجهات، بحيث ينطوي تحتها الخطان.
وستنفتح نافذة نشرف من خلالها على اهمية البحث عن تفضيل اهل البيت عليهم السلام، وسنرى انه ليس امراً ترفياً، بل هو امر متعلق بالواقع الذي يعيشه الانسان، ويؤمل الخروج منه الى عالم من السعادة والعدالة.
إنّ من دواعي ابقاء شخصية بهذا العمر الطويل ايجاد البرهان الحي على امكانية بقاء الإمام المهدي عليهم السلام مدة طويلة.
فأنت ترى بوضوح وجود عناصر مشتركة بين الشخصيتين، وتجد نقاط التقاء كثيرة بينهما، ويمكن أنْ نشير الى بعضها:
- العمر الطويل.
- الغيبة عن الانظار.
- الظهور لبعض الناس حينما تقتضي المصلحة.
- الغيبة الفجائية عمن يلتقي معه.
- السرية في التحرك والعمل.
- التشابه في بعض الاعمال، كإرشاد الحائر.
وقد اشار الأئمة عليهم السلام الى وجود نوع من التشابه بين الشخصيتين، بل واصبح طول عمر الخضر عليهم السلام دليلاً على عمر الحجة المنتظر عليهم السلام.
فقد روي عن سدير الصيرفي أنه قال: دخلت أنا، والمفضل بن عمر، وأبو بصير، وأبان بن تغلب، على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهم السلام، فرأيناه جالساً على التراب، وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب، مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغير في عارضيه، وأبلى الدمع محجريه، وهو يقول:
سيدي، غيبتك نفت رقادي، وضيّقت عليّ مهادي، وأسرت مني راحة فؤادي.
سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد... إلى أنْ قال: إنّ الله تبارك وتعالى أدار في القائم منا ثلاثة ادارها في ثلاثة من الرسل...
- قدر مولده تقدير مولد موسى عليهم السلام.
- وقدر غيبته تقدير غيبة عيسى عليهم السلام.
- وقدر ابطاءه تقدير ابطاء نوح عليهم السلام.
وجعل من بعد ذلك عمر العبد الصالح _اعني الخضر_ دليلاً على عمره.
من مشاهدات الاولياء:
هناك مشاهدات للأولياء تدل على وجود العلاقة بين الخضر والإمام المهدي عليهم السلام، ومن ذلك ما نقل عن الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني، في علة بناء مسجد جمكران.
فإنه قد حظي بشرف الدعوة والمثول بين يدي الامام المهدي عليهم السلام، وقد نقل ما شاهده، فقال: (لمّا امعنت النظر رأيت اريكة، فرشت عليها فرش حسان، وعليها وسائد حسان.
ورأيت فتى في زيِّ ابن ثلاثين، متكئاً عليها، وبين يديه شيخ، وبيده كتاب يقرؤه عليه، وحوله اكثر من ستين رجلاً، يصلون في تلك البقعة، وعلى بعضهم ثياب بيض، وعلى بعضهم ثياب خضر، وكان ذلك الشيخ هو الخضر عليهم السلام، فأجلسني ذلك الشيخ عليهم السلام، ودعاني الإمام عليهم السلام باسمي...).
ولابن العرندسا قدس سره في هذا المعنى كلام جليل في رائيته المشهورة، فقد قال:
تحُفُّ بهِ الأملاكُ مِن كُلِّ جانِبٍ*ويَقدِمُهُ الإِقبالُ والعِزُّ والنَّصرُ
عوامِلُهُ في الناسِ عينٌ شوارِعٌ*وحاجِبُهُ عيسى وناظِرُهُ الخِضرُ