الإمام المنتظر عليه السلام
الإمام المنتظر عليه السلام
السيد صباح شبر
عندما تأتي الأوامر من قبل الشارع المقدس بالتدبّر في القرآن الكريم فإنما يكون ذلك لسببٍ مهمٍ جدا؛ الا وهو الإيصال الى الهداية والطريق القويم والصراط المستقيم, فعند ملاحظة الكتاب العزيز نجدُ أن جل التركيز انما هو على اصول الدين والقضايا الأولى التي لابد منها ليمكن تصحيح بقية الأعمال التي تأتي عقبها, أعني: التوحيد والنبوّة والعدل والإمامة والمعاد, هذه الأساسيات الأولية التي تكررت الإشارة وتكرر التصريح بها في القرآن الكريم من أوله الى آخره.
رُبَّ آيةٍ قصيرة يستفاد منها علمٌ كثير وفائدةٌ ضخمة فيما يتعلق ببعض هذه الأمور, نأخذ مثالاً على ذلك قوله عزوجل مخاطباً نبيه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ),فالواو هنا (أي في الآية) ولكل قومٍ هادٍ, هذه الواو مهمةً جداً, فقد يُقال كما قيل, والقائل كثيرٌ من مخالفينا إنّ هذه الواو عاطفة ليس الاّ, أي إنّ الآية الكريمة تقول انّما أنت منذر و أنت لكل قوم هاد, فالخطاب في مجمل الآية يكون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, لكن بتدبر قليل ينكشف للإنسان أنْ ليس الأمر على هذه الشاكلة، والدليل واضح, وهو من خلال السؤال: هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هادياً للأمم السابقة؟.
الواضح أنّه لم يكن كذلك, فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يبعث الى عاد ولا الى ثمود ولا الى بني إسرائيل, وإنما جاءت هدايته ونبوته مبتدئةً بزمان بعثته صلى الله عليه وآله وسلم, فإذا قلنا إنّ الواو عاطفة (ولكل قوم هاد) أي أنك هادٍ لكل الأقوام, يكون هذا خلفا وخلافاً للوجدان وخلافاً للحقيقة, إذن هذه الواو ليست عاطفة وإنما لها معنى آخر,وهو إما أن نعتبرها واواً استئنافية أو واواً حاليّة.
(إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ). انتهى هذا الشطر من الكلام, وبدأ كلامٌ جديد (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ),لكل قوم من الأقوام, لكل جماعة من الجماعات هناك هادٍ وإمامٌ يسلك بهم الطريق,ونفس المعنى يكون لو كانت الواو حالية أي والحال أنّ لكل قوم هاديا, لكل جماعة, لكل فئة من الناس على مر العصور والدهور هادٍ من الهداة, إمام من الأئمة, وهذا هو المعنى الصحيح الذي لا مناص ولا محيص عنه, حينئذ نقول نحن قوم من الأقوام الذين كانوا قبل مئة سنة, أو قوم من الأقوام الذين يأتون بعد مئة عام, إذن لابد لهؤلاء جميعاً من هادٍ وإمام كما تقول الآية الكريمة, وبالاستقراء والتتبع لا نجد هناك ادّعاءً لإمام موجود في هذا الزمان والذي قبله والذي يأتي بعده الامام العصر والزمان¨, فإذا لم يكن هناك ادّعاء آخر, وانحصر الأمر فيه عليه السلام فهو إذن الامام المفترض الطاعة في زماننا هذا, وهذا ما يدل عليه الحديث النبوي الشريف الذي نقلته الخاصة والعامة بطرق متواترة...
(اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض), أي مادام الكتاب باقيا فالعترة الهادية باقية, ومادام القرآن يهدي الى سبيل الرشد على مر العصور والدهور, فلابد من وجود إمام من العترة الطاهرة مع القرآن الكريم على مر تلك السنين ليهدي الناس الى الحق, فالقرآن والروايات كلها تتطابق على وجود إمامٍ معصوم في كل زمان ومكان, على الناس إتباعه وليس هو الا الإمام الحجة المنتظر عليه السلام, ولمّا ولد عليه السلام وكان هو الولد الوحيد للإمام الحسن العسكري عليه السلام بقي مع والده عليه السلام خمس سنين أو ستة سنين, ولمّا توفي والده الامام الحادي عشر تولّى هو بأبي وأمي مقاليد الإمامة مستقلاً بأعبائها وكان يديرها عن طريق وكلائه ونوابه الأربعة الذين هم الحسين بن روح و علي السمري وعثمان بن سعيد ومحمد بن عثمان, وكان آخرهم علي السمري, مدة النواب الأربعة التي نعبّر عنها بالغيبة الصغرى تسعاً وستين سنة الى سبعين سنة, ثم خرج توقيع شريف كما نصت بذلك التواريخ والروايات الى علي السمري يقول في مضمونه انّك ميّت ما بينك وبين ستة أيام وقد وقعت الغيبة الكبرى, ثم قال عليه السلام فأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة أحاديثنا أو رواة حديثنا فإنهم حجتي عليهم وأنا حجّة الله
عجّل الله فرجك يا سيدي ومولاي وجعلنا من أتباعك وأنصارك بمحمد وآله الطاهرين.