الفهرس
لتصفح الصحيفة بـ Flsh
لتحميل الصحيفة كـ Pdf
المسار:
صدى المهدي » العدد: ٨١ / ربيع الأول / ١٤٣٧ هـ
مواضيع العدد
العدد: 81 / ربيع الأول / 1437 هـ

الغيبة أقسامها وأسبابها

الغيبة أقسامها وأسبابها

الشيخ عادل الحريري

الغَيبة: يراد بها الاسلوب الذي يتّبعه الإمام عليه السلام لاحتجابه عن الناس، وله صورتان:
الصورة الأولى: وهي الصورة المتعارفة في اذهان الناس والتي تقول: إنّ المهدي يختفي بجسمه عن الأنظار، فهو عليه السلام يرى الناس ولا يرونه _الا في بعض الحالات التي تكون هناك مصلحة في ظهوره على بعض الناس من اجل توجيههم أو انذارهم_.
الصورة الثانية: وهي صورة خفاء العنوان، والتي تقول: إنّ الناس يرون الامام المهدي عليه السلام بشخصه من دون أنْ يكونوا عارفين او ملتفتين لحقيقته.
ويظهر من كلام كبار العلماء، والذي سندوه ببعض الروايات أنّ الصورة الثانية هي الأصح، إذ ورد أنّ الامام عليه السلام يحضر بعض الاماكن، فقد ورد الحديث عن النائب الثاني الشيخ محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه انّه قال: (والله إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سَنة، يرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه).
ولعل السبب في ذلك عدم كشف شخصه عليه السلام.
سبب الغيبة:
لقد علَّل بعض من كتب عن المهدي عليه السلام المخلّص في بيان سبب الغيبة بأنّ الظروف القاسية التي كان يعيشها المجتمع في ظل العباسيين، من قتلٍ ونهبٍ وسجنٍ وإرهاب هي التي دعت الامام المهدي عليه السلام إلى الغيبة.
وذكر البعض مميزاً بين الغيبة الكبرى والصغرى بأنّ الغيبة الصغرى _والتي استمرت حوالي سبعين عاماً_ كان سببها الحكم الظالم في ذلك الوقت.
أمّا الغيبة الكبرى _والتي هي مستمرة الى يومنا هذا، بل الى أن يأذن الله تعالى_ فجاءت لتمحيص الناس وتمييزهم، المؤمن من الكافر من الفاسق الخ...
إنّ التخطيط الالهي اقتضى الغيبة، وبمعنى آخر كانت مشيئة الله سبحانه وتعالى وحكمته أنْ يغيب القائد الأخير عن انظار أمته وجماعته لفترةٍ معينة من الزمن، وهذه الغيبة هي سرٌ من الأسرار الغيبية التي لا يعلمها إلا الله عز وجل ومن ارتضى...
أما السبب الواقعي للغيبة فلا نعلمه، نعم نستفيد ظناً، ولا دليل على ذلك، بأنّه الامتحان والاختبار، وأنْ لا يكون لأحد في عنقه بيعة هي بعض اسباب الغيبة، ولهذا نجد الرواية عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام والتي نقلها عبد الواحد بن محمد الميدايني عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول:
إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها، يرتاب فيها كل مُبطل.
فقلت: ولم جعلت فداك ؟
قال عليه السلام: لأمرٍ لم يؤذن لنا في كشفه.
قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟
قال عليه السلام: وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر-من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى عليه السلام إلا وقت افتراقهما. يا ابن الفضل: إنّ هذا الامر أمرٌ من أمر الله تعالى، وسرٌ من أسراره، وغيبٌ من غيب الله، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله وأقواله كلها حكمة، وإن كان وجهه غير منكشف لنا. (منتخب الأثر): باب 28 ص 271 عن (كمال الدين).
وفي رواية أخرى عن محمد بن محمد بن عصام الكليني نقلاً عن اسحاق بن يعقوب، محمد بن الحسن المهدي عليه السلام، في آخر التوقيع الوارد عن أحمد بن عثمان العمري، يسأله عن هذا الأمر أجاب عليه السلام: (إنّ الله عز وجل يقول: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)). ( سورة المائدة/ آية 101 ).
فاغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تكلفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب الكليني وعلى من اتبع الهدى.
و بالتمعّن بهاتين الروايتين نجد أنّ الامامين عليهما السلام يريدان من أتباعهما ومن السائلين عدم الخوض، وإرجاع ذلك إلى علم الله تعالى وحكمته، بل إنّ الامام الصادق عليه السلام قد ضرب مثالاً توضيحياً عن عدم كشف هذا السر الغيبي، كما انّه لن يكشف سر خرق السفينة وقتل الغلام واقامة الجدار لموسى عليه السلام إلا بعد انقضاء الأجل المضروب من الحكيم (عز وعلا) لهذا الأمر.
وتأكيداً لمسألة الغيبة وأنها من الغيبيات والاسرار حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي دار بينه وبين بعض الصحابة.
فإذا كانت الغيبة مخططاً لها منذ زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي سرُّ من اسرار الله تعالى، فلماذا تنقسم الى صغرى وكبرى؟!
نقول: إنّ الغيبة الصغرى تعبّر عن المرحلة الاولى من إمامة المهدي عليه السلام، فقد قدّر لهذا الامام _كما يرى بعض الكتاب المعاصرين_ أنْ يستتر عن المسرح العام ويظل بعيداً باسمه عن الأحداث وإن كان قريباً منها بقلبه وعقله.
والغيبة الكبرى من دون الصغرى تكون صدمة كبيرة للقواعد الشعبية في الامة الاسلامية، لأنّ هذه القواعد اعتادت أن تكون متصلة دائماً بقيادتها الشرعية والرجوع لها في كل الأمور، وهذا يعني أن الغيبة الكبرى من دون الصغرى فراغ دفعي هائل يعصف بالكيان الشعبي.
فكان لا بد من التمهيد لهذه الغيبة الكبرى لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج، وتكيّف نفسها شيئاً فشيئاً على أساسها، كان هذا التمهيد هو عبارة عن الغيبة الصغرى والتي اختفى بها الامام المهدي عليه السلام عن المسرح العام، غير أنه كان دائم الصلة بقواعده الشعبية، وذلك عن طريق وكلائه ونوابه الثقات من أصحابه الذين يشكلون همزة الوصل بينه وبين الناس المؤمنين بخطه الامامي.
وقد ناب عن الامام عليه السلام في غيبته الصغرى اربعة ممن اجمعت تلك القواعد الشعبية على تقواهم وورعهم ونزاهتهم التي عاشوا ضمنها.
وكانوا على الترتيب، فإذا مات احدهم خلفه الآخر بأمر من الامام المهدي عليه السلام، وكما يلي:
1- عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه.
2- محمد بن عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه.
3- ابو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه.
4- ابو الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه.
وهؤلاء النواب كانوا همزة الوصل بين الناس والامام المهدي عليه السلام، فكانوا يحملون اسئلة ومشاكل الناس إلى الامام ويحملون الأجوبة والحلول من الامام إلى الناس، ولقد وجدت القواعد الشعبية بهذه النيابة العزاء والسلوة عن فقدهم الامام مباشرة، وكانوا يلاحظون توقيعات الامام عليه السلام وخط يده منذ اول نائب وحتى الأخير، واستمرت هذه الغيبة الصغرى حوالي سبعين عاماً وكان السمري رضي الله عنه هو آخر النواب، حيث أعلن عن قرب أجله بما أخبره الإمام من بدء مرحلة الغيبة الكبرى وانتهاء مرحلة الغيبة الصغرى، وكان ذلك عام 329 هـ، وكان عمر الإمام المهدي عليه السلام آنذاك اربعاً وسبعين عاماً قضى منها اربع سنين ونصف العام مع والده وتسعة وستين عاماً ونصف العام في غيبته الصغرى وكان آخر حديث له: (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجتي عليكم، وانا حجة الله عليهم...).
وتميزت الغيبة الكبرى عن الصغرى أنْ لا أشخاص معيّنون بالذات للوساطة بين الامام عليه السلام القائد وشعبه.
فتبين مما تقدم أنّ الغيبة الصغرى كانت مهمتها تحصين الامة تدريجياً عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل الذي يسببه غياب الامام عليه السلام القائد.

العدد: ٨١ / ربيع الأول / ١٤٣٧ هـ : ٢٠١٥/١٢/٢٠ : ٤.٦ K : ٠
: الشيخ عادل الحريري
التعليقات:
لا توجد تعليقات.