تمهيدنا: التسطيح الفكري
تمهيدنا: التسطيح الفكري
تمتلك بعض القضايا مخزوناً فكرياً ناضجاً يؤهّلها لقيادة وزعامة الأفكار الأخرى، الا أنها تواجه وعلى مستوى الخطاب والتنظير أزمةً في آليات التصدير, ونشاهد في عرصات الفكر والثقافة كثير من الأفكار السطحية الطافية على السطح، لأنّ الراغبين فيها أحسنوا إدارة تسويقها فباتت يتلقفها الجمهور ويبحث عنها في أروقة الثقافة والمعرفة، وسعى منظّروها الى اختراع مبادئ لها، تحاشياً من صدمة من تجذبه هذه الأفكار بواقعها الفارغ، وأنّها عديمة الأساس والرصانة.
فيما على العكس تماماً يجدُ بعضنا أفكاراً أُخرى تمتلك الرصانة والمكانة الإيمانية الكبيرة والشمولية والاستيعابية والأصول المتجذّرة والأُسس الصلبة, إلا انهُ _ومما يؤسف له_ انّها لم تقع غالباً بأيدٍ مثقفة ومفكرة تُحسن تصديرها للآخر، مما أدى الى انكماشها وانزوائها وغربتها عن عالم المعرفة والفكر, بل لا نبالغ اذا قلنا أصبح الحديث عن بعض زواياها مستهجناً في منتديات الثقافة والأدب, بل يخجل من يريد الحديث عنها لما سيسمع من تنابُـز بالرجعية والانطوائية والانغلاق والتحجّر.
ومن بين بعض هذه القضايا زوايا في عقيدة الإمام المهدي والمخلّص المنتظر عليه السلام, والزاوية الأبرز فيها علامات الظهور، والتطبيق المنفلت المستعجل.
فهذه المفردة كثيرة الدوران في معرض السؤال والجواب بل ربما تطغى في بعض الأحيان على أصل القضية ومبادئها, لا لشيءٍ الا لما نراه من تسطيح لهذه المفردة وجمود على بعض زواياها , واستغلال من بعض آخر للترويج والانتفاع.
فأي حدثٍ يمرُ على المؤمنين تراهم يسارعون في السؤال عن كونه علامة أو لا, ومقدار قربه ومدخليته في الخلاص, متناسين أنه ربما يكون الخلاص بالخلاص منهم، وأنْ تكون الثورة العالمية المنتظرة من بين وقودها هم، هؤلاء الذين لم يشغلوا أنفسهم سوى بهذه الجزئيات البسيطة والتي لا تؤثر في الأمر كثيراً _وإنْ كانت لها الأهمية إذا أُخذت العقيدة بشكل تراتبيٍ وروعي فيها أولوياتُ فصولها وأجزائها-.
فلو أنّ هؤلاء الذين يدّعون الحرص والإيمان _والذين وصفتهم الروايات بالمستعجلين الهلكى_ شغلوا أنفسهم، ولو قليلاً بتهذيبها واتباع قوانين الشريعة المقدسة، والوقوف عند حرامها والتزام حلالها وواجبها, ونمّوا أفكارهم باطروحاتٍ ثقافية وعقائدية رصينة تفتحُ نوافذ عقولهم على كونية هذه العقيدة وأهميتها في الدين، ودورها في خلاص العالم من الظلم والاستبداد, وكانوا _بتربية أنفسهم_ جنوداً لهذه العقيدة، يروّجون لها بسلوكهم قبل أفكارهم, لكان الحال مختلفاً عمّا نراه اليوم جزماً، وإنْ كان الأمر غير ذلك فلا يعدو أنْ يكون سعيداً لتسطيح الفكر، والسعي وراء الفكر المسطّح.
رئيس التحرير