أصالة قضية المهدي عليه السلام في الإسلام
أصالة قضية المهدي عليه السلام في الإسلام
السيد محمد الشوكي
إنّ عقيدة الإمام المهدي عليه السلام وخروجه آخر الزمان وإقامته للدولة الكريمة, وأنه من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسألة أصيلة في الفكر الإسلامي, وعقيدة عامة عند جميع المسلمين على مر العصور, ولم يختص بها الشيعة في زمن من الأزمنة, نعم ربما تكون أكثر فاعلية في المجتمع الشيعي, ولها رونق خاص في أوساطهم أكثر من بقية المسلمين, وذلك أمر آخر.
فكون الشيعة يعتقدون أنّ المهدي عليه السلام هو أحد أئمتهم المعصومين عليهم السلام, وأنه ولد في القرن الثالث الهجري, وما يزال حياً غائباً يعلم بهمومهم, ويرعاهم بلطفه, وينظر إليهم بعين عنايته, وهم ينتفعون بوجوده كما ينتفعون بالشمس اذا حجبها السحاب، على حد تعبير الحديث الشريف, كل ذلك جعل مسألة الإمام المهدي عليه السلام أكثر حيوية وفاعلية في المجتمع الشيعي, مما جعلهم _أي الشيعة_ يرتبطون به وبقضيته أكثر من غيرهم, لأنهم يتعاملون مع إمام حي موجود, وهذا بحد ذاته يمثل امتيازاً كبيراً للمذهب الشيعي، لا يوجد عند الآخرين.
أمّا أهل السنّة، فلكونهم لا يعتقدون على نحو العموم بالتفاصيل التي يعتقد بها الشيعة بالنسبة إليه, من كونه أحد الأئمة المعصومين, ومن ولادته وحياته كل هذه السنين, ومن كونه يمتلك موقعاً وتأثيراً في الوجود, كل ذلك لم يجعل قضية المهدي عليه السلام تمتلك نفس الحضور الفاعل في ساحاتهم كما عند الشيعة.
ولكن هذا لا يعني أنّ هذه المسألة من مختصات الشيعة أو من مبتدعاتهم, وإنما هي مسألة إسلامية أصيلة اتفق عليها المسلمون على مختلف مشاربهم.
وقضية المصلح العالمي ليست قضية تناولتها المصادر الاسلامية فقط, وإنما ظلت عقيدة المنقذ الذي يقوم في آخر الزمان ويقيم دولة الحق التي تسعد بها البشرية بعد شقائها, وتزول فيها كل عوامل الخوف والظلم, تستأثر باهتمام أبناء البشر على مر العصور, تداولها الناس جيلاً بعد جيل, وتناقلتها الكتب على اختلافها, وبشرت بها الشرائع على تنوعها.
وعندما نرجع الى كتب العهدين نرى حضور هذه الفكرة بشكل ملموس فيها, ونشاهد فيها تفاصيل كثيرة تكاد تتطابق مع الكثير من الأحاديث الاسلامية الواردة في هذا المجال, وكذلك ورد ذكر المصلح الكبير الذي يظهر آخر الزمان ويخلّص الناس من شقائهم، في كتب الهنود والصينيين والإيرانيين القدماء وغيرهم.
وقد يرى بعض الباحثين أنّ ذلك اختلاق من الناس عندما يتعرّضون لظروف اجتماعية عصيبة, ويمرون بأزمات حادة, حيث يحاولون الهروب من المشاكل التي تحيط بهم, والتخفيف من ألمهم فيعتقدون بانتظار مخلّص يخلّصهم من واقعهم المر.
والحقيقة أنّ هذا رأي غير دقيق, فصحيح أنّ الشعور بالمنقذ العالمي والاهتمام به يزداد عندما يتعرّض الناس لهزات عنيفة, ولمشاكل عويصة, ولكن هذا لا يدل على خرافة هذا التصور واختلاقه, فإنّ ذلك أمر مغروس في النفس أولاً, ووعدت به الرسالات السماوية المختلفة ثانياً.
فهناك طموح مغروس في فطرة الانسان يشدّه نحو الكمال والسعادة.
وهناك باعث فطري يدفعه نحو المزيد من التكامل والتطور المادي والمعنوي.
وهذه غريزة من غرائز النوع البشري, ولولاها لما تطور الإنسان على مر التأريخ ووصل الى ما وصل إليه الآن, ولظل رهين حياته البدائية الأولى.
ولم يجعل الله تبارك وتعالى غريزة في الانسان الا وجعل لها ما يكرّسها.
فلابدّ يوماً أنْ يصدق هذا الطموح ويصل الانسان إلى كماله المنشود, ويتحقق ما كان يأمل به على مر العصور. وهذا من المؤشرات الفطرية الواضحة على اليوم الموعود, ودولة آخر الزمان, وهو الذي ألهم الكثير من الأدباء والفلاسفة إلى الإيمان بقيام مجتمع انساني مثالي تنعدم فيه كل دواعي الشقاء, وتسوده السعادة والإخاء.
فقد كتب أفلاطون (الجمهورية), وكتب الفارابي (المدينة الفاضلة), وكتب بيكون (اتلانتا الجديدة), وعند كامبانلا في كتابه (مدينة الشمس) الذي يتطلع فيه إلى المدينة الهادئة الهانئة, التي لا تعرف الظلم ولا الاضطهاد ولا التفاوت الطبقي الفاحش. وأيضاً عند توماس مور في كتابه (يوتوبيا), وهكذا ألف سنت آغوستين (مدينة الله) على هذا المنوال أيضاً.
وهكذا عندما نراجع كلمات الفلاسفة والمفكرين الغربيين نجد فيها لمسات واضحة عن هذا الطموح الإنساني.
يقول برتراند راسل : (إنّ العالم بانتظار مصلح يوحّد العالم تحت علم واحد, وشعار واحد).
ويقول ألبرت انشتاين: (إنّ اليوم الذي سيسود العالم كله الصفاء والصلح ويكون الناس متحابين ليس ببعيد).
وغير ذلك من كلمات العلماء والفلاسفة والأدباء التي لا مجال لاستقصائها هنا, وهي تنبئك بوضوح عن تلك الرؤية وذلك الأمل والطموح الإنساني الذي يحمله جميع الناس على اختلاف طبقاتهم, بل إن هذا الشعور الفطري دفع حتى أشد المنكرين للغيب والغيبيات بوجود يوم موعود تتحقق فيه سعادة الإنسان, كما نقرأ ذلك في الفكر الماركسي الإلحادي الذي آمن بالشيوعية مرحلة أخيرة للتاريخ، حيث سيسود الأمن والرفاه والسعادة. بسبب ما يراه أصحاب هذا الفكر.