التفعيلة تصدح بالانتظار / الحلقة الخامسة
التفعيلة تصدح بالانتظار/ الحلقة الخامسة
محمد الخاقاني
لم يقتصر تصريح الشعراء بما يكنونه عن شمس الهداية المهدوية بالشعر العمودي (التقليدي) بل ابدعوا كذلك بالشعر الحر لتصدح (التفعيلة) مزهوة بالانتظار
- غريب الانتظار -
للشاعر حسين كاظم الخليفة **
في خضمَّ الترَّهبُنِ بين المحاريب والأقبيهْ
في لزوم الصوامِع دَهراً
في ارتداءِ المهانةِ زهداً
في انتظارٍ يعزّزُ سطوَ الطغاةْ
يصادرُ حريّةَ المؤمنينْ
يسلبُ أرزاقهم , كلَّ ثرواتِهمْ
يصيّرُ أرواحَهم في أيادي العلوجْ
بزغتْ في خضمِّ الترهبن شمسُ الغريبْ
جاء يَقلبُ متقلَّبَ الضعفِ والمسكنهْ
حاملاً عزّ إسلامه
كانِساً ذِلّةً منَتِنَهْ
طائفاً في الديار يردّد انشودةً
لانتظارٍ عجيبْ
لانتظارٍ يعيدُ العلوَّ الإلهيَّ
من سمةِ الالتزامْ
يذيقُ الملاييَن طعمَ التديّنِ حلواً
يملكون البلادَ .. الجبالَ .. المنابعَ
ثرواتهم والسهولْ
فيدفعهم شوقهم لانتظارِ الإمامْ
يُعِدّون ما استطاعوا من قوةٍ
ورباطِ الخيولْ
تجليات الانتظار في القصيدة :
يبدو الشاعر في قصيدته هذه ثائراً رافضاً لواقعه, أو ما اعتاد عليه المسلمون من حالة الضعف والمسكنة, والتقوقع في أقبيتهم, يتعبّدون فقط, وفقط يتعبّدون, وكأنّ الدين هو العبادة, بمعناها الشكلي الميكانيكي هذا, مبنيّة على حركات وسكنات مكمّلة بتمتماتٍ، على المرء أنْ يقوم بها يتثبت أنه متعبّد, متناسياً أنّ التعبد هو الطاعة التامة, تلك الطاعة التي تكتمل بها إنسانية الإنسان فتتمّ منزلته وترقى, حيث لاشيء أرقى ولا أكمل إلاّ الحق المطلق, من برأ البشر, وفرض عليهم بخلقهم أنهم يعبدون, (في خضمّ الترهبن بين المحاريب والأقبية) و(في لزوم الصوامع دهراً).
ويوضّح الشاعر كيف أنّ أولئك المسلمين قد اكتفوا من دنياهم بالعيش, ولكن كيف هو هذا العيش, انه عيش مليء ذلاً ومهانة, وقد كرّسوا حياتهم ضعفاً يعزز سطو الظالمين, ويهتك حرية المؤمنين ويخرج أمرهم من أياديهم, ويأخذ حق المبادأة منهم ليضعه في أيدي الكفار المارقين (في انتظار يعزز سطو الطغاة) و (يصادر حرية المؤمنين) و (يسلب أرواحهم في أيادي العلوج).
إنّه الشاعر هنا ثائر يحدوه الأمل, ولا يحيد عنه, فهو موقن أنّ هذا الحال لن يدوم, فقد بدأ المسلمون وهم في بحر متلاطم بالظلم والجور في كل مناحي الحياة وقد زوّدت شمس الانتظار, أولئك المحبين لإمامهم بطاقة فانقلبوا بانتظار حقيق جديد, رافضين ذلهم, ينشدون رفعتهم وعزّتهم, بانتظار يجتثّ تلك الذلّة, انتظار منتهى خط الطريق، فيه عزّة الإسلام ورفعته (جاء يقلّب منقلب الضعف والمسكنة) و(حاملاً عزّ إسلامه) و(كانساً ذلّةً منتنهْ).
يعبّر الشاعر عن هذا الانتظار, ولاشك أنّه يقصد به الانتظار الإيجابي الذي يكون فاعلاً يؤدي الى أنْ يظهر الإسلام على الدين كلّه, فيعيد الحق المهتضم الى أهله (لانتظار يعيد العلّو الإلهي) و(يذيق الملايين طعم التدّين حلواً) و(ويملكون البلاد.. الجبال.. المنابع) و(ثرواتهم والسهول).
إنّه انتظار عملي عامل مملوء قوّة واستعداداً, نشط, كلّه شوق لقدوم الإمام (فيدفعهم شوقهم لانتظار الإمام) و(يعدّون ما استطاعوا من قوّة) و(رباط الخيل).
يخلص الشاعر من سطور قصيدته الى انتظار ايجابي, وذلك لكي يكون الانتهاء تغيير الحال الى أحسن المآل, وأنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّر ما بأنفسهم, فالأمور مرهونة بأسبابها.
* هو الشاعر السيد حسين بن السيد كاظم بن السيد محمد علي الخليفة.
ولد سنة 1387هـ. وهو احسائي مقيم في سيهات.
له نتاجات أدبية مثل: (مصطفى جمال الدين شاعراً) (لساناً وشفتين) مجموعة شعرية (تحته كنز لهما) مجموعة شعرية.