(٢٧٢) هل أن القضية المهدوية خاضعة للقدر والقضاء الإلهي؟
هل أن القضية المهدوية خاضعة للقدر والقضاء الإلهي؟
إذا كانت كذلك فهذا يعني أنه لا داعي لأن نعمل على تعجيل الظهور عملياً.
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب عن هذا السؤال يكون على شقين:
الأول جواب نقضي والثاني جواب حَلّي:
أمّا الأول: فإن كل ما في الكون هو خاضع للقضاء والقدر وكل ما يحدث علينا فهو أيضاً خاضع للقضاء والقدر فيلزم على هذا أن لا ندعو أصلاً، بل نلغي باب الدعاء ونبقى ننتظر ما قُدِّر علينا وقُضِي.
وهذا واضح البطلان لمناقضته للوجدان ولما نطق به القرآن الكريم حيث قال عزَّ مِن قائل: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]
أمّا الثاني: وهو الجواب الحَلّي:
فنقول: أولاً: لابد من فهم القدر والقضاء فهماً صحيحاً حتى يفهم الجواب، أمّا القدر فهو عبارة عن الخصوصيات الوجودية التي تبين مكانة وجود الشيء على صفحة الوجود وأنه من قبيل الجماد أو النبات أو الحيوان أو فوق ذلك، وأمّا القضاء، فهو عبارة عن وصول الشيء حسب اجتماع أجزاء علته إلى حد يكون وجوده ضرورياً وعدمه ممتنعاً، بحيث إذا نسب إلى علته يوصف بأنه ضروري الوجود، فلأجل ذلك استُعير لبيان مقدار الشيء من الخصوصيات: لفظ القدر، ولتبيين ضرورة وجوده وعدم إمكان تخلفه: لفظ القضاء، ولأجل ذلك فسَّر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) القدر بالهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء، والقضاء بالإبرام وإقامة العين.
عن يونس بن عبد الرحمن قال: قال لي أبو الحسن الرضا (عليه السلام): يا يونس... فتعلم ما القدر؟ قلت: لا، قال: هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء، قال: ثم قال: والقضاء هو الإبرام وإقامة العين... . [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص157 – 158، باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين، ح4]
فلا يوجد على صفحة الوجود الإمكاني شيء إلّا بظل هذين الأمرين:
1- تقدير وجود الشيء وتحديده بخصوصيات تناسب وجوده، فلا يوجد شيء خالٍ عن الحدّ والتقدير سوى الله تعالى.
2- لزوم وجوده وضرورة تحققه بتحقق علته التامة التي تضفي على الشيء وصف الضرورة والتحقق.
وبهذا نقف على مغزى ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما عدل من حائط مائل إلى حائط آخر، فقيل له: يا أمير المؤمنين، أتفرّ من قضاء الله؟ فقال (عليه السلام): أفرّ من قضاء الله إلى قدره (عزَّ وجلَّ)، يعني أن ذلك باختياري فإن شئتُ بقيتُ في هذا القضاء وإن شئتُ مضيتُ إلى قدر آخر، فإن بقيتُ أُقتل بقضاء الله، وإن عَدِلت أبقى بتقدير منه سبحانه، ولكل تقدير مصير، فأيهما فعلت فقد اخترت ذلك المصير.
وفي قوله تعالى: ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ [عبس: 20] إشارة لطيفة إلى أن التقدير لا يسلب منه الاختيار، وفي وسع الإنسان أن يبطل بعض التقدير أو يؤيده ويدعمه فيُذهب عن نفسه العاهة أو يؤكدها ويثبتها.
وأمّا قضاؤه، فلما كانت الحوادث في وجودها وتحققها منتهية إليه سبحانه فما لم يتم لها العلل والشرائط الموجبة لوجودها فإنها تبقى على حال التردد بين الوقوع واللاوقوع، فإذا تمت عللها وعامة شرائطها ولم يبق لها إلّا أن توجد، كان ذلك من الله قضاءً وفصلاً لها من الجانب الآخر وقطعاً للإبهام.
فإذا اتضح هذا نقول: إن الله قدَّر لظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عللاً وشرائط إذا تمّت قضى الله أن يظهر، ومن الشرائط دعاء المؤمنين له بالظهور، فإذا تحقق الدعاء بشكله التام والمناسب، فيكون قد تحقق شرط من شرائط الظهور وأن الدعاء لا يتعارض مع كون قضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) خاضعة للقدر والقضاء وهذا هو المطلوب.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: نقاء : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)