(٩٦٣) كيف يبقى إيماني ثابتاً بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)؟
ماذا أفعل كي يبقى إيماني ثابتاً بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والقضية المهدوية، حتى وإن كان الناس نكرت هذا الشيء؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
الإيمان الثابت المتجذر في قلب الإنسان لا يحصل بمجرد الرغبة والتمني، بل حاله حال كل الأشياء التي تحتاج إلى أسباب ومبادئ تمثل الإعداد والأرضية له، فكما أن الشجرة لا تكون من دون ماء وهواء فهكذا الإيمان لا يحصل بعيداً عن مناشئه ومقوماته التي تدخل في تكوينه وبلورته، وثلاثية (الإيمان والعمل والمعرفة) متداخلة ويتولد بعضها عن البعض الآخر، فلا يمكن أن يثبت الإيمان من غير عمل ولا العمل يحصل من غير معرفة، وقد تمتلك الإنسان أحياناً فكرة معينة يعتقد بها ويؤمن بمضمونها ولكن لا تلبث بعد ذلك حتى تذوي وتذبل، لا سيما إذا وجد نفسه غريباً في حمل تلك العقيدة أو كان معرضاً بسببها للمحنة والمعاناة، فيتجرد عنها لثقلها عليه وتسلب منه لفقدانها عناصر بقائها ودوامها، ولأجل ذلك قسّم أهل البيت (عليهم السلام) إيمان الناس إلى قسمين: إيمان مستقر وإيمان مستودع.
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ قوله (عليه السلام): أما المستقر الذي يثبت على الإيمان، والمستودع المعار. [قرب الإسناد لعبد الله بن جعفر الحميري: ص347]
وورد كذلك عن أمير المؤمنين (عليه السلام): فمن الإيمان ما يكون ثابتاً مستقراً في القلوب، ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم. [نهج البلاغة: كلامه (عليه السلام): ص189]
والأول منهما هو الإيمان الراسخ الثابت، والثاني هو الإيمان العابر والمتزلزل، وملاك الفرق بين قسمي الإيمان كما دلت الروايات الشريفة هو العمل والسلوك، فهو المغذي والمولد لثبات الإيمان، وقد سأل المفضل بن عمر الإمام الصادق (عليه السلام) بم يعرف الناجي؟ فقال (عليه السلام): من كان فعله لقوله موافقاً فأثبت له الشهادة ومن لم يكن فعله لقوله موافقاً فإنما ذلك مستودع. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص45] وجاء أيضاً في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل: يا كميل إنه مستقر ومستودع، فاحذر أن تكون من المستودعين، وإنما يستحق أن يكون مستقراً إذا لزمت الجادة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج ولا تزيلك عن منهج. [تحف العقول لابن شعبة الحراني: ص174]
كما أن العمل الصالح هو الآخر بحاجة لتحققه ووجوده إلى المعرفة والعلم وبدون ذلك يصبح أشبه بالسراب والأوهام، ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلّا بعدا. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص43]
وورد عنه أيضاً (عليه السلام): فمن عرف دلته المعرفة على العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص44]
وبعد هذا البيان يصبح واضحاً لدينا العناصر والأركان التي لابد أن تتوفر لثبات الإيمان والتصديق بالعقيدة المهدوية، فأول مقوماتها إنما يتم من خلال الوعي بها والاطلاع عليها سواء بقراءة الأحاديث والروايات الشريفة التي استفاضت بها الكتب المعتبرة، أو من خلال الاستماع لمحاضرات العلماء والمختصين بها، يُضاف إلى ذلك التحقق العملي والسلوكي لتلك العقيدة حتى يظهر أثرها في حياتنا وواقعنا، ولا يخفى أن أول مصاديق ذلك هو (انتظار الفرج)، بمعنى أن تعيش تلك الفكرة والعقيدة روحياً ونفسياً كحال المهموم المحزون الذي ينتظر ويترقب لحظة خلاصه ونجاته، فيكون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حاضراً في قلوبنا وفي مشاعرنا في أحاديثنا ولقاءاتنا، فالانتظار في قاموس أهل البيت (عليهم السلام) لا يعني بحال السكون أو الجمود كحال الذي ينتظر في عيادة الطبيب موعد مراجعته، فقد رود عن الإمام الصادق (عليه السلام): من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا. [الغيبة للشيخ النعماني: ص207]
ومن الوسائل التي تعمق هذا الالتحام الروحي والنفسي والوجداني المواظبة على قراءة بعض الأدعية الواردة، كدعاء العهد الذي يستحب قراءته بعد صلاة الفجر في كل صباح، فقد وردت الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): أن من قرأ دعاء العهد أربعين صباحاً، كان من أنصار القائم، فإن مات بعثه الله من قبره، ويعطى بكل كلمة ألف حسنة، وتمحى عنه ألف سيئة. [وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) للميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني: ص78]
والمداومة كذلك على قراءة دعاء الغريق فقد روى عبد الله ابن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى لا ينجو منها إلّا من دعا بدعاء الغريق قلت: وكيف دعاء الغريق؟ قال: تقول: يا الله يا رحمان يا رحيم، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقلت: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، فقال: إن الله (عزَّ وجلَّ) مقلب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص352]
وكذلك من الوسائل العملية التي تزيد قوة ارتباطنا بالعقيدة المهدوية أن نعيش حالة الصبر والمواجهة مع كل التحديات والمحن والفتن والإرهاصات الصعبة والقاسية التي تواجهنا في حياتنا، وأن لا نضعف أمامها أو نتهاون، فإن واحدة من أهم حِكم الغيبة ومقاصدها هو الامتحان الإلهي للمؤمنين لغرض التمحيص والغربلة ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾، وقد ورد عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في سياق حديثه عن الإمام القائم (عليه السلام): ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص253]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: حسين عبد الله : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)