(٩٢٧) إن الأصحاب الخلص الـ (٣١٣) سوف ينشقون؟!
الكل يعلم أن أصحابه (عجّل الله فرجه) القادة الذين يقاتلون معه وعددهم 313 هم من أخلص المحيطين به (عجّل الله فرجه).
إلا إنه ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى القَائِمِ (عليه السلام) عَلَى مِنْبَرِ الكُوفَةِ وَحَوْلَهُ أَصْحابُهُ ثَلاثُمَائَةٍ وَثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ، وَهُمْ أَصْحابُ الألْوِيَةِ، وَهُمْ حُكَّامُ اللهِ فِي أَرْضِهِ عَلَى خَلْقِهِ، حَتَّى يَسْتَخْرِجَ مِنْ قبائِهِ كِتاباً مَخْتُوماً بِخَاتَمٍ مِن ذَهَبٍ، عَهْدٌ مَعْهُودٌ مِن رَسُولِ اللهِ (صَلَّى الله عليه وآله وسلم)، فَيَجْفلُونَ عَنْهُ إِجْفَالَ الغَنَمِ البُكْمِ، فَلا يَبْقَى مِنْهُمْ إِلّا الوَزِيرُ وَأَحَدَ عَشَرَ نَقِيباً، كَمَا بَقُوا مَعَ مُوسَى بْنِ عِمْرانَ (عليه السلام)، فَيَجُولُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يَجِدُونَ عَنْهُ مَذْهَباً فَيَرْجِعُونَ إِلَيْهِ، وَاللهِ إِنِّي لأعْرِفُ الكَلامَ الَّذِي يَقُولُهُ لَهُمْ فَيَكْفُرونَ بِهِ.
فيبدو من هذه الرواية أن الأصحاب الخلص الـ(313) سوف ينشقون عنه (عجّل الله فرجه)، ويؤلّبون الناس ضده! فما فائدة التمحيص والغيبة إذا كان الأصحاب هذا فعلهم؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
الروايات التي تحدثت عن أصحاب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لم تقل إنهم معصومون ومبرؤون من كل نقص وشائبة ولا وصفتهم بالكمال المطلق، وإنما الذي نستفيده من الروايات أنهم الأكمل قياساً بغيرهم من المؤمنين الآخرين، وحتى خُلص المؤمنين أيضاً يتفاوتون بكمالاتهم العلمية والمعرفية وصولاً إلى اختلافهم في درجات التحمل والصبر، وأنصار الإمام (عجّل الله فرجه) ليسوا استثناء من هذه القاعدة، بل إن التمايز والتفاوت واقع فيما بينهم أيضاً.
فقد روى المفضل قال: قلت جعلت فداك أيهم أعظم إيمانا؟ قال: الذي يسير في السحاب نهارا. [الغيبة للشيخ النعماني: ص327]
بل إن هذا المعنى واقع حتى على مستوى الأنبياء (عليهم السلام) فدونك قصة موسى والخضر (عليهما السلام) وكيف أن القرآن الكريم حكى لنا عن الاعتراضات التي كان يقوم بها موسى (عليه السلام) في كل تصرفات الخضر (عليه السلام) التي شاهدها منه، والسبب في ذلك بطبيعة الحال يرجع إلى مقدار العلم وحدوده الذي يتيح لحامله استيعاب الأمر وإدراكه على حقيقته الواقعية ولذا نجد أن الخضر (عليه السلام) كان يقدم العذر والمبرر لعدم تحمل موسى (عليه السلام) بقوله: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾، وإذا كان الأمر كذلك فلا نتفاجئ إذا رأينا الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبئتهما بما ليس في أيديهما. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص261]
فلا معنى للاستنكار بعد ذلك والاستغراب فإن علم المعصومين (عليهم السلام) كما ورد لا يحتمله إلّا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، وخير شاهد على ذلك ما رواه الكليني (رحمه الله) عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ذكرت التقية يوماً عند علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال: والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بينهما، فما ظنكم بسائر الخلق، إن علم العلماء صعب مستصعب، لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. فقال: وإنما صار سلمان من العلماء لأنه أمرؤ منا أهل البيت، فلذلك نسبته إلى العلماء. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص401]
كما إننا نستفيد من الرواية أن التمحيص والامتحان ليس له حد يتوقف عنده الإنسان فقد تنجح في بلوغ مرحلة ما، ولكي ترتقي إلى ما هو أعظم منها عليك أن تنجح في عبور امتحان المرحلة اللاحقة، فيونس (عليه السلام) حينما خرج من بطن الحوت لم يكن كيونس قبل أن يبتلعه الحوت بل زاد علماً وبصيرة في مقامه وأمره، ولذا لا يرد إشكالكم الذي ذكرتموه عن فائدة التمحيص والامتحان السابق، فإن لكل رتبة متطلباتها ولكل منزلة مقتضياتها، وليس الفشل في الدرجة الأعلائية يستدعي بالضرورة الفشل في الرتبة العليا، بعد أن كانت جميع تلك المنازل والدرجات هي ميزة وقيمة في حد ذاتها وإنما تتفاوت الدرجات في الخصوصيات والامتيازات تبعاً للقياس فيما بينها لا سيما إننا نجهل حقيقة وعمق العلم الذي سيتكلم به الإمام (عليه السلام) معهم والذي أدى إلى ما عبرت عنه الرواية (فَيَجْفلُونَ عَنْهُ إِجْفَالَ الغَنَمِ البُكْمِ)، ولكن الذي نعرفه أن ما سيأتي به الإمام (عجّل الله فرجه) من المعارف والأسرار ما يتجاوز المعرفة التي وصلتنا من الأنبياء السابقين (عليهم السلام) بمراحل عدة وبما يتعدى مستوى المقارنة.
فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): قال العلم سبعة وعشرون حرفاً فجميع ما جاءت به الرسل حرفان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين فإذا قام القائم (عليه السلام) أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفا. [مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص117]
وأما ما ذكرتموه من أنهم سيؤلبون الناس عليه أو يصدونهم عنه فلم نجد له شاهداً في هذه الرواية المذكورة ولا في غيرها، وإنما قصارى ما تدل عليه عدم تحمل هؤلاء الأنصار بعض علم الإمام (عجّل الله فرجه) وأسرار كلامه فيهربون عنه ويفزعون جائلين ثم مآلهم وختامهم الطاعة له والتسليم إليه (عجّل الله فرجه).
ولزيادة بيان يمكنكم مراجعة السؤال والجواب رقم (491) تفضلوا من خلال الرابط التالي:
https://m-mahdi.net/main/questions-492
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: أياد أحمد : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)