(١٠٩٧) مذهب أهل البيت (عليهم السلام) يقوده الآن فقهاء غير معصومين...
بما أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) قد أحال شيعته في زمن الغيبة للرجوع إلى الفقهاء في مسائلهم، والفقهاء غير معصومين، وبالتالي فإن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) يقوده الآن فقهاء غير معصومين، وبالتالي يمكن الخطأ في المسائل الدينية والسياسية وغيرها، فلا يعود للمذهب أفضلية على غيره من المذاهب. فما رأيكم بذلك؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أفضلية المذهب وحقانيته لا يقدح فيها عدم عصمة العلماء أو إمكانية خطئهم، لأننا لا نأخذ أصول مذهبنا وضروراته من غير المعصومين (عليهم السلام) وهي أمور واضحة كوضوح أن الاثنين نصف الأربعة، وبذلك فهي لا تحتاج إلى تقليد أو اجتهاد، وإنما نرجع للفقهاء في غير هذه المسائل الأساسية والجوهرية وهي التي تشكل قوام المذهب وأصله، فكيف يتساوى الموالي لأهل البيت (عليهم السلام) والمعتقد بإمامتهم والمؤمن بطاعتهم بالمنكر أو المخالف لهم؟
وحتى على مستوى القضايا الجزئية والتفصيلية في مسائل الفقه والتشريع، فإن الأئمة (عليهم السلام) قد وضعوا لأتباعهم وشيعتهم القواعد والأصول الواضحة لاستنباط الأحكام الشرعية، وبيَّنوا لهم في نفس الوقت المناهج الخاطئة والممنوعة في ذلك، كالقياس والاستحسان أو الاعتماد على الرأي كما هو المتداول عند غيرنا، والذي يمكن أن يُنتج فقهاً أو اجتهاداً مشوهاً وبعيداً عن الجادة والصواب، ولأجل ذلك استفاضت الأخبار عن أهل البيت (عليهم السلام) وتكثرت في الردع والنهي عن ذلك، جاء عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن السنة لا تقاس، ألا ترى أن امرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها يا أبان! إن السنة إذا قيست محق الدين. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص57]
وورد أيضاً عن عيسى بن عبد الله القرشي، قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له: يا أبا حنيفة! بلغني أنك تقيس؟ قال: نعم، قال: لا تقس فإن أول من قاس إبليس حين قال: خلقتني من نار وخلقته من طين. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص58]
ومن ذلك أيضاً ما ورد من حديث الإمام الباقر (عليه السلام) مع قتادة المفسر المشهور: يا قتادة، إن كنت فسرت القرآن برأيك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت فسرته بآراء الرجال فقد هلكت وأهلكت. [الكافي للشيخ الكليني: ج8، ص311]
بطبيعة الحال نحن لا ننكر وقوع الاختلاف والتباين بين بعض العلماء والفقهاء في بعض القضايا الفرعية أو تفاصيل المسائل، وهذا أمر طبيعي تفرضه ظاهرة التفاوت المعرفي في فهم وإدراك كلام أهل البيت (عليهم السلام) ولا مطمع في تجاوز هذه الظاهرة، ليس فقط في زمن غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بل حتى في زمن الحضور يمكن أن يقع الاختلاف بين أصحاب الأئمة (عليهم السلام) في استكشاف الحكم الواقعي من كلماتهم (عليهم السلام)، وهذا المقدار من الاختلاف لا يترتب عليه العقوبة الأخروية أو الإدانة يوم القيامة مادامت قد توفرت فيه عناصر الحجة وبذل الوسع في تحصيل الأحكام الدينية من مداركها الصحيحة وهي القرآن الكريم والسنة الشريفة والعقل.
وعلى هذا الأساس فأفضلية المذهب وحقانيته تبقى محفوظة ومحرزة ولا يقدح فيها عدم عصمة العلماء والفقهاء، لأن المذهب الشيعي توفر على الأصول والأركان التي تشكل الملاكات الأهم في تحقق إيمان المؤمن وسلامة موقفه أمام الله تعالى وما وراء ذلك فإن المكلف مأمور بمتابعة أقوال العلماء وفتاويهم، كما ورد التأكيد في روايات الأئمة (عليهم السلام) على ذلك من قبيل التوقيع الشريف عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص484]، وما رواه الطبرسي في كتاب (الاحتجاج) عن الإمام العسكري (عليه السلام): فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه. [الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج2، ص263]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: أبو هادي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)