ارسل سؤالك المهدوي:
المسار
السفراء والفقهاء

(١٢٥٥) كيف لم تكشف السلطات طريقة التواصل بين الشيعة والإمام (عجّل الله فرجه)؟

كيف كان التواصل بين شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وبين الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في زمن الغيبة الصغرى رغم التشديد الأمني من قبل السلطات آنذاك على بيت الإمام العسكري (عليه السلام)؟
فكيف كانت الشيعة توصل أسئلتهم الفقهية والعقائدية؟ سواء كان في زمن العسكريين أو بعدهما (عليهما السلام)، وكذلك في زمن الإمام الكاظم (عليه السلام) حيث قضى أغلب عمره في السجن، فكيف كانت الشيعة تتواصل؟
هل نفس الطريقة التي كانت في زمن الإمام الكاظم (عليه السلام)؟
ما هي الطريقة؟
وإذا كانت نفسها، فكيف لم تكشفها السلطات الحاكمة في زمن العسكريين (عليهما السلام) باعتبار أن لديهم معلومة سابقة من زمن الإمام الكاظم (عليه السلام)؟


بسم الله الرحمن الرحيم
النظام الذي اعتمده الأئمة (عليهم السلام) في التواصل مع شيعتهم هو نظام الوكلاء والسفراء، بمعنى تعيين بعض أصحابهم وثقاتهم ليكونوا حلقة الوصل والارتباط بين الشيعة وبين الأئمة (عليهم السلام)، وهذا النظام كما لا يخفى هو نظام عقلائي فطري جرت عليه الناس فيما سبق وفيما سيأتي، وكان يمثل ضرورة قصوى في ظل الظروف القاهرة التي كانت تحيط بأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم من قبل السلطات الظالمة والفاسدة فاستثمر الأئمة (عليهم السلام) هذا الطريق في التواصل مع شيعتهم لتحقيق أمرين:
الأول: إيصال الأحكام الشرعية والأجوبة الدينية للمستفتين والسائلين.
الثاني: جمع الحقوق المالية الشرعية من الأغنياء والمتمكنين مالياً بغية توفير التكافل الاقتصادي وتحصين المحتاجين والفقراء من المؤمنين، بعد أن سعت السلطات لإفقارهم وإلحاق الضرر بهم على المستوى المعاشي.
ويمكن أن نرصد هذين الأمرين في عديد من الروايات والأخبار، فمنها ما رواه أحمد بن إسحاق عن الإمام الهادي (عليه السلام) قال: سألته وقلت: من أعامل؟ وعمن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال: العمري ثقتي، فما أدى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع؛ فإنه الثقة المأمون. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص330]
وكذلك ما رواه ابن شهرآشوب في المناقب، قال: دخل أبو عمرو عثمان بن سعيد وأحمد بن إسحاق الأشعري وعليّ بن جعفر الهمداني على أبي الحسن العسكري، فشكا إليه أحمد بن إسحاق دَيْناً عليه، فقال: يا أبا عمر - وكان وكيله - ادفع إليه ثلاثين ألف دينار وإلى عليّ بن جعفر ثلاثين ألف دينار وخذ أنت ثلاثين ألف دينار. [مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: ج3، ص512]
كما أن للطريقة والمنهج الدقيق الذي اعتمده الأئمة (عليهم السلام) في إدارة نظام الوكلاء أثر كبير في إنجاح مهام الوكلاء، وتجنيبهم الكثير من الأخطار بسبب مضايقات السلطة ورجالها، كما ساهمت هذه المنهجية في تقليل نسبة الخطأ المحتملة في تحركات الوكلاء الميدانية، ويمكن تلخيص هذا المنهج في عدة نقاط:
أولاً: اعتماد النظام الهرمي والقيادي الرتبي في إدارة هذا العمل بمعنى وجود وكلاء محليين يتبعون مرجعيات محورية يصدرون عنها ويأخذون منهم التوجيهات ثم إيصالها إلى القاعدة الشعبية، وهذا بطبيعة الحال يقلل كثيراً من كشف هذه المنظومة التراتبية، وبالتالي يقلل من إمكانية اعتقالهم أو رصدهم من قبل السلطات الظالمة، روى الكشي عن محمد بن عيسى اليقطيني أن الإمام الهادي (عليه السلام) كتب بخطه إلى وكيله علي بن بلال الواسطي قوله: ثم إني أقمت أبا علي (الحسن بن راشد البغدادي) مقام حسين بن عبد ربه فائتمنته على ذلك، وقد أعلم أنك شيخ ناحيتك فأحببت إفرادك وإكرامك بالكتاب بذلك فعليك بالطاعة له، والتسليم إليه جميع الحق قبلك، وأن تحض موالي على ذلك وتعرفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته، فذلك توفير علينا، ومحبوب لدينا، ولك به جزاء من الله وأجر. [رجال الكشي لمحمد بن عمر الكشي: ج2، ص799]
وكذلك نرى هذا المعنى واضحاً في طريقة عمل السفير الثاني وارتباط الوكلاء الفرعيين الذين يعملون تحت يده، روى جعفر بن أحمد بن متيل القمي: كان محمد بن عثمان أبو جعفر العمري (رضي الله عنه) له من يتصرف له ببغداد نحو من عشرة أنفس وأبو القاسم بن روح (رضي الله عنه) فيهم. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص369]
ثانياً: عدم التداخل وتحديد الصلاحيات بين الوكلاء الكبار أيضاً كان سبباً في منع العشوائية والفوضى في مهام هؤلاء الوكلاء سواء من جهة طبيعة العمل الذي يتكفل به أو من جهة المنطقة الجغرافية التي يتحرك فيها، ولذلك نرى مثلاً أن الإمام الهادي (عليه السلام) يمنع بعض وكلائه من التواصل مع وكيل آخر وأن يلزم كل واحد منهما المهمة الملقاة عليه، فقد كتب (عليه السلام) إلى أيوب بن نوح: وأنا آمرك يا أيوب بن نوح أن تقطع الإكثار بينك وبين أبي علي، وأن يلزم كل واحد منكما ما وُكل به، وأُمر بالقيام فيه بأمر ناحيته. [رجال الكشي لمحمد بن عمر الكشي: ج2، ص800]
ثالثاً: السرية في العمل والتقية بأعلى صورها بغية المحافظة على الأولويات والتي تأتي على رأسها الحفاظ على الكيان الشيعي وأفراده من تعسف الظالمين والنيل منهم، فقد روى الشيخ الطوسي في الغيبة: أن الشيخ أبا القاسم (رضي الله عنه) بلغه أن بواباً كان له على الباب الأول قد لعن معاوية وشتمه، فأمر بطرده وصرفه عن خدمته، فبقي مدة طويلة يسأل في أمره فلا والله ما رده إلى خدمته، وأخذه بعض الأهل فشغله معه، كل ذلك للتقية. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص385]
رابعاً: إشعار الوكلاء بالخطر الداهم لهم من السلطة العبّاسية حينما تزيد الترّصد لهم لإلقاء القبض عليهم، فقد روى الكليني أنَّ الإمام (عجّل الله فرجه) أصدر أمراً بعدم استلام أيّة حقوق من أي شخص حينما بثَّت السلطة العبّاسية عيونها وجواسيسها بإرسال الأموال بحجّة إرسالها إلى الإمام لكي يتعرَّفوا على الوكلاء، فلم تنجح السلطة في القبض عليهم. [الكافي للشيخ الكليني: ج١، ص٥٢٥، باب مولد الصاحب (عجّل الله فرجه)، ح٣٠]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

السفراء والفقهاء : ٢٠٢٢/٠٤/٢٢ : ٢.٠ K : ٠
: أبو رقية حدان الموسوي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.