(١٠٣٥) لماذا ضربت كورونا العراقيين والايرانيين وهم شيعة...
ورد عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): أنا خاتم الأوصياء، وبي يدفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص30]
سؤالي هو: إن كان العراقيون والايرانيون يقولون نحن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) السؤال المطروح لماذا ضرب فايروس (كورونا) العراق وايران؟
ولماذا لم يدفع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عنهم البلاء؟
إذن هل الشيعة في العراق وايران وغيرهم من المناطق الشيعية هم ليسوا شيعة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) اذن؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يمكن فهم هذا الحديث بالمعنى الذي تبادر لكم من أن الإمام (عجّل الله فرجه) يرفع عن الشيعة كل أنواع البلاء، وإلّا لأدى ذلك إلى تعطيل السنن الإلهية التي تقتضيها حكمة الله تعالى في عباده، فالمحنة والبلاء لا تفارق المؤمنين بأي حال من الأحوال ما داموا في هذه الحياة، بل إن وجود الدنيا قائم في غايته على الابتلاء والبلاء، يقول تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، وكذلك قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ إلّا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾
وروى الكليني عن ابن بكير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أيبتلى المؤمن بالجذام والبرص وأشباه هذا؟ قال: فقال: وهل كتب البلاء إلّا على المؤمن. [الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص258]، بل إن الروايات والأحاديث المتواترة جعلت من الابتلاء علامة للمؤمنين وشاهد صدق على إيمانهم، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن عظيم الأجر لمع عظيم البلاء، وما أحب الله قوماً إلّا ابتلاهم. [الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص252]
كما أن موجبات وأسباب البلاء والشدة التي قد تصيب المؤمنين والموالين على أنحاء متعددة وليس على شكل واحد، فهناك البلاء الذي يختص ببعض الأفراد دون البعض الآخر، وهو مع كونه سنة عامة إلّا أن وقوعه إنما يختص بالأفراد بسبب طبيعة أعمالهم وأفعالهم، وإنما يجري على كل فرد بخصوصه دون غيره فيما لو توفر الشرط والسبب الذي يكون الإنسان هو المسؤول عنه، ومثال ذلك ما روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): قال الله (عزَّ وجل): وعزتي وجلالي لا أخرج عبداً من الدنيا وأنا أريد أن أرحمه حتى أستوفي منه كل خطيئة عملها، إما بسقم في جسده وإما بضيق في رزق وإما بخوف في دنياه، فإن بقيت عليه بقية شددت عليه عند الموت. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص444]
وما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ما من الشيعة عبد يقارف أمراً نهيناه عنه فيموت، حتّى يُبتلى ببليّة تُمحّص بها ذنوبه، إمّا في مال وإمّا في ولد وإما في نفسه، حتّى يلقى الله (عزّ وجلّ) ومَا لَه ذنب، وإنّه ليبقى عليه الشيء من ذنوبه، فيُشدّد به عليه عند موته. [الخصال للشيخ الصدوق: ص635]
وقد يكون البلاء لغرض رفع الدرجة والمنزلة عند الله تعالى، روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): إن الرجل ليكون له الجنة عند الله لا يبلغها بعمله حتى يبتلى ببلاء في جسمه فيبلغها بذلك. [الدعوات لقطب الدين الراوندي: ص172]، وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): إنه ليكون للعبد منزلة عند الله فما ينالها إلّا بإحدى خصلتين: إما بذهاب ماله أو ببلية في جسده. [الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص257]
وكما يوجد بلاء يختص بأفراد المؤمنين لأحد الأسباب المتقدمة أو غيرها كذلك هناك البلاء العام الذي يشمل جميع المؤمنين والهدف منه تكميلهم وتمحيصهم والارتقاء بهم لغرض الالتفات إلى نقاط ضعفهم ومعالجتها، كما حصل ذلك للمسلمين في غزوة حنين وبسبب حالة العجب بقدراتهم الذاتية سلب الله تعالى منهم النصر مؤقتاً ليعودوا إلى رشدهم وصوابهم ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾، ومثاله الآخر قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: ولنبلونكم يعني المؤمنين قبل خروج القائم (عليه السلام) بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص650]
وبعد هذا البيان المتقدم نأتي لنفهم معنى البلاء الذي يدفعه الله تعالى عن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ببركة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فنقول: هناك عدة معانٍ محتملة وكلها تصلح أن تكون تفسيراً صحيحاً لفهم المراد من الرواية.
أولاً: أن يكون المقصود رفع البلاء تماماً عن الشيعة في عصر الظهور لا في زمن الغيبة الكبرى، لا سيما أن غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) بذاتها هي من أوضح مصاديق المحنة والابتلاء، فها هو الإمام الصادق (عليه السلام) يدخل عليه بعض أصحابه فيرونه باكياً حزيناً فيسألونه عن ذلك فيقول لهم (عليه السلام): نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله به محمداً والأئمة من بعده (عليهم السلام)، وتأملت منه مولد غائبناً وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص354]
والذي يؤيد صحة هذا المعنى وصوابيته ما ورد مستفيضاً أن سعادة المؤمنين وراحتهم التامة لا تكتمل إلّا بعد الظهور المبارك للإمام (عجّل الله فرجه)، فقد جاء في حديث المعراج عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): فرفعت رأسي فإذا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ومحمد بن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب دري، فقلت: يا رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمة وهذا القائم الذي يحل حلالي ويحرم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص253]
ومما يؤيد ذلك أيضاً ما روي في التوقيع الشريف أن الشيعة لن يكونوا في منجى عن البلاء والمحنة في زمن الغيبة، وإنما نجاتهم وسعادتهم في العاقبة الحميدة التي وعدها الله تعالى لهم على يد الإمام (عجّل الله فرجه) عند ظهوره المقدس، فقد جاء في رسالته (عجّل الله فرجه) للشيخ المفيد (رحمه الله): لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء فليطمئن بذلك من أوليائنا القلوب وليثقوا بالكفاية منه وإن راعتهم به الخطوب والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب. [الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج2 ص325]
ثانياً: أن يكون المقصود بالبلاء المرفوع هو البلاء المخصوص بهم دون غيرهم من الناس، وهذا معنى صحيح أيضاً دلت عليه الروايات أيضاً، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): كفوا ألسنتكم، والزموا بيوتكم، فإنه لا يصيبكم أمر تخصون به أبداً ولا يصيب العامة. [الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص 226]، بمعنى أن الشيعة إذا التزموا بتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) وارشاداتهم واطاعوهم فإن البلاء يكون مرفوعاً عنهم ببركة وجود الإمام (عجّل الله فرجه)، ولا يعني ذلك أن البلاء الذي يكون عاماً وشاملاً لجميع الناس يكونون بعيدين عنه، فإن الفساد والظلم إذا انتشر لن يترك أحداً على حاله، ويعم حتى الصالحين من أولياء الله تعالى وعباده يقول تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾.
ثالثاً: أن يكون البلاء المرفوع عن الشيعة هو البلاء الذي يأتيهم من قبل الظالمين لغرض استئصالهم وابادتهم جميعاً لا لشيء إلّا لكونهم شيعة لأهل البيت (عليهم السلام)، كما حصل نظير ذلك لكثير من المذاهب والفرق الدينية كالمعتزلة وغيرهم من المذاهب التي انقرضت وأصبحت أثراً بعد عين، ويؤيد هذا المعنى ما ورد في التوقيع الشريف الذي صدر من الناحية المقدسة للشيخ المفيد (رحمه الله): إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء. [الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج2، ص322]، والمرادُ بـ(اللأواءِ): الشدة وضيقُ المعيشة، و(اصْطَلَمَكُمْ) أي: استأصلكمْ.
وعليه فكل هذه الوجوه التي قدمناها صحيحة في نفسها وتشكل فهماً سليماً لا يتنافى مع سنة الابتلاء العامة والتي لن يستثنى منها أحد من الناس أنبياء كانوا أو غير أنبياء ومؤمنون أو غير مؤمنين، فلا يصح ولا يستقيم إذا رأينا المؤمنين والموالين يتعرضون للبلاء أو المرض أو القتل أن نصفهم بعدم الإيمان أو التشيع لأهل البيت (عليهم السلام) ونختم حديثنا بما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): لم يؤمن الله المؤمن من هزاهز الدنيا ولكنه آمنه من العمى فيها والشقاء في الآخرة. [الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص 255]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: اسراء محمد : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)