(١٠٤٨) هل معنى المشاهدة هو مشاهدة فردية لأي شخص؟
ورد في توقيع الإمام (عجّل الله فرجه): ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا.
وردت كلمة (بمشاهدتنا)، الحديث يشير إلى امكانية ظهور وامتناع ذلك بسبب ذنوب (أشياعنا)
هل معنى المشاهدة هنا من كلمة (مشاهدتنا) هنا هو ظهور الإمام (عجّل الله فرجه)؟ أو مشاهدة فردية لأي شخص؟
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يخفى أن غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) هي غيبة عنوانية لا غيبة شخصية وجودية، فإن الإمام (عجّل الله فرجه) موجود في الأرض ويعيش معنا، وليس حاله كحال عيسى بن مريم (عليها السلام) الذي رفعه الله تعالى إلى السماء وغاب عن الناس بشخصه وعنوانه ولا طريق لرؤيته إلّا عند نزوله في آخر الزمان، ولذلك نحن لا ندعو لعيسى (عليه السلام) بالحفظ والحراسة من الأخطار والأهوال لأنه غير معرض لها كإمامنا المهدي (عجّل الله فرجه) الذي يقع على عاتقه مكابدة الشدائد والمشاق فيما يواجهه في غيبته، ولأجل ذلك نحن ندعو للإمام (عجّل الله فرجه) بالحفظ ودفع الخطر عنه، ولذا في الدعاء الوارد عن الإمام الرضا (عليه السلام) في قنوت صلاة الجمعة يقول (عليه السلام): اللهم أصلح عبدك وخليفتك بما أصلحت به أنبياءك ورسلك، وحفه بملائكتك، وأيّده بروح القدس من عندك، وأسلكه من بين يديه ومن خلفه رصداً يحفظونه من كل سوء، وأبدله من بعد خوفه أمناً يعبدك لا يشرك بك شيئاً، ولا تجعل لأحد من خلقك على وليك سلطاناً، وأئذن له في جهاد عدوّك وعدوّه، واجعلني من أنصاره، إنك على كل شيء قدير. [مصباح المتهجِّد للشيخ الطوسي: ص367]
ومما يؤيد هذا المعنى بوضوح ما ورد أيضاً على لسان الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في كلامه مع ابن مهزيار قوله: يا بن المازيار أبي أبو محمد عهد إلي أن لا أجاور قوماً غضب الله عليهم ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلّا وعرها، ومن البلاد إلّا عفرها، والله مولاكم أظهر التقية فوكلها بي، فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص266]
وإذا كان الإمام (عجّل الله فرجه) غائباً عنا غيبة معرفية لا شخصية وهو حاضر بيننا فإن الاتصال به أمر ممكن ومتاح، وقد استفاضت الأخبار وتواترت في حصول اللقاء بين بعض المؤمنين وبينه (عجّل الله فرجه)، وإنما يمتنع هذا اللقاء لجملة أسباب يرتبط بعضها بطبيعة إيمان الإنسان وتدينه، والسبب الآخر ألا يؤدي ذلك إلى كشف مكان الإمام (عجّل الله فرجه) وتشخيصه، مضافاً إلى وجود المصلحة والحكمة التي يرتأيها الإمام (عجّل الله فرجه) فيمن يلتقيه، وكل هذه الموانع أو الشروط التي ذكرناها أشارت إليها الروايات كأسباب تحجبنا عن رؤيته في حال توفرها أو عدم توفرها للتشرف بلقائه (عجّل الله فرجه)، فقد ورد عن علي بن صدقة القمي (رحمه الله) قال: خرج إلى محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) ابتداء من غير مسألة ليخبر الذين يسألون عن الاسم: إما السكوت والجنة، وأما الكلام والنار، فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص364]، وهو ذات المعنى الذي أشار إليه الشيخ أبو سهل النوبختي (رحمه الله) حينما سئل عن السبب في عدم اختياره ليكون سفيراً ونائباً خاصاً للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حيث قال: أنا رجل ألقى الخصوم وأناظرهم ولو علمتُ بمكانه كما علم أبو القاسم وضغطتني الحجة (على مكانه) لعلّي كنتُ أدلُّ على مكانه، وأبو القاسم فلو كانت الحجة تحت ذيله وقُرَض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص391]
والرواية التي تسألون عنها إنما هي في صدد بيان الشرط الأهم الذي لابد أن يتحلى به الإنسان للتبرك بلقاء الإمام (عجّل الله فرجه) ورؤيته، وتكون المشاهدة هنا بمعنى المشاهدة والمعرفة بشخص الإمام (عجّل الله فرجه)، وتكون هذه الرواية في ذات المضمون الذي تؤكد عليه الآية الكريمة ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾، فإنها واضحة في أن توفر عنصر الإيمان والمجاهدة يؤثران في بلوغ سبيل الله تعالى والذي فسرته الروايات في أهل البيت (عليهم السلام)، كما ورد في دعاء الندبة وغيره (وكانوا هم السبيل إليك والمسلك إلى رضوانك).
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: حسوني حمودي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)