(١٠٩٣) كيف يمكننا مبايعته (عجّل الله فرجه) وهو غائب عنا؟
جاء في إرشاد المفيد، في حديث بيعة الإمام الرضا (عليه السلام) قال: وجلس المأمون ووضع للرضا (عليه السلام) وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلسه وفرشه، وأجلس الرضا (عليه السلام) في الحضرة وعليه عمامة وسيف، ثم أمر ابنه العباس بن المأمون أن يبايع له في أول الناس، فرفع الرضا (عليه السلام) يده فتلقى بها وجهه وببطنها وجوههم فقال له المأمون: ابسط يدك للبيعة، فقال الرضا (عليه السلام): إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) هكذا كان يبايع، فبايعه الناس ويده فوق أيديهم.
كيف يمكننا مبايعة إمام زماننا الغائب (عجّل الله فرجه) وهو غائب عنا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة البيعة وماهيتها هي الإقرار اللساني والاعتقاد القلبي والالتزام من قبل المبايع ببذل الطاعة والانقياد للمبايع له، وهو المعنى الذي يذكره أهل اللغة والفقهاء، فقد ذكر الراغب الأصفهاني في المفردات (وبايع السلطان إذا تضمن بذل الطاعة له بما رضخ له، ويقال لذلك: بيعة ومبايعة) [المفردات للراغب الأصفهاني: ص66]، وذكر الشيخ مكارم الشيرازي في بحوثه الفقهية ما يقترب من هذا المعنى: (وأمّا البيعة فهي تعهد من ناحية المبايع على أن يطيع لمن بايعه ولا يتخلَّف عن أمره) [بحوث فقهية مهمة لمكارم الشيرازي: ص478]
وأمّا الصفق بالأيدي أو المصافحة فهي قضية شكلية، الغاية منها إظهارها والتأكيد على الالتزام بها، وليست هي حقيقة البيعة، ولذا يقول ابن خلدون في مقدمته: اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة; كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، ولا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلّفه به من الأمر على المنشط والمكره. وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد. [مقدمة ابن خلدون: ص147]
وذكر الميرزا الأصفهاني في كتابه وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام (عجّل الله فرجه): واعلم أن معنى البيعة على قول أهل اللغة: العهد والاتّفاق على أمر، والمراد من البيعة والعهد معه (عليه السلام) هو أن يقر المؤمن بلسانه ويعزم بقلبه أن يطيعه كل الطاعة، وينصره في أي وقت ظهر فيه. [وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام للميرزا الأصفهاني: ص50]
وعلى ضوء ما تقدم نفهم أن المراد من بيعة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في عصر الغيبة هو أن يقر المؤمن بلسانه ويعزم بقلبه أن يطيعه كل الطاعة، وينصره في أي وقت ظهر فيه، ولا يُشترط في تحقق هذه البيعة حضور الإمام (عجّل الله فرجه) أو اللقاء به، بل إن ذلك مما لا يتسنى عادة لكل أحد حتى في زمن الحضور لكثرة المسلمين من جهة والمسافات البعيدة التي تفصل البلدان الإسلامية بعضها عن بعض، وهو ما لم يفعله حتى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حينما أراد أخذ البيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في يوم الغدير، فقد روي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد أن نصب الأمير علي (عليه السلام) خليفة له أوضح جملة من فضائله، ثم قال: معاشر الناس، إنّكم أكثر من أن تصافقوني بكف واحدة، وأمرني الله (عزَّ وجل) أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعلي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين ومن جاء بعده من الأئمة مني ومنه على ما أعلمتكم أنّ ذريتي من صلبه فقولوا بأجمعكم: إنا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلغت من أمر ربنا وربك في أمر علي أمير المؤمنين وأمر ولده من صلبه من الأئمة. [اليقين لابن طاووس: ص359]
ويتجلى هذا المعنى بوضوح ويتحقق تنفيذه كما أمر به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في دعاء العهد المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) والذي جاء في بعض فقراته: اللهم بلغ مولانا الإمام المهدي القائم بأمر الله وعلى آبائه الطاهرين، عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها وسهلها وجبلها وبرها وبحرها، وعني وعن والدي من الصلاة زنة عرش الله، وعدد كلماته وما أحصاه كتابه، وأحاط به علمه، اللهم إني أجدد له في صبيحة هذا اليوم وما عشت به في أيامي، عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول. اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه وأنصاره والذابين عنه، والمسارعين في حوائجه والممتثلين لأوامره، والمحامين عنه، والمستشهدين بين يديه. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج53، ص96]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: عبد الجليل : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)