(١٧١) دولة الإمام (عجّل الله فرجه) مقتصرة على الكرة الأرضية
هل أن دولة الإمام (عجّل الله فرجه) مقتصرة على الكرة الأرضية أم تعمّ الكون مع لحاظ الروايات في هذا الشأن؟
بسم الله الرحمن الرحيم
لابد لنا أن نشير ابتداءً إلى أن مفهوم الدولة في الاصطلاح السياسي المعاصر لا يمثل نفس المدلول في قاموس الإسلام السياسي، إذ تم تضييق المعنى ليقتصر على الحكم السياسي لطائفة من الناس طبقاً لنظرية خاصة، بينما مدلول الدولة في الإسلام هي الخلافة عن الله (عزَّ وجلَّ) أعم من أن تكون تلك الخلافة في الأرض أو خارجها وأشمل من كون مورد تطبيقها الجماعات الإنسانية القاطنة في بلدانها أو سائر المخلوقات الأخرى، ولذلك فإننا سوف نتحدث عن الدولة في إطارها الإسلامي وهي الخلافة فنقول:
إن ظاهر كثير من الروايات أن دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سوف تكون عامة لكافة الكون، أمّا ما هي هذه الخلافة وكيف يمكن أن تمثل دولة عالمية واحدة مع تفرّق الأقاليم وتباعدها واختلاف الأجناس، الذي يترتب عليه تباين القوانين وعدم جامع بينها، مع أن القائد أو الحاكم واحد والأطروحة أو النظرية السياسية التي يطبقها واحدة وهي النظرية الإسلامية للحكم.. فهذه مفارقة ينبغي حلها.
فمن جهة تعدد الأقاليم وتباعدها وتفرقها في أنحاء الكون فالأمر هين مع وجود سلطات فيها تابعة للسلطة المركزية الأرضية.
وأمّا اختلاف الأجناس فالأمر فيه أهون مع بعث النواب والوكلاء لكل صنف من الكائنات من أنفسهم، على حذو ما كان على عهد سليمان بن داود (عليه السلام) الذي كان حاكماً على الجن والإنس والشياطين والبهائم والطيور حسبما نطق بذلك القرآن الكريم.
أمّا تباين القوانين وعدم جامع بينها باعتبار أن القوانين الصالحة للبشر لا يمكن أن تكون كلها صالحة لغيرهم، فجوابه أنه يمكن أن ينبثق من الدستور الإسلامي العالمي دساتير جزئية أو فرعية لكل طائفة من مخلوقات الله تراعى فيها أوضاعهم الخاصة وقابلياتهم ونوع اجتماعهم.
وإنما كانت الدولة العالمية للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) شاملة لكل الكون فذلك لابتنائها على عنصرين:
الأول: الولاية التكوينية التي يخضع لها كل شيء في الكون ليس فقط في الكون الظاهري بل العوالم الأخرى الغيبية كعالم البرزخ وعالم الملكوت، فقد جاء في الأخبار ما يدل على انفتاح عوالم الغيب والشهادة على بعضها، وربما يكون هذا الانفتاح هو ملاك عودة كثير من الأموات إلى الدنيا في عهده (عجّل الله فرجه) وهو ما يطلق عليه بالرجعة.
والعنصر الثاني للخلافة: هي إقامة القسط والعدل وإنهاء الجور والظلم، وبطبيعة الحال: فإن العدالة المومى إليها هي العدالة المستندة إلى الشريعة الإسلامية الغراء، وهي قائمة على أساس إعطاء الحقوق وفرض الواجبات وعدم التجاوز عن الحدود الشرعية واحترام الإنسان وعبوديته لخالق السماء والتكامل الاجتماعي والتراحم بين الناس ونبذ الخلافات وتقديم المصلحة العامة على المصالح الجزئية والشخصية.. وهلُم جرّا، فهذا العنصر الثاني هي الدولة بالمعنى الأخص، وقد حاولت كثير من الأمم الاقتراب من نظم مبادئه في نظريات سياسية وفلسفية خاصة بمعزل عن الطرح الديني للإسلام ما أفضى بها في نهاية المطاف إلى الفشل على صعيد تحقيق العدالة، وقد تصدّت لعالمية الطرح بعض المذاهب والتيارات كالشيوعية والديمقراطية فبرزت لديها مفارقات وتناقضات داخلية عجزت عن إصلاحها ما يعتبر مؤشراً على فشلها، ولا يسعنا في هذه العجالة التطرق إلى مكامن تلك التناقضات.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: رجاء : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)