(٣٩٨) هل أنه (عجّل الله فرجه) سوف يأتي بدين جديد؟
سمعتُ أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سوف يأتي بدين جديد.
فهل هذا صحيح؟
ولو كان صحيحاً فما هو العيب في ديننا اليوم حتى نحتاج إلى دين جديد؟
بسم الله الرحمن الرحيم
حتى يتضح الجواب عن سؤالكم نرجو الالتفات إلى ما سنذكره لكم:
أولاً: ليس معنى هذه الروايات أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سيأتي بدين جديد غير دين الإسلام -كما يحلو للبعض أن يصوره، بل هو يأتي بالإسلام نفس الإسلام- ونفس تلك الروايات الشريفة تؤكد هذا المعنى إذ أنها لم تقل إنه سيأتي بدين جديد إنما قالت سيأتي بالإسلام جديداً، فهو هو نفسه الإسلام لكن بحُلة جديدة إن صح التعبير.
وهذه الحُلة الجديدة لا تغير من الإسلام شيئاً كل ما في الأمر أن الإسلام ولأسباب كثيرة (كابتعادنا عن زمن النص وانقطاعنا عن مباشرة المعصوم وتعمد فقهاء السوء إخفاء بعض الحقائق الإسلامية وتحريف البعض ونسيان بعض الأحكام أو تناسيها وعدم الاطلاع على الأحكام الشرعية الواقعية) قد تغيرت الكثير من حقائقه واندثرت أخرى حتى صار الإسلام اسماً فارغاً من المحتوى عند أهل السنة في كثير من مفرداته وهو ما عبرت عنه الروايات بأنه لا يبقى من الإسلام إلّا اسمه وهو ما عبرت عنه الروايات المذكورة في السؤال بأن الإسلام سيكون غريباً حتى بدا للناظر أن الإسلام بقي وحيداً إلّا من ناصرٍ قليل.
فإذا جاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وهو العالم بالواقع وبمصادر التشريع وملاكات الأحكام فآنذاك سيظهر للناس الإسلام كما أراده الله تعالى فيظهر جميع الأحكام التي ذكرت أو نسيت وقد يحكم الإمام (عجّل الله فرجه) بأحكام لا نعرف أسسها الظاهرية ولكنه سيحكم فيها بعلمه الواقعي وبما يراه من علامات ومصالح أو مفاسد تتناسب مع الموقف.
وهذا ما عبّرت عنه الأدعية الشريفة بتعبيرات مختلفة مثلاً ما ورد في دعاء زمن الغيبة: وجدّد به ما امتحى به من دينك وأصلح به ما بُدّل من حكمك وغُيّر من سنّتك حتى يعود دينك به وعلى يديه غضاً جديداً صحيحاً لا عوج فيه ولا بدعة معه.
وفي دعاء العهد: ومجدداً لما عُطّل من أحكام كتابك ومشيّداً لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيك (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فهذه الفقرات تشير وبصراحة إلى وجود بدع ليست من الدين ولكنها اختلطت بالحق حتى ظن البعض أنها من الدين وأن هناك سنناً في الدين ولكنها غابت لسبب ولآخر، وما سيفعله الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو أنه سيكشف البدعة ويبعدها عن الدين ويكشف السنة الحقة ويلحقها بالدين، إذن، فالإمام سيقيم الأحكام التي لم تطبق والتي عُطّلت وسيرفع الأحكام المنحرفة ويأتي بالحقيقة وسيحكم بأحكام واقعية حسب الموقف وما يراه هو من مصلحة وهو ما عبرت عنه الروايات بأنه سيحكم بحكم آل داود.
ثانياً: لا يعني هذا كله بحال من الأحوال أننا الآن خارج إطار الدين لأن كل ما بيد الفقهاء هو أحكام وقواعد عامة وروايات خاصة تلقوها من المعصوم (عليه السلام) نعم، هم يحكمون في بعض الأحيان بأحكام ظنية ظاهرية ولكن هذا الظن وهذا الظاهر قد ثبت بالدليل القطعي أن الله تعالى قد رضي لنا أن نعمل به في زمن الغيبة وابتعادنا عن مصدر التشريع فهو أيضاً داخل إطار الدين فلا ينبغي أن تكون مثل تلك الروايات مصدراً للخوف والرعب النفسي، بل هي ستكون مصدر اطمئنان لنا بأن إمامنا سيعرفنا على الدين الواقعي الذي ارتضاه الله لنا ديناً.
ثالثاً: إن مفردات الانحراف عن الدين كثيرة جداً فمثلاً الصلاة رغم أنها مسألة عامة البلوى وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يصليها يومياً خمس مرات إمام المسلمين وكانوا على مرأىً ومسمع منه، لكن مع ذلك حصلت انحرافات كثيرة فيها من تكتف وقول (آمين) والإخفات بالبسملة رغم أن السنة هي الجهر بها، وغيرها، وكصلاة التراويح التي لما اراد أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يمنعها في الكوفة صاح الناس (وا سُنة عُمَراه) وتناسوا سُنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكذلك تحريم عمر لمتعة النساء، وكذلك القول بالقياس والرأي، وغيرها كثير، بل صرّح ابن تيمية بأن السُنة هي التختم باليمين ولكن لأن الشيعة يفعلونه فلابد أن يكون التختم في الشمال لئلا يشابه فعل الشيعة!
فإذا كانت مثل هذه الأمور الظاهرة والتي بلغ بها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) علناً وصراحة، ومع ذلك قد دخلتها يد التحريف فكيف بغيرها من الأحكام والتي قد لا يفعلها المكلف في حياته إلّا مرة واحدة -كالحج- أو أنها من الأحكام الدقيقة التي تحتاج إلى عمق فقهي -كالإرث حيث ابتدع عمر فيه مسألة العَوْل- على أن هذا غيض من فيض انحرافات غير أتباع أهل البيت (عليهم السلام).
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: خادمة أقدام الزهراء : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)