ارسل سؤالك المهدوي:
المسار
عصر الظهور

(٩٢٩) معنى (فَاَخْرِجْني مِنْ قَبْري مُؤْتَزِراً كَفَني)؟

ورد في دعاء العهد (فَاَخْرِجْني مِنْ قَبْري مُؤْتَزِراً كَفَني...الخ)، هل لمن يخرج من قبره لنصرة الإمام (عجّل الله فرجه) ميتة أخرى؟


بسم الله الرحمن الرحيم
يوجد جوابان حول هذه المسألة أحدهما جواب فلسفي يذكره السيد الطبطبائي (رحمه الله) في تفسيره الميزان، والآخر جواب كلامي يعتمد على ظواهر الروايات والأخبار.
الجواب الأول: يبتني هذا الجواب على الرؤية الفلسفية التي تفسر الموت بكونه عملية تكاملية للإنسان في مسيرته التكوينية ولا يطرأ على الحي إلّا بعد أن يستكمل جميع ماله من كمالات تخرج من القوة إلى الفعل، وعلى ضوء هذا التفسير سيكون فهمنا للموت مغايراً تماماً للفهم العرفي له والسائد عنه، فليس كل من مات بمرض أو قتل أو لأي أمر عارض قد ذاق الموت حقيقةً وواقعاً، فالذي يموت على سبيل المثال بحادث مروري أو مات بسبب إصابته بفيروس قاتل أو بطلق ناري إنما ينقطع عن الدنيا ويخرج عنها بقسر واضطرار ولا يعني أنه قد مات موتاً حقيقياً وإنما يُعبر عنه بالموت الاخترامي الذي لم يستوفِ الإنسان فيه جميع ما له من كمالات تقتضيها طبيعته التكوينية، ففرق بين أن تخرج الفراشة من شرنقتها بحسب ما قُدِر لها من طبيعة، وبين أن يتم إخراجها بفعل فاعل.
وبحسب هذا التنظير والفهم فإن الذين يرجعون في الرجعة لم يموتوا في الدنيا الموت الطبيعي أولاً حتى يستشكل المستشكل بقوله: كيف يموتون ثانيةً في الرجعة، بل سيكون هو موتاً واحداً يذوقونه في الرجعة فقط.
وبطبيعة الحال هذا التفسير يقدم رؤية تتخلص من الإشكالية الفلسفية التي يُشكل بها البعض على وقوع الرجعة وكونها ممتنعة عقلاً كما نقل عنهم ذلك العلامة الطبطبائي في الميزان بقولهم الذي حاصله: إن الموت بحسب العناية الإلهية لا يطرأ على حي حتى يستكمل كمال الحياة ويخرج من القوة إلى الفعل في كل ما له من الكمال فرجوعه إلى الدنيا بعد موته رجوع إلى القوة، وهو بالفعل، هذا محال. [تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: ج2، ص107]
وبعد أن أورد كلامهم قدم العلامة الطبطبائي جواباً ينسجم مع ما ذكرناه أعلاه فيقول (رحمه الله): وما ذكره من امتناع عود ما خرج من القوة إلى الفعل إلى القوة ثانياً حق لكن الصغرى ممنوعة فإنه إنما يلزم المحال المذكور في إحياء الموتى ورجوعهم إلى الدنيا بعد الخروج عنها إذا كان ذلك بعد الموت الطبيعي الذي افترضوه، وهو أن تفارق النفس البدن بعد خروجها من القوة إلى الفعل خروجاً تاماً ثم مفارقتها البدن بطباعها.
وأما الموت الاخترامي الذي يكون بقسر قاسر كقتل أو مرض فلا يستلزم الرجوع إلى الدنيا بعده محذوراً، فإن من الجائز أن يستعد الإنسان لكمال موجود في زمان بعد زمان حياته الدنيوية الأولى فيموت ثم يحيى لحيازة الكمال المعد له في الزمان الثاني، أو يستعد لكمال مشروط بتخلل حياة ما في البرزخ فيعود إلى الدنيا بعد استيفاء الشرط، فيجوز على أحد الفرضين الرجعة إلى الدنيا من غير محذور المحال وتمام الكلام موكول إلى غير هذا المقام. [تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: ج2، ص107]
وعلى ضوء هذا البيان لن يموت الإنسان في الرجعة مرة ثانية بل هي موتة واحدة ستكون في الدنيا، فإن لم تقع قبل الرجعة ستقع بعدها، وقد يؤيد هذا المعنى ما ورد في قوله تعالى حينما وصف أهل الجنة بقوله تعالى: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ بمعنى أن هؤلاء المتنعمين في الجنة لم يذوقوا الموت إلّا مرة واحدة.
وكذلك ما ورد في رواياتنا الشريفة عن الأئمة (عليهم السلام) والتي ذكرت أن الخروج من الدنيا بالقتل لا يعني الموت حقيقةً،
فقد سأل زرارة الإمام الباقر (عليه السلام): فقلت: أخبرني عمن قتل مات؟ قال: لا، الموت موت، والقتل قتل، فقلت: ما أحد يقتل إلّا مات، قال: فقال: يا زرارة! قول الله أصدق من قولك قد فرق بين القتل والموت في القرآن فقال (عليه السلام): أفإن مات أو قتل - وقال: - لئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون، فليس كما قلت يا زرارة الموت موت، والقتل قتل، وقد قال الله (عزَّ وجل): ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾. قال: فقلت: إن الله (عزَّ وجل) يقول: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾، أفرأيت من قتل لم يذق الموت؟ فقال: ليس من قتل بالسيف كمن مات على فراشه، إن من قتل لا بد أن يرجع إلى الدنيا حتى يذوق الموت. [مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص19]
الجواب الثاني: وهو يعتمد على الفهم الظاهر مما روي أيضاً عنهم (عليهم السلام) وأن لكل مؤمن موتاً وقتلاً، فمن مات في الدنيا يعود في الرجعة لكي ينال الشهادة والعكس صحيح.
فقد روى جابر عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: ليس من مؤمن إلا وله قتلة وموتة أنه من قتل نشر حتى يموت، ومن مات نشر حتى يقتل. ثم تلوت على أبي جعفر (عليه السلام) هذه الآية: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾. [مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص17]
وهذا الرأي على كل حال لا يمانع من قبول فرضية أن الإنسان يمكن أن يموت في الدنيا أولاً ثم يعود فيموت ثانية، وقد يستظهر من بعض الروايات ما يشي بذلك، فقد روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قوله: لترجعن نفوس ذهبت وليقتصن يوم يقوم ومن عذب يقتص بعذابه ومن أغيظ أغاظ بغيظه ومن قتل اقتص بقتله، ويُرَدّ لهم أعداؤهم معهم، حتى يأخذوا بثأرهم، ثم يعمرون بعدهم ثلاثين شهراً ثم يموتون في ليلة واحدة. [مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص28]
ولا يخفى امكانية الجمع بين الرأيين وأن أحدهما يكمل الآخر فلا يتعارضان إذا فهمنا أن الموت على قسمين منه موت اخترامي ومنه موت طبيعي ولكل منهما حيثياته وأسبابه.
فقد روي عن الإمام زين العابدين والإمام الباقر (عليهما السلام) أنهما كانا يقولان إذا رأيا جنازة: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم. [الكافي للشيخ الكليني: ج3، ص167]
وهو يؤشر بطبيعة الحال إلى تنوع أقسام الموت.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

عصر الظهور : ٢٠٢١/٠٣/١٨ : ٢.٩ K : ٠
: حوراء : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.