ارسل سؤالك المهدوي:
المسار
عصر الظهور

(١٠٧٧) ما هي الطامة الكبرى؟

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته: ألا وإن أكثر أتباعه يومئذٍ أولاد الزنا وأصحاب الطيالسة الخضر، يقتله الله (عزَّ وجل) بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة على يد من يصلّي عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه. ألا أن بعد ذلك الطامة الكبرى.
ما هي الطامة الكبرى التي يقول عنها الإمام (عليه السلام)؟!


بسم الله الرحمن الرحيم
في نفس الرواية التي نقلها الصدوق (رحمه الله) في كتابه كمال الدين يسأل الأصبغ بن نباتة أمير المؤمنين (عليه السلام) عن المقصود بـ(الطامة الكبرى) فأجاب (عليه السلام) بقوله: خروج دابة الأرض من عند الصفا، معها خاتم سليمان بن داود، وعصى موسى، يضع الخاتم على وجه كل مؤمن فينطبع فيه: هذا مؤمن حقا، ويضعه على وجه كل كافر فينكتب هذا كافر حقا، حتى أن المؤمن لينادي: الويل لك يا كافر، وإن الكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن، وددت أني اليوم كنت مثلك فأفوز فوزا عظيماً. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص527]
وقد تحدث القرآن الكريم عن خروج دابة من الأرض قبل يوم القيامة في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾، وقد اختلف مفسروا المذاهب الأخرى في تحديد معنى هذه الدابة وماهيتها وفي زمان خروجها، وما هي وظيفتها إلى عدة أقوال والسبب في اختلافهم أن الآية الكريمة لم توضح طبيعة هذه الدابة ولا كيفية خروجها من الأرض فاعتمدوا على الظنون والتفسير بالرأي في تحديد المقصود منها، ولكي نقف على معنى هذه الدابة وحقيقتها، وهل هي من الذوات غير العاقلة كما هو السائد في الاستعمال العرفي أو من الذوات العاقلة المدركة كما هو الظاهر من الآية الكريمة، فلا بد من مراجعة كلمات اللغويين والوقوف على أصل تلك اللفظة، فقد ذكر ابن فارس (كل ما مشى على الأرض فهو دابة) [معجم مقاييس اللغة لابن فارس: ج2، ص263]، وقال الثعالبي في كتابه (كلُ شيءٍ دَبَّ على وَجْهِ الأرض فهو دَابَّةٌ) [فقه اللغة وسر العربية للثعالبي: ص21]
وكما هو واضح من كلماتهم فإن الدابة معنى عام يشمل كل ما يتحرك على الأرض من الإنسان أو الحيوان لا خصوص الدابة التي تُركب من الحيوان، كما هو المتداول في الاستعمال العرفي، وكثيراً ما يُتعارف عند الناس استعمال لفظة ذات معنى عام في معنى خاص كما في لفظة (السيارة) فانهم يستعملونها في المركبة المعروفة مع أنها لغةً تشير إلى الجماعة الذين يسيرون في الأرض سواء كانوا في قافلة جمال أو مركبات النقل، وقد ورد استعمالها في القرآن الكريم في ذلك، كما في قوله تعالى: ﴿وَجَاءَت سيارة فأرسلوا واردهم﴾.
وعلى ضوء ما تقدم لا يبقى وجه لحمل لفظة الدابة على المعنى العرفي والغاء المعنى العام الذي يشمل الإنسان أيضاً، ويظهر أن القرآن الكريم استعمل هذه اللفظة بمعناها الواسع أيضاً، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فإذا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾، إذ أن العذاب النازل بسبب ظُلم البشر يقتضي أن يكون شاملاً للإنسان قبل غيره، وأنه أوضح المؤاخذين بذلك الظلم، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض إلّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾، فإن التعبير بالدابة في الآية الشريفة لا يختص بالحيوان فقط، بل هو شامل لكل ما يدب على الأرض ويتحرك كما لا يخفى، لكن هذا المعنى العام بعد أن عرفناه لغةً وقرآناً مع سعته لا يعطينا وضوحاً في تحديد ماهية هذه الدابة ولا تحديد معناها في مصداق معين، ولكن بملاحظة القرائن والتوصيفات التي أعطيت لهذه الدابة يمكن أن نتبين أن المقصود بهذه الدابة كائن عاقل مدرك لأفعال الناس وتصرفاتهم تخرج من الأرض بشكل اعجازي لا أنها متولدة من نسل موجود في زمان ظهورها، يشكل خروجها معجزة إلهية وآية خارقة في غير ما اعتاده الناس من الآيات والدلائل المألوفة لهم والتي طالما شكك الناس فيها ولم يؤمنوا بها، ولكن ظهور هذه الدابة سوف يُشكل مظهراً وتجلياً لوقوع القول على الناس ليخرجهم من حالة الإنكار والتشكيك إلى حالة اليقين والإيمان، ولكنه إيمان اضطراري فرضته المعجزة الخارقة هو كما هو واضح لا يتحقق في مجرد دابة تتكلم عن غير وعي وادراك، كما يحصل لبعض طيور الببغاء، فلا مناص من افتراض أن هذه الدابة حجة إلهية ذات وظيفة مفصلية وخطيرة سوف تحصل قبل يوم القيامة، ومع أن الجواب الذي تقدم منا إنما اعتمدنا فيه اللغة والقرائن الحافة بهذا الموضوع والذي دلنا على أن هذه الدابة ليست من صنف الحيوان أو البهائم، كما ذهب بعض مفسري المخالفين ومع إننا تقدمنا خطوة كبيرة في تحديد مصداق هذه الدابة إلّا أن الابهام والاجمال ما زال هو الحاكم في تشخصيها وتعيينها وهو الأمر الذي يرتفع ويتبدى لنا بعد ذلك عند مراجعة الروايات الشريفة والأحاديث الواردة في تفسير معناها.
فقد روى أبو الصامت الحلواني عن الإمام الباقر عن أمير المؤمنين (عليهما السلام) قوله: ولقد أعطيت الست: علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب، وإني لصاحب الكرات ودولة الدول، وإني لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلم الناس. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص198]، وما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: انتهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو نائم في المسجد قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه فحركه برجله، ثم قال: قم يا دابة الأرض. فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، أيسمي بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلّا له خاصة، وهو الدابة الذي ذكره الله في كتابه، فقال (عزَّ وجل): ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾، ثم قال: يا علي إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعداءك، فقال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام): إن العامة يقولون: إن هذه الآية إنما تكلمهم؟ [الكَلْمُ هو الجَرْحُ والكلِم هو القول أي إنهم فسروا (تكلمهم) بمعنى تجرحهم.] فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كلمهم الله في نار جهنم، إنما هو يكلمهم من الكلام. [مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص43]
وما رواه أبو عبد الله الجدلي قال: دخلت على علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ألا أحدثك ثلاثاً قبل أن يدخل عليَّ وعليك داخل؟ قلت: بلى، فقال: أنا عبد الله وأنا دابة الأرض صدقها وعدلها وأخو نبيها. [مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص207]، وما رواه صاحب مختصر البصائر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: وأنا دابة الأرض وأنا قسيم النار وأنا خازن الجنان وصاحب الأعراف. [مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص34]
وغيرها من الروايات التي تظافرت واستفاضت عنهم (عليهم السلام) أن المقصود بدابة الأرض هو أمير المؤمنين (عليه السلام) وأن خروجه ورجوعه إلى عالم الدنيا يكون في آخر الزمان وقبل حلول يوم القيامة، مضافاً للنصوص الكثيرة عندنا التي حددت الزمان الذي يكون خروجه فيه بزمان الرجعة الذي يكون في دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، ويؤيد هذا المعنى أن هذه الآية وردت في سياق الآيات التي تتكلم عن الرجعة، فقد جاء بعدها مباشرة قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أمة فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾، ولا يخفى أن الآية الكريمة ليست بصدد الحديث عن الحشر الكلي لجميع الناس والذي يحصل يوم القيامة، بل عن حشر جزئي فسرته روايات أهل البيت (عليهم السلام) بالحشر الذي يكون في عالم الرجعة، فقد روى القمي في تفسيره بسند معتبر عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ما يقول الناس في هذه الآية ويوم نحشر من كل أمة فوجاً. قلت: يقولون إنها في القيامة. قال: ليس كما يقولون إن ذلك في الرجعة، أيحشر الله في القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين إنما آية القيامة قوله: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾. [تفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي: ج1، ص24]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

عصر الظهور : ٢٠٢١/٠٨/٠٧ : ٢.٢ K : ٠
: محمد : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.