ارسل سؤالك المهدوي:
المسار
عصر الظهور

(١٠٩٥) هل في الدولة المهدوية لا يوجد أسواق لأنها ميدان إبليس؟

ذكر في رواية شر بقاع الأرض الأسواق، وهي ميدان إبليس، وغيرها من روايات، فهل في الدولة المهدوية لا يوجد أسواق ولا مجمعات لأنها شر، كما ذكرت الرواية، لأن الإمام (عجّل الله فرجه) حين يظهر سيزيل أي شيء فيه شر وفساد، أم تبقى الأسواق والمجمعات وتكون في الدولة المهدوية برقابة من الإمام (عجّل الله فرجه) لأنه ليس كل الأسواق والمجمعات فيها شر وغش وغيره، أم روايات لم توضح هذه الأمور وساكتة عن هذا الشيء؟ يرجى التوضيح.


بسم الله الرحمن الرحيم
لا يخفى أن الإسلام حثَّ المسلمين على التجارة والعمل ورغَّبهم في الكسب الحلال، واعتبرها تزيد في العقل، وإنَّ تركها والإعراض عنها سبباً لنقصانه، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): التجارة تزيد في العقل. [الكافي للشيخ الكليني: ج5، ص148]، وورد عنه أيضاً (عليه السلام): إن تسعة أعشار الرزق في التجارة. [الكافي للشيخ الكليني: ج5، ص148]، بل كان الإمام الصادق (عليه السلام) يردع بعض أصحابه عن ترك التجارة والكسب بتبرير انتظار الفرج أو ما شابه ذلك، فقد روى شهاب ابن عبد ربه، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): إن ظننت أو بلغك أن هذا الأمر كائن في غد فلا تدعن طلب الرزق. [الكافي للشيخ الكليني: ج5، ص79]، وروى كذلك معاذ بياع الأكسية قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا معاذ، أضعفت عن التجارة أو زهدت فيها؟ قلت: ما ضعفت عنها وما زهدت فيها، قال: فما لك؟ قلت: كنا ننتظر أمراً وذلك حين قتل الوليد وعندي مال كثير وهو في يدي وليس لأحد عليَّ شيء، ولا أراني آكله حتى أموت، فقال: تتركها، فإن تركها مذهبة للعقل. [الكافي للشيخ الكليني: ج5، ص148]
وإذا كان الأمر كذلك فمن الطبيعي أن يكون للسوق ومواضع التجارة قيمتها في التشريع الإسلامي ولا يمكن بأي حال أن يغفل عن هذا الجانب الحيوي في حياة المجتمع الإنساني، بل ورد أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو أول من أسس سوق المسلمين حينما هاجر إلى المدينة، فقد روى عطاء بن يسار، قال: لما أراد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن يجعل للمدينة سوقاً أتى سوق بني قينقاع، ثم جاء سوق المدينة فضربه برجله وقال: هذا سوقكم، فلا يضيق ولا يؤخذ فيه خراج. [تاريخ المدينة للنميري: ج1، ص304]
وهكذا كانت سيرة الأنبياء والأولياء يدخلون الأسواق ويتاجرون فيها ولا يمتنعون عن الكسب المشروع مما قسمه الله تعالى لهم من الرزق وقد عابهم بعض المشركين على ذلك ظناً منهم أن ذلك يقلل من قيمتهم أو من شأنهم، فنزل قوله تعالى مندداً بهم ورادّاً عليهم: ﴿وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ﴾، أي طلباً للمعاش والرزق وهو ذات المعنى الذي رده أيضاً الإمام الصادق (عليه السلام) لبعض من توهم من أصحابه عدم التناسب بين طلب الآخرة وطلب الرزق، فقد روى أسباط بن سالم قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسألنا عن عمر بن مسلم ما فعل؟ فقلت: صالح، ولكنه قد ترك التجارة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): عمل الشيطان - ثلاثاً - أما علم أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) اشترى عيراً أتت من الشام فاستفضل فيها ما قضى دينه وقسم في قرابته، يقول الله (عزَّ وجل): ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ﴾ يقول القصاص [القصاص رواة القصص والأكاذيب]: إن القوم لم يكونوا يتجرون كذبوا ولكنهم لم يكونوا يدعون الصلاة في ميقاتها وهو أفضل ممن حضر الصلاة ولم يتجر. [الكافي للشيخ الكليني: ج5، ص75]، بل ورد في سيرة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وفي أيام غيبته أنه يمشي ويتجول في أسواق المسلمين من غير أن يتم التعرف عليه، فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله (عزَّ وجل) يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون يسير فيما بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص337]
وبعد هذا البيان يمكن أن نفهم أن الذم والقدح في توصيف الأسواق وكونها شر بقاع الأرض إنما هو توصيف نسبي قياساً بالمساجد وبيوت الله تعالى، وليس ذلك إلّا لأمور عارضة عليها بسبب السلوكيات الباطلة للناس في الأسواق من الغش والاحتيال والكذب، فقد ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): شر بقاع الأرض الأسواق وهي ميدان إبليس يغدو برايته ويضع كرسيه ويبث ذريته، فبين مطفِّف في قفيز أو طائش في ميزان أو سارق في ذرع أو كاذب في سلعة. ثم قال (عليه السلام): وخير البقاع المساجد. [من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج3، ص199]
وعلى هذا الأساس لا معنى للقول بأن المتاجر والأسواق في زمن الدولة المهدوية سوف تزال أو تنعدم وإنما تخضع للضوابط والقوانين التي تريدها السماء، بل تتكامل وتزدهر حالها حال كل مفاصل الحياة ببركة الإمام القائم (عجّل الله فرجه) وبركات وجوده وقيادته للبشرية.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

عصر الظهور : ٢٠٢١/٠٨/٣١ : ٢.١ K : ٠
: جعفر الفهيد : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.