(١١٨٤) لن يثبت على الإيمان بالإمام (عجّل الله فرجه) إلّا القلة القليلة، فمن سينصره؟
بناءً على الأحاديث المروية عن أهل البيت (عليهم السلام) أنه لن يثبت على الإيمان بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إلّا القلة القليلة من الشيعة، فهل عندما يظهر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سيؤمنون به وينصرونه؟ وإلّا فمن سينصره إذن؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الانحراف الذي يحصل في زمن الغيبة الكبرى له أسباب متعددة: بين من يُصاب باليأس من ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) لطول غيبته، وبين من يتعجل الظهور فيتبع كل دجال وناعق ينعق هنا أو هناك، وبين من يسقط في مهاوي الخطايا وشهوات النفس الأمارة بالسوء أو شباك إبليس اللعين، وكل هذه الأسباب وغيرها ذكرتها الأحاديث والأخبار وأشارت إليها بوضوح وحذرت المؤمنين منها وبينت في الوقت ذاته الطريق السليم لتجنبها والابتعاد عنها.
روى علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنكم أحد عنها، يا بني إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص336]
وما رواه ابن أبي دلف عن الإمام الجواد (عليه السلام): فقلت له: يا بن رسول الله لِمَ سمي القائم؟ قال: لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته. فقلت له: ولِمَ سمي المنتظر؟ قال: لأن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزأ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلمون. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص378]
ومن أهم أسباب الانحراف التي ستقع في زمن الغيبة ما يمكن التعبير عنه بالفتن العقائدية والفكرية التي تنشأ من التحديات التي يعانيها البعض من خلال المقارنات الحضارية بين المسلمين وغيرهم، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الأمني، فبينا البلدان الإسلامية التي تعاني الانحدار والتخلف على أكثر من صعيد نجد أن الكثير من الدول الغربية أو غير الإسلامية تعيش الرفاهية والاستقرار في أكثر من مجال، وهذا بطبيعته يولد العديد من الشبهات التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى النكوص والارتداد عن العقيدة الحقة، خصوصاً لمن لم يتعمق في إدراكه ووعيه العقائدي الذي لم يسعفه في استيعاب أن التفوق المادي والمدني عند الآخرين لا يعني بالضرورة سلامة الموقف في العقيدة والمبدأ، ولا يخفى أن ابتلاءات السماء والامتحانات التي تُعرِّض الناس إليها متعددة ومتنوعة، وفي كل جيل هناك أنماط جديدة من الفتن والاختبار، وليست هي على نسخة واحدة، فإذا ابتلى الله تعالى قوم ثمود بناقة صالح أو بني إسرائيل بعجل السامري، فإن لهذه الأُمة ابتلاءاتها الخاصة بها والتي قد نغفل عن كونها محناً وامتحانات، لابد أن نجتازها بنجاح، وهذا ما استشرفته بعض الروايات التي حكت عن ذلك، فقد روى محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قدام القائم علامات تكون من الله (عزَّ وجلَّ) للمؤمنين، قلت: وما هي جعلني الله فداك؟ قال: ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ يعني المؤمنين قبل خروج القائم (عليه السلام)، ﴿بِشَـيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّـرِ الصَّابِرِينَ﴾. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص649]
وهو نفس المعنى الذي روته أخبار العامة كما جاء ذلك عن أبي الجلد جيلان (تلميذ ابن عباس) فيما نقله من قوله عن آخر الزمان: يلج البلاء بأهل الإسلام خصوصية دون الناس، وأهل الأديان حولهم آمنون يرتعون حتى يتهود قوم، ويتنصر آخرون. [الداني في السنن الواردة في الفتن (3/544)]
وهو معنى يصدقه الواقع اليوم في الكثير مما نراه من صور الانحراف والسقوط عند بعض المسلمين، بطبيعة الحال سوف تختلف مواقف الناس تجاه كل ما ذكرناه من هذه التحولات والمنعطفات الخطيرة، فهناك من يثبت ويتمسك بدينه وهناك من يتعثر ويفشل، والناجحون في ذلك وإن كانوا قلّة كما وصفتهم الروايات ولكنهم قلّة بالقياس إلى الكثرة التي وصفتها بعض الروايات بـ(غثاء السيل) والتي لن تقف حجر عثرة أمام المشروع المهدوي وتمكينه في الأرض، وهذه هي سنة الله تعالى في عباده حيث يختار الفئة التي عركتها التجارب وصقلتها المحن وشحذتها المعاناة، فعبروا كل ذلك بنجاح وتفوق وأثبتوا بذلك جدارتهم وكفاءتهم ليكونوا هم الطائفة والفرقة التي ينتصر بهم تعالى لنفسه ولدينه الذي ارتضاه، فقد روى عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن الله (عزَّ وجلَّ) إذا أراد أن ينتصر لأوليائه انتصر لهم بشرار خلقه، وإذا أراد أن ينتصر لنفسه انتصر بأوليائه. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج14، ص181]
ويؤيد هذا المعنى الحديث القدسي الذي ذكره ابن طاووس في كتابه سعد السعود والذي جاء في سياق عصر الظهور: فإنه يوم قضيت وحتمت أن أطهر الأرض ذلك اليوم من الكفر والشرك والمعاصي، وأنتخب لذلك الوقت عباداً لي امتحنت قلوبهم للإيمان وحشوتها بالورع والإخلاص واليقين والتقوى والخشوع والصدق والحلم والصبر والوقار والزهد في الدنيا، والرغبة فيما عندي، يدينون بالحق وبه يعدلون، أولئك أوليائي حقاً. [سعد السعود للسيد ابن طاووس: ص34]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: معن عبد الله : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)