(١١٨٥) شبهة: (المهدي سيولد آخر الزمان وليس مولوداً من قبل)
عرضت لنا شبهة (أن المهدي سيولد آخر الزمان وليس مولوداً من قبل) اعتماداً على هذه الرواية:
بهذا الإسناد، عن محمد بن مسعود، عن نصر بن الصباح، عن جعفر ابن سهل، عن أبي عبد الله أخي عبد الله الكابلي، عن القابوسي، عن نضر بن السندي، عن الخليل بن عمرو، عن علي بن الحسين الفزاري، عن إبراهيم بن عطية، عن أم هانئ الثقفية، قال: غدوت على سيدي محمد بن علي الباقر (عليه السلام) فقلت له: يا سيدي آية في كتاب الله (عزَّ وجلَّ) عرضت بقلبي أقلقتني وأسهرتني، قال: فاسئلي يا أُم هانئ؟ قالت: قلت: قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَلَا أُقسِمُ بِالخُنَّسِ * الجَوَارِ الكُنَّسِ﴾ قال: نِعْمَ المسألة سألتني يا أم هانئ، هذا مولود في آخر الزمان هو المهدي من هذه العترة تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها أقوام فيا طوبى لك إن أدركته، ويا طوبى من أدركه.
[بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج51، ص137]
أرجو الرد على هذه الشبهة
بسم الله الرحمن الرحيم
الكثير من الناس يتصورون أن مصطلح (آخر الزمان) يُراد به بالضرورة الفترة المتاخمة لنهاية العالم وقيام الساعة وهذا فهم خاطئ، فإن الزمان وتوصيفه بالأولية أو الأخروية يبقى في كثير من الأحيان توصيفاً نسبياً، فإنه يصح أن نقول عن عصر إبراهيم (عليه السلام) بأنه آخر الزمان قياساً بعصر أبينا آدم (عليه السلام) وهو أول الزمان قياساً بعصرنا الحالي، وعلى كل حال استعمل هذا المصطلح في الكثير من الروايات بمعنى محدد يبدأ من عصر نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وحتى قيام الساعة، باعتبار أن نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع والتي سوف تبقى إلى يوم القيامة، ومن هنا روي في الكثير من الأخبار وصف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأنه نبي آخر الزمان، فقد روى الكليني الحديث القدسي الذي وعظ الله تعالى به عيسى بن مريم وجاء فيه: ثم أوصيك يا بن مريم البكر البتول بسيد المرسلين وحبيبي، فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر والوجه الأقمر، يكون في آخر الزمان. [الكافي للشيخ الكليني: ج8، ص139] وكذلك ما رواه الصدوق عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث يوسف (عليه السلام) لزليخا جاء فيه: ما الذي دعاك يا زليخا إلى ما كان منك؟ قالت: حسن وجهك يا يوسف. فقال: كيف لو رأيت نبياً يُقال له محمد يكون في آخر الزمان أحسن مني وجهاً وأحسن مني خلقاً. [علل الشرائع للشيخ الصدوق: ج1، ص55]
وكذلك الحديث المروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الدعاء الذي علمه جبرئيل لآدم لما نزلت الخطيئة بآدم وأخرج من جوار رب العالمين أتاه جبرئيل فقال: يا آدم ادع ربك، قال: يا حبيبي جبرئيل وبما أدعوه؟ قال: قل: يا ربِّ أسألك بحق الخمسة الذين تخرجهم من صلبي آخر الزمان إلّا تبت عليَّ ورحمتني. [مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) للكوفي: ج1، ص547]
ومن هنا نفهم أن مصطلح آخر الزمان إنما يبدأ من عصر بعثة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وكل الأحداث التي ستقع بعد هذه الفترة يصح أن تُوصف بأنها أحداث آخر الزمان، ويؤكد هذا المعنى بوضوح ورود روايات عند السنة والشيعة تصف ظهور بعض الفرق المنحرفة كـ(الخوارج والجبرية) بأنهم يظهرون في آخر الزمان مع أنهم ظهروا قبل زماننا هذا بمئات السنين، فقد روى جابر عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: يكون في آخر الزمان قوم يعملون بالمعاصي ثم يقولون: الله قدرها علينا. [رسائل الشريف المرتضى: ج2، ص242]
وجاء كذلك في الحديث الذي رواه أمير المؤمنين (عليه السلام) عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في وصف الخوارج قوله: يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن [في] قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة. [صحيح البخاري: ج6، ص115]
وعلى ضوء البيان المتقدم يمكن أن نفهم صحة توصيف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أنه مولود في آخر الزمان، إمّا بلحاظه النسبي باعتبار أن الإمام الباقر (عليه السلام) يتحدث عن سنة 255 هجرية وهي العام الذي ولد فيه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والتي تأتي بعد حديث الإمام الباقر (عليه السلام) بأكثر من 140 سنة، وإمّا أن صحة التوصيف السابق باعتبار أن كل الأحداث التي ستقع بعد بعثة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) يصح توصيفها بأنها أحداث آخر الزمان كما أيدنا هذا المعنى بالروايات العديدة.
يُضاف إلى ذلك أن هذا الحديث (مع غض النظر عن ضعف سنده والذي احتوى على تسعة رواة مجهولين) لا يمكن أن يشكل شبهة تنهض وتقارع الروايات المتواترة والعديدة التي أكدت على ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الفعلية وغيبته طيلة هذه الفترة الزمنية، بل إن نفس هذا الحديث قد احتوى في بعض فقراته على قرينة واضحة من أن المقصود من مصطلح (آخر الزمان) الذي ورد فيها هو أحد المعنيين اللذين ذكرناهما سابقاً بدلالة ما جاء فيها من ذكر الغيبة والحيرة التي ستكون للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وهو الحال الذي ما زال يعيشه المسلمون من بعد شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وإلى أن يأذن الله تعالى بظهوره (عجّل الله فرجه).
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: أم حسين : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)