المنقذ في الأديان الوضعية دراسة تاريخية مقارنة
نور ناجح حسين(١)
إنَّ الله تعالى خلق الإنسان وفضَّله على الخلق بأنْ أسجد له ملائكته المقرَّبين، فجعله أفضل خلقه، وبعد ذلك أنزله دار الدنيا دار الاختبار ليختار الإنسان منزلته بالفعل، فإمّا أن يطلب ما اختاره الله له سيِّداً لخلقه، وإمّا أنْ يختار ما تختاره له نفسه الأمّارة بالسوء ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ (الفرقان: ٤٤)، وقد أعطى الله تعالى للإنسان عقلاً يهديه ويرشده لطريق النجاة لو اتَّبعه فهو نبي باطنه، وإزاءه نفسه تطلب الدنيا وزينتها فلو اتَّبعها لهلك، فكان الإنسان متَّزن الخلقة في ذلك، وبعدما كان الاختبار للخلق بآدم (عليه السلام) وفتنة السجود له، أبى واستكبر شيطانٌ من الجن حسداً منه له وعزَّةً في نفسه، فغضب الله عليه وأخرجه من نعيمه وجنَّته، فتواعد وأقسم أن يضلَّ عن الصواب الناس أجمعين، ﴿إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ﴾ (ص: ٨٣/الحجر: ٤٠)، فهنا أصبح عدوان للإنسان: نفسه الأمَّارة بالسوء والشيطان لذلك لطف الله بالبشر فمنَّ عليهم بنعمة ثانية وهي أن بعث لهم منهجاً لو اتَّبعوه لنجوا.
هذا المنهج يحمله أفراد منهم وهم الذين لا يتمكَّن الشيطان منهم وهم المخلَصون، فأصبح للإنسان ناصران، هما: العقل، وذلك الإنسان المعصوم من الخطأ المخلَص الذي لا يقع بشباك الشيطان، كما في قوله تعالى: ﴿إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ﴾ (ص: ٨٣) وهؤلاء هم المعصومون من الأنبياء والخلائف الربانيين، فبدأ النزاع بين البشر والشيطان والنفس والعقل، بين الحق والباطل، وكل البشر - الصالحون منهم والمستضعفون - يأملون ذلك اليوم الذي يعمّ به الحق ويظهر العدل بعد ظهور الفساد وكثرة جنود الشيطان في أرجاء المعمورة، لذا كان الأمل في المنقذ والمخلِّص جزءاً من فطرة الإنسان، فضلاً عن أنَّ الرحمن وعد به في كل كتبه ورسالاته.
إنَّ أهمية هذا الموضوع تكمن في تأكيد جميع الأديان واجتماعها على فكرة المنقذ، ما يحوجنا إلى معرفة كل منقذ لكل ديانة سماوية أو وضعية على وفق دراسة تاريخية مقارنة تتَّسم بالموضوعية، ولذلك جاء عنوان (المنقذ في الأديان - دراسة تاريخية مقارنة)(٢).
ولعلَّ هناك دوافع عدَّة كمنت وراء اختياري لهذا الموضوع أهمّها سعة انتشار (عقيدة المنقذ في الأديان) واهتمام الأديان بهذه العقيدة من قبل شرائح واسعة في مجتمعات مختلفة في الدين والمعتقد.
هذا البحث الذي جاء تحت عنوان (المنقذ في الأديان الوضعية) حاولت من خلاله إبراز أهم معالم (المنقذ) في الديانات الوضعية (الهندوسية والبوذية والزرادشتية) في ثلاثة مباحث، فيما خصص المبحث الرابع لعقد مقارنة لمفهوم المنقذ بين تلك الأديان وقد كان منهج البحث المتَّبع في هذا البحث هو المنهج الوصفي إلّا في المبحث الرابع فقد اتَّبعتُ منهج البحث التاريخي المقارن، ثم تلى فصول الدراسة خلاصة تضمَّنت أهم النتائج التي توصلت إليها بعد البحث والتقصّي وأردفت ذلك بثبت للمصادر والمراجع اعتمدت عليها في إنجاز هذا البحث.
المبحث الأول: المنقذ لغة واصطلاحاً:
أولاً: المنقذ لغةً:
لقد وردت لفظة المنقذ في الكثير من المصادر اللغوية مع الاختلافات بين مؤلفيها، فيقول ابن منظور: (نقذ: نَقَذَ يَنْقُذُ نَقْذاً: نجا؛ وأَنْقَذَه هو وتنقَّذه واستنقذه. والنَّقَذُ، بالتحريك، والنقيذ والنقيذة: ما استُنْقذ وهو فَعَل بمعنى مفعول مثل نَفَض وقَبَض(٣). فالمنقذ اسم فاعل من الفعل الثلاثي المزيد نَقَذَ يَنْقِذُ منقذاً واستنقذ(٤). أنقذه من فلان، واستنقذه منه، وتنقذه بمعنى، أنجاه وخلصه والنقذ بالتحريك: ما أنقذته، هو فعل بمعنى مفعول، مثل نفض وقبض(٥).
والنقائذ: من الخيل: ما أنقذته من العدو، وأخذته منهم، الواحدة نقيذة. ومنقذ: اسم رجل(٦).
و(نقذ) النون والقاف والذال أصل صحيح يدل على استخلاص شيء وأنقذته منه خلصته(٧). وفي تفسير قوله تعالى: ﴿وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها﴾ (آل عمران: ١٠٣) ذكر الراغب في مفردات ألفاظ القرآن (الإِنْقَاذُ: التَّخْلِيصُ من وَرْطَةٍ)(٨).
وقد جاء في المخصص عن (التّنَقّذ والإطلاق: أنقذْتُه وتنقّذْته واستنقَذْتُه والنَّقَذ والنّقيذ والنّقيذَة - ما استُنقِذ ونقَذَ هو ينقُذ نَقْذاً - نجا ورجل نقَذ - متنقّذ ومنه خيلٌ نقائذ - تُنُقّذَت من أيدي الناس)(٩).
(أنقذه من البؤس واستنقذه، وتنقذه وقد نقذ نقذا إذا نجا، وتقول العرب نقذا له إذا دعوا له بالسلامة وهو نقيذة بؤس وهم نقائذ بؤس إذا استنقذوا منه، وهذا الفرس أو البعير أو غيرهما من النقائذ وهي ما أخذه العدو وتملكه ثم رجعت فأخذته منه وتنقذته من يده وهو نقيذ ونقيذة ونقذ)(١٠).
من النصوص السابقة يتَّضح أن أغلب التأويلات والتعريفات تتفق على أنّ المنقذ هو من الانقاذ والتنقيذ والاستنقاذ والتخليص، وهذا ما تميل له الباحثة وتؤيده لأنّه الغالب والأقرب إلى المعنى الحقيقي الدال للمفردة.
ثانياً: المنقذ اصطلاحاً:
جاءت لفظة المنقذ لتشارك وترادف في معناها ألفاظاً أخرى كالمخلص، والموعود، والمنتظر، والمهدي، والمصلح، وأصبحت تشارك هذه الألفاظ التي حملتها بطون الكتب والروايات لتصبح لقباً للشخص الذي يقيم دولة السماء على الأرض، الرجل الذي يحكم الدولة الكبرى بالعدالة المطلقة، لذا أصبح لهذه اللفظة معنى اصطلاحي - ديني تشاركته الأديان، كلٌّ حسب تسميتها لهذا الشخص، ومما يبدو لي أن هذه التسمية أخذت حضوراً واسعاً في كتب الأديان والمعتقدات الإنسانية تشاركت في وحدة المعنى وترادفت في الاصطلاح وتنوَّعت في التسميات لكنها في حقيقتها صورة واحدة لمدلول واحد هو المنقذ الذي تنتظره كلّ الأديان مع اختلافها واختلاف تشخيصها لهوية هذا الشخص فاصبح هذا اللفظ من الناحية الاصطلاحية هو المعنى الشامل لذاك الرجل المنتظر، الذي سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وقد حمل الاعتقاد بهذا المنقذ المنتظر فكرة حكومته الشاملة الكاملة العادلة أكثر الأديان بل جميعها (ففكرة المهدي وظهور قائد في آخر الزمان موجودة في كثير من الأديان)(١١).
وقد كان أصحاب الرسالات السماوية والدعوات الإصلاحية حتّى الوضعية منها يحملون هذه الفكرة ويمهدون الطريق لهذا المنقذ الموعود الذي يتأملون مجيئه ليملأ الأرض عدلاً وسعادة، وهذا سرُّ ديمومة الفكرة وتناقلها، فقد روي عن كعب الأحبار (ت ٣٧هـ/ ٦٥٧م) قوله: (إني أجد المهدي مكتوباً في أسفار الأنبياء، وما في عمله ظلم ولا عيب)(١٢)، فصارت محطَّ تشاركِ أفكارِ البشرية التي تنتظر مخلِّصاً لها ينقذها من الشر الذي طغى على الأرض وينير ظلمة أيامها.
ثالثاً: المنقذ في اللغة العبرية:
وردت في هذه اللغة معانٍ عديدة لهذه المفردة، لكن هذا المعنى الذي نورده الآن هو الأشمل والجامع لكل مرادفات تلك المعاني، (המושיע المنقذ، المخلص، المنجي، الغائث، من الفعل العبري الثلاثي ישע انقذ، خلص، انجى وأغاث، والمصدر منه ישועה غوث وخلاص وانقاذ)(١٣) وמשיח أمّا المشيح فهو لقب لملك أو منصب الذي يمسك بالسمنر المقدس مثل الكاهن، والمنقذ هو لقب المنقذ الموعود لشعب إسرائيل الذي سيأتي في آخر الزمان بعد ظهور مبشره الياهو النبي(١٤).
وعلى ذلك فإنني اعتقد بأن المنقذ في الاصطلاح العبري هو ذلك الشخص المقدس المسدد الذي سينقذ البشرية من الظلم والجور ويقودها إلى عبادة الله ويمنحها الحرية التي أوصى الله بها. ويعد المنقذ أمل العالم لدى جميع الشعوب، وبذلك أصبحت كلمة المنقذ هي تلك الكلمة التي ترتبط ارتباطاً مباشراً ودقيقاً بمن سينقذ البشرية وهو ذلك المبشر والمهدي والفادي في الأديان. وكلها مصطلحات يراد بها ذلك الشخص الموعود والمكلف من قبل الله سبحانه وتعالى بأن يكون خلاص الأُمَّة على يديه.
فكلمة منقذ (تخصّ بعملية انقاذ الشيء - سواءً كان عاقلاً أم غير عاقل - من الهلاك، ولكن بعد أن أُطلقت هذه الكلمة على ذلك الشخص المسدَّد الذي سيعمل على تحرير الأُمَّة من الظلم والقهر أصبح لها مدلول ديني، أي أنّها أصبحت مصطلحاً دينياً مرتبطاً بذلك الشخص الذي سيكون واجبه هو خلاص البشرية)(١٥).
والمشيحانية: هي مجموعة عقائد دينية لنهاية الزمان، النقطة المركزية في هذه العقائد هي شخصية المنقذ الذي سيقود شعبه، وتضم الأفكار والآمال والأماني الموعودة التي تعود إلى فترة خيرة جداً (عهد و زمن المنقذ)؛ فالحركة المشيحانية هي التعبير الفعلي للعقائد المشيحانية و المشيح اصطلاحاً هو الشخصية المركزية في العقيدة اليهودية التي ستقود اليهود في نهاية الزمان، ويتميز عهدها بأنَّه عهد خير ورفاهية وتمثل الركن الأساس في العقيدة المشيحانية التي ستحقق أهداف اليهود وطموحاتهم وأمالهم(١٦).
رابعاً: المنقذ في اللغة اللاتينية (الإسبانية):
لقد ترادفت واجتمعت كلمات هذه اللغة حول معنى المنقذ لتؤيد جميعها المعنى المشتق من الفعل (Salvare) والذي يعني الانقاذ أو التخليص أو حرية شخص أو شيء.
.(١٧)Salvare: - Exculpara queno valga lo borrado
والمنقذ في الاصطلاح اللاتيني: هو المخلص الذي ينقذ، وهو أحد أسماء السيد المسيح الذي يسمى بمنقذ العالم الذي خلص البشر من الخطيئة والموت الخالد(١٨).
(Salvator,otir) adj.
Quesalva.U,t,C,S.٢.M.POR ANTONOM Jesucristo,aquien Tambiense nombra Salvador delmundo ,porhaber redi-mido al hombre del pecado Yde la muerte eternal(١٩).
مقدمة البحث المستل من رسالة المنقذ في الأديان - دراسة تاريخية مقارنة:
لقد كانت ومازالت الأهمية الكبيرة للدين تأخذ حيزاً كبيراً من حياة البشرية، وأصبحت الحاجة إلى الاعتقاد بمنظومة عقائدية وفكرية أمراً لابدّ منه لإدامة حياة الإنسان وإتمام الجانب الروحي من جوانب حياته، لذا نرى التوجه الفطري نحو إشباع هذه الحاجة بما لها من دور كبير بمنح الإنسان الاستقرار الروحي والإدراك الفكري.
لذلك نجد البشرية تُحلق دوماً في حيِّز وجوب التدين والاعتقاد بمنظومة فكرية تضفي الروحانية والاستقرار على الحياة الإنسانية، على الرغم من اختلاف التوجه نحو الأديان وأنواعها ودرجة كمالها باختلاف منشأ ومصدر كل دين، وباختلاف حيثيات وطبيعة كل ديانة، إضافة إلى اختلاف أمزجة البشر وإدراكهم لها، لذا ترى بعض الناس تؤمن بالإسلام أو المسيحية أو اليهودية من الأديان السماوية بالمقابل أنّ البعض قد توجه إلى الاعتقاد بالأديان الوضعية، وخصوصاً إذا كانت الأرض خصبة كما في مهد الحضارة في الشرق، ومثال ذلك حضارة وادي الرافدين حيث توفرت البيئة التي تبلور فيها الفكر الإنقاذي والخلاص، حيث قامت أول الشرائع وتبلورت فكرة الدولة وتحول إله الخصب إلى مخلص للبشر من العالم الفاني إلى عالم الروح الباقي، وهذا ما يتبين في ثنايا ملحمة گلگامش في بحث الإنسان عن العدالة باعتبار ذلك من حق كل إنسان، وأخذت هذه الأفكار تتبلور ثم ظهرت في شرائع حمورابي(٢٠).
ورغم الاختلاف في مصدر الأديان فالبعض منها سماوي والبعض وضعي (أرضي)، لكنها اشتملت على المشتركات، فكلّ الأديان تسعى إلى سعادة البشر وتنظيم حياتهم اليومية بما تشتمل عليه من أصول لمعاملات أو أخلاق أو ركائز قيمية أو أيديولوجيا عقائدية هدفها الوصول بالبشر نحو الكمال والسعادة الأبدية، لكنها تشاركت على وفق هذه الأهداف بعدة معطيات عبادية وفكرية، وأنّ هذا التشارك في بعض المعتقدات يشير إلى حقيقة جوهرية فطرية موجودة في الطبيعة الروحية البشرية، لذا أصبحت كلّ ديانة حتّى لو كانت وضعية من صنع البشر لكنها تفسر الحاجة الفعلية لهذه العقيدة، ولذا أحاطته بوافر من الرعاية والاهتمام كما هو الحال بالنسبة لضرورة الاعتقاد بوجود الإله والاعتقاد بوجود الصالحين المدافعين عن الحقيقة والضعفاء، كما هو الحال بالاعتقاد بوجود المنقذ الذي سيأتي ليزيح الظلام عن الأرض وسيزرع الورد محل الشوك وسيحرق الشر لتعود الأرض بثوبها الأخضر الجميل من جديد(٢١).
وتجدر الإشارة إلى أنّ المدارس الفكرية المادية ومذاهبها العقائدية الماركسية أيضاً اعتقدت في أسس مفاهيمها الجدلية بعقيدة الإصلاح واليوم الموعود الذي تتحقق فيه التطلعات البشرية في نيل حياة سعيدة ومترفة، وانتشرت هذه المدرسة وازدادت أهميتها (كونها مبشرة بمستقبل سعيد تزول فيه الآلام وتتحقق فيه الآمال... يكون هو نتيجة الأعمال والجهود البشرية... وخاصة الواعية والهادفة منها)(٢٢).
والاعتقاد بهذا المستقبل الضروري هو الوجود القطعي التحقق الذي كان من أبرز الأسباب التي أدت إلى انتشار المدارس المادية كونها تحاكي العواطف البشرية التي أنهكتها المآسي والآلام المكبوتة والتي لابدّ أنّ تمر بها البشرية من أجل استحقاق العيش بسعادة فيما بعد، بعد أن تمر بمختلف أنواع الآلام لكي تمحَّص وتدخل دائرة الاختبار، بُغية تطهيرها من الأهواء والنزعات النفسية الأنانية، إن هذا التطهير هو مقدمات مجيء اليوم الموعود، (وحيث إنّ هذا اليوم السعيد قطعي الحدوث، لكونه هو الهدف الأعلى من وجود البشرية، إذن تكون أسبابه ومقدماته قطعية الحدوث أيضاً)(٢٣).
وقد تفاعلت هذه العقيدة لتدخل في النطاق الأدبي المادي لترتسم مرة على شكل رواية تحاكي وجدان الإنسانية بضرورة وجود اليوم الموعود وصاحب هذا اليوم الموعود، ومرة أخرى على لسان أدباء مشهورين يصفون المنقذ بأنّه الإنسان الكامل الذي يكون حامياً مدافعاً مناصراً منقذاً للبشر عند الأزمات واندلاع المشاكل التي تهب كالنسيم في الهشيم، وعندها لابدّ من وجود الإنسان الخارق الذي يخرق القوانين الطبيعية بما يتمتع بقوى واستعدادات مثالية تجعل القانون الطبيعي لا يسري عليه(٢٤).
وينقل العقاد عن المفكر الإيرلندي (برناردشو) في وصفه للمصلح ولزوم أن يكون عمره طويلاً قبل ظهوره: (إنّه إنسان حي ذو بنية جسدية صحيحة وطاقة عقلية خارقة، إنسان أعلى يترقى إليه هذا الإنسان الأدنى بعد جهد طويل، ويطول عمره حتّى ينيف على ثلاثمائة سنة ويستطيع أن ينتفع بما استجمعه من أطوار حياته الطويلة)(٢٥).
وكذلك أشارت العديد من الكتب الفكرية إلى ضرورة الاعتقاد بالمصلح الموعود(٢٦)، بل ذهب بعض الكُتّاب إلى صب الفكرة بقالب أدبي أو فني، ويتجلى ذلك بمسرحية تتحدث عن حالة الانتظار والترقب للمؤلف الأديب الإيرلندي (صموئيل بيكيت) فقد خط هذا الروائي الكبير مسرحيته على جيد الزمن الجدلي والفن العبثي ليلائم الأجوبة الحائرة الدائرة في نفوس البشرية وهي تنتظر منقذاً أسماهُ غودو (جودو) التي تبيّن طبيعة أبطال المسرحية وحالهم المأساوي وهم ينتظرون منقذاً يأتيهم قرب الشجرة ليمسح عنهم عذابات السنين، وهذا الانتظار والترقب مستمر يوماً بعد يوم إلى أن تنتهي أحداث المسرحية على أمل المجيء في الغد وانتظار (غودو) مجدداً(٢٧).
لهذا يمكن القول بأنّ العقيدة الخلاصية الإنقاذية لم تختزل داخل الأديان الوضعية التي صاغتها اليد البشرية، بل تعدَّتْها إلى المذاهب الفكرية المادية التي صاغتها اليد البشرية أيضاً، لتُنبئ عن حقيقة جوهرية تحملها الفطرة الإنسانية، لتصبح حتمية بديهية، متحصلة من عدّة حتميات، وهي حتمية أنّ العالم مخلوق للسلام، وأنّ الحرب أمر طارئ، وحتمية أنّ العالم مخلوق للمحبة والوئام، وأن البغض والشحناء أمر طارئ، وحتمية أنّ لابدّ أن يزول الظلم، لأن الحق هو الذي لابدّ أنّ يسود على وجه البسيطة، وهذا الإيمان العقائدي (يشمل المدارس الفكرية والفلسفية غير الدينية فالمادية الجدلية التي فسرت التاريخ على أساس التناقضات تؤمن بأن الانحراف وآفات الضلال والجهل والظلم لابدّ أنّ تنهزم أمام إرادة الحق والسلام والعدل، ولابدّ أنّ هناك يوماً موعوداً تتلاشى فيه التناقضات ويسوده الوئام والسلام)(٢٨).
وما سنتناوله في هذا البحث يقع ضمن المباحث التالية:
المبحث الأول: المنقذ في الديانة الهندوسية:
المطلب الأول: الهندوسية:
تعدّ الديانة الهندوسية من أقدم الديانات الوضعية، فهي أشبه بنظام أخلاقي فكري عبادي يتبع أيدولوجية فكرية معينة مبنية على أسس وطقوس عبادية ونظام روحي متناغم معها، قامت على أطلال الديانة الويدية(٢٩)، (وتشربت أفكارها وتسلمت عن طريقها الملامح الهندية القديمة والأساطير الروحانية المختلفة التي نمت في شبه الجزيرة الهندية قبل دخول الآريين(٣٠)، ومن أجل ذلك عدَّها الباحثون امتداداً للويدية وتطوراً لها)(٣١).
وقد أطلق عليها بعض الباحثين تسميات منها: الهندوكية لأنّها تمثل تقاليد الهند وعاداتهم وأخلاقهم وصور حياتهم(٣٢)، وكذلك سميت بالبرهمية(٣٣).
والتي تتطلب الكثير من العبادات كقراءة الأدعية وإنشاد الأناشيد وتقديم القرابين(٣٤).
والهندوسية هي أشبه ما تكون بمنظومة متعددة من المفاهيم والأنظمة العقائدية والعادات والتقاليد والطقوس، (تطورت مع الحياة وليس لها صيغة محددة، ولهذا فيها من العقائد ما يهبط إلى عبادة الأحجار والأشجار أو ما يرتفع إلى التجريدات الفلسفية الدقيقة)(٣٥).
ولهذا لم يعرف لهذه الديانة مؤسس أو يد واضعة(٣٦).
كتاب الهندوسية المقدس هو الويدا أو الفيدا(٣٧) والذي هي بالأحرى كتب عديدة تحمل مواضيع شتى تشمل الآلهة والتناسخ والخلق والمقدسات والمحرمات والتي كانت بالأصل تعاليم شفهية دوِّنت باللغة السنسكريتية(٣٨) القديمة في الفترات المتفاوتة من الزمن وإن كانت معظمها عسيرة الفهم غريبة اللغة، وبدأ الكهنة بتدوين هذه الكتب في (٩٠٠ ق.م)(٣٩).
وتنقسم هذه الكتب على أربعة أقسام: وهي كما يأتي(٤٠):
ريغ فيدا (RIG VEDA).
ياجور فيدا (YAJUR VEDA).
وساما فيدا (SAMA VEDA).
وآثهار فيدا (ATHAR VEDA).
المطلب الثاني: نظام الطبقات المجتمعي الهندوسي:
إن المتتبع لأصول الديانة الهندوسية والمتمعِّن في شرائعها يستطيع أن يصل إلى أنّ هذه الديانة قد قسمت المجتمع الهندوسي إلى أربع طبقات وفق تلك الشرائع، وتم إعطاء هذا التقسيم هالة من القدسية والتعظيم بحيث لا يمكن معارضته أو نكرانه أو الابتعاد عن أساسياته التي أقرّها الكتاب المقدس الهندوسي في حديثه عن الخلق وكيف بدأت الخليقة(٤١)، والتقسيمات تلك هي كما يأتي(٤٢):
١- البراهمة: وهم (الكهنة وعلماء الديانة والمعلمون والمثقفون وحافظوا المعرفة والحكمة).
٢- والكشتاريا: وهي الطبقة الحمراء المتكونة من الحكام والجنود وحماة المجتمع والمتعلمين والقائمين على شؤونه.
٣- الويشي: وهي الطبقة الصفراء المتكونة من التجار والزراع والمسؤولين على توفير الرخاء الاقتصادي والاستقرار المعيشي.
٤- الشودرا: الطبقة السوداء المتكونة من المنبوذين وأهل الحرف اليدوية وحفاري القبور والعاملين في معامل الجلود والعبيد والقابضين على الحيوانات وهي أدنى طبقات المجتمع في الشرائع الهندوسية(٤٣).
مبدأ التثليث الهندوسي:
بدأ هذا المبدأ بالبروز في العقائد الهندوسية في القرن التاسع (ق.م) تقريباً (وقد جمعوا الآلهة في إله واحد يشتمل على عدة مظاهر تمثلت بالخلق وأخرى في الحفظ والحماية والمظهر الأخير هو المهلك والمعدم)(٤٤).
وكذلك فتح الهندوس الباب للمسيحيين ليصوغوا عقيدة التثليث فيما يسمى (تثليث في وحدة، ووحدة في تثليث)(٤٥)، فإن الله في الهندوسية يظهر بثلاثة مظاهر بقولهم: (فالإله الواحد يظهر بثلاثة أشكال بأعماله من خلق وحفظ وإعدام، ولكنه في الحقيقة واحد، فمن يعبد أحد الثلاثة فكأنّه عبدها جميعها، أو عبد الواحد الأعلى)(٤٦)، وللهندوسية طقوس خاصة في العبادة والصلاة والحج إلى الأماكن المقدسة الهندية(٤٧)، وأمّا الزواج والنظام الأخلاقي فهما من أبرز الأسرار التي تجب مراعاتها والحفاظ على قدسيتها ويؤمن الهندوسي بقانون (الكرما)(٤٨)، أو الكرمان (المجازاة) فكلما كان المرء صالحاً كان سريع الاتحاد بالإله الأعلى وينعم بهذا الاتحاد(٤٩).
المطلب الثالث: مظاهر عقيدة المنقذ في الديانة الهندوسية:
لقد اتخذت عقيدة المنقذ مستويات عدة على حسب تطورها ومسيرتها لتجدها تعبر عن صورة الخلاص بمظاهر وسبل كثيرة، وهذا دليل على أنها محط الآمال والأماني، فالواقع المرير يجعل الكل يريد الخلاص منه، ينتظر السبل التي تؤدي إلى الإنقاذ من هذا الواقع، وعندها تصبح هذه السبل التي تؤدي إلى غاية الإنقاذ هي أهم الوسائل التي تنال القداسة والتعظيم، فمن ضرورة الاعتقاد عند موت الإنسان هو أن تخرج روحه من هذا الجسد ويتم إنقاذ الروح بحرق الجسد في النار المقدسة مما يؤدي إلى إنقاذها من سجن الجسد سريعاً، حتّى تحل في جسد آخر(٥٠). ولهذا اكتسبت النار هذه القداسة في الديانة الهندوسية.
أمّا الخلاص في هذه الديانة فيتجسم في شكلين هما:
الشكل الأول: يتحقق عن طريق نظرية الموت (الانطلاق) والعودة بعدة أشكال منها حيوانية ومنها مادية إلى أن يتحقق الخلاص النهائي باندماجها بالكون والعودة إلى الأصل إلى الكل(٥١).
ويتحقق هذا النوع من الانقاذ بعدة طرق، وأولى هذه الطرق هي (الكارما): وتعني التأكيد على العمل والقيام به خير قيام، وتقوم على أن كل عمل يقوم به الإنسان له نتيجة حتماً، فالجزاء من جنس العمل، وأن طبقات الناس من رفيع ومتوسط ووضيع ما هي إلّا نتاج الأعمال، وأن الإنسان لا يحاسب على عمله في هذه الحياة، وإنما في حياة ثانية ويغدو المرء جزاء أعماله السيئة التي ارتكبها بجسمه في خلقته الثانية جماداً، والتي ارتكبها بلسانه طيراً أو حيواناً، وينحط إلى الفرق السافلة نتيجة ارتكابه سيئة بعقله، وامتداداً لفكرة الجزاء الذي لا يتناسب مع العمل، اضطر رجال الدين الهندوس إلى ابتكار نظرية تناسخ الأرواح، وتعتبر الطريقة الثانية من طرق النجاة والخلاص، فاعتبرت الحياة عبارة عن مسيرة طويلة منذ فجر التاريخ يقطعها الإنسان على قدميه، وتعتبر أن موت الجسد لا يعني انتهاء المسيرة فكلما مات الجسد ولد له آخر، وأن التعاسة والشقاء التي يعانيها الفرد في حياته الراهنة ما هي إلّا نتيجة أعماله في حياته السابقة، وأكَّد رجال الدين الهندوس أن الفلاح والخلاص يتحقق من خلال الاندماج بالروح الأعظم، وهذه الفكرة - أي الانطلاق والاندماج - هي محاولة النفس الإفلات من دورات تجوالها ونتائج أعمالها(٥٢).
وهناك ثلاثة طرق يستطيع الإنسان من خلالها الاندماج (ببراهما)(٥٣):
١- طريق المعرفة وذلك عن طريق التأمل في الروح الإلهية.
٢- طريق العمل وأداء الطقوس الدينية على أكمل وجه.
٣- الإيمان المطلق بإله بذاته.
الشكل الثاني: يتحقق بوجود المنقذ المخلص المصلح، وبالنسبة لطبيعة هذا المنقذ فنرى ذلك جلياً في أحد مظاهر الثالوث وهو مظهر الإله (فيشنو) - الإله الحافظ - الذي يأتي ليساعد البشرية عند الأزمات أو سقوطها بمزالق الأزمنة.
وتتمحور هذه الفكرة حول تجسد المنقذ والإله (فيشنو) وعودته لإنقاذ البشرية من الظلم والبؤس هي الفكرة الناضجة والمتبلورة التي استند عليها الفكر الهندوسي وبقية الأديان الأخرى، ففكرة التجسد والتقمص تعني تجسد الإله في جسد إنسان، إذ يتجلى فيه ليهدي البشر، وتسمى باللغات الهندية (اوتار).
والإله (فيشنو) - واحد من الثالوث الهندوسي أي أحد الآلهة الذين يسيطرون على العالم وهم: (براهما) الخالق و(فيشنو) الحافظ و(شيفا) المدمر، وقد انتشرت هذه العقيدة بين الطبقات المظلومة وغطت جميع العقائد حتّى اضطرت الكهنوتية الآرية إلى الاعتراف بها والتجاوب معها حيث احتل الإله (فيشنو) - مكان الصدارة في الديانة الهندوسية.
ويعتقد الهنود أن الإله (فيشنو) يعمل على انقاذ البشرية من هلاك مخفف على الأرض من وقت إلى آخر نزل لتسع مرات، وتبقى المرة العاشرة التي ينتظر أن يظهر بها(٥٤)، فقد آمن الهندوس بأن منقذهم (فيشنو) يأتي على شكل تجسدات بحسب مقتضيات الموقف أو الأزمة التي تمر بها الإنسانية، فقد تجسد على شكل سمكة لإنقاذ (مانو) من الفيضان، وتجسد على شكل قزم اسمه (فامانا) لإنقاذ الآلهة التي تسكن الأرض من سيد العفاريت الشرير (بالي)(٥٥).
(ثم يأتي المظهر الأخير للإله (فيشنو) متجسداً على شكل رجل يمتطي فرساً أبيض وشاهراً سيفه، وهناك وصف للسيف تشبيهاً له بالنجمة المذنَّبة كناية عن شدة قوته وسطوع نوره الذي سيبدد الظلام وتنعم الأمم بالسلام، هذا المظهر هو العاشر لظهور (فيشنو) وسيعيد الخلقة إلى طراوتها ونقاوتها)(٥٦).
والإله (فيشنو) له مظاهر متجسدة كثيرة منها (كريشنا - وراما)، ويعتقد الهندوس أن حلول الإله (كريشنا)(٥٧) هو حلول اللاهوت في الناسوت كما يعبر المسيحيون عن المسيح ويصفونه بأنه البطل الذي قدم نفسه فداءً للبشرية عن ذنبها الأول، ويزعم الهندوس أن مخلصهم قد قُتل مصلوباً على شجرة وهبط إلى الجحيم وصعد إلى السماء على أن يعود في اليوم الآخر ليحاسب الناس أحياءهم وأمواتهم، ويعتقد الهندوس بقدوم (كريشنا) في اليوم الآخر على شكل فارس مدجج بالسلاح وراكب على جواد أشهب وعند مجيئه تظلم الشمس والقمر وتزلزل الأرض وتهتز وتتساقط النجوم من السماء(٥٨).
فإنه لابد بعد كل ليلٍ حالك مظلم من المصاعب وآهات الزمان أن تشرق شمس لمنقذ ينقذهم ويرعاهم كما هو الحال بالنسبة للمنقذ الإله (كريشنا) (حينما يمتلئ العالم بالظلم يظهر الشخص الكامل الذي يسمى (يترتنكر: المبشر) ليقضي على الفساد ويؤسس للعدل والطهر... سيُنجي كريشنا العالم حينما يظهر البراهميتون)(٥٩).
وفي نص آخر إشارة إلى إحياء الأرض بعد موتها، فتدب الحياة فيها على يديه (تُجدَّد الدنيا في آخر الزمان وتُحيى، ويظهر قائد من أولاد إمامَيْ العالم العظيمين: أحدهما ناموس آخر الزمان، والآخر الصدّيق الأكبر)(٦٠).
أمّا اسم صاحب الملك الجديد فهو ((راهنما)، يكون ملكاً بالحقّ، وخليفة (رام)، وصاحب المعاجز، كل من لجأ إليه واهتدى بدين آبائه يكون أبيض الوجه عند (رام))(٦١).
ويستمر سلطانه وتطول أيامه وتزداد سطوة ملكه وقوته لتشمل بقاع الأرض (ودولته طويلة الأمد، وعمره. أي ابن الناموس الأكبر. طويل، وتنتهي الدنيا به، ويسخِّر من ساحل البحر المحيط، وجزائر سرانديب، وقبر الأب آدم (عليه السلام)، وجبال القمر، إلى شمال هيكل زهرة، وإلى سيف البحر والمحيط)(٦٢).
وعندها ستنتشر عبادة التوحيد وتكون هي العبادة المهيمنة في الأرض حتّى لا يكون هناك معبد يعبد غير الإله (رام) فيه (ويهدم معبد الأصنام (سومنات) و(ججرنات) بأمره ينطق ويسقط، ثم يحطّمه ويلقيه في البحر، ويحطم كل صنم أينما كان)(٦٣).
المبحث الثاني: المنقذ في الديانة البوذية:
المطلب الأول: نشأة الديانة البوذية:
نشأت الديانة البوذية كنظرية جديدة إصلاحية لحل المشكلات المرتبطة بنظام الطبقات الهندوسي، وَرَدَّةُ فعلٍ مناهضة للتعسف والإجحاف الناتج عن بعض القوانين التي يفرضها البراهمة على الهندوسيين وخاصة من أبناء الطبقات الدنيا كطبقة الـ(شودرا) طبقة العبيد والخدم(٦٤)، ورغم أن الديانة الهندوسية لا يُعلم من أنشأها، فعلى العكس منها الديانة البوذية فإنها تنسب لمؤسسها (بوذا) - الرجل المستنير- أو - المعلم - لقد ولد (سذهاتا) في عام (٥٦٣ ق.م)(٦٥) في مدينة (كابيلا فاستو) تقع الآن على الحدود الهندية النيبالية، وُلد يتيماً بعد أن توفت والدته في الأسبوع الأول بعد ولادته، وعاش في نعيم مترف لأنّه سليل الأسرة المالكة المترفة من قبيلة (ساكيا) التي تملك الأراضي الواسعة، واعتنى به أبوه ووفَّر له كل وسائل الترف واللهو والطرب، كي يشيح ببصيرة فكره عن الأفكار التي تتعلق بالتفكير بآلام الناس وزوال النعم والملذات وقصر الحياة وزوالها وتقلبها من حال إلى حال(٦٦)، لكنه وفي سن التاسعة والعشرين فرّ من قصر أبيه تاركاً زوجته وولده، هائماً في البراري والغابات مع ناسكين تتلمذ على أيديهما فترة من الزمن، لكنه تركهما بعد أن علم أنهما ينهجان حياة النسك لتحصيل القدرات الخارقة والطاقات العظيمة وتسخيرها لذاتهما، أمّا هو فكان يريد الوصول للمعرفة الحقة والحقيقة المطلقة الأزلية، والاستنارة بها وتحصيل حكمتها، فلم يرُق له البقاء معهما، لذا سلك حياة النسك مع رهبان ناسكين وكان يشدد على نفسه وكان أكثرهم تقشفاً وتأملاً وانغماساً في الزهد وأكثرهم تجرعاً للآلام الجسدية، لذا اختاروه معلماً لهم(٦٧).
وبعد فترة طويلة من نهج حياة الزهد هجر هذه الحياة لأنه لم يحصل على ضالته من الحكمة، وتنكر لحالة التقشف وهجر رفاقه من الناسكين، وعاد إلى طعامه وشرابه وكسائه وتوقف عن إماتة الشهوات بالجوع، وتبنى منهج العقل السليم في الجسم السليم، فتفرق عنه النساك، ولذا بقي وحيداً يسير وحده في الأراضي، حتّى وصل إلى شجرة سميت فيما بعد بشجرة العلم أو الشجرة المقدسة، في غابة (أورويلا) فجلس تحتها ليتفيأ بظلالها وقد سميت بعد ذلك بغابة (بوذاكيا)(٦٨)، وبقى تحتها برهة من الزمن ليتناول طعامه، عندها حصلت له الاستنارة(٦٩) التي كان ينشدها، فتجمع حوله الأتباع والمريدون، وبدأ بإرسالهم إلى القرى ليعلموا الناس شريعة (بوذا) الجديدة، التي أسماها بـ(النظام)، فتقبلوها خاصة الذين عانوا من نظام الطبقات، ثم وجدت طريقها إلى الصين لتنتشر تعاليم (بوذا) حتّى تنافس الكونفوسوشية من حيث الانتشار والسعة وعدد المريدين(٧٠).
بعد حصول (بوذا) على الاستنارة أو الـ(نيرفانا)(٧١) فإنه قرر أن لا يحرم البشرية هذه الحكمة الكبيرة كما تشير المصادر، لذا قام بنشرها ليخلص الناس من الجهل والعمى، فقرر أن ينشر تعاليمه الجديدة التي أسماها النظام أو عجلة النظام وظل يسير هذه العجلة وينشر أتباعه بين أرجاء المناطق المحيطة ببلدة (بنارس) قرب جبال الـ(هملايا)، وكان يوصي أتباعه بالخُلق والرحمة معتبراً معارضيه من الناس بأنهم جهلة ومرضى أصابهم العمى، وعليه مساعدتهم وإنارة دربهم، لذا اتَّسم تلامذته الذين اختارهم بعناية خاصة، ليبعثهم إلى القرى والمدن اتَّسموا بالرحمة وحسن الخلق والتواضع وحسن السيرة(٧٢).
ولقد سجلت تعاليم (بوذا) بمجموعات مختلفة بلغة (بالي) وهي لغة شبيهة بالسنسكريتية، وقد كتبت هذه الشرائع في سريلانكا حوالي منتصف القرن الأول قبل الميلاد وتألفت من ثلاثة أقسام: أحاديث (سوترا بيتاكا)(٧٣) والتي تقسم على خمسة أقسام وقانون الرهبنة (فينابا بيتاكا)(٧٤) والذي يحتوي قوانين سلك الرهبنة، وكذلك أطروحات علمية (الهيدامابيتاكا)(٧٥) وهي مجموعة أعمال علمية متأخرة قليلاً(٧٦).
الحقائق البوذية الأربعة:
١- طبيعة المعاناة:
هذه هي الحقيقة النبيلة عن المعاناة: الولادة هي معاناة، والشيخوخة هي معاناة، والمرض هو معاناة، والموت هو معاناة؛ الحزن، والرثاء والألم والأسف واليأس هي معاناة؛ الاتحاد مع ما هو محزن هي معاناة؛ الانفصال عن ما هو مرضي هو معاناة، عدم الحصول على ما يريد المرء هي معاناة(٧٧).
٢- أصل المعاناة:
هذه هي الحقيقة النبيلة عن أصل المعاناة: إنه الحنين الذي يؤدي إلى تجدد الوجود، يرافقه البهجة والشهوة، السعي إلى الفرحة هنا وهناك هي أيضاً كذلك، الشغف للمتع الحسية، الحنين للوجود، التوق للخلود(٧٨).
٣- إزالة المعاناة:
هذه هي الحقيقة النبيلة عن إيقاف المعاناة: هي تتلاشى بعيداً دون عودة عند توقف الأعمال التي تشغف النفس، والتخلي والتنازل عن ذلك، والتحرر من ذلك، وعدم الاعتماد على ذلك(٧٩).
٤- الطريق المؤدي إلى إيقاف المعاناة:
هذه هي الحقيقة النبيلة عن الطريقة التي تؤدي إلى إيقاف المعاناة: الطريق النبيل، الثماني أصول والتي هي: النظر السليم، النية السليمة، الكلمة السليمة، العمل السليم، كسب الرزق السليم، الجهد السليم، الذهن السليم، التركيز السليم(٨٠).
الوصايا أو القيود العشرة:
وهي عبارة عن وصايا نسبت إلى بوذا والتي بيَّن فيها القيود التي تحول دون بلوغ الإنسانية درجة النجاة والسلام وتلك القيود هي(٨١):
١- الوهم الخادع في وجود النفس.
٢- الشك في بوذا وتعاليمه.
٣- الاعتقاد في تأثير الطقوس والتقاليد الدينية.
٤- الشهوة.
٥- الكراهية.
٦- الغرور.
٧- الرغبة في البقاء المادي.
٨- الكبرياء.
٩- الاعتداد بالبر الذاتي.
١٠- الجهل.
أهميسا (اللاعنف) أو حرمة الحياة:
وهي الحرمة المترتبة على إزهاق أي شكل من أشكال الحياة وفيه ترجمت البوذية أكثر الصور الرافضة لإزهاق أي نوع من أنواع الحياة(٨٢).
المطلب الثاني: وفاة المنقذ بوذا:
توفي (بوذا) نتيجة سم وضع له في لحم الخنزير من قبل تابع له(٨٣)، وهناك رأي آخر يشير إلى أنه قد تماثل للشفاء ولكن اعتلته علة الموت لكبر سنه وشيخوخته ونفاد أيامه وإرهاقه الشديد بسبب السفر والرياضات الشاقة التي مارسها على جسده، علماً أنه كان يبلغ الثمانين من سني عمره(٨٤).
قال بعض تلاميذه إنه قد دخل في حالة السكون التام والتأمل المستقر الذي يغيب فيه عن الحس، لكن أدركوا بعد مراقبته مدة بأنّه قد فارق الحياة، فقاموا بتجهيز جثمانه وتم إحراقه على وفق طقوس الموتى وتم توزيع رماده على ثمان مناطق، وبنوا عليها أبنية كبيرة ومعابد ضخمة(٨٥).
وقد اجتمع أهل القرى والأتباع والمريدون وأقاموا احتفالاً بوفاته كما يحتفل بموت أحد الملوك، تقديراً له لأنّه كان أميراً وابن ملك(٨٦).
هكذا انطوت حياة المستنير (بوذا) أو (بودا) حسب اللغة السنسكريتية القديمة لتبدأ مرحلة نشوء مدرستين بعد وفاته هي مدرسة المركبة الصغيرة والمركبة الكبيرة(٨٧).
المطلب الثالث: البوذيساتفا أو البوديساتفا المنقذ في البوذية:
الـ(بوذيساتفا) أو الـ(بوديساتفا):
هو اسم المنقذ والمخلص في الديانة البوذية، وهو من بلغ اليقظة ولكنه تخلى مؤقتاً عن ولوج الـ(نيرفانا) من أجل إنقاذ الناس من الـ(كارما) والولادات المتجددة التي تمر بها الروح التي لم تصل إلى مرحلة الخلاص(٨٨).
ولقد اختلف في تصنيف المنقذ من حيث الإمكانات الروحية فنشأ الانقسام الكبير بعد وفاة (بوذا)، عندها نشأت فرقتان أو مدرستان أحدهما مدرسة (الهينايانا - المركبة الصغيرة)، والأخرى (ماهايانا - المركبة الكبيرة)، وسنوضح رؤية كل مدرسة للمنقذ.
المنقذ بحسب رؤية مدرسة المركبة الصغيرة:
سميت هذه المدرسة الـ(هينايانا) والتي تعني المركبة الصغيرة وذلك لطبيعة الخلاص والإنقاذ فيها، فقد تبنت المبدأ القديم الذي ينص على وجوب عزم الشخص نفسه ورغبته الكاملة في إنقاذ نفسه وبلوغ حالة الصفاء والاستقرار الروحي والارتقاء الروحاني الـ(نيرفانا)، وبذلك تخص بالخلاص فريقاً قليلاً من الرهبان الزهاد، لذا سميت المركبة الصغيرة(٨٩).
وحسب اعتقاد هذه المدرسة فقد تحول (بوذا) من معلم أو شخص زاهد حكيم، إلى روح سماوية ذات قدرات روحانية سامية، وهو أحد التجليات التي ظهرت للبشر على شكل إنسان لينقذ البشر من الـ(كارما) وينير لهم الطريق المظلم الذي سلكته نفوسهم وأهواؤهم التي أضلّتهم، ومن ثمّ قد أصبح (بوذا) كائناً سماوياً متعالياً ذا صفات لا متناهية، وأخذوا يعبدونه في معابد خاصة(٩٠).
وقد أكدت هذه المدرسة بواسطة تعاليمها على الخلاص الخاص، فعلى الراهب أن يحذو حذو (بوذا) الذي وصل إلى الـ(نيرفا) بجهد شخصي معتمداً على ما قام به من تأمل ورياضات روحية جعلته يتخلص من هوى النفس والتعلق بهذه الحياة، وحتى هو (بوذا) لن يقدم العون الخلاصي لأتباعه ما داموا لم ينهجوا نهج الخلاص بأنفسهم وبرغبة عارمة واثقة جادة في طيات وجدانهم(٩١)، وفي هذه المرحلة ظهر الاعتقاد بالـ(بوديساتفا)، وهو الإنسان الكامل الذي وصل إلى مرحلة الخلاص الأخير، لكنه أجَّل خلاصه والدخول في حالة الـ(نيرفانا) لأجل أن يرشد الناس ويخلصهم وينقذهم من حالة الضياع والتدهور الروحي حتّى لا يمروا بمراحل الولادات المتجددة(٩٢).
المنقذ بحسب مدرسة المركبة الكبيرة:
وهي مدرسة الـ(ماهيانا) التي بلغت ازدهارها بعد القرن الثاني عشر، وسميت بالمركبة الكبيرة نظراً للمشروع الخلاصي العقائدي الذي تمنحه المدرسة، ويتمحور هذا المشروع حول إمكانية نيل الخلاص لمجموعة كبيرة من الناس ولا ينحصر على فئة أو قلة من الناس(٩٣).
وقد قدمت هذه المدرسة عدداً كبيراً من سبل النجاة والخلاص لتشمل أمزجة الناس وقابلياتهم المتعددة ولتتلاءم مع قدراتهم المتفاوتة، وفي هذه المدرسة ازداد (بوذا) تسامياً حتّى صار يوازي في مكانته مكانة الآلهة بل صار سيداً لها، لقد تم الترويج بشكل كبير لهذه العقيدة مع عقيدة الـ(بوذيستافا) المنقذ المخلص من المشاكل والمصاعب وبسبب هذه العقيدة (عقيدة المنقذ) أصبح رواجاً كبيراً لهذه المدرسة فيما بعد(٩٤)، وصار المنقذ يتخذ فيها صوراً عديدة وتجسدات وتتجلى فيه قوى خاصة ويسمى الـ(أفاتار) مشابهاً لما جاء في الفلسفة الهندوسية والتي تعني تجسد كائن علوي أو الإله الأعلى على كوكب الأرض، ونظير ذلك من العقائد المادية مثل الـ(سوبر مان) الذي يمتلك القوى الخارقة والذي يتواجد لإنقاذ الناس(٩٥).
المبحث الثالث: المنقذ في الديانة الزرادشتية:
المطلب الأول: نشأة الزرادشتية:
بدأت الشعوب الآرية بالهجرة إلى إيران والهند من المناطق الأوروآسيوية منذ مطلع الألف الثاني قبل الميلاد واستقرّت في السهول الإيرانية خلال أواسط الألف الثاني قبل الميلاد وذلك في المناطق الميدية(٩٦) والفارسية(٩٧)، وبدأت هذه الشعوب تحكم المنطقة بالتناوب بإقامة تحالفات مع الشعوب السامية في بابل والجزيرة العربية ومناطق الشام وفلسطين ومصر والسيطرة عليها(٩٨).
في هذه الأراضي نشأت هذه الديانة التي تنتسب إلى (سبيتاما زرادشت) أو (زاراثوشترا أوزراهوشترا)(٩٩)، وهي من أبرز الديانات التي انتشرت في الشرق، وقد اختلف الباحثون في كونها وضعية أو ديانة سماوية كما اختلفوا في كون (زرادشت)(١٠٠) نبيّاً أم أنه فيلسوف وحكيم فقط(١٠١).
لقد آمنت الـ(زرادشتية) بوجود الإله المطلق والذي أراد الخروج من وحدته، فخلق إلهين: إله الخير وإله الشر، وأمر إله الخير بخلق العالم العلوي السعيد وأمر إله الشر بخلق العالم الأرضي الشقي، لقد آمنت الـ(زرادشتية) بالوحدانية الثنوية وليس الوحدانية المتعددة كما في الهندوسية وغيرها(١٠٢).
إنَّ من أبرز العقائد الزرادشتية هي إضفاء القدسية التامة على علاقة الإنسان بالإله (أهورامزدا) وتعتبر هذه العلاقة علاقة الشركاء، فالإنسان شريك الإله (أهورامزدا) في مساعدته في صنع الخير ولابد أن يتمتع الإنسان بالفضائل والأخلاق الطيبة لتتوثق هذه العلاقة(١٠٣).
ولابد للإنسان قبل الصلاة ومخاطبة الإله من أن يتطهر عن طريق الوضوء بالماء أو استخدام الرمل في حالة عدم وجود الماء قبل الصلوات الخمسة اليومية(١٠٤).
لقد شدَّدت الزرادشتية على الالتزام بنظام أخلاقي واضح المعالم، ومنها الصدق والأمانة والشرف وحفظ العهد والمحبة وترك الحسد والحقد والرذائل الأخرى كما يجب الابتعاد عن الاحتكاك بالموتى(١٠٥).
وهناك ستة أركان هي تعدّ من أهم أسس الدين الزرادشتي وعلى المؤمن الإيمان بها وهي(١٠٦):
١- التوحيد.
٢- الإيمان بنبّوة - بناءً على كونه ديناً إلهياً، لذلك حصل احتياط فقهي في المسألة - زرادشت.
٣- العمل الحسن والقول الجيّد والنية الصالحة.
٤- الروح.
٥- الثواب والعقاب.
٦- المعاد والقيامة.
وكذلك هناك ست وصايا يجب أن يلتزم بها المؤمن الزرادشتي(١٠٧):
١- طهارة الفكر والكلمة والعمل.
٢- النظافة والابتعاد عن النجاسات.
٣- ممارسة الرحمة والإحسان.
٤- الرفق بالحيوانات النافعة والأليفة.
٥- القيام بالأفعال الخيّرة والنافعة.
٦- نشر التعليم بين الناس من دون تمييز.
الكتب المقدسة في الديانة الزرادشتية:
والكتب المقدسة في الديانة الزرادشتية خمسة كتب، وهي:
الـ(أفستا): ويسميه العرب بالـ(أبستاق)(١٠٨)، ويعدّ هذا الكتاب هو الكتاب الزرادشتي المقدس ويشتمل على الصلوات والتعاليم والطقوس والشعر والقصص والأساطير للمدة التي ما قبل الزرادشتية وما بعدها، وتجدر الإشارة إلى أن الـ(أبستاق) يتكون الآن من واحد وعشرين جزءاً قد نال النجاة من الإتلاف على يد الاسكندر المقدوني عندما هاجم الدولة الساسانية(١٠٩) إذ ضاع ما يقرب على الثلثين(١١٠)، ويزداد أحد أقسامه أهمية وهو الـ(غاثا)، وهو مجموعة من الأناشيد وضعها (زرادشت) بنفسه لتمجيد (أهورامزدا)(١١١).
وهناك بعض الكتب الأخرى المقدسة مثل:
الـ(يسنا): هي مجموعة من الكتب الطقسيّة وتتألف من (٧٢) فصلاً، وبعضها من تأليف (زرادشت) نفسه ومعناها العبادة أو التسبيح وتشمل الأدعية والصلوات الطقسيّة، وفيه شرح للعقيدة ومبادئها الأولى(١١٢).
الـ(فيسبارات): هي مجموعة من الكتب التي تتعلق بالـ(يسنا) وشروحاتها وتشتمل على الأدعية والصلوات وترتل في المناسبات والمراسيم الدينية الخاصة وتتكون من (٢٤) فصلاً(١١٣).
الـ(يشتات): هي مجموعة من الأناشيد والترانيم الروحيّة لمديح (أهورامزدا) والملائكة ولمدح النبي (زرادشت) وهي إحدى وعشرون ترنيمة منظومة لكل يوم من أيام الشهر(١١٤).
الـ(فينديداد): هو بحث مهم عن التاريخ القديم قبل زرادشت، وفيه بحوث في الزراعة والعقود والتشريعات والعقوبات وكيفية مطاردة الأرواح الشريرة ومواجهتها بالأساليب الإيمانية وعن تنظيم الدرجات الكهنوتية والمفاهيم اللاهوتية والفقهية حول الموت والزواج. كما وفيه أبحاث عن خلق العالم وأصول الطب وقدرة المياه وكيفية التطهير من النجاسات والعناصر المقدسة الأربعة ويتألف من (٢٢) فصلاً بصورة حوار بين (أهورامزدا) و(زرادشت)(١١٥).
المطلب الثاني: شخصية المنقذ في الديانة الزرادشتية:
(لقد أتى زرادشت ليخلص شعبه من تسلط الكهنة ومن عبادة الكواكب والنجوم الضالة، تماماً كما فعل نبي الله إبراهيم (عليه السلام))(١١٦).
لذلك يعد زرادشت المنقذ الأول في الديانة الزرادشتية حيث أتى لينقذ الناس من أيدي السحرة والجهل والملوك الظالمين والشرور وليطهرهم من أدناس الذنوب وليرتقي بهم حتّى يكونوا جنود الخير وصناعه ضد جنود الشر ومعاونيه(١١٧).
وهنا لابد أن نلقي بلمحة بسيطة عن حياة المنقذ زرادشت، من هو زرادشت؟
لقد ولد زرادشت في الفترة الزمنية المنحصرة من (١٠٠٠ق.م) إلى (٦٥٠ق.م)(١١٨)، ولد في المناطق الريفية القريبة من بحر قزوين(١١٩).
وعندما بلغ السابعة من عمره أرسله والده للمعلمين كي يتم تعليمه الحكمة والمعارف والعلوم المختلفة، فشرع بدراسة العلوم حتّى بلغ ما بلغ من تحصيل علمي واسع المعارف والمدارك السامية وقد ساعدته فطنته ورجاحة رأيه وذكاؤه وسلامة فطرته على تحصيل العلوم والبراعة فيها(١٢٠).
فبدأت الأسئلة الكبيرة والمسائل المركبة تنقدح في عقله، خاصة تلك التي تدور حول الكون والخلق والحياة، وهو يتأمل حال المظلومين والضعفاء والمساكين.
واستمر في انعزاله وتأملاته وقد كان يتمتع بتقوى وزهد واشتهر بأخلاقه الفاضلة وحبه لعائلته واحترامه لأبويه، وقد أقسم يوماً أن لا يعود حتّى يجد الأجوبة المناسبة حول خالق الكون ومسألة الخلق والوجود وسبب المشاكل والآلام البشرية(١٢١).
وقد وصل إلى نهر (دايتي) في أذربيجان، هناك وفي أثناء تأمله هبط عليه سيد الملائكة (فاهومانا) بوحي الـ(ابستاق) منزل من الإله (أهورامزدا) وكذلك المعارف الحياتية التي تخص الكون والحياة وكذلك الحياة الأخرى التي بعد هذه الحياة، والجنة التي هي أكثر منطقة رائعة وهادئة وأكثر مكان سعيد في الوجود(١٢٢)، وكذلك المكان الذي هو محل وجود وعذاب (أهريمان) وجنوده الأشرار، ويوجد مكان بين هاتين المنطقتين هو الموضع الذي يكون محلاً لتطهير الناس الذين مازال بعض الشر في نفوسهم كامن(١٢٣).
وبدأ ينشر دعوته في الأراضي، ويدعو الناس لدينه ومعتقده الجديد، لكن لم يستجب له سوى عدد قليل، مما دعاه إلى الهجرة إلى بلاد الطورانيين متأملاً الاستجابة التي يتطلع إليها، راغباً في أن يتبعه الناس، لكن باءت محاولاته بالفشل حتّى عانا ما عانا منهم(١٢٤).
لكن بانت البشائر عندما اعتنق ابن عمه (سينوتاء) الدين الجديد وشدَّ عضده وناصر دينه، واستمرا ينشران الدين الجديد، حتّى أوحي له أن يذهب إلى بلخ ويعرض دينه على حاكمها (كشتاسب) الذي رقَّ قلبه لما سمع وأعلن اعتناقه الدين الجديد(١٢٥).
إن هذه الحفاوة به لم تستمر لأن الحاسدين في البلاط دبروا لزرادشت المكائد، وعانا بسببهم الكثير حتّى تم سجنه(١٢٦)، لكنّ المعاجز والبراهين كانت تظهر على يديه كشفاء المرضى ومعالجتهم، حتّى أنه قد شفى جواد الملك الذي كان يحبه كثيراً وكان هذا العمل لقاء إخراجه من السجن، وكذلك طلب من الملك معاقبة كل من كاده ودبر له المكائد(١٢٧).
فقام الملك بتلبية ما طلبه زرادشت وآمن به والملكة وولي العهد وحاشية الملك ووزراؤه، ومنهم الشخصية المشهورة (جماسب)، الذي أصبح فيما بعد حواري زرادشت، وقد وثق زرادشت هذه العلائق بتزويجه أخته من جماسب الوزير الأول، وتزوج هو من أخت الوزير الثاني (فراشا أوسترا)، فانتشر الدين في البلاد وعم ذكر الزرادشتية وتعاليمها في الأراضي، حتّى اعتنق الزرادشتية معظم أهالي إيران(١٢٨).
وتم شن الحروب على أعداء العقيدة الزرادشتية خاصة من أعدائهم الطورانيين الذين كانوا يعتدون على المزارعين وينهبون ماشيتهم ومحاصيلهم، واستمرت الحرب قائمة حتّى كانت نهاية زرادشت الذي قضى قتيلاً وهو ابن السابعة والسبعين في جمع من الكهنة ورجال الدين في أحد الهياكل، حيث كانوا يوقدون النار المقدسة فأغار عليهم أعداؤهم الطورانيون وتم طعنهم بالسيوف وقتلهم جميعاً، فامتدت دماؤهم إلى الموقد وأخمدت دماءهم النار المقدسة(١٢٩). وقد تعرضت ديانته للتحريف بعد مقتله بمدة قصيرة على يد رجل اسمه (زرادشت) أيضاً وتم وصفه بالمدَّعي الكاذب، وهو الذي جعل الناس يتحولون من تقديس النار إلى عبادتها(١٣٠).
هذه هي نهاية حياة أول منقذ أو أول (سوشيانت) وكما هو موجود في الديانة الزرادشتية، وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدداً من المنقذين في الديانة الزرادشتية ولابدّ أن يسبق هؤلاء المنقذين عدد من الممهدين لهم ليبسطوا لهم الطريق أمامهم ومن هؤلاء الممهدين هو (بهرام ورجاوند) و(بشوتن) الذي قاد كل منهم ثورة في فترة من فترات الزمن كان آخرها ثورة (بشوتن) ضد الظلم والأشرار.
المطلب الثالث: السوشيانت الموعود:
لقد آمنت الزرادشتية بمجيء ثلاثة منقذين مخلصين على رأس كل ألفية من الألفيات الثلاث الأخيرة، بمعدل منقذ واحد في نهاية كل ألف سنة، وآخر منقذ هو الـ(مسيا) الموعود والذي سيولد من عذراء طاهرة(١٣١)، وهؤلاء المنقذون هم:
(هوشيدر)، و(هوشيدر ماه)، و(سوشيانت) المنتصر، وهؤلاء المنقذون هم أبناء زرادشت وولدوا جميعاً من بذرته التي تركها في بحيرة وقد حفظت بأعجوبة في هذه البحيرة المقدسة، وتعد ألفية (هوشيدر) و(هوشيدر ماه) المقدمة للإصلاح، ويتم تجديد ديانة زرادشت ثانية مع بداية كل واحد منهما، ويتم القضاء في هاتين الألفيتين على الحيوانات المفترسة والضارة(١٣٢).
وعلى ما يبدو لي أنّ الديانة الزرادشتية تطرح فكرة التدرج في مراحل الإنقاذ، وبالتوافق مع هذه النظرية هناك ثلاثة منقذين مهمين، كل منقذ منهم أُنيطَت به مهمة إنجاز مرحلة من مراحل الإنقاذ حتّى تتم مراحل الإنقاذ وتتم على يد المنقذ الأخير (سوشيانت) المنقذ الأخير.
ففي مرحلة المنقذ الأول (هوشيدر) حيث تعج الأرض بمختلف أنواع البلايا (يبقى هوشدر مائة وخمسين سنة في الأرض والألفية ممتلئة بالبلايا السماوية مثل: القحط في الأرض، الثلج الأسود والأحمر وكلها بلايا ثقيلة تنزل على الأرض)(١٣٣).
(وفي هذه الألفية تبقى الشمس عشرة أيام في وسط السماء، وهذا الأمر غير متوقع وعجيب)(١٣٤).
وفي هذه الألفية يأتي (هوشيدر) منقذاً للتعاليم الدينية الزرادشتية فيصبح هو المسؤول عن التنظيم والمحافظة على المسائل الدينية الزرادشتية(١٣٥)، أما المنقذ الثاني (هوشيدر ماه) فيزيل الشيخوخة والغضب والخصم والفقر والشهوات ويزيد الأُخوَّة والهدوء والمحبة والراحة(١٣٦).
ونتيجة للإصلاحات التي يعملها المنقذ فإن الديانة الزرادشتية تنتشر ويزيد أتباعها وتزيد المحبة حتّى بين الحيوانات، في هذا الزمن يكتمل علم الطب ولا يموت الناس إلّا بالقتل وتزول الشيخوخة والأمراض(١٣٧).
المنقذ الأخير السوشيانت الموعود:
تشير المصادر الزرادشتية إلى أفول نجمها عند نهاية كل ألفية وانحطاط الأنظمة والقوانين، فيصعب العيش على المؤمنين فتترقب العيون ظهور المنقذ الموعود (العالم في نهاية كل ألفية، عالم ممتلئ بالظلم والكفر، والخراب وكل الأشخاص والأشياء تتحرك بطريق الانحدار وتبلغ القلوب الحناجر من الظلم والكفر والسيئات، وهذا من علائم ظهور سوشيانت)(١٣٨).
عندها سينتشر الفساد ويفضل الأحرار الموت على هذه الحياة (الفساد سينتشر بشكل واسع وحياة للأحرار غير قابلة للتحمل فهم يحبون الموت على الحياة وأيضاً العيش للناس صعب والشر والفساد والسرقة والكذب منتشرة ولا أحد يقول الصدق)(١٣٩).
ويحلم الناس بالألفية الأخيرة، الألفية السعيدة التي تتحقق فيها جميع أماني البشرية حيث يدوم الفرح والعافية من المرض والشرور وتطول الأعمار والتي تبدأ بظهور المنقذ الموعود (سوشيانس هو آخر شخص يأتي إلى الأرض وينظف العالم ويهزم الباطل)(١٤٠).
وعند بدء ظهور المنقذ الموعود ستظهر علامات عديدة وكأنّها إشارات تنبيه للمذنبين والعاصين ليرجعوا عن طغيانهم ويتوبوا في هذه الفرصة الأخيرة قبل أنّ يظهر المنقذ، وعندها لن ينفعهم الاعتذار والتوبة ولات حين مناص، ومن هذه العلامات أنّ الشمس ستتوقف في كبد السماء (تقف الشمس ثلاثين يوماً، في كبد السماء، وهذه العلائم من أجل الناس الخاطئين والمذنبين عجيبة، ويفهم الناس مرة أخرى أنّ شيئاً عجيباً يظهر في العالم، وفي هذا الوقت (ظهور سوشيانس) كانت تستقر وتكتمل الديانة الزرادشتية)(١٤١).
عندما يظهر الـ(سوشيانس) سيأمر الناس الطيبين أن يكونوا أتباعاً له وجنوداً كي يحاربوا الشر معه (قبل البعث الموت وقبل يوم القيامة (سوشيانس) يأمر الناس أن يصبحوا جنوداً ويحاربوا ضد (أهرمن)، وينهزم الكذب والأمراض والموت والسيئات والظلم والكفر وفي زمن (سوشيانس) كل خلقة جديدة يأتي السرور لمدة سبع عشرة سنة يأكل الناس الحشيش ويتناولون المياه ثلاثين سنة)(١٤٢).
وفي هذا إشارة بالغة إلى ارتفاع الحقد ودوافع العنف والقسوة الكامنة في النفوس واستقرار الطيبة والمحبة والوداعة محلها حتّى تصبح النفوس غير مستسيغة لإزهاق نفس حيوان من أجل تناول اللحم والطعام، وبعد الانتصار ودوام الفرح والخير والبركات عنده سينبعث حتّى بعض الموتى المؤمنين (يوم القيامة يخرج الأحياء من القبور وتعود الحياة إليهم ويعيشون مع الأحياء) وستطول أعمارهم (ولا يصيبهم الموت)، عندها سيزدان العالم بمجيء المنقذ الموعود (وفي هذا الزمن يجيء سوشيانس ويزين العالم)(١٤٣).
وهنا نذكر أسطراً من ترنيمة تصف عودة المخلص وتمجيده والدعاء له (دعه يأتي إليك ذلك الذي ترغب فيه، المجد لهفارنو - الكافاني العظيم) وهو اسم العصر الأخير الذي سيظهر فيه المخلص الموعود، في نهاية الترنيمة الدعاء بحفظ المخلص (احفظ الرجل المخلص إلى الأبد يا زرادشت، والعدو من الغدر لا تدعه يضرب الأمين ولا تدعه يسبب الأذى)(١٤٤).
وتجدر الإشارة إلى استمرار هذه الفكرة في العصر الـ(أخميني)، فقد قال اللاهوتيون بظهور ثلاثة مخلصين وذلك في نهاية كل ألفية من الألفيات الأخيرة من عمر الزمن الأرضي، ففي نهاية الألفية الأولى يظهر المخلص (أوخشياتريا)، وفي نهاية الألفية الثانية يظهر (أوخشياتينما)، أمّا في نهاية الألفية الثالثة فإنه يظهر المخلص الموعود (ساوشنياط) من نسل زرادشت، وكذلك في الديانة المانوية - قالت بوجود مخلص للبشرية يدعى (البارقليط) - رسول النور(١٤٥).
المبحث الرابع: مقارنة لمفهوم المنقذ في الأديان الوضعية:
إنّ عقيدة المنقذ من أبرز المشتركات المتفق عليها بين الأديان الوضعية رغم الاختلاف في المصداق الذي يطلق عليه اسم المنقذ أو الذي يجسد هذا المفهوم في كل ديانة، ويرجع الاختلاف في ذلك إلى أمرين:
الأمر الأول: الاختلاف في تأويل النصوص المقدسة وتحريفها وما تعرضت له النصوص من ترجمة حرفية أفقدتها الكثير من تفاصيلها المهمة وغيرت الكثير من معانيها وكذلك ما تعرضت له بعض هذه الكتب من حرق ودمار وضياع كما هو حال الـ(ابستاق) في الديانة الزرادشتية الذي تعرض للحرق والفناء(١٤٦).
الأمر الثاني: محاولة أصحاب كل ديانة إثبات أنّ المنقذ منها، وذلك عن طريق تحريف النص الديني، أو إسقاطه على المصاديق والشخصيات المقدسة عند أتباع كل دين، محاولة منهم لحيازة الشرف والرتبة كون المنقذ سيكون قائداً للبشرية كلها، وللأرض أجمعها، ولهذا تحاول كل أمة إثبات أنّ المنقذ سيكون منها، لتتصدر الأمم وتفخر عليها برئاستها(١٤٧).
وعلى الرغم مما تقدم فإني أرجِّح نظرية بدائية هذه الأديان بما يتناسب مع طبيعة الاحتياجات البسيطة التي كانت بحاجة إلى توفرها بما يخدم طبيعة ذلك الزمان، كذلك المشاكل الآنية وإيجاد حلولها الآنية حجبت الكثير من التفكير في مستقبل الكون والحياة، فالفساد المنتشر بشكل كبير والفقر وكثرة الحروب لم تدع لذلك الإنسان الوقت الكبير للتأمل بما سيحدث في نهاية هذا العالم وما سيحدث بعده، فلم يكن ذلك هو محل الابتلاء وليس محل التفكير والمناقشات العلمية الدقيقة لأهل ذلك الزمن.
وهنا بودّي الإشارة إلى مطالب:
الأول: اسم المنقذ في الأديان الثلاثة ومعالمه:
لقد تراوحت رؤى الأفكار حول المنقذ للتباين في تجسدها عند عظيم كلّ دين لتتخذ مصاديق عديدة وليطلق عليها اسم المنقذ، طبعاً بطبيعة ذلك المصداق الذي لابد أن تكون فيه بعض سمات المنقذ، ففي الديانة الهندوسية آمن الهندوس بالإله (فيشنو) الحافظ المنقذ الذي يظهر وقت المزالق والمهالك لينقذ المؤمنين به(١٤٨)، وقد آمنوا بأن المنقذ الأخير لابدّ أنّ يكون هو أحد آخر تجسُّد من تجسُّدات الإله الحافظ (فيشنو)(١٤٩).
أمّا الديانة البوذية التي هي سلسلة الديانة الهندوسية واتَّبعت مسيرتها في تجسيد هذه العقيدة فقد آمنت بأنّ المنقذ هو تجلي للإله (فيشنو) وهو المعلم (بوذا) الذي أنقذهم من براثن الجهل والشهوات وحرر الأرواح من إعادة دورة الحياة الـ(كارما) بواسطة الـ(نيرفانا)(١٥٠).
ولابدّ أن يعود هذا المنقذ أو أحد تجلياته في نهاية الزمان ليكمل عملية الإنقاذ التي بدأها أول مرة وليحرر النفوس والأبدان(١٥١).
أمّا المنقذ في الديانة الزرادشتية فهو الحكيم (زرادشت) الذي أنقذ المؤمنين به من تسلط الكهنة واستعباد السحرة والظلمات العقائدية وطهر أرضه من الفساد وحارب الجور ودافع عن شعبه عند غزو الأعداء وعدوانهم(١٥٢).
فهو الحكيم الذي رسم الخطوط الحقيقية لتنظيم حياتهم وتنوير بصائرهم وبيان ما للشر من أثر مظلم في النفوس وجمع شتاتهم الفكري على توحيد إله الخير (أهورا مزدا) وهنا تجدر الإشارة إلى الطبيعة السماوية للديانة الزرادشتية، لكن المؤرخين اعتبروها على حسب ما جرى عليه العرف البحثي ديانة وضعية نتيجة لما لاقته هذه الديانة من تحريف وضياع بعد مقتل الحكيم (زرادشت) على يد أعدائه، فتعرض الدين للضياع وتلاعب الكهنة بأحكامه، وبعد انتصار الإسكندر المقدوني على الدولة الساسانية تم حرق آخر نسخة من الكتاب المقدس الـ(ابستاق) مع كتاب الـ(زند) الذي خطه زرادشت بيمينه وتضمن شروحات للـ(ابستاق) والذي يعتبر بمثابة الأحاديث النبوية والسنة الشريفة في الديانة الإسلامية، لذا فَقَدَ الدين الزرادشتي الكثير من رونقه السماوي حتّى صار يعد ديناً وضعياً في نظر أكثر المؤرخين والباحثين.
وعودة على ذي بدء فإنّ الديانة الزرادشتية تؤمن بمنقذ مخلص يأتي في آخر الزمن لينشر السلام والشفاء والسعادة وليذهب بالأمراض والأوبئة والظلام الحالك في ليالي تلك الأزمنة، فالـ(سوشيانت) الموعود سيظهر في آخر الزمان كما يقول (جماسب) تلميذ (زرادشت) أنّ الـ(سوشيانت) الموعود من آخر رسول وهو نبي العرب الذي يظهر من بين جبال مكة ثم ينهض من أولاد النبي شخص في مكة ليكون خليفة وتابعاً لدينة... ومن عدله يشرب الذئب والخروف من ماء واحد ويكون العالم كله تابعا له(١٥٣).
المطلب الثاني: الشعب المراد إنقاذه:
كما هو الحال في طبيعة أتباع كل شريعة فهي تُمنّي نفسها بأنّ المنقذ سيأتي لإنقاذها وتحريرها وإعادة ازدهارها ورونقها وانبعاث مجدها من جديد وسيادتها للعالم بفضل منقذها الموعود، هكذا توالت طموحات أتباع الديانات، كلٌ يحوز الشرف والعزة لدينه.
وهذه الآمال بطبيعة الحال متحققة، فالمنقذ الموعود للبشرية كلها وللكون كله وليس حكراً على دين أو طائفة، بل هو للأديان كلها يوحدها يهذبها يرجعها لجادة الصواب الحقة لتحيا الشعوب من جديد الحياة الكريمة التي أرادها الله لها.
فالهندوسية تؤمن بعودة المنقذ الذي هو أحد تجسدات الإله (فيشنو) لينقذها ويحف المؤمنين بها بالعناية والرعاية والرفاهية من جديد وليصبح الإيمان المطلق بهذا المنقذ الهندوسي الموعود هو الإيمان العالمي حيث يتبعه العالم كله فهو التجسد الأخير لـ(فيشنو) حيث يأتي لسعادة العالم(١٥٤).
أمّا البوذية فقد نحت المنحى نفسه لسابقتها الديانة الهندوسية في إيمانها بعودة أحد تجسدات الإله (فيشنو) وهو (بوذا) من جديد ليعم الخير والسلام ولتنتشر البوذية في العالم ولتكن هي الديانة العالمية السائدة وليعم الخير بمجيء (بوذا) الذي من معانيه هو المخلص العظيم(١٥٥)، وهنا يأتي تأكيد التراث البوذي على أنّ (بوذا) ظهر من وقت لآخر على طوال التاريخ البشري وسيواصل الظهور على هذا النحو... ويحصل كل (٥٠٠٠) سنة(١٥٦).
أمّا الزرادشتية فقد آمنت بوجوب ظهور المنقذ الـ(سوشيانت) الموعود الذي سيظهر ليعيد رونق الزرادشتية المفقود ولينصر المؤمنين المظلومين من أتباع الزرادشتية وليصبح الدين الزرادشتي هو المهيمن على أديان العالم وسينهي كل الشرور التي أثارها (أهريمان) وجنوده(١٥٧).
إذ (يخرج رجل من أرض الفرسان من أولاد هاشم(١٥٨)، رجل كبير الرأس والجسم والرجل، يكون على دين جده، بجيش عظيم يتجه إلى إيران فيحيي أرضها ويملأها عدلاً)(١٥٩).
وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذه النقطة من النقاط التي تتفق فيها الديانة الزرادشتية مع الديانة الإسلامية من حيث نسب المنقذ الأخير، فكما هو متفق عليه عند المسلمين فقد ورد في الحديث الشريف للرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): «المهدي من عترتي من ولد فاطمة»(١٦٠)، وبما أن المهدي (عجّل الله فرجه) حفيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والنبي حفيد هاشم إذن هو من أولاد هاشم.
المطلب الثالث: معالم حكومة المنقذ:
للمنقذ العالمي الموعود ولدولته العالمية المنشودة ولحكومته الرشيدة معالم عديدة رسمتها عقائد الأديان في نفوس أتباعها، لتزرع الآمال في وقت الصعاب ولتبشر المظلومين في وقت الجور، لتحيي في النفوس مشاعل النور بدل مشاعر اليأس والتشاؤم بأنّ الغد أفضل والمستقبل الموعود قريب.
فمن أبرز السمات التي لابد منها اتصاف دولته بالعدل والإصلاح كما جاء في الهندوسية (حينما يمتلئ العالم بالظلم يظهر الشخص الكامل الذي يسمى (يترتنكر: المبشر) ليقضي على الفساد ويؤسس للعدل والطهر... سيُنجي (كريشنا) العالم حينما يظهر البراهميتون)(١٦١).
وكذلك الديانة البوذية فقد آمنت بظهور آخر تجسد لـ(بوذا) الحكيم العادل ليخلص البشر بخلود الروح الإنسانية وينشر الخير والعدل كما فعل (بوذا) عن طريق الـ(نيرفانا) من قبل(١٦٢).
أمّا الزرادشتية أيضاً فترتقب ظهور منقذ عادل (ومن عدله يشرب الذئب والخروف من ماء واحد ويكون العالم كله تابعاً له)(١٦٣).
ومن صفات دولته القوة، فسلطانه سيعم الأراضي كما تحدثنا كتب الديانة الهندوسية (ودولته طويلة الأمد، وعمره - أي ابن الناموس الأكبر - طويل، وتنتهي الدنيا به، ويسخِّر من ساحل البحر المحيط، وجزائر سرانديب، وقبر الأب آدم (عليه السلام)، وجبال القمر، إلى شمال هيكل زهرة، وإلى سيف البحر والمحيط)(١٦٤).
ويشير التراث البوذي إلى أنّ المنقذ سيظهر آخر (أَفَتار) قوي عادل لينشر العدل من الـ(أفَتارات) الموعودين الذين ظهروا بتجسد من الإله (بوذا)، وهذه التجسدات الـ(أَفَاتارات) لـ(بوذا) تظهر بحسب حساباتهم كل خمسة آلاف سنة(١٦٥).
أمّا الديانة الزرادشتية فتخبرنا في تراثها بأنّ المنقذ سيأتي قبل يوم البعث كما هو آتٍ (قبل البعث الموت وقبل يوم القيامة سوشيانس يأمر الناس أن يصبحوا جنوداً ويحاربوا ضد (أهرمن) وينهزم الكذب والأمراض والموت والسيئات والظلم والكفر)(١٦٦).
ومن سمات دولته الرفاهية للشعوب ودوام السعادة وغياب الأمراض والهم والحزن ودوام البركات وجزيل النعم فهو المنقذ الأخير (سوشيانس هو آخر شخص يأتي إلى الأرض وينظف العالم ويهزم الباطل)(١٦٧).
الهوامش:
(١) رسالة قدمتها الطالبة نور ناجح حسين إلى مجلس كلية الآداب في جامعة الكوفة، وهي جزء من متطلبات شهادة ماجستير في التاريخ الإسلامي.
(٢) هذا البحث مقتطع من رسالة الماجستير المشار إليها في العنوان ونشر منه الفصل المتعلق بـ(المهدي في الروايات) الفصل الثالث دون بقية الفصول الأخرى من الرسالة.
(٣) جمال الدين ابي الفضل محمد بن مكرم الافريقي، لسان العرب: ج٣، ص٥١٦.
(٤) الضامن، حاتم صالح، الصرف: ص٥١.
(٥) الفراهيدي: الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم، العين: ج٥، ص١٣٥.
(٦) الجوهري، أبو نصر إسماعيل بن حماد الفارابي، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: ج٢، ص٥٧٢.
(٧) ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة: ج٥، ص٤٦٨.
(٨) الأصفهاني، الحسين بن محمد بن المفضل، مفردات ألفاظ القرآن: ص٨٢٠-٨٢١.
(٩) ابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل المُرسي المخصص: ج٣، ص٩٨.
(١٠) القفطي، جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف، إنباه الرواة على أنباه النحاة: ج٣، ص١٣٦.
(١١) الموسوي، موسى، الشيعة والتصحيح: ص٦١.
(١٢) وافي، علي عبد الواحد، الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام: ص٩٢.
(١٣) ينظر: דוד שגיב، מילון עברי- ערבי، כרך ראשון، ירושלים ١٩٨٥ م، עמ› ٧١١، ٨٦٩.
(١٤) אבן שושן، אברהם، המילון המרוכז، (תל אביב ٢٠٠٨) עמ› ١٤١.
(١٥) אבן שושן، אברהם، המילון המרוכז، עמ› ١٤١.
(١٦) مقابلة شخصية مع الدكتور عدنان الحميداوي، أستاذ اللغة العبرية، كلية اللغات، جامعة بغداد، في قسم اللغة العبرية، بتاريخ ١٩/٣/١٤٣٧هـ- ١٦/١١/٢٠١٥م، وقد أذن بالإشارة لها.
(١٧) Lengua Espanola، Vigesima primera ediciónespropiedad، vigesimaprmera Edicion، (Real، academia، Espanola، ١٩٩٢) p.١٣٠٣.
(١٨) مقابلة شخصية مع الدكتورة شذى كريم عطا الشمري، رئيس قسم اللغة الإسبانية، كلية اللغات، جامعة بغداد، في مكتبة قسم اللغة الإسبانية، بتاريخ، ١٩/٣/١٤٣٧هـ- ١٦/١١/٢٠١٥م، وقد أذن بالإشارة لها.
(١٩) ;Mari aMoliner، adiccion ario de usoaell Espanol، (Segunda Edicio Herederos de Mari aMoliner، Edrtorial gredos، s.a، ١٩٩٨)، p.١٠٢٠.
(٢٠) ينظر: مهدي، فالح، البحث عن منقذ. دراسة مقارنة بين ثماني ديانات: ص٩-١٢؛ صديقي، فكرة المخلص، ص٢٦-٢٨.
(٢١) الأسدي، كاظم مزعل، المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية: ص٨٥-٨٦.
(٢٢) الصدر، محمد باقر، اليوم الموعود بين الفكر المادي والديني: ص٤٤.
(٢٣) المرجع نفسه، ص٤٨.
(٢٤) الطبسي، جولة في دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): ص٩٥.
(٢٥) عباس محمود، برناردشو: ص١٢٤.
(٢٦) من أبرز هذه الكتب، ينظر: غريس هالسل، النبوءة والسياسة.
(٢٧) صموئيل بيكيت، في انتظار جودو، ص٧٠-٧٥. (www.books٤arab.com/٢٠١٥/٠٤/pdf_٦٩htm).
(٢٨) الصدر، محمد باقر، بحث حول المهدي (عجّل الله فرجه): ص٨٧.
(٢٩) الويدية أو الفيدية: وهي الشكل القديم للديانة الهندوسية وقد دخلت إلى الهند مع دخول الآريين لها حوالي (١٥٠٠) قبل ميلاد المسيح (عليه السلام)، علماً أن كتب الآريين المقدسة تدعى (فيدا) والتي تعني المعرفة المقدسة وتتضمن أناشيد للآلهة ونصوصاً لتقديم الذبائح، وكذلك نصوصاً تتناول العقائد التي تتحدث عن الله وصورة الإنسان والعبادة. ينظر: ثيودور، عادل، مدخل إلى الأديان الخمسة الكبرى، (بيروت، المكتبة البوليسية، ١٤٢٦هـ/٢٠٠٥م)، ص٤.
(٣٠) آريان: هو شعب قديم أصله من شرق أوروبا. استولى على إيران من الشمال الغربي للهند عام (٢٠٠٠ ق.م). وكان سبباً في تدهور حضارة السند. وكانت لغته صورة أولية من السنسكريتية وهي أساس اللغات الهندو الأوروبية. لأن الشعب الآري كان يسكن المناطق الممتدة من شرق أوروبا إلى جنوب آسيا. وقد وصل للهند سنة (٣٠٠٠ ق.م)، والآريون بشر أبيض الجلد وشعر أسود ولم يبقَ من هذا الجنس سوى اللغة الآرية وكانوا يعبدون آلهة الإغريق. وقد ابتكروا أشكالاً من النصوص الشفهية في الـ(فيدا) المقدسة لدى الهندوس. ينظر: https://ar.wikipedia.org/wiki/
(٣١) شلبي، أحمد، أديان الهند الكبرى: ص٣٨.
(٣٢) المرجع نفسه: ص٣٨.
(٣٣) ابتداءً من القرن الثامن قبل الميلاد نسبة إلى (براهما) وهي القوة السحرية الكامنة. ينظر: المرجع نفسه: ص٣٧.
(٣٤) شلبي، أديان الهند الكبرى: ص٣٧.
(٣٥) المقدسي، صبري، الموجز في المذاهب والأديان: ص١٩.
(٣٦) الطوطمية: هي ديانة مركبة من الأفكار والرموز والطقوس تعتمد على العلاقة بين جماعة إنسانية وموضوع طبيعي يسمى الطوطم، والطوطم يمكن أن يكون طائراً أو حيواناً أو نباتاً أو ظاهرةً طبيعية أو مظهراً طبيعياً مع اعتقاد الجماعة بالارتباط به روحياً. وكلمة طوطم مشتقة من اللغة الأمريكية الأصلية. ينظر: ويكيبيديا.
(٣٧) حلمي، مصطفى، الإسلام والأديان: ص٤٥.
(٣٨) السنسكريتية: هي لغة قديمة في الهند وهي لغة طقوسية للهندوسية، والبوذية. لها موقع في الهند وجنوب شرق آسيا مشابه للغة اللاتينية واليونانية في أوروبا في القرون الوسطى، وقد لاحظ هذا الشبه العالم اللغوي (ويليام جونز) وهو مسشرق بريطاني حيث كان يعمل قاضياً هناك، ولهذه اللغة جزء مركزي في التقليد الهندوسي. وهي إحدى الاثنتين والعشرين لغة الرسمية للهند. وتدرس في الهند كلغة ثانية. كما أن بعض الـ(براهميين) يعتبرونها لغتهم الأم. ينظر: https://ar.wikipedia.org/wiki/%
(٣٩) المقدسي، الموجز في الأديان: ص٤٠.
(٤٠) المرجع نفسه: ص٢٨-٢٩.
(٤١) المرجع نفسه: ص٤٦.
(٤٢) المرجع نفسه: ص٣٣.
(٤٣) شلبي، أديان الهند الكبرى: ص٥٧.
(٤٤) سعيد، حبيب، أديان العالم: ص٧٧-٧٩.
(٤٥) شلبي، المسيحية: ص٧٨.
(٤٦) شلبي، أديان الهند الكبرى: ص٤٩.
(٤٧) سعيد، أديان العالم: ص٢٣- ٢٧.
(٤٨) المقدسي، الموجز في المذاهب والأديان: ص٣١.
(٤٩) المرجع نفسه: ص٤٠.
(٥٠) قيدارة، الأسعد بن علي، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ: ص٣٨.
(٥١) المرجع نفسه: ص٣٩.
(٥٢) مهدي، البحث عن منقذ: ص٥٣-٥٦.
(٥٣) المرجع نفسه: ص٥٣-٥٦.
(٥٤) مهدي، البحث عن منقذ: ص٧٥-٦٠.
(٥٥) قيدارة، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ، ص٣٨.
(٥٦) الكتاب المقدس الهندوسي الأوبانيشاد: ٢، ص٦٣٧.
(٥٧) كريشنا: وهو أحد الآلهة الهندوسية ويعتبر أحد تجسدات الإله (فيشنو) ويعتبر (كريشنا) هو إله العطف واللطف والحماية ويتمثل بمظهرين: أحدهما المقاتل الشجاع، والآخر العازف الطيب، وسيأتي تجسده المنقذ الأخير (كالكي) لينقذ المؤمنين به والصديقين ويعاقب الأشرار في نهاية الحقبة الثالثة للعالم ليعلن عن فتح حقبة جديدة بمجيئه. ينظر ثيودور، مدخل إلى الأديان الخمسة: ص٥.
(٥٨) مهدي، البحث عن منقذ: ص٦٠.
(٥٩) الاوبانيشاد: ج٢، ص٥٤.
(٦٠) الكرماني، علائم الظهور: ص١١٧.
(٦١) المصدر السابق: ص١١٧.
(٦٢) الشيرازي، جلال الدين محمد بن الشيخ أبي تراب، لمعات النور في كيفية الظهور: ج١، ص١٨.
(٦٣) المرجع نفسه، ج١، ص١٨.
(٦٤) شلبي، أديان الهند الكبرى، ص١٣٠.
(٦٥) قيدارة، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ، ص٤١.
(٦٦) شلبي، أديان الهند الكبرى، ص١٣١.
(٦٧) قيدارة، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ، ص٤٢.
(٦٨) حلمي، مصطفى، الإسلام والأديان دراسة مقارنة، ص٦٨.
(٦٩) وهناك قضى اليوم كله بل الليل كله في نزاع داخلي، حتى إذا بزغ نور الفجر، أشرق عليه نور الحق، ينبئه أن شقاء الحياة وعناءها وضجرها تنبعث من رغبات النفس، وأن الإنسان مستطيع أن يكون سيد رغباته لا عبداً لها، وأن في مقدوره الإفلات من هذه الرغبات بقوة الثقافة الروحية الداخلية ومحبة الآخرين. ينظر: سعيد، أديان العالم: ص٩٤.
(٧٠) بارندر، جيفري، المعتقدات الدينية لدى الشعوب: ص١٧٩.
(٧١) النيرفانا: ومعناها المنطفئ، أي كما ينطفئ المصباح أو النار، أمّا الكتب البوذية فتستعملها بمعاني:
١- حالة السعادة يبلغها الإنسان في الحياة بإقلاعه عن كل شهواته الجسدية اقتلاعاً تاماً.
٢- تحرير الفرد من عودته إلى الحياة وانعدام تصوره - أي الفرد - بعودته إلى الحياة مره أخرى. ويعتقد البوذيون أن الذي يبلغ الـ(نيرفانا) يخرج من دائرة الألم والسرور ويصبح فوق الأحزان والأفراح. ينظر: ينظر مهدي، البحث عن منقذ: ص٦٢.
(٧٢) شلبي، أديان الهند الكبرى: ص١٥٢.
(٧٣) سوترا بيتاكا: وهي مجموعة الكتابات الأصلية، وتتضمن الحوارات التي دارت بين (بوذا) ومُرِيديه. ينظر: الويكيبيديا.
(٧٤) فينايا بيتاكا: وهي الكتابات التي تتعرض للجانب التنظيمي والأخلاقي لحياة الرهبنة، وتتضمن حوالي مائتين وخمس وعشرون قاعدة. ينظر: الويكيبيديا.
(٧٥) أبهيدارما بيتاكا: وتتضمن مناقشات في الفلسفة، العقائد وغيرها من الموضوعات التي تمس العقيدة البوذية. ينظر: الويكيبيديا.
(٧٦) كيون، دامني، مدخل إلى البوذية: ص٢١.
(٧٧) ثيودور، مدخل إلى الأديان الخمسة الكبرى: ص١٨.
(٧٨) المرجع نفسه: ص١٩.
(٧٩) المرجع نفسه: ص٢٠.
(٨٠) كيون، مدخل إلى البوذية: ص٥٥.
(٨١) ينظر: الأعظمي، محمد ضياء الرحمن، فصول في أديان الهند الهندوسية والبوذية والجينية والسيخية وعلاقة التصوف بها: ص١٢٦-١٢٧.
(٨٢) كيون، مدخل إلى البوذية: ص٩٨.
(٨٣) كيون، مدخل إلى البوذية: ص٣٠.
(٨٤) المرجع نفسه: ص٣٠.
(٨٥) المرجع نفسه: ص١٤٥.
(٨٦) المرجع نفسه: ١٤٦.
(٨٧) ثيودور، مدخل إلى الأديان الخمسة: ص٤٣.
(٨٨) المرجع نفسه: ص٤٤.
(٨٩) المرجع نفسه: ص٤٤.
(٩٠) كيون، مدخل إلى البوذية: ص٦٠.
(٩١) ثيودور، مدخل إلى الأديان الخمسة: ص٤٥.
(٩٢) كيون، مدخل إلى البوذية: ص٦١.
(٩٣) المرجع نفسه: ص٦٧.
(٩٤) قيدارة، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ: ص٤٤.
(٩٥) كيون، مدخل إلى البوذية: ص٧٠.
(٩٦) الدولة الميدية: وهي عبارة عن قبائل (هندو أوروبية) انقسمت إلى فرعين: أحدها استوطن جبال شمالي العراق ومن بقاياهم اليوم القومية التي تعرف بالأكراد، والثاني استوطن شمال إيران وكون الدولة الميدية حيث أسسها زعيم هذه القبائل (ديكو) (ت: ٦٥٥ق.م) في المدة المحددة ما بين عام (٧٤٤-٧٠٥ق.م) وعاصمتها (أكبتانا) ودخلت في حلف مع مملكة (الأورارطو) وهي من دول العالم القديم التي نشأت في بلاد أرمينية. ينظر: طه باقر، وآخرون، تاريخ العراق القديم: ج١، ص٢٠٨؛ الجاف، حسن، الكرد وبقايا الميدين: ص٣١-٣٣.
(٩٧) الدولة الفارسية: وهي دولة قوية تأسست من اتحاد قبائل آرية برئاسة زعيمها (أخمنيس) ولها عدة أسماء. للمزيد ينظر، الإيجي، عضد الدين عبد الرحمن، المواقف: ج١، ص١٧٥-١٧٦؛ ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد، تلبيس إبليس: ص٢٣؛ حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: ج٢، ص٣٨؛ زكي، محمد أمين، خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية، ترجمة: محمد علي عوني: ص٧-٩؛ ولبرا، دونالد، إيران ماضيها وحاضرها، ترجمة: عبد النعيم محمد، حسنين إبراهيم أمين الشورابي: ص٣٨-٣٩.
(٩٨) المقدسي، الموجز في المذاهب والأديان: ص٦٧.
(٩٩) المرجع نفسه: ص٥٩.
(١٠٠) زرادشت: ولد في الفترة الزمنية من (١٠٠٠ ق.م) إلى (٦٥٠ق.م)، وتنسب له الديانة الزرادشتية. ينظر: المقدسي، الموجز في الأديان: ص٥٧.
(١٠١) العروضي، أحمد بن عمر بن علي النظامي، مجمع النوادر- أو چهار مقالة. المقالات الأربع في الكتابة والشعر والنجوم والطب، ص٢٣-٢٤؛ حلمي، الإسلام والأديان: ص١٠٤.
(١٠٢) المقدسي، الموجز في الأديان: ص٦٢.
(١٠٣) بارندر، الدين لدى الشعوب: ص٩٢.
(١٠٤) المرجع نفسه: ص١٠٥.
(١٠٥) المقدسي، الموجز في المذاهب والأديان: ص٧٣.
(١٠٦) المرجع نفسه: ص٧٧.
(١٠٧) المرجع نفسه: ص٧٤.
(١٠٨) القزويني، زكريا بن محمد، آثار البلاد وأخبار العباد، ص٧٤.
(١٠٩) الطوسي، نظام الملك أبو الحسن علي، سياست نامه: ص٢٤-٢٥.
(١١٠) مينوي، مجتبى، كتاب تنسر، ترجمة: يحيى الخشاب: ص٣٣-٣٤.
(١١١) (أهورا مزدا): الإله الواحد الحكيم ملك الخير والإصلاح والبر وهو خالق الكون التي تؤمن به الديانة الزرادشتية وقد أعلن زرادشت أنه هو الخالق الواحد الذي خلق روح الخير التي تسمى (أرموزد)، وكذلك روح الشر (أهريمان). ينظر: سعيد، أديان العالم: ص١٥٠-١٥٥.
(١١٢) ترابي، علي، تاريخ أديان: ص٨٥-٨٦.
(١١٣) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٤٠.
(١١٤) ترابي، علي، تاريخ أديان، ص٩١-٩٢.
(١١٥) الموسوي، جاسب مجيد جاسم، الديانة الزرادشتية وأثرها في الدولة الساسانية، رسالة ماجستير غير منشورة، (جامعة بغداد، كلية الآداب، قسم التاريخ، ١٤٢٤هـ/٢٠٠٣م): ص٦٧.
(١١٦) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٢٧.
(١١٧) خان، ميرزا عبد المحمد، زرتشت باستاني وفلسفة: ص٦٦-٦٧.
(١١٨) المقدسي، الموجز في المذاهب والأديان: ص٥٧.
(١١٩) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٢٧.
(١٢٠) المقدسي، الموجز في المذاهب والأديان: ص٥٧.
(١٢١) المرجع نفسه: ص٥٨.
(١٢٢) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٣٠.
(١٢٣) المقدسي، الموجز في المذاهب والأديان: ص٧٦.
(١٢٤) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٣١.
(١٢٥) بارندر، المعتقدات الدينية لدى الشعوب: ص٩٠.
(١٢٦) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٣٢.
(١٢٧) المرجع نفسه: ص١٣٣.
(١٢٨) المرجع نفسه: ص١٣٣-١٣٤.
(١٢٩) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٣٥.
(١٣٠) خان، زرتشت باستاني وفلسفة: ص١٤١.
(١٣١) سعيد، اديان العالم: ص١٥٦.
(١٣٢) يوسفي، جمشيد، الزرادشتية الديانة والطقوس والتحولات اللاحقة بناء على نصوص الـ(أفستا): ص٣٤٠.
(١٣٣) المرجع نفسه: ص٨٩.
(١٣٤) فرنبغدادگى، بندهشن، ترجمة: مهردادبهار: ص١٨٧.
(١٣٥) آذرفرنبغ، فزرخاد، دينكرد، ترجمة: تفضلي وآموزكار: ص٦٦٨.
(١٣٦) زاله آموزكار، واحمد تفضلي، دينكرد: مج٧، ج٩، ص٨-٩.
(١٣٧) فرنبغدادگى، بندهشن: ص١٨٨.
(١٣٨) يوسفي، جمشيد، الزرادشتية الديانة والطقوس والتحولات اللاحقة بناء على نصوص الـ(افستا)، ص٣٤٣.
(١٣٩) المرجع نفسه: ص٣٤٣.
(١٤٠) شهزادى، رستم، خرده اوستاه: ص٢٢.
(١٤١) يوسفي، جمشيد، الزرادشتية الديانة والطقوس والتحولات اللاحقة بناء على نصوص الـ(أفستا): ص٣٤٢.
(١٤٢) زاله آموزكار، واحمد تفضلي، دينكرد: مج٧، ص٣.
(١٤٣) ارادى ويراف نامة، بهشتودوزخ در ايينمزديسني، ترجمة: رحيم عفيفي: ص١١.
(١٤٤) عبد الرحمن، خليل، أفستا الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية: ص٣٩٩.
(١٤٥) السقاف، أبكار، الدين في الهند والصين وإيران: ص٢٠٦.
(١٤٦) الطوسي، سياسة نامه: ص٢٥.
(١٤٧) جعفر، مهدي خليل، الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في الأديان: ص١٦.
(١٤٨) سعيد، أديان العالم: ص٧٩.
(١٤٩) قيدارة، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ: ص٤٠.
(١٥٠) المرجع نفسه: ص٤٢.
(١٥١) المرجع نفسه: ص٥٧.
(١٥٢) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٣٥.
(١٥٣) يوسفي، الزرادشتية الديانة والطقوس والتحولات اللاحقة بناء على نصوص الـ(أفستا): ص٣٤٤.
(١٥٤) بارندر، المعتقدات الدينية لدى الشعوب: ص١٧٧.
(١٥٥) المرجع نفسه: ص٢١٥.
(١٥٦) المرجع نفسه: ص٢١٦.
(١٥٧) قيدارة، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ: ص٤٥.
(١٥٨) هاشم: وهو الجد الثاني للنبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، واسمه عمرو العُلى بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وإنما قيل له هاشم لأنه أول من هشم الثريد لقومه وأطعمه. ينظر: ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: ج٢، ص٢١٠.
(١٥٩) يوسفي، الزرادشتية الديانة والطقوس والتحولات اللاحقة بناء على نصوص الـ(أفستا): ٣٤٤.
(١٦٠) السجستاني، صحيح السجستاني، ج٤، ص١٠٦؛ الطبراني، المعجم الكبير، ج٢٣، ص٢٦٧؛ العجلوني، إسماعيل، كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: ج٢، ص٢٨٨.
(١٦١) الاوبانيشاد: ج٢، ص٥٤.
(١٦٢) قيدارة، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ: ص٣٩.
(١٦٣) يوسفي، الزرادشتية الديانة والطقوس والتحولات اللاحقة بناء على نصوص الـ(أفستا): ص٣٤٤.
(١٦٤) الشيرازي، لمعات النور في كيفية الظهور: ج١، ص١٨.
(١٦٥) بارندر، المعتقدات الدينية لدى الشعوب: ص٢١٦.
(١٦٦) زاله آموزگار، وأحمد تفضلي، دينكرد: مج٧، ص٣.
(١٦٧) شهزادى، خرده اوستاه: ص٢٢.
المنقذ في الأديان الوضعية دراسة تاريخية مقارنة
نور ناجح حسين(١)
إنَّ الله تعالى خلق الإنسان وفضَّله على الخلق بأنْ أسجد له ملائكته المقرَّبين، فجعله أفضل خلقه، وبعد ذلك أنزله دار الدنيا دار الاختبار ليختار الإنسان منزلته بالفعل، فإمّا أن يطلب ما اختاره الله له سيِّداً لخلقه، وإمّا أنْ يختار ما تختاره له نفسه الأمّارة بالسوء ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ (الفرقان: ٤٤)، وقد أعطى الله تعالى للإنسان عقلاً يهديه ويرشده لطريق النجاة لو اتَّبعه فهو نبي باطنه، وإزاءه نفسه تطلب الدنيا وزينتها فلو اتَّبعها لهلك، فكان الإنسان متَّزن الخلقة في ذلك، وبعدما كان الاختبار للخلق بآدم (عليه السلام) وفتنة السجود له، أبى واستكبر شيطانٌ من الجن حسداً منه له وعزَّةً في نفسه، فغضب الله عليه وأخرجه من نعيمه وجنَّته، فتواعد وأقسم أن يضلَّ عن الصواب الناس أجمعين، ﴿إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ﴾ (ص: ٨٣/الحجر: ٤٠)، فهنا أصبح عدوان للإنسان: نفسه الأمَّارة بالسوء والشيطان لذلك لطف الله بالبشر فمنَّ عليهم بنعمة ثانية وهي أن بعث لهم منهجاً لو اتَّبعوه لنجوا.
هذا المنهج يحمله أفراد منهم وهم الذين لا يتمكَّن الشيطان منهم وهم المخلَصون، فأصبح للإنسان ناصران، هما: العقل، وذلك الإنسان المعصوم من الخطأ المخلَص الذي لا يقع بشباك الشيطان، كما في قوله تعالى: ﴿إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ﴾ (ص: ٨٣) وهؤلاء هم المعصومون من الأنبياء والخلائف الربانيين، فبدأ النزاع بين البشر والشيطان والنفس والعقل، بين الحق والباطل، وكل البشر - الصالحون منهم والمستضعفون - يأملون ذلك اليوم الذي يعمّ به الحق ويظهر العدل بعد ظهور الفساد وكثرة جنود الشيطان في أرجاء المعمورة، لذا كان الأمل في المنقذ والمخلِّص جزءاً من فطرة الإنسان، فضلاً عن أنَّ الرحمن وعد به في كل كتبه ورسالاته.
إنَّ أهمية هذا الموضوع تكمن في تأكيد جميع الأديان واجتماعها على فكرة المنقذ، ما يحوجنا إلى معرفة كل منقذ لكل ديانة سماوية أو وضعية على وفق دراسة تاريخية مقارنة تتَّسم بالموضوعية، ولذلك جاء عنوان (المنقذ في الأديان - دراسة تاريخية مقارنة)(٢).
ولعلَّ هناك دوافع عدَّة كمنت وراء اختياري لهذا الموضوع أهمّها سعة انتشار (عقيدة المنقذ في الأديان) واهتمام الأديان بهذه العقيدة من قبل شرائح واسعة في مجتمعات مختلفة في الدين والمعتقد.
هذا البحث الذي جاء تحت عنوان (المنقذ في الأديان الوضعية) حاولت من خلاله إبراز أهم معالم (المنقذ) في الديانات الوضعية (الهندوسية والبوذية والزرادشتية) في ثلاثة مباحث، فيما خصص المبحث الرابع لعقد مقارنة لمفهوم المنقذ بين تلك الأديان وقد كان منهج البحث المتَّبع في هذا البحث هو المنهج الوصفي إلّا في المبحث الرابع فقد اتَّبعتُ منهج البحث التاريخي المقارن، ثم تلى فصول الدراسة خلاصة تضمَّنت أهم النتائج التي توصلت إليها بعد البحث والتقصّي وأردفت ذلك بثبت للمصادر والمراجع اعتمدت عليها في إنجاز هذا البحث.
المبحث الأول: المنقذ لغة واصطلاحاً:
أولاً: المنقذ لغةً:
لقد وردت لفظة المنقذ في الكثير من المصادر اللغوية مع الاختلافات بين مؤلفيها، فيقول ابن منظور: (نقذ: نَقَذَ يَنْقُذُ نَقْذاً: نجا؛ وأَنْقَذَه هو وتنقَّذه واستنقذه. والنَّقَذُ، بالتحريك، والنقيذ والنقيذة: ما استُنْقذ وهو فَعَل بمعنى مفعول مثل نَفَض وقَبَض(٣). فالمنقذ اسم فاعل من الفعل الثلاثي المزيد نَقَذَ يَنْقِذُ منقذاً واستنقذ(٤). أنقذه من فلان، واستنقذه منه، وتنقذه بمعنى، أنجاه وخلصه والنقذ بالتحريك: ما أنقذته، هو فعل بمعنى مفعول، مثل نفض وقبض(٥).
والنقائذ: من الخيل: ما أنقذته من العدو، وأخذته منهم، الواحدة نقيذة. ومنقذ: اسم رجل(٦).
و(نقذ) النون والقاف والذال أصل صحيح يدل على استخلاص شيء وأنقذته منه خلصته(٧). وفي تفسير قوله تعالى: ﴿وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها﴾ (آل عمران: ١٠٣) ذكر الراغب في مفردات ألفاظ القرآن (الإِنْقَاذُ: التَّخْلِيصُ من وَرْطَةٍ)(٨).
وقد جاء في المخصص عن (التّنَقّذ والإطلاق: أنقذْتُه وتنقّذْته واستنقَذْتُه والنَّقَذ والنّقيذ والنّقيذَة - ما استُنقِذ ونقَذَ هو ينقُذ نَقْذاً - نجا ورجل نقَذ - متنقّذ ومنه خيلٌ نقائذ - تُنُقّذَت من أيدي الناس)(٩).
(أنقذه من البؤس واستنقذه، وتنقذه وقد نقذ نقذا إذا نجا، وتقول العرب نقذا له إذا دعوا له بالسلامة وهو نقيذة بؤس وهم نقائذ بؤس إذا استنقذوا منه، وهذا الفرس أو البعير أو غيرهما من النقائذ وهي ما أخذه العدو وتملكه ثم رجعت فأخذته منه وتنقذته من يده وهو نقيذ ونقيذة ونقذ)(١٠).
من النصوص السابقة يتَّضح أن أغلب التأويلات والتعريفات تتفق على أنّ المنقذ هو من الانقاذ والتنقيذ والاستنقاذ والتخليص، وهذا ما تميل له الباحثة وتؤيده لأنّه الغالب والأقرب إلى المعنى الحقيقي الدال للمفردة.
ثانياً: المنقذ اصطلاحاً:
جاءت لفظة المنقذ لتشارك وترادف في معناها ألفاظاً أخرى كالمخلص، والموعود، والمنتظر، والمهدي، والمصلح، وأصبحت تشارك هذه الألفاظ التي حملتها بطون الكتب والروايات لتصبح لقباً للشخص الذي يقيم دولة السماء على الأرض، الرجل الذي يحكم الدولة الكبرى بالعدالة المطلقة، لذا أصبح لهذه اللفظة معنى اصطلاحي - ديني تشاركته الأديان، كلٌّ حسب تسميتها لهذا الشخص، ومما يبدو لي أن هذه التسمية أخذت حضوراً واسعاً في كتب الأديان والمعتقدات الإنسانية تشاركت في وحدة المعنى وترادفت في الاصطلاح وتنوَّعت في التسميات لكنها في حقيقتها صورة واحدة لمدلول واحد هو المنقذ الذي تنتظره كلّ الأديان مع اختلافها واختلاف تشخيصها لهوية هذا الشخص فاصبح هذا اللفظ من الناحية الاصطلاحية هو المعنى الشامل لذاك الرجل المنتظر، الذي سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وقد حمل الاعتقاد بهذا المنقذ المنتظر فكرة حكومته الشاملة الكاملة العادلة أكثر الأديان بل جميعها (ففكرة المهدي وظهور قائد في آخر الزمان موجودة في كثير من الأديان)(١١).
وقد كان أصحاب الرسالات السماوية والدعوات الإصلاحية حتّى الوضعية منها يحملون هذه الفكرة ويمهدون الطريق لهذا المنقذ الموعود الذي يتأملون مجيئه ليملأ الأرض عدلاً وسعادة، وهذا سرُّ ديمومة الفكرة وتناقلها، فقد روي عن كعب الأحبار (ت ٣٧هـ/ ٦٥٧م) قوله: (إني أجد المهدي مكتوباً في أسفار الأنبياء، وما في عمله ظلم ولا عيب)(١٢)، فصارت محطَّ تشاركِ أفكارِ البشرية التي تنتظر مخلِّصاً لها ينقذها من الشر الذي طغى على الأرض وينير ظلمة أيامها.
ثالثاً: المنقذ في اللغة العبرية:
وردت في هذه اللغة معانٍ عديدة لهذه المفردة، لكن هذا المعنى الذي نورده الآن هو الأشمل والجامع لكل مرادفات تلك المعاني، (המושיע المنقذ، المخلص، المنجي، الغائث، من الفعل العبري الثلاثي ישע انقذ، خلص، انجى وأغاث، والمصدر منه ישועה غوث وخلاص وانقاذ)(١٣) وמשיח أمّا المشيح فهو لقب لملك أو منصب الذي يمسك بالسمنر المقدس مثل الكاهن، والمنقذ هو لقب المنقذ الموعود لشعب إسرائيل الذي سيأتي في آخر الزمان بعد ظهور مبشره الياهو النبي(١٤).
وعلى ذلك فإنني اعتقد بأن المنقذ في الاصطلاح العبري هو ذلك الشخص المقدس المسدد الذي سينقذ البشرية من الظلم والجور ويقودها إلى عبادة الله ويمنحها الحرية التي أوصى الله بها. ويعد المنقذ أمل العالم لدى جميع الشعوب، وبذلك أصبحت كلمة المنقذ هي تلك الكلمة التي ترتبط ارتباطاً مباشراً ودقيقاً بمن سينقذ البشرية وهو ذلك المبشر والمهدي والفادي في الأديان. وكلها مصطلحات يراد بها ذلك الشخص الموعود والمكلف من قبل الله سبحانه وتعالى بأن يكون خلاص الأُمَّة على يديه.
فكلمة منقذ (تخصّ بعملية انقاذ الشيء - سواءً كان عاقلاً أم غير عاقل - من الهلاك، ولكن بعد أن أُطلقت هذه الكلمة على ذلك الشخص المسدَّد الذي سيعمل على تحرير الأُمَّة من الظلم والقهر أصبح لها مدلول ديني، أي أنّها أصبحت مصطلحاً دينياً مرتبطاً بذلك الشخص الذي سيكون واجبه هو خلاص البشرية)(١٥).
والمشيحانية: هي مجموعة عقائد دينية لنهاية الزمان، النقطة المركزية في هذه العقائد هي شخصية المنقذ الذي سيقود شعبه، وتضم الأفكار والآمال والأماني الموعودة التي تعود إلى فترة خيرة جداً (عهد و زمن المنقذ)؛ فالحركة المشيحانية هي التعبير الفعلي للعقائد المشيحانية و المشيح اصطلاحاً هو الشخصية المركزية في العقيدة اليهودية التي ستقود اليهود في نهاية الزمان، ويتميز عهدها بأنَّه عهد خير ورفاهية وتمثل الركن الأساس في العقيدة المشيحانية التي ستحقق أهداف اليهود وطموحاتهم وأمالهم(١٦).
رابعاً: المنقذ في اللغة اللاتينية (الإسبانية):
لقد ترادفت واجتمعت كلمات هذه اللغة حول معنى المنقذ لتؤيد جميعها المعنى المشتق من الفعل (Salvare) والذي يعني الانقاذ أو التخليص أو حرية شخص أو شيء.
.(١٧)Salvare: - Exculpara queno valga lo borrado
والمنقذ في الاصطلاح اللاتيني: هو المخلص الذي ينقذ، وهو أحد أسماء السيد المسيح الذي يسمى بمنقذ العالم الذي خلص البشر من الخطيئة والموت الخالد(١٨).
(Salvator,otir) adj.
Quesalva.U,t,C,S.٢.M.POR ANTONOM Jesucristo,aquien Tambiense nombra Salvador delmundo ,porhaber redi-mido al hombre del pecado Yde la muerte eternal(١٩).
مقدمة البحث المستل من رسالة المنقذ في الأديان - دراسة تاريخية مقارنة:
لقد كانت ومازالت الأهمية الكبيرة للدين تأخذ حيزاً كبيراً من حياة البشرية، وأصبحت الحاجة إلى الاعتقاد بمنظومة عقائدية وفكرية أمراً لابدّ منه لإدامة حياة الإنسان وإتمام الجانب الروحي من جوانب حياته، لذا نرى التوجه الفطري نحو إشباع هذه الحاجة بما لها من دور كبير بمنح الإنسان الاستقرار الروحي والإدراك الفكري.
لذلك نجد البشرية تُحلق دوماً في حيِّز وجوب التدين والاعتقاد بمنظومة فكرية تضفي الروحانية والاستقرار على الحياة الإنسانية، على الرغم من اختلاف التوجه نحو الأديان وأنواعها ودرجة كمالها باختلاف منشأ ومصدر كل دين، وباختلاف حيثيات وطبيعة كل ديانة، إضافة إلى اختلاف أمزجة البشر وإدراكهم لها، لذا ترى بعض الناس تؤمن بالإسلام أو المسيحية أو اليهودية من الأديان السماوية بالمقابل أنّ البعض قد توجه إلى الاعتقاد بالأديان الوضعية، وخصوصاً إذا كانت الأرض خصبة كما في مهد الحضارة في الشرق، ومثال ذلك حضارة وادي الرافدين حيث توفرت البيئة التي تبلور فيها الفكر الإنقاذي والخلاص، حيث قامت أول الشرائع وتبلورت فكرة الدولة وتحول إله الخصب إلى مخلص للبشر من العالم الفاني إلى عالم الروح الباقي، وهذا ما يتبين في ثنايا ملحمة گلگامش في بحث الإنسان عن العدالة باعتبار ذلك من حق كل إنسان، وأخذت هذه الأفكار تتبلور ثم ظهرت في شرائع حمورابي(٢٠).
ورغم الاختلاف في مصدر الأديان فالبعض منها سماوي والبعض وضعي (أرضي)، لكنها اشتملت على المشتركات، فكلّ الأديان تسعى إلى سعادة البشر وتنظيم حياتهم اليومية بما تشتمل عليه من أصول لمعاملات أو أخلاق أو ركائز قيمية أو أيديولوجيا عقائدية هدفها الوصول بالبشر نحو الكمال والسعادة الأبدية، لكنها تشاركت على وفق هذه الأهداف بعدة معطيات عبادية وفكرية، وأنّ هذا التشارك في بعض المعتقدات يشير إلى حقيقة جوهرية فطرية موجودة في الطبيعة الروحية البشرية، لذا أصبحت كلّ ديانة حتّى لو كانت وضعية من صنع البشر لكنها تفسر الحاجة الفعلية لهذه العقيدة، ولذا أحاطته بوافر من الرعاية والاهتمام كما هو الحال بالنسبة لضرورة الاعتقاد بوجود الإله والاعتقاد بوجود الصالحين المدافعين عن الحقيقة والضعفاء، كما هو الحال بالاعتقاد بوجود المنقذ الذي سيأتي ليزيح الظلام عن الأرض وسيزرع الورد محل الشوك وسيحرق الشر لتعود الأرض بثوبها الأخضر الجميل من جديد(٢١).
وتجدر الإشارة إلى أنّ المدارس الفكرية المادية ومذاهبها العقائدية الماركسية أيضاً اعتقدت في أسس مفاهيمها الجدلية بعقيدة الإصلاح واليوم الموعود الذي تتحقق فيه التطلعات البشرية في نيل حياة سعيدة ومترفة، وانتشرت هذه المدرسة وازدادت أهميتها (كونها مبشرة بمستقبل سعيد تزول فيه الآلام وتتحقق فيه الآمال... يكون هو نتيجة الأعمال والجهود البشرية... وخاصة الواعية والهادفة منها)(٢٢).
والاعتقاد بهذا المستقبل الضروري هو الوجود القطعي التحقق الذي كان من أبرز الأسباب التي أدت إلى انتشار المدارس المادية كونها تحاكي العواطف البشرية التي أنهكتها المآسي والآلام المكبوتة والتي لابدّ أنّ تمر بها البشرية من أجل استحقاق العيش بسعادة فيما بعد، بعد أن تمر بمختلف أنواع الآلام لكي تمحَّص وتدخل دائرة الاختبار، بُغية تطهيرها من الأهواء والنزعات النفسية الأنانية، إن هذا التطهير هو مقدمات مجيء اليوم الموعود، (وحيث إنّ هذا اليوم السعيد قطعي الحدوث، لكونه هو الهدف الأعلى من وجود البشرية، إذن تكون أسبابه ومقدماته قطعية الحدوث أيضاً)(٢٣).
وقد تفاعلت هذه العقيدة لتدخل في النطاق الأدبي المادي لترتسم مرة على شكل رواية تحاكي وجدان الإنسانية بضرورة وجود اليوم الموعود وصاحب هذا اليوم الموعود، ومرة أخرى على لسان أدباء مشهورين يصفون المنقذ بأنّه الإنسان الكامل الذي يكون حامياً مدافعاً مناصراً منقذاً للبشر عند الأزمات واندلاع المشاكل التي تهب كالنسيم في الهشيم، وعندها لابدّ من وجود الإنسان الخارق الذي يخرق القوانين الطبيعية بما يتمتع بقوى واستعدادات مثالية تجعل القانون الطبيعي لا يسري عليه(٢٤).
وينقل العقاد عن المفكر الإيرلندي (برناردشو) في وصفه للمصلح ولزوم أن يكون عمره طويلاً قبل ظهوره: (إنّه إنسان حي ذو بنية جسدية صحيحة وطاقة عقلية خارقة، إنسان أعلى يترقى إليه هذا الإنسان الأدنى بعد جهد طويل، ويطول عمره حتّى ينيف على ثلاثمائة سنة ويستطيع أن ينتفع بما استجمعه من أطوار حياته الطويلة)(٢٥).
وكذلك أشارت العديد من الكتب الفكرية إلى ضرورة الاعتقاد بالمصلح الموعود(٢٦)، بل ذهب بعض الكُتّاب إلى صب الفكرة بقالب أدبي أو فني، ويتجلى ذلك بمسرحية تتحدث عن حالة الانتظار والترقب للمؤلف الأديب الإيرلندي (صموئيل بيكيت) فقد خط هذا الروائي الكبير مسرحيته على جيد الزمن الجدلي والفن العبثي ليلائم الأجوبة الحائرة الدائرة في نفوس البشرية وهي تنتظر منقذاً أسماهُ غودو (جودو) التي تبيّن طبيعة أبطال المسرحية وحالهم المأساوي وهم ينتظرون منقذاً يأتيهم قرب الشجرة ليمسح عنهم عذابات السنين، وهذا الانتظار والترقب مستمر يوماً بعد يوم إلى أن تنتهي أحداث المسرحية على أمل المجيء في الغد وانتظار (غودو) مجدداً(٢٧).
لهذا يمكن القول بأنّ العقيدة الخلاصية الإنقاذية لم تختزل داخل الأديان الوضعية التي صاغتها اليد البشرية، بل تعدَّتْها إلى المذاهب الفكرية المادية التي صاغتها اليد البشرية أيضاً، لتُنبئ عن حقيقة جوهرية تحملها الفطرة الإنسانية، لتصبح حتمية بديهية، متحصلة من عدّة حتميات، وهي حتمية أنّ العالم مخلوق للسلام، وأنّ الحرب أمر طارئ، وحتمية أنّ العالم مخلوق للمحبة والوئام، وأن البغض والشحناء أمر طارئ، وحتمية أنّ لابدّ أن يزول الظلم، لأن الحق هو الذي لابدّ أنّ يسود على وجه البسيطة، وهذا الإيمان العقائدي (يشمل المدارس الفكرية والفلسفية غير الدينية فالمادية الجدلية التي فسرت التاريخ على أساس التناقضات تؤمن بأن الانحراف وآفات الضلال والجهل والظلم لابدّ أنّ تنهزم أمام إرادة الحق والسلام والعدل، ولابدّ أنّ هناك يوماً موعوداً تتلاشى فيه التناقضات ويسوده الوئام والسلام)(٢٨).
وما سنتناوله في هذا البحث يقع ضمن المباحث التالية:
المبحث الأول: المنقذ في الديانة الهندوسية:
المطلب الأول: الهندوسية:
تعدّ الديانة الهندوسية من أقدم الديانات الوضعية، فهي أشبه بنظام أخلاقي فكري عبادي يتبع أيدولوجية فكرية معينة مبنية على أسس وطقوس عبادية ونظام روحي متناغم معها، قامت على أطلال الديانة الويدية(٢٩)، (وتشربت أفكارها وتسلمت عن طريقها الملامح الهندية القديمة والأساطير الروحانية المختلفة التي نمت في شبه الجزيرة الهندية قبل دخول الآريين(٣٠)، ومن أجل ذلك عدَّها الباحثون امتداداً للويدية وتطوراً لها)(٣١).
وقد أطلق عليها بعض الباحثين تسميات منها: الهندوكية لأنّها تمثل تقاليد الهند وعاداتهم وأخلاقهم وصور حياتهم(٣٢)، وكذلك سميت بالبرهمية(٣٣).
والتي تتطلب الكثير من العبادات كقراءة الأدعية وإنشاد الأناشيد وتقديم القرابين(٣٤).
والهندوسية هي أشبه ما تكون بمنظومة متعددة من المفاهيم والأنظمة العقائدية والعادات والتقاليد والطقوس، (تطورت مع الحياة وليس لها صيغة محددة، ولهذا فيها من العقائد ما يهبط إلى عبادة الأحجار والأشجار أو ما يرتفع إلى التجريدات الفلسفية الدقيقة)(٣٥).
ولهذا لم يعرف لهذه الديانة مؤسس أو يد واضعة(٣٦).
كتاب الهندوسية المقدس هو الويدا أو الفيدا(٣٧) والذي هي بالأحرى كتب عديدة تحمل مواضيع شتى تشمل الآلهة والتناسخ والخلق والمقدسات والمحرمات والتي كانت بالأصل تعاليم شفهية دوِّنت باللغة السنسكريتية(٣٨) القديمة في الفترات المتفاوتة من الزمن وإن كانت معظمها عسيرة الفهم غريبة اللغة، وبدأ الكهنة بتدوين هذه الكتب في (٩٠٠ ق.م)(٣٩).
وتنقسم هذه الكتب على أربعة أقسام: وهي كما يأتي(٤٠):
ريغ فيدا (RIG VEDA).
ياجور فيدا (YAJUR VEDA).
وساما فيدا (SAMA VEDA).
وآثهار فيدا (ATHAR VEDA).
المطلب الثاني: نظام الطبقات المجتمعي الهندوسي:
إن المتتبع لأصول الديانة الهندوسية والمتمعِّن في شرائعها يستطيع أن يصل إلى أنّ هذه الديانة قد قسمت المجتمع الهندوسي إلى أربع طبقات وفق تلك الشرائع، وتم إعطاء هذا التقسيم هالة من القدسية والتعظيم بحيث لا يمكن معارضته أو نكرانه أو الابتعاد عن أساسياته التي أقرّها الكتاب المقدس الهندوسي في حديثه عن الخلق وكيف بدأت الخليقة(٤١)، والتقسيمات تلك هي كما يأتي(٤٢):
١- البراهمة: وهم (الكهنة وعلماء الديانة والمعلمون والمثقفون وحافظوا المعرفة والحكمة).
٢- والكشتاريا: وهي الطبقة الحمراء المتكونة من الحكام والجنود وحماة المجتمع والمتعلمين والقائمين على شؤونه.
٣- الويشي: وهي الطبقة الصفراء المتكونة من التجار والزراع والمسؤولين على توفير الرخاء الاقتصادي والاستقرار المعيشي.
٤- الشودرا: الطبقة السوداء المتكونة من المنبوذين وأهل الحرف اليدوية وحفاري القبور والعاملين في معامل الجلود والعبيد والقابضين على الحيوانات وهي أدنى طبقات المجتمع في الشرائع الهندوسية(٤٣).
مبدأ التثليث الهندوسي:
بدأ هذا المبدأ بالبروز في العقائد الهندوسية في القرن التاسع (ق.م) تقريباً (وقد جمعوا الآلهة في إله واحد يشتمل على عدة مظاهر تمثلت بالخلق وأخرى في الحفظ والحماية والمظهر الأخير هو المهلك والمعدم)(٤٤).
وكذلك فتح الهندوس الباب للمسيحيين ليصوغوا عقيدة التثليث فيما يسمى (تثليث في وحدة، ووحدة في تثليث)(٤٥)، فإن الله في الهندوسية يظهر بثلاثة مظاهر بقولهم: (فالإله الواحد يظهر بثلاثة أشكال بأعماله من خلق وحفظ وإعدام، ولكنه في الحقيقة واحد، فمن يعبد أحد الثلاثة فكأنّه عبدها جميعها، أو عبد الواحد الأعلى)(٤٦)، وللهندوسية طقوس خاصة في العبادة والصلاة والحج إلى الأماكن المقدسة الهندية(٤٧)، وأمّا الزواج والنظام الأخلاقي فهما من أبرز الأسرار التي تجب مراعاتها والحفاظ على قدسيتها ويؤمن الهندوسي بقانون (الكرما)(٤٨)، أو الكرمان (المجازاة) فكلما كان المرء صالحاً كان سريع الاتحاد بالإله الأعلى وينعم بهذا الاتحاد(٤٩).
المطلب الثالث: مظاهر عقيدة المنقذ في الديانة الهندوسية:
لقد اتخذت عقيدة المنقذ مستويات عدة على حسب تطورها ومسيرتها لتجدها تعبر عن صورة الخلاص بمظاهر وسبل كثيرة، وهذا دليل على أنها محط الآمال والأماني، فالواقع المرير يجعل الكل يريد الخلاص منه، ينتظر السبل التي تؤدي إلى الإنقاذ من هذا الواقع، وعندها تصبح هذه السبل التي تؤدي إلى غاية الإنقاذ هي أهم الوسائل التي تنال القداسة والتعظيم، فمن ضرورة الاعتقاد عند موت الإنسان هو أن تخرج روحه من هذا الجسد ويتم إنقاذ الروح بحرق الجسد في النار المقدسة مما يؤدي إلى إنقاذها من سجن الجسد سريعاً، حتّى تحل في جسد آخر(٥٠). ولهذا اكتسبت النار هذه القداسة في الديانة الهندوسية.
أمّا الخلاص في هذه الديانة فيتجسم في شكلين هما:
الشكل الأول: يتحقق عن طريق نظرية الموت (الانطلاق) والعودة بعدة أشكال منها حيوانية ومنها مادية إلى أن يتحقق الخلاص النهائي باندماجها بالكون والعودة إلى الأصل إلى الكل(٥١).
ويتحقق هذا النوع من الانقاذ بعدة طرق، وأولى هذه الطرق هي (الكارما): وتعني التأكيد على العمل والقيام به خير قيام، وتقوم على أن كل عمل يقوم به الإنسان له نتيجة حتماً، فالجزاء من جنس العمل، وأن طبقات الناس من رفيع ومتوسط ووضيع ما هي إلّا نتاج الأعمال، وأن الإنسان لا يحاسب على عمله في هذه الحياة، وإنما في حياة ثانية ويغدو المرء جزاء أعماله السيئة التي ارتكبها بجسمه في خلقته الثانية جماداً، والتي ارتكبها بلسانه طيراً أو حيواناً، وينحط إلى الفرق السافلة نتيجة ارتكابه سيئة بعقله، وامتداداً لفكرة الجزاء الذي لا يتناسب مع العمل، اضطر رجال الدين الهندوس إلى ابتكار نظرية تناسخ الأرواح، وتعتبر الطريقة الثانية من طرق النجاة والخلاص، فاعتبرت الحياة عبارة عن مسيرة طويلة منذ فجر التاريخ يقطعها الإنسان على قدميه، وتعتبر أن موت الجسد لا يعني انتهاء المسيرة فكلما مات الجسد ولد له آخر، وأن التعاسة والشقاء التي يعانيها الفرد في حياته الراهنة ما هي إلّا نتيجة أعماله في حياته السابقة، وأكَّد رجال الدين الهندوس أن الفلاح والخلاص يتحقق من خلال الاندماج بالروح الأعظم، وهذه الفكرة - أي الانطلاق والاندماج - هي محاولة النفس الإفلات من دورات تجوالها ونتائج أعمالها(٥٢).
وهناك ثلاثة طرق يستطيع الإنسان من خلالها الاندماج (ببراهما)(٥٣):
١- طريق المعرفة وذلك عن طريق التأمل في الروح الإلهية.
٢- طريق العمل وأداء الطقوس الدينية على أكمل وجه.
٣- الإيمان المطلق بإله بذاته.
الشكل الثاني: يتحقق بوجود المنقذ المخلص المصلح، وبالنسبة لطبيعة هذا المنقذ فنرى ذلك جلياً في أحد مظاهر الثالوث وهو مظهر الإله (فيشنو) - الإله الحافظ - الذي يأتي ليساعد البشرية عند الأزمات أو سقوطها بمزالق الأزمنة.
وتتمحور هذه الفكرة حول تجسد المنقذ والإله (فيشنو) وعودته لإنقاذ البشرية من الظلم والبؤس هي الفكرة الناضجة والمتبلورة التي استند عليها الفكر الهندوسي وبقية الأديان الأخرى، ففكرة التجسد والتقمص تعني تجسد الإله في جسد إنسان، إذ يتجلى فيه ليهدي البشر، وتسمى باللغات الهندية (اوتار).
والإله (فيشنو) - واحد من الثالوث الهندوسي أي أحد الآلهة الذين يسيطرون على العالم وهم: (براهما) الخالق و(فيشنو) الحافظ و(شيفا) المدمر، وقد انتشرت هذه العقيدة بين الطبقات المظلومة وغطت جميع العقائد حتّى اضطرت الكهنوتية الآرية إلى الاعتراف بها والتجاوب معها حيث احتل الإله (فيشنو) - مكان الصدارة في الديانة الهندوسية.
ويعتقد الهنود أن الإله (فيشنو) يعمل على انقاذ البشرية من هلاك مخفف على الأرض من وقت إلى آخر نزل لتسع مرات، وتبقى المرة العاشرة التي ينتظر أن يظهر بها(٥٤)، فقد آمن الهندوس بأن منقذهم (فيشنو) يأتي على شكل تجسدات بحسب مقتضيات الموقف أو الأزمة التي تمر بها الإنسانية، فقد تجسد على شكل سمكة لإنقاذ (مانو) من الفيضان، وتجسد على شكل قزم اسمه (فامانا) لإنقاذ الآلهة التي تسكن الأرض من سيد العفاريت الشرير (بالي)(٥٥).
(ثم يأتي المظهر الأخير للإله (فيشنو) متجسداً على شكل رجل يمتطي فرساً أبيض وشاهراً سيفه، وهناك وصف للسيف تشبيهاً له بالنجمة المذنَّبة كناية عن شدة قوته وسطوع نوره الذي سيبدد الظلام وتنعم الأمم بالسلام، هذا المظهر هو العاشر لظهور (فيشنو) وسيعيد الخلقة إلى طراوتها ونقاوتها)(٥٦).
والإله (فيشنو) له مظاهر متجسدة كثيرة منها (كريشنا - وراما)، ويعتقد الهندوس أن حلول الإله (كريشنا)(٥٧) هو حلول اللاهوت في الناسوت كما يعبر المسيحيون عن المسيح ويصفونه بأنه البطل الذي قدم نفسه فداءً للبشرية عن ذنبها الأول، ويزعم الهندوس أن مخلصهم قد قُتل مصلوباً على شجرة وهبط إلى الجحيم وصعد إلى السماء على أن يعود في اليوم الآخر ليحاسب الناس أحياءهم وأمواتهم، ويعتقد الهندوس بقدوم (كريشنا) في اليوم الآخر على شكل فارس مدجج بالسلاح وراكب على جواد أشهب وعند مجيئه تظلم الشمس والقمر وتزلزل الأرض وتهتز وتتساقط النجوم من السماء(٥٨).
فإنه لابد بعد كل ليلٍ حالك مظلم من المصاعب وآهات الزمان أن تشرق شمس لمنقذ ينقذهم ويرعاهم كما هو الحال بالنسبة للمنقذ الإله (كريشنا) (حينما يمتلئ العالم بالظلم يظهر الشخص الكامل الذي يسمى (يترتنكر: المبشر) ليقضي على الفساد ويؤسس للعدل والطهر... سيُنجي كريشنا العالم حينما يظهر البراهميتون)(٥٩).
وفي نص آخر إشارة إلى إحياء الأرض بعد موتها، فتدب الحياة فيها على يديه (تُجدَّد الدنيا في آخر الزمان وتُحيى، ويظهر قائد من أولاد إمامَيْ العالم العظيمين: أحدهما ناموس آخر الزمان، والآخر الصدّيق الأكبر)(٦٠).
أمّا اسم صاحب الملك الجديد فهو ((راهنما)، يكون ملكاً بالحقّ، وخليفة (رام)، وصاحب المعاجز، كل من لجأ إليه واهتدى بدين آبائه يكون أبيض الوجه عند (رام))(٦١).
ويستمر سلطانه وتطول أيامه وتزداد سطوة ملكه وقوته لتشمل بقاع الأرض (ودولته طويلة الأمد، وعمره. أي ابن الناموس الأكبر. طويل، وتنتهي الدنيا به، ويسخِّر من ساحل البحر المحيط، وجزائر سرانديب، وقبر الأب آدم (عليه السلام)، وجبال القمر، إلى شمال هيكل زهرة، وإلى سيف البحر والمحيط)(٦٢).
وعندها ستنتشر عبادة التوحيد وتكون هي العبادة المهيمنة في الأرض حتّى لا يكون هناك معبد يعبد غير الإله (رام) فيه (ويهدم معبد الأصنام (سومنات) و(ججرنات) بأمره ينطق ويسقط، ثم يحطّمه ويلقيه في البحر، ويحطم كل صنم أينما كان)(٦٣).
المبحث الثاني: المنقذ في الديانة البوذية:
المطلب الأول: نشأة الديانة البوذية:
نشأت الديانة البوذية كنظرية جديدة إصلاحية لحل المشكلات المرتبطة بنظام الطبقات الهندوسي، وَرَدَّةُ فعلٍ مناهضة للتعسف والإجحاف الناتج عن بعض القوانين التي يفرضها البراهمة على الهندوسيين وخاصة من أبناء الطبقات الدنيا كطبقة الـ(شودرا) طبقة العبيد والخدم(٦٤)، ورغم أن الديانة الهندوسية لا يُعلم من أنشأها، فعلى العكس منها الديانة البوذية فإنها تنسب لمؤسسها (بوذا) - الرجل المستنير- أو - المعلم - لقد ولد (سذهاتا) في عام (٥٦٣ ق.م)(٦٥) في مدينة (كابيلا فاستو) تقع الآن على الحدود الهندية النيبالية، وُلد يتيماً بعد أن توفت والدته في الأسبوع الأول بعد ولادته، وعاش في نعيم مترف لأنّه سليل الأسرة المالكة المترفة من قبيلة (ساكيا) التي تملك الأراضي الواسعة، واعتنى به أبوه ووفَّر له كل وسائل الترف واللهو والطرب، كي يشيح ببصيرة فكره عن الأفكار التي تتعلق بالتفكير بآلام الناس وزوال النعم والملذات وقصر الحياة وزوالها وتقلبها من حال إلى حال(٦٦)، لكنه وفي سن التاسعة والعشرين فرّ من قصر أبيه تاركاً زوجته وولده، هائماً في البراري والغابات مع ناسكين تتلمذ على أيديهما فترة من الزمن، لكنه تركهما بعد أن علم أنهما ينهجان حياة النسك لتحصيل القدرات الخارقة والطاقات العظيمة وتسخيرها لذاتهما، أمّا هو فكان يريد الوصول للمعرفة الحقة والحقيقة المطلقة الأزلية، والاستنارة بها وتحصيل حكمتها، فلم يرُق له البقاء معهما، لذا سلك حياة النسك مع رهبان ناسكين وكان يشدد على نفسه وكان أكثرهم تقشفاً وتأملاً وانغماساً في الزهد وأكثرهم تجرعاً للآلام الجسدية، لذا اختاروه معلماً لهم(٦٧).
وبعد فترة طويلة من نهج حياة الزهد هجر هذه الحياة لأنه لم يحصل على ضالته من الحكمة، وتنكر لحالة التقشف وهجر رفاقه من الناسكين، وعاد إلى طعامه وشرابه وكسائه وتوقف عن إماتة الشهوات بالجوع، وتبنى منهج العقل السليم في الجسم السليم، فتفرق عنه النساك، ولذا بقي وحيداً يسير وحده في الأراضي، حتّى وصل إلى شجرة سميت فيما بعد بشجرة العلم أو الشجرة المقدسة، في غابة (أورويلا) فجلس تحتها ليتفيأ بظلالها وقد سميت بعد ذلك بغابة (بوذاكيا)(٦٨)، وبقى تحتها برهة من الزمن ليتناول طعامه، عندها حصلت له الاستنارة(٦٩) التي كان ينشدها، فتجمع حوله الأتباع والمريدون، وبدأ بإرسالهم إلى القرى ليعلموا الناس شريعة (بوذا) الجديدة، التي أسماها بـ(النظام)، فتقبلوها خاصة الذين عانوا من نظام الطبقات، ثم وجدت طريقها إلى الصين لتنتشر تعاليم (بوذا) حتّى تنافس الكونفوسوشية من حيث الانتشار والسعة وعدد المريدين(٧٠).
بعد حصول (بوذا) على الاستنارة أو الـ(نيرفانا)(٧١) فإنه قرر أن لا يحرم البشرية هذه الحكمة الكبيرة كما تشير المصادر، لذا قام بنشرها ليخلص الناس من الجهل والعمى، فقرر أن ينشر تعاليمه الجديدة التي أسماها النظام أو عجلة النظام وظل يسير هذه العجلة وينشر أتباعه بين أرجاء المناطق المحيطة ببلدة (بنارس) قرب جبال الـ(هملايا)، وكان يوصي أتباعه بالخُلق والرحمة معتبراً معارضيه من الناس بأنهم جهلة ومرضى أصابهم العمى، وعليه مساعدتهم وإنارة دربهم، لذا اتَّسم تلامذته الذين اختارهم بعناية خاصة، ليبعثهم إلى القرى والمدن اتَّسموا بالرحمة وحسن الخلق والتواضع وحسن السيرة(٧٢).
ولقد سجلت تعاليم (بوذا) بمجموعات مختلفة بلغة (بالي) وهي لغة شبيهة بالسنسكريتية، وقد كتبت هذه الشرائع في سريلانكا حوالي منتصف القرن الأول قبل الميلاد وتألفت من ثلاثة أقسام: أحاديث (سوترا بيتاكا)(٧٣) والتي تقسم على خمسة أقسام وقانون الرهبنة (فينابا بيتاكا)(٧٤) والذي يحتوي قوانين سلك الرهبنة، وكذلك أطروحات علمية (الهيدامابيتاكا)(٧٥) وهي مجموعة أعمال علمية متأخرة قليلاً(٧٦).
الحقائق البوذية الأربعة:
١- طبيعة المعاناة:
هذه هي الحقيقة النبيلة عن المعاناة: الولادة هي معاناة، والشيخوخة هي معاناة، والمرض هو معاناة، والموت هو معاناة؛ الحزن، والرثاء والألم والأسف واليأس هي معاناة؛ الاتحاد مع ما هو محزن هي معاناة؛ الانفصال عن ما هو مرضي هو معاناة، عدم الحصول على ما يريد المرء هي معاناة(٧٧).
٢- أصل المعاناة:
هذه هي الحقيقة النبيلة عن أصل المعاناة: إنه الحنين الذي يؤدي إلى تجدد الوجود، يرافقه البهجة والشهوة، السعي إلى الفرحة هنا وهناك هي أيضاً كذلك، الشغف للمتع الحسية، الحنين للوجود، التوق للخلود(٧٨).
٣- إزالة المعاناة:
هذه هي الحقيقة النبيلة عن إيقاف المعاناة: هي تتلاشى بعيداً دون عودة عند توقف الأعمال التي تشغف النفس، والتخلي والتنازل عن ذلك، والتحرر من ذلك، وعدم الاعتماد على ذلك(٧٩).
٤- الطريق المؤدي إلى إيقاف المعاناة:
هذه هي الحقيقة النبيلة عن الطريقة التي تؤدي إلى إيقاف المعاناة: الطريق النبيل، الثماني أصول والتي هي: النظر السليم، النية السليمة، الكلمة السليمة، العمل السليم، كسب الرزق السليم، الجهد السليم، الذهن السليم، التركيز السليم(٨٠).
الوصايا أو القيود العشرة:
وهي عبارة عن وصايا نسبت إلى بوذا والتي بيَّن فيها القيود التي تحول دون بلوغ الإنسانية درجة النجاة والسلام وتلك القيود هي(٨١):
١- الوهم الخادع في وجود النفس.
٢- الشك في بوذا وتعاليمه.
٣- الاعتقاد في تأثير الطقوس والتقاليد الدينية.
٤- الشهوة.
٥- الكراهية.
٦- الغرور.
٧- الرغبة في البقاء المادي.
٨- الكبرياء.
٩- الاعتداد بالبر الذاتي.
١٠- الجهل.
أهميسا (اللاعنف) أو حرمة الحياة:
وهي الحرمة المترتبة على إزهاق أي شكل من أشكال الحياة وفيه ترجمت البوذية أكثر الصور الرافضة لإزهاق أي نوع من أنواع الحياة(٨٢).
المطلب الثاني: وفاة المنقذ بوذا:
توفي (بوذا) نتيجة سم وضع له في لحم الخنزير من قبل تابع له(٨٣)، وهناك رأي آخر يشير إلى أنه قد تماثل للشفاء ولكن اعتلته علة الموت لكبر سنه وشيخوخته ونفاد أيامه وإرهاقه الشديد بسبب السفر والرياضات الشاقة التي مارسها على جسده، علماً أنه كان يبلغ الثمانين من سني عمره(٨٤).
قال بعض تلاميذه إنه قد دخل في حالة السكون التام والتأمل المستقر الذي يغيب فيه عن الحس، لكن أدركوا بعد مراقبته مدة بأنّه قد فارق الحياة، فقاموا بتجهيز جثمانه وتم إحراقه على وفق طقوس الموتى وتم توزيع رماده على ثمان مناطق، وبنوا عليها أبنية كبيرة ومعابد ضخمة(٨٥).
وقد اجتمع أهل القرى والأتباع والمريدون وأقاموا احتفالاً بوفاته كما يحتفل بموت أحد الملوك، تقديراً له لأنّه كان أميراً وابن ملك(٨٦).
هكذا انطوت حياة المستنير (بوذا) أو (بودا) حسب اللغة السنسكريتية القديمة لتبدأ مرحلة نشوء مدرستين بعد وفاته هي مدرسة المركبة الصغيرة والمركبة الكبيرة(٨٧).
المطلب الثالث: البوذيساتفا أو البوديساتفا المنقذ في البوذية:
الـ(بوذيساتفا) أو الـ(بوديساتفا):
هو اسم المنقذ والمخلص في الديانة البوذية، وهو من بلغ اليقظة ولكنه تخلى مؤقتاً عن ولوج الـ(نيرفانا) من أجل إنقاذ الناس من الـ(كارما) والولادات المتجددة التي تمر بها الروح التي لم تصل إلى مرحلة الخلاص(٨٨).
ولقد اختلف في تصنيف المنقذ من حيث الإمكانات الروحية فنشأ الانقسام الكبير بعد وفاة (بوذا)، عندها نشأت فرقتان أو مدرستان أحدهما مدرسة (الهينايانا - المركبة الصغيرة)، والأخرى (ماهايانا - المركبة الكبيرة)، وسنوضح رؤية كل مدرسة للمنقذ.
المنقذ بحسب رؤية مدرسة المركبة الصغيرة:
سميت هذه المدرسة الـ(هينايانا) والتي تعني المركبة الصغيرة وذلك لطبيعة الخلاص والإنقاذ فيها، فقد تبنت المبدأ القديم الذي ينص على وجوب عزم الشخص نفسه ورغبته الكاملة في إنقاذ نفسه وبلوغ حالة الصفاء والاستقرار الروحي والارتقاء الروحاني الـ(نيرفانا)، وبذلك تخص بالخلاص فريقاً قليلاً من الرهبان الزهاد، لذا سميت المركبة الصغيرة(٨٩).
وحسب اعتقاد هذه المدرسة فقد تحول (بوذا) من معلم أو شخص زاهد حكيم، إلى روح سماوية ذات قدرات روحانية سامية، وهو أحد التجليات التي ظهرت للبشر على شكل إنسان لينقذ البشر من الـ(كارما) وينير لهم الطريق المظلم الذي سلكته نفوسهم وأهواؤهم التي أضلّتهم، ومن ثمّ قد أصبح (بوذا) كائناً سماوياً متعالياً ذا صفات لا متناهية، وأخذوا يعبدونه في معابد خاصة(٩٠).
وقد أكدت هذه المدرسة بواسطة تعاليمها على الخلاص الخاص، فعلى الراهب أن يحذو حذو (بوذا) الذي وصل إلى الـ(نيرفا) بجهد شخصي معتمداً على ما قام به من تأمل ورياضات روحية جعلته يتخلص من هوى النفس والتعلق بهذه الحياة، وحتى هو (بوذا) لن يقدم العون الخلاصي لأتباعه ما داموا لم ينهجوا نهج الخلاص بأنفسهم وبرغبة عارمة واثقة جادة في طيات وجدانهم(٩١)، وفي هذه المرحلة ظهر الاعتقاد بالـ(بوديساتفا)، وهو الإنسان الكامل الذي وصل إلى مرحلة الخلاص الأخير، لكنه أجَّل خلاصه والدخول في حالة الـ(نيرفانا) لأجل أن يرشد الناس ويخلصهم وينقذهم من حالة الضياع والتدهور الروحي حتّى لا يمروا بمراحل الولادات المتجددة(٩٢).
المنقذ بحسب مدرسة المركبة الكبيرة:
وهي مدرسة الـ(ماهيانا) التي بلغت ازدهارها بعد القرن الثاني عشر، وسميت بالمركبة الكبيرة نظراً للمشروع الخلاصي العقائدي الذي تمنحه المدرسة، ويتمحور هذا المشروع حول إمكانية نيل الخلاص لمجموعة كبيرة من الناس ولا ينحصر على فئة أو قلة من الناس(٩٣).
وقد قدمت هذه المدرسة عدداً كبيراً من سبل النجاة والخلاص لتشمل أمزجة الناس وقابلياتهم المتعددة ولتتلاءم مع قدراتهم المتفاوتة، وفي هذه المدرسة ازداد (بوذا) تسامياً حتّى صار يوازي في مكانته مكانة الآلهة بل صار سيداً لها، لقد تم الترويج بشكل كبير لهذه العقيدة مع عقيدة الـ(بوذيستافا) المنقذ المخلص من المشاكل والمصاعب وبسبب هذه العقيدة (عقيدة المنقذ) أصبح رواجاً كبيراً لهذه المدرسة فيما بعد(٩٤)، وصار المنقذ يتخذ فيها صوراً عديدة وتجسدات وتتجلى فيه قوى خاصة ويسمى الـ(أفاتار) مشابهاً لما جاء في الفلسفة الهندوسية والتي تعني تجسد كائن علوي أو الإله الأعلى على كوكب الأرض، ونظير ذلك من العقائد المادية مثل الـ(سوبر مان) الذي يمتلك القوى الخارقة والذي يتواجد لإنقاذ الناس(٩٥).
المبحث الثالث: المنقذ في الديانة الزرادشتية:
المطلب الأول: نشأة الزرادشتية:
بدأت الشعوب الآرية بالهجرة إلى إيران والهند من المناطق الأوروآسيوية منذ مطلع الألف الثاني قبل الميلاد واستقرّت في السهول الإيرانية خلال أواسط الألف الثاني قبل الميلاد وذلك في المناطق الميدية(٩٦) والفارسية(٩٧)، وبدأت هذه الشعوب تحكم المنطقة بالتناوب بإقامة تحالفات مع الشعوب السامية في بابل والجزيرة العربية ومناطق الشام وفلسطين ومصر والسيطرة عليها(٩٨).
في هذه الأراضي نشأت هذه الديانة التي تنتسب إلى (سبيتاما زرادشت) أو (زاراثوشترا أوزراهوشترا)(٩٩)، وهي من أبرز الديانات التي انتشرت في الشرق، وقد اختلف الباحثون في كونها وضعية أو ديانة سماوية كما اختلفوا في كون (زرادشت)(١٠٠) نبيّاً أم أنه فيلسوف وحكيم فقط(١٠١).
لقد آمنت الـ(زرادشتية) بوجود الإله المطلق والذي أراد الخروج من وحدته، فخلق إلهين: إله الخير وإله الشر، وأمر إله الخير بخلق العالم العلوي السعيد وأمر إله الشر بخلق العالم الأرضي الشقي، لقد آمنت الـ(زرادشتية) بالوحدانية الثنوية وليس الوحدانية المتعددة كما في الهندوسية وغيرها(١٠٢).
إنَّ من أبرز العقائد الزرادشتية هي إضفاء القدسية التامة على علاقة الإنسان بالإله (أهورامزدا) وتعتبر هذه العلاقة علاقة الشركاء، فالإنسان شريك الإله (أهورامزدا) في مساعدته في صنع الخير ولابد أن يتمتع الإنسان بالفضائل والأخلاق الطيبة لتتوثق هذه العلاقة(١٠٣).
ولابد للإنسان قبل الصلاة ومخاطبة الإله من أن يتطهر عن طريق الوضوء بالماء أو استخدام الرمل في حالة عدم وجود الماء قبل الصلوات الخمسة اليومية(١٠٤).
لقد شدَّدت الزرادشتية على الالتزام بنظام أخلاقي واضح المعالم، ومنها الصدق والأمانة والشرف وحفظ العهد والمحبة وترك الحسد والحقد والرذائل الأخرى كما يجب الابتعاد عن الاحتكاك بالموتى(١٠٥).
وهناك ستة أركان هي تعدّ من أهم أسس الدين الزرادشتي وعلى المؤمن الإيمان بها وهي(١٠٦):
١- التوحيد.
٢- الإيمان بنبّوة - بناءً على كونه ديناً إلهياً، لذلك حصل احتياط فقهي في المسألة - زرادشت.
٣- العمل الحسن والقول الجيّد والنية الصالحة.
٤- الروح.
٥- الثواب والعقاب.
٦- المعاد والقيامة.
وكذلك هناك ست وصايا يجب أن يلتزم بها المؤمن الزرادشتي(١٠٧):
١- طهارة الفكر والكلمة والعمل.
٢- النظافة والابتعاد عن النجاسات.
٣- ممارسة الرحمة والإحسان.
٤- الرفق بالحيوانات النافعة والأليفة.
٥- القيام بالأفعال الخيّرة والنافعة.
٦- نشر التعليم بين الناس من دون تمييز.
الكتب المقدسة في الديانة الزرادشتية:
والكتب المقدسة في الديانة الزرادشتية خمسة كتب، وهي:
الـ(أفستا): ويسميه العرب بالـ(أبستاق)(١٠٨)، ويعدّ هذا الكتاب هو الكتاب الزرادشتي المقدس ويشتمل على الصلوات والتعاليم والطقوس والشعر والقصص والأساطير للمدة التي ما قبل الزرادشتية وما بعدها، وتجدر الإشارة إلى أن الـ(أبستاق) يتكون الآن من واحد وعشرين جزءاً قد نال النجاة من الإتلاف على يد الاسكندر المقدوني عندما هاجم الدولة الساسانية(١٠٩) إذ ضاع ما يقرب على الثلثين(١١٠)، ويزداد أحد أقسامه أهمية وهو الـ(غاثا)، وهو مجموعة من الأناشيد وضعها (زرادشت) بنفسه لتمجيد (أهورامزدا)(١١١).
وهناك بعض الكتب الأخرى المقدسة مثل:
الـ(يسنا): هي مجموعة من الكتب الطقسيّة وتتألف من (٧٢) فصلاً، وبعضها من تأليف (زرادشت) نفسه ومعناها العبادة أو التسبيح وتشمل الأدعية والصلوات الطقسيّة، وفيه شرح للعقيدة ومبادئها الأولى(١١٢).
الـ(فيسبارات): هي مجموعة من الكتب التي تتعلق بالـ(يسنا) وشروحاتها وتشتمل على الأدعية والصلوات وترتل في المناسبات والمراسيم الدينية الخاصة وتتكون من (٢٤) فصلاً(١١٣).
الـ(يشتات): هي مجموعة من الأناشيد والترانيم الروحيّة لمديح (أهورامزدا) والملائكة ولمدح النبي (زرادشت) وهي إحدى وعشرون ترنيمة منظومة لكل يوم من أيام الشهر(١١٤).
الـ(فينديداد): هو بحث مهم عن التاريخ القديم قبل زرادشت، وفيه بحوث في الزراعة والعقود والتشريعات والعقوبات وكيفية مطاردة الأرواح الشريرة ومواجهتها بالأساليب الإيمانية وعن تنظيم الدرجات الكهنوتية والمفاهيم اللاهوتية والفقهية حول الموت والزواج. كما وفيه أبحاث عن خلق العالم وأصول الطب وقدرة المياه وكيفية التطهير من النجاسات والعناصر المقدسة الأربعة ويتألف من (٢٢) فصلاً بصورة حوار بين (أهورامزدا) و(زرادشت)(١١٥).
المطلب الثاني: شخصية المنقذ في الديانة الزرادشتية:
(لقد أتى زرادشت ليخلص شعبه من تسلط الكهنة ومن عبادة الكواكب والنجوم الضالة، تماماً كما فعل نبي الله إبراهيم (عليه السلام))(١١٦).
لذلك يعد زرادشت المنقذ الأول في الديانة الزرادشتية حيث أتى لينقذ الناس من أيدي السحرة والجهل والملوك الظالمين والشرور وليطهرهم من أدناس الذنوب وليرتقي بهم حتّى يكونوا جنود الخير وصناعه ضد جنود الشر ومعاونيه(١١٧).
وهنا لابد أن نلقي بلمحة بسيطة عن حياة المنقذ زرادشت، من هو زرادشت؟
لقد ولد زرادشت في الفترة الزمنية المنحصرة من (١٠٠٠ق.م) إلى (٦٥٠ق.م)(١١٨)، ولد في المناطق الريفية القريبة من بحر قزوين(١١٩).
وعندما بلغ السابعة من عمره أرسله والده للمعلمين كي يتم تعليمه الحكمة والمعارف والعلوم المختلفة، فشرع بدراسة العلوم حتّى بلغ ما بلغ من تحصيل علمي واسع المعارف والمدارك السامية وقد ساعدته فطنته ورجاحة رأيه وذكاؤه وسلامة فطرته على تحصيل العلوم والبراعة فيها(١٢٠).
فبدأت الأسئلة الكبيرة والمسائل المركبة تنقدح في عقله، خاصة تلك التي تدور حول الكون والخلق والحياة، وهو يتأمل حال المظلومين والضعفاء والمساكين.
واستمر في انعزاله وتأملاته وقد كان يتمتع بتقوى وزهد واشتهر بأخلاقه الفاضلة وحبه لعائلته واحترامه لأبويه، وقد أقسم يوماً أن لا يعود حتّى يجد الأجوبة المناسبة حول خالق الكون ومسألة الخلق والوجود وسبب المشاكل والآلام البشرية(١٢١).
وقد وصل إلى نهر (دايتي) في أذربيجان، هناك وفي أثناء تأمله هبط عليه سيد الملائكة (فاهومانا) بوحي الـ(ابستاق) منزل من الإله (أهورامزدا) وكذلك المعارف الحياتية التي تخص الكون والحياة وكذلك الحياة الأخرى التي بعد هذه الحياة، والجنة التي هي أكثر منطقة رائعة وهادئة وأكثر مكان سعيد في الوجود(١٢٢)، وكذلك المكان الذي هو محل وجود وعذاب (أهريمان) وجنوده الأشرار، ويوجد مكان بين هاتين المنطقتين هو الموضع الذي يكون محلاً لتطهير الناس الذين مازال بعض الشر في نفوسهم كامن(١٢٣).
وبدأ ينشر دعوته في الأراضي، ويدعو الناس لدينه ومعتقده الجديد، لكن لم يستجب له سوى عدد قليل، مما دعاه إلى الهجرة إلى بلاد الطورانيين متأملاً الاستجابة التي يتطلع إليها، راغباً في أن يتبعه الناس، لكن باءت محاولاته بالفشل حتّى عانا ما عانا منهم(١٢٤).
لكن بانت البشائر عندما اعتنق ابن عمه (سينوتاء) الدين الجديد وشدَّ عضده وناصر دينه، واستمرا ينشران الدين الجديد، حتّى أوحي له أن يذهب إلى بلخ ويعرض دينه على حاكمها (كشتاسب) الذي رقَّ قلبه لما سمع وأعلن اعتناقه الدين الجديد(١٢٥).
إن هذه الحفاوة به لم تستمر لأن الحاسدين في البلاط دبروا لزرادشت المكائد، وعانا بسببهم الكثير حتّى تم سجنه(١٢٦)، لكنّ المعاجز والبراهين كانت تظهر على يديه كشفاء المرضى ومعالجتهم، حتّى أنه قد شفى جواد الملك الذي كان يحبه كثيراً وكان هذا العمل لقاء إخراجه من السجن، وكذلك طلب من الملك معاقبة كل من كاده ودبر له المكائد(١٢٧).
فقام الملك بتلبية ما طلبه زرادشت وآمن به والملكة وولي العهد وحاشية الملك ووزراؤه، ومنهم الشخصية المشهورة (جماسب)، الذي أصبح فيما بعد حواري زرادشت، وقد وثق زرادشت هذه العلائق بتزويجه أخته من جماسب الوزير الأول، وتزوج هو من أخت الوزير الثاني (فراشا أوسترا)، فانتشر الدين في البلاد وعم ذكر الزرادشتية وتعاليمها في الأراضي، حتّى اعتنق الزرادشتية معظم أهالي إيران(١٢٨).
وتم شن الحروب على أعداء العقيدة الزرادشتية خاصة من أعدائهم الطورانيين الذين كانوا يعتدون على المزارعين وينهبون ماشيتهم ومحاصيلهم، واستمرت الحرب قائمة حتّى كانت نهاية زرادشت الذي قضى قتيلاً وهو ابن السابعة والسبعين في جمع من الكهنة ورجال الدين في أحد الهياكل، حيث كانوا يوقدون النار المقدسة فأغار عليهم أعداؤهم الطورانيون وتم طعنهم بالسيوف وقتلهم جميعاً، فامتدت دماؤهم إلى الموقد وأخمدت دماءهم النار المقدسة(١٢٩). وقد تعرضت ديانته للتحريف بعد مقتله بمدة قصيرة على يد رجل اسمه (زرادشت) أيضاً وتم وصفه بالمدَّعي الكاذب، وهو الذي جعل الناس يتحولون من تقديس النار إلى عبادتها(١٣٠).
هذه هي نهاية حياة أول منقذ أو أول (سوشيانت) وكما هو موجود في الديانة الزرادشتية، وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدداً من المنقذين في الديانة الزرادشتية ولابدّ أن يسبق هؤلاء المنقذين عدد من الممهدين لهم ليبسطوا لهم الطريق أمامهم ومن هؤلاء الممهدين هو (بهرام ورجاوند) و(بشوتن) الذي قاد كل منهم ثورة في فترة من فترات الزمن كان آخرها ثورة (بشوتن) ضد الظلم والأشرار.
المطلب الثالث: السوشيانت الموعود:
لقد آمنت الزرادشتية بمجيء ثلاثة منقذين مخلصين على رأس كل ألفية من الألفيات الثلاث الأخيرة، بمعدل منقذ واحد في نهاية كل ألف سنة، وآخر منقذ هو الـ(مسيا) الموعود والذي سيولد من عذراء طاهرة(١٣١)، وهؤلاء المنقذون هم:
(هوشيدر)، و(هوشيدر ماه)، و(سوشيانت) المنتصر، وهؤلاء المنقذون هم أبناء زرادشت وولدوا جميعاً من بذرته التي تركها في بحيرة وقد حفظت بأعجوبة في هذه البحيرة المقدسة، وتعد ألفية (هوشيدر) و(هوشيدر ماه) المقدمة للإصلاح، ويتم تجديد ديانة زرادشت ثانية مع بداية كل واحد منهما، ويتم القضاء في هاتين الألفيتين على الحيوانات المفترسة والضارة(١٣٢).
وعلى ما يبدو لي أنّ الديانة الزرادشتية تطرح فكرة التدرج في مراحل الإنقاذ، وبالتوافق مع هذه النظرية هناك ثلاثة منقذين مهمين، كل منقذ منهم أُنيطَت به مهمة إنجاز مرحلة من مراحل الإنقاذ حتّى تتم مراحل الإنقاذ وتتم على يد المنقذ الأخير (سوشيانت) المنقذ الأخير.
ففي مرحلة المنقذ الأول (هوشيدر) حيث تعج الأرض بمختلف أنواع البلايا (يبقى هوشدر مائة وخمسين سنة في الأرض والألفية ممتلئة بالبلايا السماوية مثل: القحط في الأرض، الثلج الأسود والأحمر وكلها بلايا ثقيلة تنزل على الأرض)(١٣٣).
(وفي هذه الألفية تبقى الشمس عشرة أيام في وسط السماء، وهذا الأمر غير متوقع وعجيب)(١٣٤).
وفي هذه الألفية يأتي (هوشيدر) منقذاً للتعاليم الدينية الزرادشتية فيصبح هو المسؤول عن التنظيم والمحافظة على المسائل الدينية الزرادشتية(١٣٥)، أما المنقذ الثاني (هوشيدر ماه) فيزيل الشيخوخة والغضب والخصم والفقر والشهوات ويزيد الأُخوَّة والهدوء والمحبة والراحة(١٣٦).
ونتيجة للإصلاحات التي يعملها المنقذ فإن الديانة الزرادشتية تنتشر ويزيد أتباعها وتزيد المحبة حتّى بين الحيوانات، في هذا الزمن يكتمل علم الطب ولا يموت الناس إلّا بالقتل وتزول الشيخوخة والأمراض(١٣٧).
المنقذ الأخير السوشيانت الموعود:
تشير المصادر الزرادشتية إلى أفول نجمها عند نهاية كل ألفية وانحطاط الأنظمة والقوانين، فيصعب العيش على المؤمنين فتترقب العيون ظهور المنقذ الموعود (العالم في نهاية كل ألفية، عالم ممتلئ بالظلم والكفر، والخراب وكل الأشخاص والأشياء تتحرك بطريق الانحدار وتبلغ القلوب الحناجر من الظلم والكفر والسيئات، وهذا من علائم ظهور سوشيانت)(١٣٨).
عندها سينتشر الفساد ويفضل الأحرار الموت على هذه الحياة (الفساد سينتشر بشكل واسع وحياة للأحرار غير قابلة للتحمل فهم يحبون الموت على الحياة وأيضاً العيش للناس صعب والشر والفساد والسرقة والكذب منتشرة ولا أحد يقول الصدق)(١٣٩).
ويحلم الناس بالألفية الأخيرة، الألفية السعيدة التي تتحقق فيها جميع أماني البشرية حيث يدوم الفرح والعافية من المرض والشرور وتطول الأعمار والتي تبدأ بظهور المنقذ الموعود (سوشيانس هو آخر شخص يأتي إلى الأرض وينظف العالم ويهزم الباطل)(١٤٠).
وعند بدء ظهور المنقذ الموعود ستظهر علامات عديدة وكأنّها إشارات تنبيه للمذنبين والعاصين ليرجعوا عن طغيانهم ويتوبوا في هذه الفرصة الأخيرة قبل أنّ يظهر المنقذ، وعندها لن ينفعهم الاعتذار والتوبة ولات حين مناص، ومن هذه العلامات أنّ الشمس ستتوقف في كبد السماء (تقف الشمس ثلاثين يوماً، في كبد السماء، وهذه العلائم من أجل الناس الخاطئين والمذنبين عجيبة، ويفهم الناس مرة أخرى أنّ شيئاً عجيباً يظهر في العالم، وفي هذا الوقت (ظهور سوشيانس) كانت تستقر وتكتمل الديانة الزرادشتية)(١٤١).
عندما يظهر الـ(سوشيانس) سيأمر الناس الطيبين أن يكونوا أتباعاً له وجنوداً كي يحاربوا الشر معه (قبل البعث الموت وقبل يوم القيامة (سوشيانس) يأمر الناس أن يصبحوا جنوداً ويحاربوا ضد (أهرمن)، وينهزم الكذب والأمراض والموت والسيئات والظلم والكفر وفي زمن (سوشيانس) كل خلقة جديدة يأتي السرور لمدة سبع عشرة سنة يأكل الناس الحشيش ويتناولون المياه ثلاثين سنة)(١٤٢).
وفي هذا إشارة بالغة إلى ارتفاع الحقد ودوافع العنف والقسوة الكامنة في النفوس واستقرار الطيبة والمحبة والوداعة محلها حتّى تصبح النفوس غير مستسيغة لإزهاق نفس حيوان من أجل تناول اللحم والطعام، وبعد الانتصار ودوام الفرح والخير والبركات عنده سينبعث حتّى بعض الموتى المؤمنين (يوم القيامة يخرج الأحياء من القبور وتعود الحياة إليهم ويعيشون مع الأحياء) وستطول أعمارهم (ولا يصيبهم الموت)، عندها سيزدان العالم بمجيء المنقذ الموعود (وفي هذا الزمن يجيء سوشيانس ويزين العالم)(١٤٣).
وهنا نذكر أسطراً من ترنيمة تصف عودة المخلص وتمجيده والدعاء له (دعه يأتي إليك ذلك الذي ترغب فيه، المجد لهفارنو - الكافاني العظيم) وهو اسم العصر الأخير الذي سيظهر فيه المخلص الموعود، في نهاية الترنيمة الدعاء بحفظ المخلص (احفظ الرجل المخلص إلى الأبد يا زرادشت، والعدو من الغدر لا تدعه يضرب الأمين ولا تدعه يسبب الأذى)(١٤٤).
وتجدر الإشارة إلى استمرار هذه الفكرة في العصر الـ(أخميني)، فقد قال اللاهوتيون بظهور ثلاثة مخلصين وذلك في نهاية كل ألفية من الألفيات الأخيرة من عمر الزمن الأرضي، ففي نهاية الألفية الأولى يظهر المخلص (أوخشياتريا)، وفي نهاية الألفية الثانية يظهر (أوخشياتينما)، أمّا في نهاية الألفية الثالثة فإنه يظهر المخلص الموعود (ساوشنياط) من نسل زرادشت، وكذلك في الديانة المانوية - قالت بوجود مخلص للبشرية يدعى (البارقليط) - رسول النور(١٤٥).
المبحث الرابع: مقارنة لمفهوم المنقذ في الأديان الوضعية:
إنّ عقيدة المنقذ من أبرز المشتركات المتفق عليها بين الأديان الوضعية رغم الاختلاف في المصداق الذي يطلق عليه اسم المنقذ أو الذي يجسد هذا المفهوم في كل ديانة، ويرجع الاختلاف في ذلك إلى أمرين:
الأمر الأول: الاختلاف في تأويل النصوص المقدسة وتحريفها وما تعرضت له النصوص من ترجمة حرفية أفقدتها الكثير من تفاصيلها المهمة وغيرت الكثير من معانيها وكذلك ما تعرضت له بعض هذه الكتب من حرق ودمار وضياع كما هو حال الـ(ابستاق) في الديانة الزرادشتية الذي تعرض للحرق والفناء(١٤٦).
الأمر الثاني: محاولة أصحاب كل ديانة إثبات أنّ المنقذ منها، وذلك عن طريق تحريف النص الديني، أو إسقاطه على المصاديق والشخصيات المقدسة عند أتباع كل دين، محاولة منهم لحيازة الشرف والرتبة كون المنقذ سيكون قائداً للبشرية كلها، وللأرض أجمعها، ولهذا تحاول كل أمة إثبات أنّ المنقذ سيكون منها، لتتصدر الأمم وتفخر عليها برئاستها(١٤٧).
وعلى الرغم مما تقدم فإني أرجِّح نظرية بدائية هذه الأديان بما يتناسب مع طبيعة الاحتياجات البسيطة التي كانت بحاجة إلى توفرها بما يخدم طبيعة ذلك الزمان، كذلك المشاكل الآنية وإيجاد حلولها الآنية حجبت الكثير من التفكير في مستقبل الكون والحياة، فالفساد المنتشر بشكل كبير والفقر وكثرة الحروب لم تدع لذلك الإنسان الوقت الكبير للتأمل بما سيحدث في نهاية هذا العالم وما سيحدث بعده، فلم يكن ذلك هو محل الابتلاء وليس محل التفكير والمناقشات العلمية الدقيقة لأهل ذلك الزمن.
وهنا بودّي الإشارة إلى مطالب:
الأول: اسم المنقذ في الأديان الثلاثة ومعالمه:
لقد تراوحت رؤى الأفكار حول المنقذ للتباين في تجسدها عند عظيم كلّ دين لتتخذ مصاديق عديدة وليطلق عليها اسم المنقذ، طبعاً بطبيعة ذلك المصداق الذي لابد أن تكون فيه بعض سمات المنقذ، ففي الديانة الهندوسية آمن الهندوس بالإله (فيشنو) الحافظ المنقذ الذي يظهر وقت المزالق والمهالك لينقذ المؤمنين به(١٤٨)، وقد آمنوا بأن المنقذ الأخير لابدّ أنّ يكون هو أحد آخر تجسُّد من تجسُّدات الإله الحافظ (فيشنو)(١٤٩).
أمّا الديانة البوذية التي هي سلسلة الديانة الهندوسية واتَّبعت مسيرتها في تجسيد هذه العقيدة فقد آمنت بأنّ المنقذ هو تجلي للإله (فيشنو) وهو المعلم (بوذا) الذي أنقذهم من براثن الجهل والشهوات وحرر الأرواح من إعادة دورة الحياة الـ(كارما) بواسطة الـ(نيرفانا)(١٥٠).
ولابدّ أن يعود هذا المنقذ أو أحد تجلياته في نهاية الزمان ليكمل عملية الإنقاذ التي بدأها أول مرة وليحرر النفوس والأبدان(١٥١).
أمّا المنقذ في الديانة الزرادشتية فهو الحكيم (زرادشت) الذي أنقذ المؤمنين به من تسلط الكهنة واستعباد السحرة والظلمات العقائدية وطهر أرضه من الفساد وحارب الجور ودافع عن شعبه عند غزو الأعداء وعدوانهم(١٥٢).
فهو الحكيم الذي رسم الخطوط الحقيقية لتنظيم حياتهم وتنوير بصائرهم وبيان ما للشر من أثر مظلم في النفوس وجمع شتاتهم الفكري على توحيد إله الخير (أهورا مزدا) وهنا تجدر الإشارة إلى الطبيعة السماوية للديانة الزرادشتية، لكن المؤرخين اعتبروها على حسب ما جرى عليه العرف البحثي ديانة وضعية نتيجة لما لاقته هذه الديانة من تحريف وضياع بعد مقتل الحكيم (زرادشت) على يد أعدائه، فتعرض الدين للضياع وتلاعب الكهنة بأحكامه، وبعد انتصار الإسكندر المقدوني على الدولة الساسانية تم حرق آخر نسخة من الكتاب المقدس الـ(ابستاق) مع كتاب الـ(زند) الذي خطه زرادشت بيمينه وتضمن شروحات للـ(ابستاق) والذي يعتبر بمثابة الأحاديث النبوية والسنة الشريفة في الديانة الإسلامية، لذا فَقَدَ الدين الزرادشتي الكثير من رونقه السماوي حتّى صار يعد ديناً وضعياً في نظر أكثر المؤرخين والباحثين.
وعودة على ذي بدء فإنّ الديانة الزرادشتية تؤمن بمنقذ مخلص يأتي في آخر الزمن لينشر السلام والشفاء والسعادة وليذهب بالأمراض والأوبئة والظلام الحالك في ليالي تلك الأزمنة، فالـ(سوشيانت) الموعود سيظهر في آخر الزمان كما يقول (جماسب) تلميذ (زرادشت) أنّ الـ(سوشيانت) الموعود من آخر رسول وهو نبي العرب الذي يظهر من بين جبال مكة ثم ينهض من أولاد النبي شخص في مكة ليكون خليفة وتابعاً لدينة... ومن عدله يشرب الذئب والخروف من ماء واحد ويكون العالم كله تابعا له(١٥٣).
المطلب الثاني: الشعب المراد إنقاذه:
كما هو الحال في طبيعة أتباع كل شريعة فهي تُمنّي نفسها بأنّ المنقذ سيأتي لإنقاذها وتحريرها وإعادة ازدهارها ورونقها وانبعاث مجدها من جديد وسيادتها للعالم بفضل منقذها الموعود، هكذا توالت طموحات أتباع الديانات، كلٌ يحوز الشرف والعزة لدينه.
وهذه الآمال بطبيعة الحال متحققة، فالمنقذ الموعود للبشرية كلها وللكون كله وليس حكراً على دين أو طائفة، بل هو للأديان كلها يوحدها يهذبها يرجعها لجادة الصواب الحقة لتحيا الشعوب من جديد الحياة الكريمة التي أرادها الله لها.
فالهندوسية تؤمن بعودة المنقذ الذي هو أحد تجسدات الإله (فيشنو) لينقذها ويحف المؤمنين بها بالعناية والرعاية والرفاهية من جديد وليصبح الإيمان المطلق بهذا المنقذ الهندوسي الموعود هو الإيمان العالمي حيث يتبعه العالم كله فهو التجسد الأخير لـ(فيشنو) حيث يأتي لسعادة العالم(١٥٤).
أمّا البوذية فقد نحت المنحى نفسه لسابقتها الديانة الهندوسية في إيمانها بعودة أحد تجسدات الإله (فيشنو) وهو (بوذا) من جديد ليعم الخير والسلام ولتنتشر البوذية في العالم ولتكن هي الديانة العالمية السائدة وليعم الخير بمجيء (بوذا) الذي من معانيه هو المخلص العظيم(١٥٥)، وهنا يأتي تأكيد التراث البوذي على أنّ (بوذا) ظهر من وقت لآخر على طوال التاريخ البشري وسيواصل الظهور على هذا النحو... ويحصل كل (٥٠٠٠) سنة(١٥٦).
أمّا الزرادشتية فقد آمنت بوجوب ظهور المنقذ الـ(سوشيانت) الموعود الذي سيظهر ليعيد رونق الزرادشتية المفقود ولينصر المؤمنين المظلومين من أتباع الزرادشتية وليصبح الدين الزرادشتي هو المهيمن على أديان العالم وسينهي كل الشرور التي أثارها (أهريمان) وجنوده(١٥٧).
إذ (يخرج رجل من أرض الفرسان من أولاد هاشم(١٥٨)، رجل كبير الرأس والجسم والرجل، يكون على دين جده، بجيش عظيم يتجه إلى إيران فيحيي أرضها ويملأها عدلاً)(١٥٩).
وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذه النقطة من النقاط التي تتفق فيها الديانة الزرادشتية مع الديانة الإسلامية من حيث نسب المنقذ الأخير، فكما هو متفق عليه عند المسلمين فقد ورد في الحديث الشريف للرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): «المهدي من عترتي من ولد فاطمة»(١٦٠)، وبما أن المهدي (عجّل الله فرجه) حفيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والنبي حفيد هاشم إذن هو من أولاد هاشم.
المطلب الثالث: معالم حكومة المنقذ:
للمنقذ العالمي الموعود ولدولته العالمية المنشودة ولحكومته الرشيدة معالم عديدة رسمتها عقائد الأديان في نفوس أتباعها، لتزرع الآمال في وقت الصعاب ولتبشر المظلومين في وقت الجور، لتحيي في النفوس مشاعل النور بدل مشاعر اليأس والتشاؤم بأنّ الغد أفضل والمستقبل الموعود قريب.
فمن أبرز السمات التي لابد منها اتصاف دولته بالعدل والإصلاح كما جاء في الهندوسية (حينما يمتلئ العالم بالظلم يظهر الشخص الكامل الذي يسمى (يترتنكر: المبشر) ليقضي على الفساد ويؤسس للعدل والطهر... سيُنجي (كريشنا) العالم حينما يظهر البراهميتون)(١٦١).
وكذلك الديانة البوذية فقد آمنت بظهور آخر تجسد لـ(بوذا) الحكيم العادل ليخلص البشر بخلود الروح الإنسانية وينشر الخير والعدل كما فعل (بوذا) عن طريق الـ(نيرفانا) من قبل(١٦٢).
أمّا الزرادشتية أيضاً فترتقب ظهور منقذ عادل (ومن عدله يشرب الذئب والخروف من ماء واحد ويكون العالم كله تابعاً له)(١٦٣).
ومن صفات دولته القوة، فسلطانه سيعم الأراضي كما تحدثنا كتب الديانة الهندوسية (ودولته طويلة الأمد، وعمره - أي ابن الناموس الأكبر - طويل، وتنتهي الدنيا به، ويسخِّر من ساحل البحر المحيط، وجزائر سرانديب، وقبر الأب آدم (عليه السلام)، وجبال القمر، إلى شمال هيكل زهرة، وإلى سيف البحر والمحيط)(١٦٤).
ويشير التراث البوذي إلى أنّ المنقذ سيظهر آخر (أَفَتار) قوي عادل لينشر العدل من الـ(أفَتارات) الموعودين الذين ظهروا بتجسد من الإله (بوذا)، وهذه التجسدات الـ(أَفَاتارات) لـ(بوذا) تظهر بحسب حساباتهم كل خمسة آلاف سنة(١٦٥).
أمّا الديانة الزرادشتية فتخبرنا في تراثها بأنّ المنقذ سيأتي قبل يوم البعث كما هو آتٍ (قبل البعث الموت وقبل يوم القيامة سوشيانس يأمر الناس أن يصبحوا جنوداً ويحاربوا ضد (أهرمن) وينهزم الكذب والأمراض والموت والسيئات والظلم والكفر)(١٦٦).
ومن سمات دولته الرفاهية للشعوب ودوام السعادة وغياب الأمراض والهم والحزن ودوام البركات وجزيل النعم فهو المنقذ الأخير (سوشيانس هو آخر شخص يأتي إلى الأرض وينظف العالم ويهزم الباطل)(١٦٧).
الهوامش:
(١) رسالة قدمتها الطالبة نور ناجح حسين إلى مجلس كلية الآداب في جامعة الكوفة، وهي جزء من متطلبات شهادة ماجستير في التاريخ الإسلامي.
(٢) هذا البحث مقتطع من رسالة الماجستير المشار إليها في العنوان ونشر منه الفصل المتعلق بـ(المهدي في الروايات) الفصل الثالث دون بقية الفصول الأخرى من الرسالة.
(٣) جمال الدين ابي الفضل محمد بن مكرم الافريقي، لسان العرب: ج٣، ص٥١٦.
(٤) الضامن، حاتم صالح، الصرف: ص٥١.
(٥) الفراهيدي: الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم، العين: ج٥، ص١٣٥.
(٦) الجوهري، أبو نصر إسماعيل بن حماد الفارابي، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: ج٢، ص٥٧٢.
(٧) ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة: ج٥، ص٤٦٨.
(٨) الأصفهاني، الحسين بن محمد بن المفضل، مفردات ألفاظ القرآن: ص٨٢٠-٨٢١.
(٩) ابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل المُرسي المخصص: ج٣، ص٩٨.
(١٠) القفطي، جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف، إنباه الرواة على أنباه النحاة: ج٣، ص١٣٦.
(١١) الموسوي، موسى، الشيعة والتصحيح: ص٦١.
(١٢) وافي، علي عبد الواحد، الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام: ص٩٢.
(١٣) ينظر: דוד שגיב، מילון עברי- ערבי، כרך ראשון، ירושלים ١٩٨٥ م، עמ› ٧١١، ٨٦٩.
(١٤) אבן שושן، אברהם، המילון המרוכז، (תל אביב ٢٠٠٨) עמ› ١٤١.
(١٥) אבן שושן، אברהם، המילון המרוכז، עמ› ١٤١.
(١٦) مقابلة شخصية مع الدكتور عدنان الحميداوي، أستاذ اللغة العبرية، كلية اللغات، جامعة بغداد، في قسم اللغة العبرية، بتاريخ ١٩/٣/١٤٣٧هـ- ١٦/١١/٢٠١٥م، وقد أذن بالإشارة لها.
(١٧) Lengua Espanola، Vigesima primera ediciónespropiedad، vigesimaprmera Edicion، (Real، academia، Espanola، ١٩٩٢) p.١٣٠٣.
(١٨) مقابلة شخصية مع الدكتورة شذى كريم عطا الشمري، رئيس قسم اللغة الإسبانية، كلية اللغات، جامعة بغداد، في مكتبة قسم اللغة الإسبانية، بتاريخ، ١٩/٣/١٤٣٧هـ- ١٦/١١/٢٠١٥م، وقد أذن بالإشارة لها.
(١٩) ;Mari aMoliner، adiccion ario de usoaell Espanol، (Segunda Edicio Herederos de Mari aMoliner، Edrtorial gredos، s.a، ١٩٩٨)، p.١٠٢٠.
(٢٠) ينظر: مهدي، فالح، البحث عن منقذ. دراسة مقارنة بين ثماني ديانات: ص٩-١٢؛ صديقي، فكرة المخلص، ص٢٦-٢٨.
(٢١) الأسدي، كاظم مزعل، المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية: ص٨٥-٨٦.
(٢٢) الصدر، محمد باقر، اليوم الموعود بين الفكر المادي والديني: ص٤٤.
(٢٣) المرجع نفسه، ص٤٨.
(٢٤) الطبسي، جولة في دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): ص٩٥.
(٢٥) عباس محمود، برناردشو: ص١٢٤.
(٢٦) من أبرز هذه الكتب، ينظر: غريس هالسل، النبوءة والسياسة.
(٢٧) صموئيل بيكيت، في انتظار جودو، ص٧٠-٧٥. (www.books٤arab.com/٢٠١٥/٠٤/pdf_٦٩htm).
(٢٨) الصدر، محمد باقر، بحث حول المهدي (عجّل الله فرجه): ص٨٧.
(٢٩) الويدية أو الفيدية: وهي الشكل القديم للديانة الهندوسية وقد دخلت إلى الهند مع دخول الآريين لها حوالي (١٥٠٠) قبل ميلاد المسيح (عليه السلام)، علماً أن كتب الآريين المقدسة تدعى (فيدا) والتي تعني المعرفة المقدسة وتتضمن أناشيد للآلهة ونصوصاً لتقديم الذبائح، وكذلك نصوصاً تتناول العقائد التي تتحدث عن الله وصورة الإنسان والعبادة. ينظر: ثيودور، عادل، مدخل إلى الأديان الخمسة الكبرى، (بيروت، المكتبة البوليسية، ١٤٢٦هـ/٢٠٠٥م)، ص٤.
(٣٠) آريان: هو شعب قديم أصله من شرق أوروبا. استولى على إيران من الشمال الغربي للهند عام (٢٠٠٠ ق.م). وكان سبباً في تدهور حضارة السند. وكانت لغته صورة أولية من السنسكريتية وهي أساس اللغات الهندو الأوروبية. لأن الشعب الآري كان يسكن المناطق الممتدة من شرق أوروبا إلى جنوب آسيا. وقد وصل للهند سنة (٣٠٠٠ ق.م)، والآريون بشر أبيض الجلد وشعر أسود ولم يبقَ من هذا الجنس سوى اللغة الآرية وكانوا يعبدون آلهة الإغريق. وقد ابتكروا أشكالاً من النصوص الشفهية في الـ(فيدا) المقدسة لدى الهندوس. ينظر: https://ar.wikipedia.org/wiki/
(٣١) شلبي، أحمد، أديان الهند الكبرى: ص٣٨.
(٣٢) المرجع نفسه: ص٣٨.
(٣٣) ابتداءً من القرن الثامن قبل الميلاد نسبة إلى (براهما) وهي القوة السحرية الكامنة. ينظر: المرجع نفسه: ص٣٧.
(٣٤) شلبي، أديان الهند الكبرى: ص٣٧.
(٣٥) المقدسي، صبري، الموجز في المذاهب والأديان: ص١٩.
(٣٦) الطوطمية: هي ديانة مركبة من الأفكار والرموز والطقوس تعتمد على العلاقة بين جماعة إنسانية وموضوع طبيعي يسمى الطوطم، والطوطم يمكن أن يكون طائراً أو حيواناً أو نباتاً أو ظاهرةً طبيعية أو مظهراً طبيعياً مع اعتقاد الجماعة بالارتباط به روحياً. وكلمة طوطم مشتقة من اللغة الأمريكية الأصلية. ينظر: ويكيبيديا.
(٣٧) حلمي، مصطفى، الإسلام والأديان: ص٤٥.
(٣٨) السنسكريتية: هي لغة قديمة في الهند وهي لغة طقوسية للهندوسية، والبوذية. لها موقع في الهند وجنوب شرق آسيا مشابه للغة اللاتينية واليونانية في أوروبا في القرون الوسطى، وقد لاحظ هذا الشبه العالم اللغوي (ويليام جونز) وهو مسشرق بريطاني حيث كان يعمل قاضياً هناك، ولهذه اللغة جزء مركزي في التقليد الهندوسي. وهي إحدى الاثنتين والعشرين لغة الرسمية للهند. وتدرس في الهند كلغة ثانية. كما أن بعض الـ(براهميين) يعتبرونها لغتهم الأم. ينظر: https://ar.wikipedia.org/wiki/%
(٣٩) المقدسي، الموجز في الأديان: ص٤٠.
(٤٠) المرجع نفسه: ص٢٨-٢٩.
(٤١) المرجع نفسه: ص٤٦.
(٤٢) المرجع نفسه: ص٣٣.
(٤٣) شلبي، أديان الهند الكبرى: ص٥٧.
(٤٤) سعيد، حبيب، أديان العالم: ص٧٧-٧٩.
(٤٥) شلبي، المسيحية: ص٧٨.
(٤٦) شلبي، أديان الهند الكبرى: ص٤٩.
(٤٧) سعيد، أديان العالم: ص٢٣- ٢٧.
(٤٨) المقدسي، الموجز في المذاهب والأديان: ص٣١.
(٤٩) المرجع نفسه: ص٤٠.
(٥٠) قيدارة، الأسعد بن علي، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ: ص٣٨.
(٥١) المرجع نفسه: ص٣٩.
(٥٢) مهدي، البحث عن منقذ: ص٥٣-٥٦.
(٥٣) المرجع نفسه: ص٥٣-٥٦.
(٥٤) مهدي، البحث عن منقذ: ص٧٥-٦٠.
(٥٥) قيدارة، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ، ص٣٨.
(٥٦) الكتاب المقدس الهندوسي الأوبانيشاد: ٢، ص٦٣٧.
(٥٧) كريشنا: وهو أحد الآلهة الهندوسية ويعتبر أحد تجسدات الإله (فيشنو) ويعتبر (كريشنا) هو إله العطف واللطف والحماية ويتمثل بمظهرين: أحدهما المقاتل الشجاع، والآخر العازف الطيب، وسيأتي تجسده المنقذ الأخير (كالكي) لينقذ المؤمنين به والصديقين ويعاقب الأشرار في نهاية الحقبة الثالثة للعالم ليعلن عن فتح حقبة جديدة بمجيئه. ينظر ثيودور، مدخل إلى الأديان الخمسة: ص٥.
(٥٨) مهدي، البحث عن منقذ: ص٦٠.
(٥٩) الاوبانيشاد: ج٢، ص٥٤.
(٦٠) الكرماني، علائم الظهور: ص١١٧.
(٦١) المصدر السابق: ص١١٧.
(٦٢) الشيرازي، جلال الدين محمد بن الشيخ أبي تراب، لمعات النور في كيفية الظهور: ج١، ص١٨.
(٦٣) المرجع نفسه، ج١، ص١٨.
(٦٤) شلبي، أديان الهند الكبرى، ص١٣٠.
(٦٥) قيدارة، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ، ص٤١.
(٦٦) شلبي، أديان الهند الكبرى، ص١٣١.
(٦٧) قيدارة، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ، ص٤٢.
(٦٨) حلمي، مصطفى، الإسلام والأديان دراسة مقارنة، ص٦٨.
(٦٩) وهناك قضى اليوم كله بل الليل كله في نزاع داخلي، حتى إذا بزغ نور الفجر، أشرق عليه نور الحق، ينبئه أن شقاء الحياة وعناءها وضجرها تنبعث من رغبات النفس، وأن الإنسان مستطيع أن يكون سيد رغباته لا عبداً لها، وأن في مقدوره الإفلات من هذه الرغبات بقوة الثقافة الروحية الداخلية ومحبة الآخرين. ينظر: سعيد، أديان العالم: ص٩٤.
(٧٠) بارندر، جيفري، المعتقدات الدينية لدى الشعوب: ص١٧٩.
(٧١) النيرفانا: ومعناها المنطفئ، أي كما ينطفئ المصباح أو النار، أمّا الكتب البوذية فتستعملها بمعاني:
١- حالة السعادة يبلغها الإنسان في الحياة بإقلاعه عن كل شهواته الجسدية اقتلاعاً تاماً.
٢- تحرير الفرد من عودته إلى الحياة وانعدام تصوره - أي الفرد - بعودته إلى الحياة مره أخرى. ويعتقد البوذيون أن الذي يبلغ الـ(نيرفانا) يخرج من دائرة الألم والسرور ويصبح فوق الأحزان والأفراح. ينظر: ينظر مهدي، البحث عن منقذ: ص٦٢.
(٧٢) شلبي، أديان الهند الكبرى: ص١٥٢.
(٧٣) سوترا بيتاكا: وهي مجموعة الكتابات الأصلية، وتتضمن الحوارات التي دارت بين (بوذا) ومُرِيديه. ينظر: الويكيبيديا.
(٧٤) فينايا بيتاكا: وهي الكتابات التي تتعرض للجانب التنظيمي والأخلاقي لحياة الرهبنة، وتتضمن حوالي مائتين وخمس وعشرون قاعدة. ينظر: الويكيبيديا.
(٧٥) أبهيدارما بيتاكا: وتتضمن مناقشات في الفلسفة، العقائد وغيرها من الموضوعات التي تمس العقيدة البوذية. ينظر: الويكيبيديا.
(٧٦) كيون، دامني، مدخل إلى البوذية: ص٢١.
(٧٧) ثيودور، مدخل إلى الأديان الخمسة الكبرى: ص١٨.
(٧٨) المرجع نفسه: ص١٩.
(٧٩) المرجع نفسه: ص٢٠.
(٨٠) كيون، مدخل إلى البوذية: ص٥٥.
(٨١) ينظر: الأعظمي، محمد ضياء الرحمن، فصول في أديان الهند الهندوسية والبوذية والجينية والسيخية وعلاقة التصوف بها: ص١٢٦-١٢٧.
(٨٢) كيون، مدخل إلى البوذية: ص٩٨.
(٨٣) كيون، مدخل إلى البوذية: ص٣٠.
(٨٤) المرجع نفسه: ص٣٠.
(٨٥) المرجع نفسه: ص١٤٥.
(٨٦) المرجع نفسه: ١٤٦.
(٨٧) ثيودور، مدخل إلى الأديان الخمسة: ص٤٣.
(٨٨) المرجع نفسه: ص٤٤.
(٨٩) المرجع نفسه: ص٤٤.
(٩٠) كيون، مدخل إلى البوذية: ص٦٠.
(٩١) ثيودور، مدخل إلى الأديان الخمسة: ص٤٥.
(٩٢) كيون، مدخل إلى البوذية: ص٦١.
(٩٣) المرجع نفسه: ص٦٧.
(٩٤) قيدارة، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ: ص٤٤.
(٩٥) كيون، مدخل إلى البوذية: ص٧٠.
(٩٦) الدولة الميدية: وهي عبارة عن قبائل (هندو أوروبية) انقسمت إلى فرعين: أحدها استوطن جبال شمالي العراق ومن بقاياهم اليوم القومية التي تعرف بالأكراد، والثاني استوطن شمال إيران وكون الدولة الميدية حيث أسسها زعيم هذه القبائل (ديكو) (ت: ٦٥٥ق.م) في المدة المحددة ما بين عام (٧٤٤-٧٠٥ق.م) وعاصمتها (أكبتانا) ودخلت في حلف مع مملكة (الأورارطو) وهي من دول العالم القديم التي نشأت في بلاد أرمينية. ينظر: طه باقر، وآخرون، تاريخ العراق القديم: ج١، ص٢٠٨؛ الجاف، حسن، الكرد وبقايا الميدين: ص٣١-٣٣.
(٩٧) الدولة الفارسية: وهي دولة قوية تأسست من اتحاد قبائل آرية برئاسة زعيمها (أخمنيس) ولها عدة أسماء. للمزيد ينظر، الإيجي، عضد الدين عبد الرحمن، المواقف: ج١، ص١٧٥-١٧٦؛ ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد، تلبيس إبليس: ص٢٣؛ حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: ج٢، ص٣٨؛ زكي، محمد أمين، خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية، ترجمة: محمد علي عوني: ص٧-٩؛ ولبرا، دونالد، إيران ماضيها وحاضرها، ترجمة: عبد النعيم محمد، حسنين إبراهيم أمين الشورابي: ص٣٨-٣٩.
(٩٨) المقدسي، الموجز في المذاهب والأديان: ص٦٧.
(٩٩) المرجع نفسه: ص٥٩.
(١٠٠) زرادشت: ولد في الفترة الزمنية من (١٠٠٠ ق.م) إلى (٦٥٠ق.م)، وتنسب له الديانة الزرادشتية. ينظر: المقدسي، الموجز في الأديان: ص٥٧.
(١٠١) العروضي، أحمد بن عمر بن علي النظامي، مجمع النوادر- أو چهار مقالة. المقالات الأربع في الكتابة والشعر والنجوم والطب، ص٢٣-٢٤؛ حلمي، الإسلام والأديان: ص١٠٤.
(١٠٢) المقدسي، الموجز في الأديان: ص٦٢.
(١٠٣) بارندر، الدين لدى الشعوب: ص٩٢.
(١٠٤) المرجع نفسه: ص١٠٥.
(١٠٥) المقدسي، الموجز في المذاهب والأديان: ص٧٣.
(١٠٦) المرجع نفسه: ص٧٧.
(١٠٧) المرجع نفسه: ص٧٤.
(١٠٨) القزويني، زكريا بن محمد، آثار البلاد وأخبار العباد، ص٧٤.
(١٠٩) الطوسي، نظام الملك أبو الحسن علي، سياست نامه: ص٢٤-٢٥.
(١١٠) مينوي، مجتبى، كتاب تنسر، ترجمة: يحيى الخشاب: ص٣٣-٣٤.
(١١١) (أهورا مزدا): الإله الواحد الحكيم ملك الخير والإصلاح والبر وهو خالق الكون التي تؤمن به الديانة الزرادشتية وقد أعلن زرادشت أنه هو الخالق الواحد الذي خلق روح الخير التي تسمى (أرموزد)، وكذلك روح الشر (أهريمان). ينظر: سعيد، أديان العالم: ص١٥٠-١٥٥.
(١١٢) ترابي، علي، تاريخ أديان: ص٨٥-٨٦.
(١١٣) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٤٠.
(١١٤) ترابي، علي، تاريخ أديان، ص٩١-٩٢.
(١١٥) الموسوي، جاسب مجيد جاسم، الديانة الزرادشتية وأثرها في الدولة الساسانية، رسالة ماجستير غير منشورة، (جامعة بغداد، كلية الآداب، قسم التاريخ، ١٤٢٤هـ/٢٠٠٣م): ص٦٧.
(١١٦) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٢٧.
(١١٧) خان، ميرزا عبد المحمد، زرتشت باستاني وفلسفة: ص٦٦-٦٧.
(١١٨) المقدسي، الموجز في المذاهب والأديان: ص٥٧.
(١١٩) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٢٧.
(١٢٠) المقدسي، الموجز في المذاهب والأديان: ص٥٧.
(١٢١) المرجع نفسه: ص٥٨.
(١٢٢) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٣٠.
(١٢٣) المقدسي، الموجز في المذاهب والأديان: ص٧٦.
(١٢٤) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٣١.
(١٢٥) بارندر، المعتقدات الدينية لدى الشعوب: ص٩٠.
(١٢٦) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٣٢.
(١٢٧) المرجع نفسه: ص١٣٣.
(١٢٨) المرجع نفسه: ص١٣٣-١٣٤.
(١٢٩) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٣٥.
(١٣٠) خان، زرتشت باستاني وفلسفة: ص١٤١.
(١٣١) سعيد، اديان العالم: ص١٥٦.
(١٣٢) يوسفي، جمشيد، الزرادشتية الديانة والطقوس والتحولات اللاحقة بناء على نصوص الـ(أفستا): ص٣٤٠.
(١٣٣) المرجع نفسه: ص٨٩.
(١٣٤) فرنبغدادگى، بندهشن، ترجمة: مهردادبهار: ص١٨٧.
(١٣٥) آذرفرنبغ، فزرخاد، دينكرد، ترجمة: تفضلي وآموزكار: ص٦٦٨.
(١٣٦) زاله آموزكار، واحمد تفضلي، دينكرد: مج٧، ج٩، ص٨-٩.
(١٣٧) فرنبغدادگى، بندهشن: ص١٨٨.
(١٣٨) يوسفي، جمشيد، الزرادشتية الديانة والطقوس والتحولات اللاحقة بناء على نصوص الـ(افستا)، ص٣٤٣.
(١٣٩) المرجع نفسه: ص٣٤٣.
(١٤٠) شهزادى، رستم، خرده اوستاه: ص٢٢.
(١٤١) يوسفي، جمشيد، الزرادشتية الديانة والطقوس والتحولات اللاحقة بناء على نصوص الـ(أفستا): ص٣٤٢.
(١٤٢) زاله آموزكار، واحمد تفضلي، دينكرد: مج٧، ص٣.
(١٤٣) ارادى ويراف نامة، بهشتودوزخ در ايينمزديسني، ترجمة: رحيم عفيفي: ص١١.
(١٤٤) عبد الرحمن، خليل، أفستا الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية: ص٣٩٩.
(١٤٥) السقاف، أبكار، الدين في الهند والصين وإيران: ص٢٠٦.
(١٤٦) الطوسي، سياسة نامه: ص٢٥.
(١٤٧) جعفر، مهدي خليل، الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في الأديان: ص١٦.
(١٤٨) سعيد، أديان العالم: ص٧٩.
(١٤٩) قيدارة، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ: ص٤٠.
(١٥٠) المرجع نفسه: ص٤٢.
(١٥١) المرجع نفسه: ص٥٧.
(١٥٢) وافي، الأسفار المقدسة في الديانات السابقة للإسلام: ص١٣٥.
(١٥٣) يوسفي، الزرادشتية الديانة والطقوس والتحولات اللاحقة بناء على نصوص الـ(أفستا): ص٣٤٤.
(١٥٤) بارندر، المعتقدات الدينية لدى الشعوب: ص١٧٧.
(١٥٥) المرجع نفسه: ص٢١٥.
(١٥٦) المرجع نفسه: ص٢١٦.
(١٥٧) قيدارة، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ: ص٤٥.
(١٥٨) هاشم: وهو الجد الثاني للنبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، واسمه عمرو العُلى بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وإنما قيل له هاشم لأنه أول من هشم الثريد لقومه وأطعمه. ينظر: ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: ج٢، ص٢١٠.
(١٥٩) يوسفي، الزرادشتية الديانة والطقوس والتحولات اللاحقة بناء على نصوص الـ(أفستا): ٣٤٤.
(١٦٠) السجستاني، صحيح السجستاني، ج٤، ص١٠٦؛ الطبراني، المعجم الكبير، ج٢٣، ص٢٦٧؛ العجلوني، إسماعيل، كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: ج٢، ص٢٨٨.
(١٦١) الاوبانيشاد: ج٢، ص٥٤.
(١٦٢) قيدارة، النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ: ص٣٩.
(١٦٣) يوسفي، الزرادشتية الديانة والطقوس والتحولات اللاحقة بناء على نصوص الـ(أفستا): ص٣٤٤.
(١٦٤) الشيرازي، لمعات النور في كيفية الظهور: ج١، ص١٨.
(١٦٥) بارندر، المعتقدات الدينية لدى الشعوب: ص٢١٦.
(١٦٦) زاله آموزگار، وأحمد تفضلي، دينكرد: مج٧، ص٣.
(١٦٧) شهزادى، خرده اوستاه: ص٢٢.