الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
لا يمكن عد ذلك شرطاً لظهور الإمام (عجّل الله فرجه) بل هو سبب غيبته (عجّل الله فرجه) ولولا ذلك لم يغب عن الناس، فكيف يكون سبب الغيبة سبباً للظهور؟ فإن مظاهر الفساد الاجتماعي والانحطاط الأخلاقي الذي سيملأ الأرض لا يعني بأي حال من الأحوال أنه من مقاصد الغيبة ولا من أهدافها ولا هي من شروطها لنقول بعد ذلك خطأ لماذا لم يظهر الإمام (عجّل الله فرجه) وقد تحقق كل ذلك، بل المقصود إن هذه الفوضى الأخلاقية وهذا الاضطراب هو نتيجة حاصلة لنفس غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) ومعلول لعدم ظهوره وقيادته للبشرية (عجّل الله فرجه)، باعتبار أن المجتمع الانساني مهما بلغ من التقدم والتطور سيبقى قاصراً ومتأخراً عن إدراك كماله وسعادته إلّا بهداية الإمام المعصوم (عجّل الله فرجه)، وإذا لم تتوفر أسباب الظهور وشروطه فإن السنن التاريخية والقوانين الطبيعية تحتم أن الفساد والانحراف سيكون هو الظاهرة البارزة عندئذ في تلك المجتمعات، كما أن الروايات التي تحدثت عن ظهوره (عجّل الله فرجه) لم ترد بنحو القضية الشرطية والتي تُفضي إلى توقف ظهوره الشريف (عجّل الله فرجه) على تحقق انتشار الظلم والفساد ولا ما يؤدي هذا المعنى بل ولا ما يقترب منه، فنحن لا نجد حديثاً واحداً يقول إن الإمام (عجّل الله فرجه) سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً إذا ما ملئت ظلماً وجوراً، بل إن الصيغة التي تواترت في الأخبار إنما جاءت بصيغة (كما مُلئت ظلماً وجوراً) والكاف هنا كما هو واضح للتشبيه بمعنى (مثل)، فيكون مضمون الخبر ومعناه أن عدل الإمام (عجّل الله فرجه) ينتشر كما انتشر ظلم الظالمين وجورهم، وأما الصيغة التي قد نسمعها أحيانا أو نقرأها في بعض الكتب والتي تنص على أن الإمام (عجّل الله فرجه) سيملأ الأرض (بعدما) ملئت الأرض ظلماً والتي قد يستظهر منها البعض ترتب ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) ترتباً زمانياً يتوقف على تفشي الظلم والجور كما يتوقف الشيء على مقدمته فجواب ذلك أن هذه الصيغة لم ترد في المصادر الأصلية وإنما قد وردت في كتب الحديث المتأخرة كبحار الأنوار للشيخ المجلسي (رحمه الله) فقد نقلها في ثلاث مواضع من موسوعته الحديثية، فقد نقل عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في حديثه لجابر الأنصاري قوله: ويملاً أرض الله عدلاً بعد ما ملئت جوراً. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٢٢، ص١١١]، وكذلك في [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٣٧، ص٤٦]، ولكن إذا رجعنا إلى مصدرها الأصلي وهو (آمالي الشيخ الطوسي: ص٥٠١) سنجد أن الرواية واردة بصيغتها المعروفة أعني: يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وهكذا ما نقله عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في محاججته مع الجاثليق [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٣٠، ص٨٠] فهي أيضاً تخالف مصدرها الأصلي (إرشاد القلوب للديلمي: ج٢، ص٣١٤)
وأما الموضع الثالث فهو ما نقله في البحار عن عبد الغفار بن القاسم عن الإمام الباقر (عليه السلام) في [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٣٦، ص٣٥٩) ومصدرها الأصلي كما ذكر هو رحمه الله كتاب (كفاية الأثر) للخزاز القمي وكذلك إذا رجعنا إليه سنجد أن الرواية واردة بصيغة (فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً) ونستقرب جداً أن الخطأ الذي حصل في النقولات السابقة إنما هو بسبب نسّاخ الأحاديث ومحرريه كما قد يتفق ذلك أحيانا في النقل والتدوين فيتطلب الأمر التدقيق ومراجعة مصدر الحديث وأصله للوقوف عليه، ولأجل ذلك فإن الراجح عند العلماء التقيد بنفس الفاظ الحديث وإن جاز نقله بالمعنى تحسباً من الوقوع في الخطأ واستظهار المعنى غير المقصود، كما ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): رحم اللَّه امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب حامل فقه ليس بفقيه. [الوافي الفيض الكاشاني: ج١، ص١٣٧].
وبعد هذا البيان المتقدم ينبغي الالتفات إلى أن الفكرة السابقة على خطئها قد تُنتج فهما منحرفاً يسهم في نتائجه السلبية الدعوة إلى توسيع رقعة الفساد والظلم والجور في الأرض أو في الحد الأدنى إلى عدم مكافحته والخضوع للأمر الواقع الفاسد باعتبار أن العمل على خلاف ذلك يؤدي إلى إطالة زمن الغيبة وتأخير الفرج وهو بلا شك مخالف لأحكام الدين والشريعة التي تدعو إلى كبح الظلم واستئصاله وعدم الركون إلى الظالمين، على أنه ليس معنى كلمة (أن تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً) الواردة في النصوص هو انعدام قيم الحق والتوحيد والعدل على وجه الأرض حتى لا يبقى موضع يعبد الله فيه تماماً فهذا أمر مستحيل وعلى خلاف سنن الله، وإنما المقصود بهذه الكلمة بيان ما سيقوم به الإمام (عجّل الله فرجه) من العدل مقايسة بالظلم والجور الذي تراكم على طول خط التاريخ البشري وإلّا فإن قتل الأنبياء السابقين والأئمة المعصومين (عليهم السلام) كالإمام الحسين (عليه السلام) واغتصاب الخلافة من أهل البيت (عليهم السلام) في الأزمنة الغابرة هو أشد أنواع الانحراف والفساد التي حصلت في الأرض.
نعم قد يفهم من الروايات إن ظاهرة انتشار الظلم والجور في الأرض سيكون من ضمن العلامات العامة لا الخاصة، فإن علائم الظهور على قسمين:
الأول: علامات خاصة وأمارات ذكرتها الروايات لمعرفة زمن ظهوره (عجّل الله فرجه) كالنداء والسفياني واليماني والخسف وقتل النفس الزكية وكسوف الشمس وخسوف القمر في غير وقتهما.
الثاني: علامات عامة تحكي عن الوضع الاجتماعي والأجواء التي تسبق الظهور، كانتشار الفساد وكثرة الزلازل والأمراض والاختلاف بين الناس.
والفرق بين القسمين أن الأول منهما علامات محددة بخصوصها وغير قابلة للتكرار والمعاودة بخلاف القسم الثاني، فإنه كثيراً ما يتكرر ويعود شدة وضعفاً في مسيرة المجتمعات الانسانية بسبب بعدها أو قربها من صلاحها أو فسادها، وهي في كل الأحوال نتيجة سوء اختيار الناس واستغراقهم في أهوائهم وشهواتهم وعدم انصياعهم وطاعتهم لمن افترض الله تعالى طاعتهم وولايتهم وهي بعد ذلك تُشكل علامة ادانة واستنكار من قبل السماء لما وصل إليه حال الناس، لا أنها تدعوهم لتحقيق ذلك أو توفيره للتعجيل بظهوره (عجّل الله فرجه) كما قد يفهمه البعض بشكل سطحي من كون امتلاء الأرض ظلماً وانحرافاً شرطاً للظهور وإلا فإن لازم ذلك عدم أمكانية اصلاح الأرض حتى مع ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) إلّا بطريق المعجزة، وهو خلاف ما دلّت عليه الروايات والأخبار.
ومن خلال ذلك نفهم أن الفساد والظلم ليس شرطاً ولا هو هدف، بل إن الذي يعجل ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) هو التهيؤ والاستعداد لذلك، ولأجله ورد الحث في الروايات على الدعاء وانتظار الفرج والارتقاء بالوعي الانساني في بعده النظري والعملي نحو الإيمان بالعقيدة المهدوية، وإنها المنجى الوحيد لإنقاذ البشرية.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)