غَيبة الامام المهدي في الشعر العربي
غَيبة الامام المهدي في الشعر العربي
غفران الموسوي
كما هو معروف فإن للإمام المهدي عليه السلام بعد الخامسة من عمره غيبتين، كانتا على نحوين: غيبة صغرى وكبرى، وقد استمرت الأولى 69 عاماً من 260هـ ـ 329هـ، ثم بدأت الغيبة الكبرى التي تجاوزت حتى الآن ألف عام وتزيد. ومعنى الغيبة أنه عليه السلام موجود، ولكنه لا يعرف، فكأن بيننا وبينه ستراً مستوراً.
يقول الشاعر الحميري:
سنينا كفعل الخائف المترقب تغيّبه بين الصفيح المنصب |
|
إنّ ولي الله يفقد لا يرى فتقسم أموال الفقيد كأنما |
والحميري في البيت الأول كأنه يقارن بين الإمام عليه السلام والنبي موسى عليه السلام الذي أَنزل فيه تعالى (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فمن عوامل الغيبة وأسبابها هو الوقوع بأيدي الظلمة، ومن أسبابها أيضاً التمهّل وصولاً إلى إبراز الحق.
يقول الشاعر جعفر الخطي:
لشيءٍ سُوى إبرازِ حقٍّ وإظهارِ |
|
ومنتظرٌ ما أخّر الله وقتَهُ |
ويقول الحميري في الغيبة الكبرى للإمام عليه السلام على الرغم من أن الإمام المنتظر عليه السلام لم يكن قد ولد بعد:
فصلّى عليه الله من متغيِّب فيملأ عدلاً كل شرق ومغرب |
|
له غيبة لا بدّ من أن يغيبها فيمكث حيناً ثم يظهر حينه |
كما يقول الأديب السيد جواد الحسيني في قصيدة له:
ليقــيم القسط والحــــق بنا غاب عنّا فـتوارت شمسنا |
|
بـشّــــر الله به مخلوقـــه فيه سر الوحي في غيبته |
وعلى الرغم من تجاوز الغيبة الكبرى للإمام عليه السلام أكثر من ألف عام إلا أن ذلك لم يثن المؤمنين من الايمان الراسخ بهذه العقيدة ومن الصبر في انتظار الفرج.
يقول الشاعر أبي سهل أحمد قفطان الرياحي السعدي:
ألا تنقضي أعوام غيبتك الكبرى تمطى به باعاً إذا ما دنت شبرا أما ملئت ظلماً أما ملئت جورا |
|
إلام انتظاري يا ابن فاطمة الزهرا بما طال ليــل الدين حتى كأنمــــا قضينا بها الفا ونيفاً وما انقضـت |
في الغيبةِ يمكن استجماع تجارب الأمم السالفة والتمحيص الاعدادي لجيل الظهور. ومن المؤسف أنّ من الناس من يكون مردود الغيبة عليه سلبياً لا إيجابياً، فطول مدتها يجعله يشكك بالإمام عليه السلام، وقد نهانا الإمام الصادق عليه السلام عن ذلك، وبيّن عليه السلام أنه حتى إذا غاب فإنه ينفعنا كالشمس التي خلف السحاب.
وقد أجاد الدكتور محمد حسين الصغير في التعبير عن ذلك بقوله:
وأشكلت حتى قيل جاز عن الحدِّ ومن جاحدٍ غاو مُصرٍّ على الجحد وما حجبت فالذنب للأعين الرَّمد |
|
تغيبت حتى قيل: إنك لم تكن فمن منكر لا عن دليل وحجة وما خفيت شمس النهار لناظر |
نعم فالذنب فينا، إذ حجَبَتْ ذنوبنا بيننا وبين الطلعة البهية، ومع ذلك فإننا بفيض وجوده المستور نعيش في هذه الدنيا.ولولا ذلك الوجود لساخت الأرض بنا.
يقول الشيخ محمد حسين الغروي الاصفهاني قدس سره في ديوانه المسمى بالأنوار القدسية:
بدا من الغيب إلى الشهود من مستسر عالم الأسرار |
|
أكرم به من غائب مشهــــود أشرق كالشمس ضحى النهار |
كما أن الإمام المهدي عليه السلام يقوم في غيبته وبأساليب تتناسب مع شروطها بإظهار مستمر وغير مباشر لآيات الدين الحق وإيصالها إلى الناس لكي يهلك من هلك عن بينه ويحيي من حي عن بينه، يقول أحد الأدباء:
آياتهم من غيبة المستكتم المنى لفراسة المتوسّم |
|
يا غائب الآل الذي ظهرت به ها أنت تظهــــر كل آن آيـــةً فيها |
من هنا يظهر أدب مهم من آداب التمسك الصادق والعميق بولاية إمام العصر وهو أن يسعى المؤمن للبحث في ما يدور حوله ليرى هذه الآيات المحمدية التي يظهرها خليفة الله المهدي عليه السلام ويجتهد لتعلم المنهج الرباني منها في تدبير شؤون العباد والسير على وفقها، يقول هذا الأديب أيضاً:
عند الصباح وفي المساء المظلم تلقــي وصــــايا الربِّ للمتعـــلم في غفلــــة عن ربك المتعظــــم |
|
من لا ترى عيناه نورك مشرقاً من لا يراك بكل شيء حاضرا لم يدرك الفتح المبين ولم يـزل |