امامنا صاحب الزمان عليه السلام يتألم لنا ويعيش آلامنا ومعاناتنا جميعاً
امامنا صاحب الزمان عليه السلام
يتألم لنا ويعيش آلامنا ومعاناتنا جميعاً
السيد حسين الحكيم
القى سماحة السيد حسين الحكيم محاضرة تحت عنوان:- (محن وآلام صاحب العصر والزمان)
تناول فيها المحن والآلآم التي يتعرض لها صاحب الزمان وما هي أسبابها، وكيف لنا إذا أردنا أن نعيش تلك المحن والآلام من خلال ارتباطنا بالإمام.
فلا بد ان نفهم حقيقة هذا الإرتباط...لابد
ان نعيش لهذا الامر..لأنه عليه السلام امامنا في آلامنا كما هو امام آمالنا، انّ ارتباطنا بالإمام هو ما يسر قلبه عليه السلام فلنعقد العزم على أن نقاطع ونهجر كل الذنوب، ان نفعل ذلك حبا وشفقة وحناناً لسيدنا صاحب الامر عليه السلام.
وقد تضمنت هذه المحاضرة المحاور التالية:-
1ـ عذاباتنا تختلج في صدورنا الكثير من الآهات لما نشهده من العذابات التي احاطت بنا لما ابتلينا به باعتبارنا من شيعة آل محمد عليهم السلام.
2ـ معاناة صاحب العصر والزمان عليه السلام. ان كنا نحن نتألم من واقعنا وما يمر بنا.. فإن امامنا يتألم من ذلك أكثر، اننا نتألم لأن الأمر يمسنا ويمس مشاعرنا بحدود معينة اما امامنا فإنه يتألم لنا جميعاً.
3ـ ارتباطنا بإمامنا اذا أردنا ان نعيش الارتباط بإمام زماننا حقيقة.
ابتدأ سماحته محاضرته بعد أن حمد الله وصلى على رسول الله وآله الطاهرين بآية من الذكر الحكيم:
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ).
بعد هذه الآية الكريمة شرع السيد المحاضر بتفصيل محاضرتــه واليكم نص المحاضرة:-
ان كنا نعيش الالم....ونكتوي بنار الجمر...فاعلموا ان امامنا عليه السلام يتحسس هذا الألم اكثر منا اضعافاً مضاعفة...نحن بحدودنا- بضعفنا، بعجزنا تضيق صدورنا عن تحمل هذا الالم والعذاب فنبث شكوانا إلى ائمتنا عليهم السلام وفي كل عصر ونحن نشكو إلى صاحب العصر الحجة المهدي عليه السلام الذي هو منشأ الشكوى الحقيقية، وهل يشتكي المهموم الا الى امامه؟ فهو يعيش آلامنا، ويعيش فجائعنا.
هذه الآلام إذا كنا نحن قد اطلعنا على شيء بسيط ومحدود وضئيل منها، فإنّ إمامنا يحيط بها كلها، ويعلم بدقائقها وتفاصيلها.
فرفقاً به ثم رفقاً حينما نبث شكوانا. هو يعيش آلامنا، يعيش فجائعنا، يعيش أحزان أيتامنا وأراملنا.
لنتصوركم ذرف إمامنا وسيدنا صاحب الأمر عليه السلام من الدموع؟ وكم اختلجت في صدره من الآهات لما يشهده من العذابات التي أحاطت بشيعته في كل مكان. يتحسّس هذه الأمور، يعلم بها وكلها تجعله يشتاق أشد الشوق لذلك اليوم الذي يقف فيه بين الركن والمقام وينادي بأصحابه فيخرجون ويلتحقون به من بقاع الأرض. ولكن ماذا بيده ليفعله الآن؟
أغلب الروايات والأخبار توصينا نحن الشيعة بالدعاء لإمامنا وسيدنا عليه السلام بالفرج، لأنه في بلاء عظيم، فهو في ضيق، وهو في غربة، هو في وحشة. نحن مطالبون بالدعاء له بأن يعجل الله فرجه.
حينما نقول: اللهم عجل فرجه، الا تحسبون أن المعنى: اللهم عجل فرجنا. صحيح نحن نضمر اللهم اجعل فرجه فرجنا، ولكن الفرج الحقيقي له. فهو المظلوم الحقيقي.
بعض أساتذتنا من العلماء الموجودين الآن في النجف الأشرف- دفع الله عنهم كل مكروه- يقول": الظلامة الكبرى والمصيبة العظمى من مصائب أئمتنا هي مصيبة صاحب الأمر عليه السلام"، لهذه المدة الطويلة المديدة التي مرّت عليه وهو بهذه الحال، واننا عندما تشتد الفتن بنا، وعندما تعصف بساحتنا الخلافات فان اول نتذكره،هو حاجتنا الماسّة والحقيقية والأساسية لولينا الأول، لولينا الحقيقي، لإمامنا لقائدنا لسيدنا ومولانا.
إمامنا يتألم إذا رأى أحداً منا يظلم أخاه ويقول: لماذا يحدث مثل هذا من شيعتي؟ لماذا يتجاوز، لماذا لا يتمكن أن يقدّر للاختلافات قدرها؟ لماذا لا يتمكن أن يستوعب أن الاختلافات هي في الرؤى فقط أو في القناعات أو أن الاختلافات أو في التشخيص، أو في التحليل السياسي أو غير السياسي ليس إلا.
حينما نجد أننا نؤمن أو نقلد أو نتبع أو نقتنع بأحد من العلماء فنحن في ذلك لابد أن نلتزم الحجة الشرعية دائماً. ولا يعني هذا أن نتعامل مع كل من يختلف مع هذا الإنسان الذي نعيش الاقتناع به بأن نجعله خارج دائرتنا؛ ونتعامل معه كما نتعامل مع غير المؤمن بأهل البيت عليهم السلام.
ليبقَ الثابت الأول والأساس الذي لا محيص عنه هو الإيمان بأئمتنا، وما عداهم فلا يشكل إلا حكماً ظاهرياً لطريقه إليهم، فهم الواقع الصحيح الصافي الخالص وكل ما عداهم اجتهادات.
حينما نختلف في الاجتهادات، أو نختلف في التحليل، أو نختلف في القناعات، فإن ذلك لا يعني أن نختلف فيما بيننا شخصياً، فنتكتل جماعات، أنّ أمرنا كله بنظره عليه السلام، وبمعرفته وباطلاعه وهو يتألم له أكثر منا.
اننا حينما نختلف في أمر جزئي نتألم من أجل أصل الاختلاف وقد يكون تألمنا كثيراً من الأحيان لما يصيبنا من هذا الجانب أو ذاك، لما يمسنا من هذا الكلام أو ذاك، لما نتعرض له من هذا الظلم أو ذاك. أما الإمام عليه السلام فهو يتألم لنا جميعاً، ويعيش آلامنا جميعاً، ويعيش معاناتنا جميعاً.
فلنلتق عند امامنا، ولنجدد العهد معه مرة أخرى في أخوّتنا، في صفاء قلوبنا، في حسن ظنوننا بالآخرين، وعدم التسرع بإلقاء التهم وتوزيعها في كل مكان، وحتى على أنفسنا.
إذا أردنا أن نعيش الارتباط بإمام زماننا حقيقة فلابد أن نفهم حقيقة هذا الارتباط ولابد أن نعيش هذا الأمر.
إنني لا استطيع القول بأن المختلفين دائماً يكون أحدهما على باطل، بل يجب أن نحمل حتى من يخالفنا على حسن الظن، نحمله على المحمل الحسن (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وإن لم نعمل على ذلك فنحن نقطع أنفسنا بأنفسنا، ونقتل أنفسنا بأنفسنا، ونسقط أنفسنا بأنفسنا، ونضعف مرجعيتنا وعلماءنا، وكل هذا يحدث تحت شعار الإسلام، أو تحت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو شعار نصرة الآخرين، وتحت شعار نصرة المظلومين الى غير ذلك من توسيع الشعارات...
إذا كان هذا الشعار الذي يطرح بهذه السعة فلماذا لا يكون واسعاً حتى يجمعنا جميعاً؟ لماذا يكون واسعاً فقط للتمزيق والتفريق؟ اننا مع كل اسف نجد أن بعض الناس مشغول الآن بمقارعة الظالمين والتصدي لهم، والبعض الآخر مشغول بالتصدي لمقارعة من يقارع الظالمين، وبالتهجم على أولئك الذين يحملون لواء التشيع، ويحملون لواء الحق، الذي نتمنى كلنا له من أعماقنا أن يرتفع.
امامنا الآن غائب عنا ونحن غائبون عنه، هو يعيش الهم لشريعة جدّه، ونحن نعيش الهم شيئاً ما لشريعة جدّه أيضاً. هو يتألم لما يصيبنا، ونحن نتألم أيضاً. هو يتألم للظلم والبلاء الذي يعصف بنا، هو يتألم لنا حينما نختلف، هو يشاركنا الألم، هو يتقدّمنا في الألم. فهو إمامنا في آلامنا كما هو إمام آمالنا هو كعبة آمالنا عليه السلام.
ولكن يبقى ألم واحد في قلب صاحب الأمر، ولا نشترك نحن معه فيه، وهذا الألم وهذا العذاب الذي يتعذب به ويتألم به إمامنا صاحب الأمر عليه السلام قد نكون نحن سبباً في زيادته، فما هو هذا الألم؟
اذا عرفنا إنّ الإمام عجل الله فرجه يفرح لله. والإمام يغضب لله. والإمام يحزن لله، والإمام يحب في الله ويبغض في الله. فإذا وجد في صحيفة أحدنا سيئة أو ذنباً ارتكبه فكيف به وهو يعيش تلك الأكداس والجبال من الآلام. هذا الألم يأتيه إضافياً، ولسان حاله يقول: أنتم شيعتي أريد أن أفرح بكم، فِلمَ تزيدون في آلامي ألماً آخر؟
يا ذوي القربى، أيها المقربون الأحبة الأعزة، لماذا هذه الذنوب؟ لماذا هذه الجرأة على المعاصي؟
فَلِمَ لا نرأف لذلك القلب الذي أفعمته الآلام وملأته الجراح؟
لعل ما يؤلم، بل إن أشد ما يؤلم أولياء الله، هو ما يجترح وينتهك من حرمات الله سبحانه وتعالى، لأنهم يعرفون عظمة الله. اننا حينما نعرف عظمة الله شيئاً ما ونجد أن حرمة من حرمات الله تنتهك نتألم ونغضب كثيراًَ، هذا حالنا نحن الذين نعرف الله تعالى بهذا المقدار من المعرفة. أما أهل البيت عليهم السلام، الذين ما عرف اللهَ أحدٌ من العباد كما عرفوه سبحانه وتعالى،قطعاً هم يغضبون لحرمات الله أكثر منا، يتألمون أكثر منا.
فلنعقد العزم اذن على أن نقاطع ونهجر كل الذنوب، ونتمنى على الله سبحانه وتعالى أن يعصمنا ببركة إمام زماننا من كل ذنب، حباً وشفقة وحناناً لسيدنا صاحب الأمر ومحبة له.
والتوبة لا تكون دائماً خوفاً من النار، وإن كان الخوف منها حقيقياً، والنار حقيقة ولابد أن نخشاها، كما الجنة حقيقة من الحقائق ولابد أن نطمع فيها. ولكن شفعاءنا إلى الجنة، ومنقذينا من النار هم أهل البيت عليهم السلام، فلنؤكد ارتباطنا وانتماءنا وتلاحمنا واهتمامنا بأئمتنا عليهم السلام في طاعتنا لله حباً لهم، من أجل أن يفرح مهدي هذا العصر.
نحن نقوم ببعض الأعمال من أجل إدخال السرور على أحبتنا. ألا نفعل بعض المستحبات، ونأتي ببعض الأمور من أجل إدخال السرور على قلب المؤمن؟ ورد ذلك في روايات تكاد تكون متواترة، ولعل عشرات الروايات جاءت بهذا المضمون:
إن إدخال السرور على قلب مؤمن _ الإنسان العادي _ له كبير الأثر.
فكيف اذا كان الذي سيفرح هو سيدنا ومولانا وامامنا؟
اذن علينا ان نتوب ونعيش من هذه اللحظة التوبة الحقيقية ونجدد التوبة، فإنّ التوبة مراتب ويمكن تجديدها، ويمكن تأكيدها، ويمكن الإسراع إليها، فانه يمكن تجديد عهد التوبة مع الله سبحانه وتعالى.
وأن أهم ما يفرح إمام زماننا أن نعترف له بالتقصير لتشرق قلوبنا بنور التوبة، قبل أن تشرق أزقتنا بأنوار المصابيح التي نعبر بها عن احتفاليتنا بالنصف من شعبان مولد صاحب الزمان.
لنجدد هذه التوبة حباً له، إخلاصاً له، من أجل إدخال السرور على قلبه الشريف عليه السلام وعلى آبائه.
اللهم استجب دعاءنا في كشف الغمة عن هذه الأمة...وتعجيل الفرج لولينا ودفع البلاء عنا وجمع شملنا تحت لواء قائدنا ومنقذنا الامام الحجة صلوات الله عليه وعلى آبائه.