تمهيدنا
القضيَّة المهدويَّة وأزمة الخطاب
رئيس التحرير
كلُّ فكرة أو عقيدة يُراد إيصالها إلى أوسع شريحة من المتلقّين لا بدَّ أن تُبيَّن بخطابٍ جذّابٍ وقدرة قويَّة على استمالة المتلقّي الخطّاب بغضِّ النظر عن كون هذه الفكرة أو العقيدة حقّاً أو باطلاً.
فنسبة النجاح في تسويق الأفكار والمعتقدات تعتمد على حجم إمكانات الخطاب وقدرات إيصاله.
فليس من الصحيح أن تُوصَف الأفكار التي فشلت في الوصول إلى الشرائح التي تناسب حجمها بأنَّها باطلة، ولا العكس كذلك.
والظاهر أنَّ هذا المقدار لا خلاف عليه، فالنجاح دائماً حليف الأفكار التي تصل إلى قلوب الناس وعقولهم من خلال جاذبيتها وقدرتها على الإقناع.
والقضايا الدينية بشكل عامٍّ تتمتَّع بهذه الخاصّية، ونعني بالقضايا الدينية هنا تلك القضايا التي ترتبط بتنظيم سلوك الإنسان وفكره من خلال مجموعة من القوانين الواقعية والاعتبارية حتَّى الغيبية منها، وهذه القضايا وإن امتلكت مقوِّمات النجاح الحقيقية باعتبار أنَّ مصدرها الحقيقة وعين الواقع إلَّا أنَّها ما لم تتمتَّع بخطاب تسويقي جذّاب، فإنَّها لن تتمكَّن من أخذ المساحة الواسعة التي ينبغي تغطيتها، لذلك نجد أنَّ الانتشار أو الانحسار لأيِّ قضيَّة دينية وفي أيِّ زمان من الأزمنة خاضع للخطاب الذي يتمُّ تسويق هذه القضايا من خلاله، وإذا أمكن لنا أن نجري مقارنات سريعة بين القضايا الدينية وبعضها الآخر، فإنَّنا نجد انتشار بعض القضايا الدينية حتَّى عند من لا يؤمن بها بخلاف بعض القضايا الدينية الرئيسية فإنَّها منحصرة بفئة محدَّدة. وكذلك بلحاظ القضايا غير الدينية فبعضها منتشر في دائرة المتديِّنين فضلاً عن غيرهم.
فإنَّنا نجد أنَّ بعض القضايا وفي الدين الواحد تختلف عن بعضها من حيث الاهتمام والمعرفة بها، فالجميع يعرف أنَّ الصلاة عمود الدين، وهي تتمتَّع بهذه الأهمّية، وخطابها التسويقي نجح بذلك، أمَّا الزكاة التي تكاد تكون بنفس الأهمّية والخطورة في المنظومة الدينية إلَّا أنَّك تجد محدودية مساحتها رغم أنَّها تتمتَّع بنفس الأهمّية كما أشرنا، ولعلَّ ذلك ناشئ من ضعفنا في تسويقها، وهكذا في بقيَّة القضايا.
ومن بين تلك الأُصول في منظومة الدين العقيدة المهدوية، فرغم كونها قضيَّة إنسانية عامَّة لها أهمّية بالغة لا يكاد يختلف عليها إلَّا القليل، رغم ذلك ورغم أنَّ لها في تراث كلِّ دين وعقيدة إرثاً كبيراً يُؤهِّلها أن تقف في صدارة القائمة التي تتناول الأساسيات الفكرية والعقائدية إلَّا أنَّه ومع الأسف نجد وبسبب خطابنا الذي لا يتناسب مع ذات القضيَّة وموادِّها وأهمّيتها أنَّها لم تصل إلى مستوى الطموح، بل دونه بمراتب كثيرة. وليس ذلك إلَّا بسبب ضعف خطابنا المهدوي.
... ولعلَّ من المناسب بيان آليات الخطاب الناجح بشكل عامٍّ والمهدوي بشكل خاصٍّ.
آليات الخطاب الناجح:
والذي ينبغي لتجاوز هذه المحنة -عدم القدرة على تصدير هذه العقيدة بالشكل المتناسب مع مكانتها- هو أن تُوضَع آليات مقيَّدة للنهوض بالخطاب المهدوي تُؤهِّله من تمكين المهدوية للأخذ بدورها واستيعاب مساحتها.
وهذه الآليات تمر بمراحل ثلاث:
١- مرحلة فهم الموروث، بعد تجاوز مرحلة ضبط هذا الموروث وموارد تحصيله وما يترتَّب على ذلك بلغة تخصُّصية واعية لها القدرة على ضبط الخطاب مع المفردات الدينية الأُخرى، بل مع المفردات الإنسانية المعاصرة، فإنَّ الموروث المهدوي بما يحمل من شمولية فكرية قيادية، بل وجغرافية يملك مفاهيم استيعابية قادرة على النفوذ إلى قلوب المستمعين والتأثير فيهم، بل ودعوتهم إلى النظر بإيجابية وتفاعل وإقبال على هذا الموروث والعكوف عليه لاستخلاص التجربة القادمة فكرياً قبل أن تشاء يد القدرة في تفعيله ميدانياً بظهور الإمام (عليه السلام) لتكون هذه القراءات التخصُّصية الواعية من أبرز عناصر التمهيد الفكري ومنصَّة تساهم في نشر الثقافة المهدوية، وبالتالي تُشكِّل الهوية الفكرية والعقائدية من قِبَل طبقات المجتمعات المختلفة.
٢- مرحلة الإبراز لهذا الفهم للموروث المهدوي بخطاب ومفردات جذّابة تمزج بين أصالته وعصرنته، فإنَّ لكلِّ زمن لغة خاصَّة تناسب أهله وتتحكَّم في رواج المفاهيم وسرعة تقبُّلها أو رفضها.
وهذا ما ينبغي أن يقوم به من يتصدّى للحديث أو التأليف في القضيَّة المهدوية. وللوصول إلى هذه المرحلة نحن بحاجة إلى ورش عمل فكرية ولسانية مستمرَّة تقوم بتقديم الآليات الأفضل لتصدير هذه المفاهيم العملاقة.
٣- مرحلة المراجعة الدائمة للمفردات المسوقة للمفاهيم المهدوية والأنسب أن تكون دائمية تخصُّصية تنتخب الأفضل دائماً ولا تسمح بمجرَّد صياغة المفاهيم بقوالب فيها عجز عن إيصال المقاصد المهدوية للجمهور.