الهيكل التنظيمي الافتراضي ودوره في تحديد مستويات القادة الفرعيين بدلالة القيادة الموعودة
دراسة استشرافية: الافتراضات والمتعلقات والمستقبليات
الأستاذ الدكتور يوسف حجيم سلطان الطائي
جامعة الكوفة- عميد كلية الإدارة والاقتصاد
بحث مشارك في مسابقة خاتم الأوصياء (عجّل الله فرجه) للإبداع الفكري وحاز على المركز السادس
منهجية الدراسة:
تُعَدُّ القيادة الموعودة أحد أهمّ الممارسات والأنماط القيادية في اليوم الموعود، والتي لاقت رواجاً منقطع النظير في الوقت الحالي، لأهمّيتها الاستراتيجية، والتطوّر الحاصل في مجال التقني التكنولوجي ممَّا زاد الاهتمام بالجوانب النظرية لهذه القيادة التي ستحكم الكون بقيادة القائد الموعود الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
في بحثنا هذا سيتمُّ التطرُّق إلى الهياكل التنظيمية الافتراضية التي من الممكن تطبيقها في اليوم الموعود، وهل أنَّ هذه الهياكل التنظيمية قادرة على استيعاب المتغيِّرات البيئية المتنوِّعة، والتي تحتاج إلى هياكل مرنة قادرة على تنظيم العلاقة الإدارية بين القيادة الموعودة والقادة الفرعيين؟ وذلك لمعرفة الكيفية التي يتمُّ توزيع الأعمال والأعباء على القادة الفرعيين على أساسها، فضلاً عن تحديد نطاق الإشراف لكلِّ قائد فرعي، وما هو العدد الأمثل من المرؤوسين الذين يمكن قيادتهم لتحقيق هدف القيادة الموعودة؟
وهذا ما ركَّز عليه (Davis) وحدَّد مجموعة من القوى التي تُؤثِّر على عمل أيِّ تنظيم، وهذه العناصر وهي: (الأفراد، والهيكل، والتكنولوجية، والبيئة)(١).
لذا فأيُّ تنظيم يحتاج إلى مجموعة من الأفراد، وبواسطتهم يتمُّ تحقيق أهداف التنظيم، وهذا سينتج عملاً، والذي يُترجَم إلى إنتاجية، وهؤلاء الأفراد يحتاجون إلى هيكل تنظيمي يُنظِّم عملهم، وقد يحتاجون إلى تكنولوجيا لتسهيل عملهم. وكلُّ هذه القضايا لا بدَّ أن تُراعي البيئة الخارجية والداخلية، وأن تأخذ بنظر الاعتبار أيَّ تغيير يمكن أن يُؤثِّر على عمل الأفراد والهيكل التنظيمي.
وهنا لا بدَّ أن تكون العملية منظَّمة وفق الفلسفة الإدارية، والكيفية التي تُوزَّع بها الأعمال على القادة الفرعيين، وكيفية توزيع القادة الفرعيين على العالم، وما هو الهيكل التنظيمي النموذجي للقيادة الموعودة، بعد تحديد أهمّ أنواع الهياكل التنظيمية التي يمكن أن يتمَّ تطبيقها في المستقبل وفقاً للقراءة الحالية، واستشراف المستقبل لما سيكون عليه هذا التنظيم الموعود.
وقبل البدء نشير إلى بعض النقاط المهمَّة:
أوَّلاً: مشكلة الدراسة:
لذا تكمن مشكلتنا في الآتي: (هل هناك هياكل تنظيمية جديدة يمكن تطبيقها في القيادة الموعودة من أجل تحديد مستويات القادة الفرعيين عند ظهور القائد الموعود؟)، وتنبثق من هذه المشكلة الرئيسة العديد من التساؤلات الفرعية، وهي:
١- ما هي أهمّ أنواع الهياكل التنظيمية الافتراضية للقيادة الفرعية؟
٢- ما هو عدد المستويات الإدارية للقيادة الموعودة؟
٣- كيف يُحدَّد نطاق الإشراف للقادة الفرعيين ضمن الهياكل الافتراضية؟
٤- ما هي مواصفات القادة الفرعيين ضمن الهياكل التنظيمية الافتراضية؟
ثانياً: أهمّية الدراسة:
تُعَدُّ هذه الدراسة من الدراسات المهمَّة، والتي تُسلِّط الضوء على أهمّ موضوع أثار جدلاً ولسنوات عديدة، ألَا وهو كيف يمكن أن يكون شكل الهيكل التنظيمي الافتراضي أو المستقبلي للقادة الفرعيين بدلالة القيادة الموعودة؟ لذا تكمن مشكلتنا في الآتي:
١- الأهمّية المستقبلية:
حاز موضوع القيادة الموعودة على اهتمام أغلب الباحثين في الشأن الاقتصادي والديني والسياسي، وعلى كافَّة الأصعدة، ممَّا حتَّم إعطاء نظرة مستقبلية لأهمّ الأنماط والممارسات القيادية للقيادة الموعودة، وما هي الهياكل التنظيمية الافتراضية التي من الممكن أن تستوعب كلَّ البشر في الكون على انتظامهم وإدارتهم في المستقبل، لذا سعت دراستنا هذه على تسليط الضوء على كيفية تحديد أنواع الهياكل التنظيمية في المستقبل عند ظهور القيادة الموعودة، وكيفية توزيع المهامِّ والمسؤوليات على أفراد التنظيم والقادة الفرعيين؟
٢- الأهمّية الدينية:
أخذ مفهوم القيادة الموعودة اهتمام أغلب الديانات إذا لم تكن كلِّها، وكلُّ ديانة تدَّعي بأنَّ القائد المخلِّص ينتمي إليها، وهذا بحدِّ ذاته هو إذعان لحقيقية أساسية مفادها أنَّ هنالك قائداً موعوداً لا بدَّ أن يقود هذه الأرض. ومن هنا يمكن إثبات هذا القائد، وحسب الديانات التي أكَّدت ذلك، وإن لم نكن بصدد إثبات هذا الحقيقة، لأنَّها أصلاً مثبتة، ولكن العامل الديني هل يسهم في إيجاد الهياكل التنظيمية القادرة على استيعاب العالم بأسره؟
٣- الأهمّية العالمية:
إنَّ قضيَّة القيادة الموعودة هي قضيَّة ذات اهتمام عالمي، لأنَّ مصير العالم بأسره مرتبط بها، وبرز هذا الاهتمام خصوصاً في السنوات القليلة الماضية، وزاد في الوقت الحالي، إذ نلاحظ أنَّ العديد من المعاهد البحثية ووسائل التواصل الاجتماعي فضلاً عن بعض الدول الكبرى التي أعطت اهتماماً واضحاً لهذه القيادة، وهنا يتحتَّم علينا أن نَعُدَّ العِدَّة لهذه القيادة، وكيف ستكون الهياكل التنظيمية وشكلها لتغطيتها العالم بأسره؟
٤- الأهمّية العملية:
هذا المحور سيُركِّز على الجوانب العملية عند تطبيق القيادة الموعودة، وما هي الهياكل الافتراضية التي يمكن أن تُطبَّق في الواقع المستقبلي لهذه القيادة الكونية، وهنا لا بدَّ من التركيز على الآتي:
- كيف يمكن تحديد نطاق الإشراف للقادة الفرعيين؟
- معرفة المستويات الإدارية ضمن الهياكل التنظيمية وخصوصاً الهياكل المرنة.
- آلية توزيع المهامِّ والواجبات على القادة الفرعيين.
ثالثاً: أهداف الدراسة:
لدراستنا العديد من الأهداف، ولكن أهمّ هدف رئيسي وهو كيف يمكن أن نُحدِّد الهياكل الافتراضية التي يمكن أن تُطبَّق في المستقبل عند ظهور القيادة الموعودة؟ وما هي أنواع الهياكل الإدارية التي يمكن تطبيقها في اليوم الموعود، والتي تتلائم وفلسفة القيادة الموعودة لتوزيع القيادات الفرعية على العالم؟
لذا يمكن تحديد الأهداف الفرعية بالآتي:
- القدرة على الاستشراف لمعرفة عدد المستويات الإدارية التي تحتاج إليها القيادة الموعودة.
- التنبُّؤ بتحديد القيادات الفرعية للقيادة الموعودة، وكيفية توزيعها على العالم بأسره.
- تحديد نطاق الإشراف المفترض، وتوزيع القادة الفرعيين وفقاً لتعداد السكان.
- تحديد أهمّ مواصفات القادة الفرعيين لشغل المناصب القيادية في القيادة الموعودة.
- افتراض عدد من أنواع الهياكل الافتراضية التي ممكن أن تعمل وفق فلسفة القيادة الموعودة.
رابعاً: افتراضات الدراسة:
لدراستنا هذه العديد من الافتراضات، وهي:
الافتراض الأوَّل: هل هنالك قدرة على تحديد أنواع الهياكل التنظيمية الافتراضية التي يمكن تطبيقها في اليوم الموعود؟
الافتراض الثاني: هل يمكن تطبيق أكثر من هيكل تنظيمي في وقتٍ واحدٍ؟
الافتراض الثالث: هل يمكن تحديد عدد المستويات الإدارية في القيادة الموعودة؟
الافتراض الرابع: هل يمكن التنبُّؤ بعدد القادة الفرعيين الذين تحتاج إليهم القيادة الموعودة؟
الجانب النظري: تعريف الهيكل التنظيمي:
أغلب المنظَّمات تحاول أن تسيطر على مواردها البشرية والمادّية، ولكلٍّ منها هيكل تنظيمي خاصٌّ به من أجل أن يكون العمل منظَّماً وغير عشوائي، كيما يُحدِّد العلاقة بين التنظيمات الإدارية العليا والدنيا. وأيضاً تحديد سلوكيات الأفراد داخل التنظيم، للوصول إلى تحديد المسؤولية عن أيِّ عمل يقوم به المرؤوسون، وعدم السماح لتداخل الصلاحيات ممَّا يُولِّد حالة من الصراع الداخلي والعشوائية في العمل.
ويمكن تعريف الهيكل التنظيمي بأنَّه (ذلك الإطار الذي يُحدِّد الإدارات وخطوط السلطة ومواقع اتِّخاذ القرارات ومواقع التنفيذ، وهو الذي يُبيِّن التقسيمات التنظيمية)(٢).
وللهيكل التنظيمي العديد من الأبعاد، وهي الأُطر التي تُحدِّد أُسلوب بناء التنظيم، وهذه الأبعاد هي: (التعقيد، الرسمية، المركزية).
ويُقصَد بالتعقيد هو الارتباط بالتعقيد البيئي، فالتنظيم الذي يعمل في بيئة مستقرَّة هادئة يختلف عن الهيكل التنظيمي الذي يعمل في بيئة ديناميكية صارخة، فكلَّما كانت البيئة هادئة ومستقرَّة قلَّ التعقيد، والعكس صحيح.
أمَّا الرسمية في التنظيم فتُحدَّد في ضوئها العلاقات الأُفقية والعمودية وما يرافقها من صلاحيات ومسؤوليات للمراكز الوظيفية.
أمَّا المركزية فإنَّها تُشير إلى مدى تمركز سلطة اتِّخاذ القرار في قمَّة الهرم التنظيمي، وفي حالة تفويضها إلى المستويات الأدنى يكون التنظيم توجَّه نحو اللامركزية(٣).
وعُرِّف أيضاً بأنَّه عبارة عن عمليات منتظمة لتحديد العلاقة بين السلطة والأعمال من أجل تحديد أنشطة الأفراد، وكيفية استخدام الموارد المادّية والمعلوماتية، لتحقيق هدف التنظيم(٤).
فالهيكل التنظيمي يُمثِّل حصيلة تفاعل عدد من المتغيِّرات المتمثِّلة في تقسيم العمل، توزيع الأدوار والسلطة، نشاطات التنسيق بين المهامِّ بما ينسجم وغايات المنظَّمة وأهدافها بكفاءة عالية تتمثَّل بإيجاد المزيج المناسب من التخصُّصات، والتوافق الدائم بين الأدوار والمهمّات المدعمة بالسلطة المناسبة لإدارة المسؤوليات في إطار آليات محدَّدة للتنسيق والتكامل كالاتِّصالات والقواعد والإجراءات، بل وتعدّى دور الهيكل التنظيمي إلى التركيز على الجوانب السلوكية داخل التنظيم، وتحديد للعلاقات اللارسمية داخل التنظيم حيث عَرَّف كلٌّ من (March) و(Simon) بأنَّ الهيكل التنظيمي يحتوي على أشكال معيَّنة ومحدَّدة من أنماط السلوك في المنظَّمة، والتي تكون ثابتة نسبياً وتغيُّرها بطيء، فهو يُمثِّل توزيعات الأفراد المنتشرة على مختلف خطوط المراكز الوظيفية التي تُؤثِّر بدورها على علاقات الدور بين هؤلاء الأفراد(٥).
من خلال ما تقدَّم يتَّضح لنا أنّ أيَّ تنظيم يُريد أن يُحقِّق النجاح والنموِّ والبقاء فلا بدَّ عليه أن يُحدِّد طبيعة العلاقة بين الأفراد من خلال الهياكل التنظيمية الخاصَّة به.
الهيكل التنظيمي في القيادة الموعودة:
ركَّزت الإدارة الحديثة على أهمّية الهياكل التنظيمية أو الإدارية أو القيادية لتحقيق الانسيابية في الأوامر من القيادة العليا للقيادة الدنيا، وكذلك لعدم حصول الصراع الإداري والقيادي بين المستويات نتيجة المعرفة التامَّة بصلاحيات ومسؤوليات كلِّ فرد داخل التنظيم الكوني. وهذه العملية ستُسهِّل إتقان العمل والإبداع فيه، لذا في هذه الفقرة سيتمُّ توضيح الهياكل التنظيمية المقترحة التي يمكن أن تُستَعمل في القيادة الموعودة.
يُعَدُّ موضوع الهيكل التنظيمي من المواضيع المهمَّة، وذات الصلة بموضوعة القيادة الموعودة، وذلك لأجل معرفة الصلاحيات والمسؤوليات الموزَّعة على القادة الفرعيين، لغرض مزاولة أعمالهم بالصورة الصحيحة.
وهنالك العديد من العوامل التي تُؤثِّر على الهيكل التنظيمي، ومنها:
١- حجم التنظيم المراد إدارته، أي كلَّما زاد حجم التنظيم زاد تعقيد الهيكل.
٢- مكان تواجد التنظيم، ومدى انتشاره أو تركُّزه.
٣- الفترة الزمنية التي يعيشها التنظيم (عمر التنظيم).
٤- مدى استخدام التخصُّص.
٥- القدرات البشرية التي يمكن استخدامها في التنظيم.
٦- التكنولوجيا، ومدى استخدامها.
٧- البيئة، ومدى استقرارها أو عدم استقرارها.
وهنالك عوامل أُخرى يمكن أن تُؤثِّر على الهيكل التنظيمي.
من خلال ما تقدَّم يتَّضح بأنَّ الهيكل يتأثَّر بحجم التنظيم الذي يمكن أن يُدار من قِبَل القيادة الموعودة، فإذا كان الكون بأسره هو المراد إدارته، فكيف سيكون الهيكل؟
هنا لا بدَّ أن يتميَّز الهيكل بالآتي:
١- المرونة التامَّة في الهيكل، وإمكانية تغيُّره من وقتٍ لآخر بسبب التغيُّر الحاصل في البيئة من جهة والبشر المراد إدارتهم من جهة أُخرى.
٢- التعامل مع البيئة تعاملاً تكاملياً، وتطويع البيئة مع الهيكل إن أمكن وحسب الحاجة.
٣- العمل على استخدام الهياكل الشفّافة التي يمكن أن تتغيَّر بسرعة فائقة، وحسب توجُّهات القيادة الموعودة.
٤- العمل على تكوين هيكل عنكبوتي شمولي يشمل كافَّة مفاصل الكون، وإمكانية إجراء التغيُّرات عليه.
٥- إمكانية تقليل التعقيد في عمل الهيكل التنظيمي، لأجل أن يسهل تطبيقه.
٦- استخدام هياكل متعدِّدة، ولكلِّ منطقة إدارية هيكل خاصّ بها، ويمكن تغيُّره من وقتٍ لآخر، وهذا التغيُّر يشمل هذه الجزئية دون التغيُّر في الهيكل الكبير.
أمَّا الفقرة الثانية التي تُركِّز على انتشار الهيكل أو تركُّزه في منطقة معيَّنة، فهنا يوجد عدَّة نقاط أيضاً، ومنها:
١- هيكل منظومة القيادة الموعودة يتَّسم بالانتشار المكاني، وهذا يحتاج إلى هيكل يُحاكي الكون بأسره، وهذه عملية معقَّدة تحتاج إلى قدرة فائقة لدى رأس المال البشري لإدارة هكذا هياكل.
٢- تجزئة الكون إلى ولايات متفرِّقة، ووضع هيكل خاصٍّ لكلِّ ولاية بحسب الطبيعة البشرية والبيئة لهذه أو تلك المنطقة.
٣- استخدام استراتيجية التركيز، وتطبيق هيكل معيَّن على منطقة معيَّنة، ومن ثَمَّ تطبيقه على المناطق المشابهة.
أمَّا المدَّة الزمنية التي يعيشها التنظيم (الهيكل التنظيمي)، فكلَّما زادت الفترة الزمنية كلَّما تمكَّن التنظيم من معايشة العديد من الهياكل ومدى ملائمتها مع التنظيم، وهذا يؤدّي إلى أن:
١- تساهم الفترة الزمنية للتنظيم من ممارسه هياكل تنظيمية متعدِّدة.
٢- القدرة على تشخيص المناطق، ومدى احتياجها للهياكل التنظيمية الخاصَّة بها، والتي تساهم في إدارة التنظيم إدارة مثلى.
٣- تصنيف المناطق حسب هياكلها التنظيمية.
٤- معرفة التجارب الإدارية، وخصوصاً في مجال الهيكل الإداري، وإمكانية معرفة الهياكل المثلى التي يمكن تطبيقها هنا أو هناك(٦).
أمَّا الفقرتان الأخيرتان، وهما: مدى استخدام التخصُّص والقدرات البشرية التي يمكن استخدامها في التنظيم، فنقول هنا:
يُعَدُّ التخصُّص من القضايا الأساسية التي تساهم في انسيابية عمل الهيكل، ونجاح أداء الأعمال بالصورة الصحيحة عند تحديد الأعمال وتعيين الأفراد لهذه الأعمال. وهذا مرتبط بالقدرات البشرية التي تسعى القيادة الموعودة إلى جذبها واستقطابها في عمل هياكلها التنظيمية، ومدى مساهمتها في نجاح عملها.
وبطبيعة الحال فإنَّ القيادة الموعودة لا يوجد في صفوفها إلَّا الأفراد الذين لديهم ولاء عالي وإيمان مطلق بها، وهذا محفِّز على إنتاج هياكل تنظيمية تُحاكي الواقع، وتساهم في نجاح أعمالها والسرعة في انتشارها عالمياً.
أمَّا الفقرتان اللتان تُؤثِّران على الهيكل، وهما: التكنولوجيا، ومدى استخدام البيئة، ومدى استقرارها أو عدم استقرارها. حيث تُعَدُّ التكنولوجيا وسرعة تغيُّرها من وقتٍ لآخر وخصوصاً في العصر الرقمي الذي أصبح سمة الكون، فهنا سيكون الهيكل التنظيمي أكثر تغيُّراً وفقاً لمتغيِّر التكنولوجيا، إضافة إلى التغيُّر الحاصل في البيئة المعقَّدة والمضطربة. وهنا لا بدَّ من وضع هياكل تنظيمية تتَّسم بالمرونة وإمكانية إجراء عمليات علاجية أو وقائية وحسب الظروف البيئية أو المتغيِّرات التكنولوجية، وهذا يُحتِّم على الهيكل التكيُّف مع التغيُّر المستمرِّ، وأيضاً يُحتِّم على الكادر البشري التكيُّف بقدراته وإبداعه مع هذا التغيُّر.
اختيار الهيكل التنظيمي النموذجي المناسب للقيادة الموعودة:
يعتمد اختيار الهيكل الأمثل أو المناسب للقيادة الموعودة على عدَّة مؤشِّرات، ومنها:
١- تحليل ودراسة البيئة الخارجية دراسة مستفيضة، وخصوصاً الحدود البيئية التي يعمل فيها الهيكل التنظيمي الجزئي فيما لو قُسِّم الكون إلى مجموعة مناطق، أو حسب التقسيمات التي سنأتي عليها لاحقاً، وتحليل كافَّة العوامل الدخيلة لوضع الهيكل المناسب.
٢- تحليل مهمّات القيادة الموعودة، وتحديد الأنشطة المتعلِّقة بها، وهل أنَّ هذه الأنشطة هي التي تُحقِّق الهدف المنشود لها أو لا؟
٣- تحديد القيادات الرئيسة والفرعية والأدنى، وذلك لأجل معرفة من يتَّخذ القرارات الاستراتيجية. وهذا يساعد في تحديد الهيكل المناسب والأمثل لكلِّ قيادة، ولكلِّ قرار، وحسب المستوى. وكذا تحليل العلاقات المؤثِّرة على اتِّخاذ القرارات، سواء أكانت داخلية أم خارجية أُفقية أم طولية.
٤- تحليل القدرات البشرية التي تمتلكها القيادة الموعودة، وهل لديهم القدرة على تغيير هياكل وحداتهم الإدارية في حال إذا تعرَّضوا لأيِّ مؤثِّر خارجي؟
٥- تحليل نوعية القاعدة الجماهيرية، وما هي مواصفاتهم وإمكانية وضع هيكل ملائم لهم بما يمتلكونه من خصائص ومواصفات؟
كلُّ هذه المؤشِّرات وغيرها ستُؤثِّر على اختيار الهيكل الأمثل للمنطقة المراد إدارتها، وهذه المؤشِّرات كلِّها محدَّدة ومعروفة لدى القيادة الموعودة، بل أكثر من ذلك.
أنواع الهياكل التنظيمية في القيادة الموعودة:
قبل التطرُّق إلى أنواع الهياكل التنظيمية هنالك مراحل إعداد الهيكل التنظيمي، وهذه المراحل هي:
١- تحديد الأهداف الرئيسة والفرعية للقيادة الموعودة.
٢- تحديد الأعمال المشابهة بين الوحدات والأقاليم والولايات في القيادة الموعودة.
٣- تقسيم وتجميع الأعمال ضمن الوحدات الإدارية، وإعطاء التفويض لبعض القادة لإنجاز بعض الأعمال باستخدام المركزية أو اللامركزية في السلطة.
٤- التنسيق بين مختلف الولايات والأقاليم بخصوص المشورة، واطِّلاعهم على الإنجازات المتحقِّقة من خلال ربط الوحدات الإدارية بالقيادة من خلال خطوط السلطة وحسب نطاق الهل(٧).
في هذه الفقرة يمكن أن تكون أنواع الهياكل في القيادة الموعودة كما يلي:
١- التقسيم حسب المناطق أو الجغرافي: وهنا التقسيم يُركِّز على المناطق الجغرافية، ويمكن توضيح ذلك كما في الشكل الآتي:
شكل (١) التقسيم الجغرافي
٢- التقسيم حسب الدول أو القارّات: وهذا التقسيم يوزع القيادات الفرعية حسب الدول أو القارات الموجودة في العالم ويمكن أيضاً تقسيم الدول الكبيرة دويلات صغيرة أو أي تقسيم آخر ويمكن توضيح ذلك كما في الشكل الآتي:
٣- التقسيم حسب اللغات: في هذا التقسيم سيتم تقسيم العالم حسب اللغات وذلك لأجل تسهيل عملية التخاطب فيما بين الأفراد وإيجاد آليات للتواصل من خلال اللغة ومفاهيمها واستخدامها الصحيح من قبل القادة الفرعيين.
شكل (٢) التقسيم حسب اللغات
٤- التقسيم الوظيفي: حسب الوظائف التي أُسندت للقادة الفرعيين، وسيكون لكلِّ قائد وظيفة فرعية تُناط به من لدن القائد الموعود. وهذا سيُحقِّق المهارة والتفاني في العمل، إضافة إلى التخصُّص الدقيق، وتوزيع القادة حسب مهاراتهم بما يتلاءم مع الوظيفة التي أُنيطت به، ممَّا يُسهِّل عملية تقسيم العمل على القادة الفرعيين.
٥- التقسيم حسب الكثافة السكّانية: في هذه الفقرة سيتمُّ التركيز على المناطق عالية الكثافة السكّانية، مثلاً بعض الدول يكون عدد سكّانها قليل، وبعض الدول يكون عدد سكّانها كبير جدّاً مثل الصين والهند، فهنا يجب أن يُركَّز عمل القيادة وإعداد هياكل متعدِّدة للدول ذات الكثافة السكّانية العالية، وقد تُقسَّم هذه الدول إلى تقسيمات أصغر لأجل السيطرة عليها. وهكذا التقسيم حسب الثقافات أو الولايات والأقاليم، أو حسب الولاء والإيمان، أو حسب شرائح المجتمع، وغيرها.
٦- التقسيم العنكبوتي: وهذا التقسيم يجمع أكثر من نوع من التقسيمات السابقة، ويكون الاتِّصال فيه نوع من التعقيد، وبنفس الوقت له صفة الانتشار والتوسُّع طبقاً للهدف المراد تنفيذه، وهو يشبه بيت العنكبوت، والذي ترتبط أجزاؤه مشتركة، ويمكن أن تصل الأوامر والتعليمات من أيِّ طرف إلى باقي الأطراف الأُخرى. وكما يمكن أن يكون التقييم الهجين الذي لا يعتمد على نوع معيَّن ممَّا تقدَّم لأجل السهولة في القيادة.
شكل (٣) التقسيم العنكبوتي
المستويات القيادية في الهيكل التنظيمي:
لإنجاح أيِّ عملٍ قياديٍّ لا بدَّ أن تكون هنالك العديد من المستويات القيادية، وهذه المستويات تُسهِّل العمل الإداري، وتوزيع الأعمال القيادية على القادة الفرعيين الذين سيتمُّ نشرهم في العالم لبسط السيطرة، وتقسيم العمل القيادي فيما بين القيادات الفرعية.
بصورة عامَّة تنقسم القيادة على أربعة مستويات رئيسة أو أكثر حسب طبيعة الموقف، وهي:
١- القائد المعصوم الموعود (الإمام المهدي (عليه السلام)).
٢- القادة الأصحاب أو القادة الفرعيون، وهم قادة الإمام الذين ترتكز عليهم القيادة الموعودة، ويأتمرون بأمر القائد الموعود، وعددهم معروف، وذكرت النصوص أسماء بعضهم.
٣- القادة الأنصار، وهم القادة الأقلّ رتبةً من القادة الأصحاب.
٤- القادة المنتظرون أو المناصرون، وهم القادة الأقلّ رتبةً من القادة الأنصار، وهم قادة فرعيون، وهؤلاء يتبعون القادة الفرعيين في المستوى الثالث، ويتوزَّعون على العالم بأسره.
٥- القادة الموثوق بهم، وهم يتوزَّعون في كلِّ العالم في الكرة الأرضية.
وما بعد ذلك يأتي المستوى الأخير، وهم الجمهور المراد قيادته لتحقيق الهدف، والذي تمَّ توضيحه لاحقاً.
ويمكن تقسيم الأصحاب والأنصار الذين سيستخدمهم الإمام في قيادته الموعودة، وهم بطبيعة الحال سيكونون القادة الفرعيين والتابعين لدولته، ووفقاً للأحاديث المرويَّة على أساس بُعدين، وهما: (البُعد المادّي، والبُعد الغيبي)(٨):
١- الأصحاب (٣١٣)، ويُمثِّلون البُعد المادّي، لأنَّهم موجودون بيننا، وهم الدرجة الأُولى كما أشارت الروايات.
٢- الأنصار (١٠٠٠٠)، ويُمثِّلون أيضاً البُعد المادّي، لأنَّهم موجودون بيننا، وهم الدرجة الثانية كما أشارت الروايات.
٣- عامَّة المنتظرين، ويُمثِّلون أيضاً البُعد المادّي، لأنَّهم موجودون بيننا، وهم الدرجة الثالثة. وهؤلاء يُكوِّنون القاعدة الجماهيرية، وهم على أصناف.
٤- رجوع نبيِّ الله عيسى (عليه السلام) وظهور الخضر (عليه السلام) في الدولة المهدويَّة، وهذا يُمثِّل البُعد الغيبي.
٥- رجوع أصحاب الكهف وبعض أصحاب الرسول والأئمَّة (عليهم السلام)، وهم الآن في عالم البرزخ. حيث يرجع سبعة وعشرون رجلاً بين يدي الإمام أنصاراً وحُكّاماً(٩)، سمَّتهم الرواية كالآتي:
- (١٥) رجلاً من أصحاب موسى (عليه السلام).
- (٧) أصحاب الكهف.
- رجل واحد، وهو يوشع بن نون وصيِّ نبيِّ الله موسى (عليه السلام).
- (٤) أصحاب النبيِّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهم كلٌّ من: (سلمان، وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر)، وهؤلاء من الدرجة الأُولى.
٦- خواصُّ المؤمنين من محض الإيمان محضاً، وهؤلاء يُمثِّلون البُعد الغيبي، لأنَّهم الآن في عالم البرزخ.
٧- عامَّة المنتظرين الذين وُفِّقوا بالمواظبة على دعاء العهد ثمّ ماتوا، وهؤلاء أيضاً يُمثِّلون البُعد الغيبي.
٨- ظهور الملائكة الأربعة العظام كـ (جبرائيل، وميكائيل (عليهما السلام)، وغيرهم). وهؤلاء يُمثِّلون البُعد الغيبي، وهم من الدرجة الأُولى بالنسبة للملائكة.
٩- خواصُّ الملائكة من الكروبيّين والمنزلين والمسوَّمين وغيرهم، ويُمثِّلون البُعد الغيبي، وهم من عالم الملائكة.
١٠- نصرة الجنِّ، ويُمثِّلون البُعد الغيبي.
١١- الريح والسحاب، ويُمثِّلون البُعد الغيبي، وهم الدرجة الأُولى من نصرة الكون.
١٢- الأرض وسباع الأرض وسباع الطير والجدران، بل عامَّة الكون، ويُمثِّل البُعد الغيبي من نصرة الكون، وهم من الدرجة الثانية.
١٣- الرعب، وهو يُمثِّل البُعد الغيبي، ويُمثِّل الجانب النفسي والروحي لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام).
ويمكن توضيح ذلك كما في الشكل الآتي:
شكل (٤) البُعد المادّي والغيبي لنصرة الإمام (عليه السلام)
وسيكون اعتماد القائد الموعود بالدرجة الأساس على القادة الأصحاب أو الأساس، وهم عددهم (٣١٣) بعدد المسلمين في معركة بدر، وهؤلاء القادة الذين يعتمد عليهم القائد الموعود في إدارة القاعدة الجماهيرية يُمثِّلون المستوى الثاني بعد قيادة الإمام (عليه السلام). أمَّا المستوى الثالث فهم القادة الأنصار وعددهم يقارب عشرة آلاف، أمَّا القادة المناصرون والموثوق بهم سيكون عددهم كبيراً جدّاً حتَّى الوصول إلى قاعدة الهرم، والتي ستتكوَّن من الأتباع الذين آمنوا بقيادة الإمام المهدي (عليه السلام)، وهي قاعدة تتَّسع لكلِّ العالم، لأنَّ العملية القيادية ستكون على مستوى المعمورة، وهي العالم بأسره، لذا فالقائد الموعود يحتاج إلى هذا التقسيم لأجل توزيع الأدوار على القادة. وهذا ما أكَّده السيِّد الشهيد الصدر الثاني (قُدِّس سرُّه) في كتابه اليوم الموعود: (شكل دولة المهدي (عليه السلام) من الناحية الإدارية، وكيفية تقسيمه مناطق العالم وتوزيعه الحُكّام الأكفاء عليها، مع إعطاء الأيديولوجية العامَّة أو المبدأ الأساسي الذي تتَّصف به الدولة).
أهمّية القادة الفرعيين في الهيكل التنظيمي:
تعتمد القيادة الموعودة على تقسيم العمل القيادي على القادة الفرعيين، وذلك لأجل إدارة العالم، وهذا يحتاج إلى شبكة واسعة من القيادات الفرعية التي ستناط بهم مسؤولية القيادة في مناطقهم التي أُوكلت لهم. وستكون لهم أهمّية كبيرة للدور الذي سيخطُّه لهم قائدهم، وتوزيعهم على مستوى الكون باعتبار أنَّ القيادة تتَّسم بالعالمية. وهنا لا بدَّ من التركيز على الآتي:
١- وضوح رؤية ومهمَّة القيادة الموعودة وعملها بصورة جليَّة للذين يعملون فيها وبأُسلوب يُشعِرهم بالانصهار في المجموعة والعمل المشترك لتحقيق الأهداف والرؤية عن طريق قابليتهم في تقييم المشاعر؛ لأنَّ القيادة الموعودة سيكون لها قادة فرعيون، ويجب على هؤلاء القادة أن يقودوا مجاميعهم وفق رؤية القائد الموعود.
٢- للقيادة الموعودة دور ريادي ومبدع في غرس الإدراك بالآخرين حول أهمّية مهمَّتهم، وبنفس الوقت العمل على تعزيز الثقة بين المرؤوسين وقابليتهم لمعالجة المشاكل الطارئة ومواجهتها عن طريق إدارة المشاعر.
٣- تعزُّز القيادةُ الموعودة إثارةَ الحماس والتفاؤل بين المجاميع، وتحسين التعاون المشترك، وتطوير العلاقات الشخصية عالية الجودة بين المرؤوسين وبين القادة الأصحاب والقادة المناصرين.
٤- تُشجِّعُ القيادةُ الموعودة المرونةَ في اتِّخاذ القرار والتغيير في الخطط عن طريق الإدراك الدقيق للموقف البيئي وضمِّها في معادلة اتِّخاذ القرار والعمل على تذليل المقاومة للتغيُّر من قِبَل الجمهور.
٥- يحافظ ويُؤكِّد القائد الفرعي على الهويَّة الأساسية التي جاء من أجلها، وإثارة القيم التي تتوافق مع توجُّهاته.
من خلال ما تقدَّم لا بدَّ أن تكون هنالك صفات يملكها القائد الموعود، صفات شعورية تُميِّزه عن باقي القادة الفرعيين أو العاديين؛ لأنَّ القائد الموعود يحتاج إلى الشعور لفهم القادة الفرعيين وفهم القاعدة الجماهيرية التي ستكون المرتكز الثاني لعملية القيادة الموعودة.
مواصفات القادة الفرعيين ضمن الهيكل التنظيمي:
تحتاج أيُّ عملية قيادية وخصوصاً إذا كانت كونية لإدارة العالم بأسره إلى قادة أكفاء ولديهم الإيمان المطلق بالقائد الموعود. وإنَّ أهمّيتهم تنبع من دورهم الريادي ذي البعد الاستراتيجي المبنيِّ على المرتكزات الإسلاميَّة الحقيقية، والمشاركة والالتزام التامِّ بإمرة القائد المهدي (عليه السلام)، من أجل تحقيق العدالة في العالم وصولاً إلى إنشاء الدولة العالمية المنتظرة من مشارق الأرض إلى مغاربها. وتحتاج هذه العملية إلى إيجاد عدد كبير من القادة الفرعيين ليمارسوا أعمالهم القيادية في جميع الولايات أو الدول أو الأقاليم في العالم بأسره لتحقيق الهدف السامي الذي أُعِدَّ له هؤلاء القادة ليكونوا جزءاً من منظومة القيادة الموعودة.
ويتمتَّع القادة الفرعيون بالإيمان المطلق، والقوَّة المعنوية العالية، وأنَّ الله تعالى رمى في قلوبهم حبَّ قائدهم المنتظر وهدفهم النبيل حيث قال الإمام السجّاد (عليه السلام): «إذا قام قائمنا أذهب الله عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزبر الحديد، وجعل قوَّة الرجل منهم قوَّة أربعين رجلاً، ويكونون حُكّام الأرض وسنامها»(١٠).
ومن خلال هذا الحديث الشريف اتَّسم هؤلاء القادة بكونهم حُكّام الدولة المهدويَّة، وسيتمُّ توزيعهم على كافَّة أرجاء الكرة الأرضية من أجل نشر دولة العدل الإلهي. وسيكون كلُّ قائد بمثابة حاكم وله من الأتباع والقيادات الفرعية التابعة له وفقاً لنطاق الإشراف. ومن أجل إحكام السيطرة على مناطقهم التي سيقودونها، وستكون تحت إمرتهم قاعدة جماهيرية واسعة وعملية الاختيار ستخضع لمعايير الإخلاص والعلم والمعرفة التي يمتلكونها. وهنالك العديد من المواصفات التي يتمتَّع بها هؤلاء، وهي كما يأتي:
١- الولاء:
يُعَدُّ الولاء أحد المحرِّكات الأساسية للارتباط الروحي بالقضيَّة المهدويَّة، والإيمان التامِّ بمكوِّناتها الأساسية (القائد، الجمهور، الهدف). ويُعرَّف الولاء بأنَّه عملية الارتباط الروحي المطلق والتماثل فيما بين القائد والمرؤوس، والمبنيُّ على أساس الثقة المتبادلة والمعرفة التامَّة بالهدف الذي تصبو إليه القيادة الموعودة.
وهذا سيُنشئُ ولاءً عالياً أو ما يُسمّى بالولاء المطلق للقيادة الموعودة، وهنا سيكون للقائد الاحتفاظ بالقاعدة من الخُلَّص في قيادة الدولة المهدويَّة من خلال الآتي:
أ- الفهم المتبادل، والثقة العالية بين الجمهور وقائده.
ب- تحصيل الهدف الأسمى للقائد والجمهور، وهي مرضاة الله تعالى.
ج- التحسين المستمرُّ بين القائد والجمهور للوصول إلى مراحل متقدِّمة من الولاء المطلق، وانعكاس ذلك على باقي القاعدة الجماهيرية.
د- يُعَدُّ الجمهور الموعود مصدراً مهمّاً لانطلاق القيادة الموعودة، ويجب الاهتمام بهذا الجمهور، وتقديم الدعم المعنوي له باستمرار.
وعلى القادة الفرعيين أنْ يكون لديهم ولاء تامٌّ للقضيَّة المهدويَّة.
ويمكن تقسيم الولاء على الآتي:
١- الولاء لله تعالى لتحقيق العدالة الإلهيَّة، وسيادة اليوم الموعود لسعادة البشر.
٢- الولاء للرسول الأكرم وآل بيته الأطهار (عليهم السلام).
٣- الولاء للإمام القائد الموعود المفترض الطاعة.
٤- الولاء للهدف السامي، وهو نشر العدالة الإلهيَّة.
من خلال ما تقدَّم يتَّضح بأنَّ للولاء دوراً أساسياً في إنجاح القيادة الموعودة، وهذا الولاء سيرتبط بدرجة إيمان المكلَّف في ذلك اليوم، وستكون العلاقة طردية بين الإيمان والولاء، أي كلَّما زاد الإيمان زاد الولاء، والعكس صحيح.
٢- الطاعة:
إنَّ نجاح أيِّ عمل عند التنفيذ لا بدَّ فيه من أن يكون المنجَز مطابقاً لما هو مخطَّط له، وهذا النجاح في الإنجاز يرتبط بطاعة الأتباع، وتنفيذ وتطبيق الأعمال وفقاً لما هو مخطَّط لها من قِبَل القادة الفرعيين، وكلٌّ حسب المنطقة التي خُوِّل بقيادتها وإدارتها.
فكيف إذا كان العمل المنجَز هو قيادة العالم بأسره؟ فهذه العملية تحتاج إلى طاعة المرؤوس لرئيسه أو قائده طاعة تامَّة، وبالتالي القائد الموعود يحتاج إلى الجمهور، والقائد الفرعي المطيع الذي يتَّسم بدرجات عالية من الطاعة في تنفيذ الأوامر. وهذه طاعة للحقِّ، وهو أمر إلهي في النهاية، وينصبُّ في طاعة الله سبحانه وتعالى، بل تُعَدُّ عبادة له تعالى، وكما قال الإمام عليٌّ (عليه السلام): «أشرف الأعمال الطاعة»(١١).
٣- الصبر:
من السمات الأساسية للقائد هو التحمُّل في أوقات الشدَّة، والصبر عند نزول البلاء أو الصبر من أجل الوصول إلى الهدف النهائي الذي ينبغي الوصول إليه. وهذه الصفة موجودة عند أصحاب الإمام، وهو الصبر على أذى البشرية، والصبر على إقناع العالم. وهنالك العديد من القادة والأنبياء الذين صبروا وحقَّقوا النجاح، مثل صبر النبيِّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على قريش وأذيَّتهم له، وصبر نبيِّ الله أيّوب (عليه السلام)، وصبر نبيِّ الله يعقوب (عليه السلام). كلُّ هذه صور للصبر، ونتيجته سيتحقَّق الهدف المرجو منه. هذا من جانب، أمَّا الجانب الآخر سوف تحدث بعض الأحداث العالمية عند قيام الدولة العادلة لا يمكن تحمُّلها إلَّا ممَّن مُحِّصوا واعتادوا على الصبر وجعلوه آليَّة عمل يومي. وهنا تُعَدُّ القدرة على التحمُّل أحد صور الصبر، لذا سيكون قادة العالم في دولة الإمام الموعود قادرين على التحمُّل، ولديهم الثبات والصبر. قال تعالى في كتابة الحكيم في سورة الكهف: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً﴾ (الكهف: ٦٩).
٤- قوَّة الإيمان:
إنَّ الإيمان الذي يمتلكه أصحاب المهدي (عليه السلام) قلَّ نظيره، وإنَّ عملية الاختيار الدقيق بُنيت على أساس الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والإيمان بقيادة الإمام الموعود، لذا عُدَّ الإيمان أحد القوى الأساسية لنجاح القائد عندما يؤمن بفكرة معيَّنة.
هذه الصفة تُعَدُّ الأساس الذي تُبنى عليه القيادة الفرعية النابعة من القيادة العليا للقائد الموعود، وأيضاً تُميِّز أصحاب الإمام، كما قال الإمام عليٌّ (عليه السلام) بأنَّهم «رجال مؤمنون عرفوا الله حقَّ معرفته»(١٢).
فإذا عرف المرء الله فإنَّما هو من قوَّة الإيمان.
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «واللهِ لَتُمحَّصُنَّ، واللهِ لَتَطيرُنَّ يَميناً وشمالاً حتَّى لا يبقى منكم إلَّا كلَّ امرئٍ أخَذَ اللهُ ميثاقَه، وكَتَب الإيمانَ في قلبه، وأيَّده برُوح منه»(١٣).
وهذا كاشف عن قوَّة الإيمان التي يمتلكها القادة الفرعيون التابعون لقيادة الإمام الموعود، إذن فإنَّ أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) بقوَّة الإيمان المتكامل، ولا طريق للشكِّ إلى قلوبهم، فلأنَّ الإنسان كلَّما ازداد إيماناً بالله تعالى ازداد قوَّةً وشجاعةً، ولهذا تراهم عندما يدخلون ساحة الجهاد لا يقف في طريقهم أحد، لا يمنعهم مانع عن تنفيذ الأوامر الموجَّهة إليهم، ويقضون على كلِّ قوَّة تحول بينهم وبين أهدافهم المقدَّسة.
٥- الرضا:
بطبيعة الحال الرضا يُقسَّم على ثلاثة مستويات: المستوى الأوَّل هو الرضا التامُّ، والمستوى الثاني هو الرضا المتوسِّط، والمستوى الثالث هو عدم الرضا التامِّ.
والرضا سيُولِّد انطباعاً إيجابياً تامّاً لدى القادة وانصهارهم مع القائد، وسيكون الرضا التامُّ هو المحرِّك نحو الأعمال الصحيحة، وعمل الشيء الصحيح له ارتباط بالجوانب الأخلاقية للقائد الفرعي، وهذا سيكون محفِّزاً نحو الإبداع في مجال القيادة. وهنا سيكون جميع أتباع القائد من القادة الفرعيين لديهم الرضا التامُّ عن قيادة الإمام، وعن الأدوار التي ستُناط بهم لقيادة المناطق الجغرافية التي أُنيطت بهم لتحقيق الهدف النهائي لدولة العدل الإلهي.
أمَّا من الناحية الأُخرى، فإنَّ القادة من أصحاب الإمام تحتاج الخلائق والأرض رضاهم. روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «كأنّي بأصحاب القائم (عليه السلام) وقد أحاطوا بما في الخافقَين، فليس من شيءٍ إلَّا وهو مُطيع لهم، حتَّى سِباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم في كلِّ شيءٍ، حتَّى تفخر الأرضُ على الأرض وتقول: مَرَّ بي اليوم رجلٌ من أصحاب القائم (عليه السلام)»(١٤).
وما أطيبهم من أصحاب وأحبّهم إلى الله تعالى، وسيكون النبات والجماد والحيوان منقاداً ومطيعاً لهم ولقضيَّتهم.
٦- القيمة:
أيُّ عمل جيِّد سيُضيف قيمة للقائم بالعمل، وهذا سيُولِّد عنده إحساساً بأنَّه ذو قيمة، وأنَّه حصل على مبتغاه، فكيف إذا كانت العملية هي تخطيط إلهي لإدارة الكون؟ فسيصبح العمل بحدِّ ذاته ذا قيمة كونية وشخصية ودينية، ممَّا سيقود في النهاية إلى الإبداع في العمل.
٧- الإخلاص:
تُعَدُّ موضوعة الإخلاص من المواضيع المهمَّة في أيِّ عملية قيادية، وخصوصاً في القيادة الشرعية أو الدينية، فلا بدَّ أن يكون الأتباع وبمختلف المستويات خُلَّصاً إلى الله تعالى. والإخلاص هنا مبنيٌّ على أساس كبر حجم القضيَّة الإلهيَّة التي سيقع تطبيقها على عاتق المخلصين للقيادة الموعودة. وهنا لا بدَّ من توافر أعلى درجات الإخلاص.
٨- الشجاعة:
تُعَدُّ الشجاعة أحد الصفات الأساسية التي يتَّصف بها قادة الإمام الذين سيكونون أحد أهمّ الأركان الأساسية للقيادة الموعودة. وهنا الشجاعة قد تكون شجاعة قلبية أو عقلية أو جسمانية أو نفسية أو إيمانية، أيُّ نوع من أنواع الشجاعة الموجودة في العالم بصورة ستكون متوفِّرة في القادة.
قال الصادق (عليه السلام): «رجال كأنَّ قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شكٌّ في ذات الله، أشدّ من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها...»(١٥).
وهذه الشجاعة الشاملة لجيش الإمام (عليه السلام).
٩- المعرفة:
قلوبهم مضيئة بنور المعرفة، وهم بعيدون عن الجهل، لأنَّهم يفهمون الواقع، وعندهم الوعي الكامل، ولديهم معرفة الأشياء المادّية وغير المادّية، ومعرفة العلوم الغيبية والإدارية والقيادية والاقتصادية والسياسية وغيرها. ويتميَّزون بالمعرفة التامَّة، لأنَّ عملية اختيارهم عملية دقيقة ومبنيَّة على أُسُس دينية وأخلاقية.
كيفية توزيع الأعمال على القادة الفرعيين وفق الهيكل التنظيمي الافتراضي:
في هذه الفقرة سيتمُّ التطرُّق إلى كيفية توزيع القادة الفرعيين للقيادة الموعودة، وهنا العملية ليست عشوائية، والعدد معروف حيث إنَّ هؤلاء قادة وحُكّام وإداريون سيتمُّ توزيعهم على الكرة الأرضية، ويُصنَّفون إلى عدَّة مستويات الغاية منها هي توزيع المسؤوليات والصلاحيات وعدم التقاطع في اتِّخاذ القرار الإداري أو القيادي. وهنا سيكون واضحاً الهيكل القيادي للقيادة الموعودة، وهذا الهيكل المرن سيُساهم في الآتي:
١- تحديد الأعمال الواجب القيام بها من قِبَل القادة الفرعيين أو المستويات القيادية الدنيا، وذلك من أجل تخصيص الموارد البشرية والمعلوماتية والمادّية اللازمة، واستغلالها استغلالاً أمثل، والتي يحتاج إليها الهيكل القيادي.
٢- وضوح توزيع الأدوار والمسؤوليات للقادة الفرعيين، وتحديد الأعمال المناطة بكلِّ قائد.
٣- تسهيل عمليات الاتِّصال البيني بين القادة الفرعيين وبين القائد الموعود.
٤- السرعة في اتِّخاذ القرار، وخصوصاً في وقت تطبيق القيادة الموعودة ستكون المتغيِّرات البيئية متسارعة، وتحتاج إلى اتِّخاذ قرارات سريعة ودقيقة وسليمة وغير ذلك ممَّا تمتَّ الإشارة إليه فيما تقدَّم.
العديد من الروايات حدَّدت الأصحاب بأنَّ عددهم محدَّد من طرف الله تعالى، وهو (٣١٣). أمَّا الأنصار فإنَّ عددهم غير محدَّد.
روي عن الصادق (عليه السلام): «ويجيء- والله- ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة يجتمعون بمكَّة»(١٦).
إذن الانطلاقة الأُولى للقيادة الموعودة ستكون من بيت الله تعالى في مكَّة المكرَّمة قبلة المسلمين.
والإمام الصادق (عليه السلام) يصف الأصحاب بقوله: «هم أصحاب الألوية»، إشارة إلى توفُّر المؤهِّلات فيهم لقيادة الجيوش والعسكر، وعبَّر (عليه السلام) عنهم كذلك: «وهم حُكّام الله في أرضه». إنَّ الاختلاف في الوظائف بين الأصحاب والأنصار، والأنصار فيما بينهم في المهامِّ التي تُوكَل إليهم، إنَّما هي نتيجة لاختلاف درجاتهم في الإخلاص.
فإنَّ هؤلاء الممحَّصين الكاملين سوف يكونون في جيش المهدي (عليه السلام) هم أصحاب الرايات- يعني القادة ورؤساء الفِرَق-، على حين يكون الممحَّصون من الدرجة الثانية عامَّة جيش الإمام الفاتح للعالم بالعدل.
وممَّا ينبغي الإشارة له أمران:
١- سرعة التحاق الأصحاب بالمهدي (عليه السلام) في مكَّة، فالثلاثمائة والثلاثة عشر رجلاً يكونون حاضرين في المسجد الحرام في مكَّة عند خطاب المهدي (عليه السلام).
٢- سرعة إيمان الأصحاب بالمهدي (عليه السلام) ومبايعتهم له، إذ من المعلوم أنَّ الفرد كلَّما كان أعمق إيماناً وأوسع ثقافة يستطيع أن يفهم قول الحقِّ ويُشخِّص القائد الحقَّ بشكل أعمق وأسرع، ومن هنا سيكون هؤلاء- بخلاف الأنصار- هم الروّاد الأوائل إلى مبايعة المهدي (عليه السلام) بعد جبرائيل، ولربَّما كان بعضهم يعرفون الإمام (عليه السلام) في عصر الغيبة، فلا يحتاجون معه إلى أيَّة حجَّة أو معجزة.
والواقع فإنَّ العدد الكافي لغزو العالم بالعدل ليس هو وجود ثلاثمائة وثلاثة عشر جندياً كما قد يبدو، وإنَّما العدد المذكور يكون كافياً للقادة بكونهم قادة وحُكّاماً، ويُضاف إلى هؤلاء عدد ضخم من الجيش لا يقلُّ عن عشرة آلاف شخص في نواته الأُولى.
ومن المعلوم أنَّ جيش الإمام المهدي (عليه السلام) لا يكون منحصراً بالثلاثمائة والثلاثة عشر، فإنَّهم وحدهم لا يُشكِّلون قوَّةً، ولا يكونون كافين في تحقيق الهدف الكبير، وإنَّما هم يقومون بالقيادة العليا والإشراف بالنسبة إلى غيرهم من الناس.
وإنَّ العشرة آلاف جندي كافية في أوَّل حركة الإمام (عليه السلام)، وكلَّما اتَّسعت حركته فإنَّ جيشه سوف يتَّسع، وتتَّضح أهدافه، وتكثر أسلحته، ويحتاج إلى قادة فرعيين جُدُد.
توزيع القادة الفرعيين على العالم وفق الهيكل التنظيمي الافتراضي:
تُعَدُّ عملية توزيع القادة على العالم من الأُمور المهمَّة التي يجب أن تُراعيها القيادة الموعودة، وهذه العملية ستُساعد في الإشراف والرقابة على كلِّ قيادة فرعية من قِبَل القائد الموعود، إضافةً إلى إشراف القادة الفرعيين على القادة الأدنى. وممكن أن تُساعد عملية التوزيع في الآتي:
١- كفاءة أداء القيادات الفرعية في إنجاز أعمالها المناطة إليها.
٢- تسهيل عملية الرقابة، ومدى تحقيق الهدف المنشود، وتحديد الانحراف إنْ وُجِدَ.
٣- وضوح المسؤولية والسلطة والأدوار لكلِّ قائد فرعي؛ لأنَّه سيكون هنالك اختلاف في الرؤية والثقافة بين البلدان، ولا بدَّ أن تكون المسؤولية واضحة.
٤- إعطاء الاهتمام الكافي لكلِّ منطقة جغرافية، وحلُّ مشاكلها الناشئة نتيجة التطبيق للقيادة الموعودة.
٥- التكامل والتفاعل بين المجتمع الكوني عن طريق القيادات الفرعية باستخدام وسائل الاتِّصالات المتطوِّرة.
٦- سهولة التنسيق بين القادة الفرعيين والقادة الأدنى نتيجة التوزيع الأمثل للقادة على المناطق الجغرافية.
ممكن أن يكون التوزيع على أربعة مناطق رئيسة، وهي: المنطقة الشمالية والجنوبية والغربية والشرقية كما تقدَّم.
نطاق الإشراف للقادة الفرعيين وفق الهيكل التنظيمي:
حاز موضوع نطاق الإشراف على اهتمام الباحثين في المجال الإداري والقيادي لما له من دور في إنجاز الأعمال المناطة بالمرؤوسين بكفاءة عالية. ويُعرَّف نطاق الإشراف بأنَّه (عدد المرؤوسين الذين يستطيع القائد إداراتهم والإشراف عليهم والمتوقَّع منهم أداء متميِّز).
ولا يوجد اتِّفاق موحَّد بين علماء الإدارة على تحديد عدد نطاق الإشراف، لأنَّ الانصياع للأوامر من قِبَل الأفراد والانتباه لهم من القائد يحتاج إلى فطنة إدارية واهتمام من لدن الطرفين. وحُدِّد العدد المثالي ما بين (٨- ١٢)، ولكن يمكن زيادة هذا العدد إلى أكثر من ذلك بسبب السيطرة الرقمية التي ستُوفِّرها التكنولوجيا ودورها في إدارة الجمهور. ولكن الفرق هنا في القيادة الموعودة ستعتمد على ممارسة الآتي:
١- القادة يتَّسمون بالقدرة الفائقة على حسن الإدارة والإبداع والابتكار في مجال القيادة الكونية.
٢- الجمهور سيكون طوعياً بإيمان مطلق، والرقابة ستكون رقابة ذاتية في العمل، ومهما كان نطاق الإشراف منفرجاً أو مسطَّحاً فيمكن السيطرة عليه بسبب الالتزام والطاعة.
٣- سيكون نطاق الإشراف أكبر بكون العملية الإدارية كونية، وكلَّما زاد حجم القاعدة الجماهيرية التي يُراد قيادتها كلَّما زاد عدد القيادات لها.
٤- وفي حالة القيادة الموعودة سيكون لكلِّ قاعدة استثناء، وهذا يعود إلى حسن اختيار القادة الفرعيين، وهم يفهمون العمل الذي يقومون به.
٥- سيكون للتقانة دور أساسي وبارز في الرقابة والتوجيه، وهذه التقانة تُسهِّل عمليات الاتِّصال، وهذا بطبيعة الحال من الممكن زيادة عدد المرؤوسين الذين يشرف عليهم القادة.
شكل (٥) المستويات الإدارية في القيادة الموعودة
لذا سيظهر العديد من المستويات الإدارية في القيادة الموعودة لو كان عدد المرؤوسين هو (٣١٣). وهذا الرقم تمَّ الاعتماد عليه بكون القادة الأصحاب الذين يقودهم الإمام (عليه السلام) في بداية حكم الدولة المهدويَّة محدَّدين بهذا العدد الذي تمَّ ذكره مسبقاً. وهنا سيكون نطاق الإشراف للقائد الموعود هو هذا العدد، وهؤلاء بدورهم سيشرفون على عدد أكبر، وهكذا. وكلُّ هذه العملية مراقبة من لدن القائد الموعود.
ويمكن توضيح في الاحتمالات الآتية:
الاحتمال الأوَّل: في حالة الاعتماد على القادة الفرعين الأصحاب وعددهم هو (٣١٣)، ويمكن ملاحظة ذلك كما في الشكل الآتي:
شكل (٦) عدد القادة الفرعيين
من خلال الشكل في أعلاه وهو حالة (احتمالية افتراضية) لأجل التوضيح سيكون عدد المستويات الإدارية هي أربعة مستويات، وهي:
١- المستوى الأوَّل، وهو القائد الموعود.
٢- المستوى الثاني، هم القادة الفرعيون، وعددهم (٣١٣)، وبافتراض أنَّ كلَّ قائد فرعي سيرأس أيضاً (٣١٣) سيكون العدد الكلّي الذين سيشرف عليهم هؤلاء القادة هم (٩٧٩٦٩)، وهم عدد القادة الذين أقلّ رتبة من (٣١٣)، وهو يقارب (١٠.٠٠٠) الذين أشارت لهم الروايات.
٣- ظهر لدينا العدد (٩٧٩٦٩) وهم القادة الخُلَّص الذين سيقود كلُّ واحد من هؤلاء (٣١٣)، سيكون الناتج النهائي للقادة هو (٣٠٦٦٤٢٩٧).
٤- إنَّ إدارة العالم بأسره تحتاج إلى (٣٠٦٦٤٢٩٧)، وهؤلاء كلُّ واحد منهم سيقود (٢٣٥) شخصاً، وفي النهاية سيكون العالم بأسره والبالغ عدده تقريباً هو (٧.٢٠٠.٠٠٠.٠٠٠) سبعة مليارات ومائتي مليون نسمة تحت قيادة القائد الموعود.
الاحتمال الثاني: في حالة الاعتماد على عدد القادة الخُلَّص، والذين عددهم (١٠.٠٠٠) شخص، فبهذه الحالة سيكون كلُّ قائد فرعي من الأصحاب والذين عددهم (٣١٣) سيقود ما يقارب (٣٢) قائداً فرعياً من القادة الخُلَّص والذين عددهم عشرة آلاف، وهؤلاء القادة الخُلَّص سيقود كلُّ واحد منهم (٢٠٠) قائد فرعي أقلّ رتبة من القادة الخُلَّص. سيكون هنا القادة الفرعيون والبالغ عددهم (٢.٠٠٠.٠٠٠) سيقود كلُّ واحدٍ منهم (١٠٠) قائد. وهنا سيكون العدد الكلّي للقادة هو (٢٠٠.٠٠٠.٠٠٠)، وكلُّ واحد سيقود (٣٦) من القاعدة الجماهيرية، وبهذا يكون عدد العالم (٧٢٠.٠٠٠.٠٠٠.٠٠٠).
شكل (٧) عدد القادة الفرعيين الاحتمال الثاني
ومن الممكن أن تكون هنالك مئات الاحتمالات باعتبار أنَّه كلَّما قلَّ نطاق الإشراف كلَّما زادت مستويات القيادة، وأيضاً معها سيزداد القادة الفرعيون الذين تُوكَل إليهم مهامُّ قيادة الأفراد، والعكس صحيح كلَّما زاد نطاق الإشراف كلَّما قلَّت المستويات القيادية، ويقلُّ معها القادة الفرعيون. وهنا من الممكن أن تُستَخدم نظرية الاحتمالات للوصول إلى العديد من القرارات التي تخصُّ نطاق الإشراف.
الاستنتاجات والتوصيات:
أوَّلاً: الاستنتاجات:
١- من خلال التحليل النظري والنظرة الاستشرافية للهياكل الافتراضية التي من الممكن تطبيقها في اليوم الموعود نستنتج الآتي:
- من الممكن أن يُحدَّد أكثر من هيكل افتراضي لإدارة العالم، وهذا مرتبط بنوعية الناس، والثقافة السائدة في هذه المناطق.
- لا بدَّ من التركيز على المرونة التامَّة عند تحديد الهياكل التنظيمية.
- تحديد المناطق المتشابهة والأقاليم لوضع هياكل افتراضية خاصَّة بكلِّ منطقة أو إقليم.
- تقسيم العمل على القادة الفرعيين وفقاً لمستويات الإبداع الإداري الذي يمتلكه كلُّ قائد فرعي.
- دراسة البيئة الخارجية والداخلية لتحديد مهامِّ القيادة الفرعية وإيجاد الهياكل الملائمة لها.
- معرفة القاعدة الجماهيرية التي ستُطبَّق عليها هذه الهياكل لخلق حالة من التوازن بين الجمهور والقادة الفرعيين.
٢- تحديد المستويات الإدارية ومعرفة مواصفات القادة الفرعيين لكلِّ مستوى.
٣- توزيع الأعمال وتحديد الأدوار والمسؤوليات للقادة الفرعيين.
٤- تحديد نطاق الإشراف الأمثل لخلق حالة من الإبداع والتميُّز في إدارة الجمهور.
ثانياً: التوصيات:
١- ضرورة التوسُّع في الدراسات النظرية والتي تتعلَّق بالكيفية التي تسهم في إنجاح مهمَّة الهياكل التنظيمية في إدارة التنظيم الكوني.
٢- لا بدَّ من التركيز على تحديد نطاق الإشراف في القيادة الكونية، وما هو العدد الأمثل للإشراف.
٣- ضرورة معرفة مواصفات وخصائص القادة الفرعيين المؤهَّلين لقيادة الجمهور الكوني.
٤- ضرورة تقسيم العالم إلى عدد من الأقاليم، ولكلِّ إقليم هيكل إداري خاصٌّ به من أجل سهولة السيطرة على الجمهور.
٥- لا بدَّ من تقسيم العمل على القادة الفرعيين لتقليل حالات الصراع التنظيمي التي من الممكن أن تحدث عندما تكون هنالك عشوائية في توزيع المهامِّ.
٦- ضرورة تحليل البيئة الداخلية والخارجية، وتصميم الهياكل التنظيمية وفقاً لمتطلِّبات البيئة (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وغيرها).
٧- التركيز على التقانة التكنولوجية في الرقابة والتوجيه، وهذه التقانة تُسهِّل عمليات الاتِّصال في الهياكل التنظيمية، وهذا بطبيعة الحال من الممكن أن يزيد من عدد المرؤوسين الذين يشرف عليهم القادة.
٨- المرونة في اتِّخاذ القرار، والتغيير في الخطط بسبب التغيُّر في البيئة، والعمل على تذليل المقاومة للتغيُّر من قِبَل الجمهور عند وضع هياكل تنظيمية جديدة.
٩- بثُّ ثقافة الالتزام والطاعة والعمل الفِرَقي عند إنجاز الأعمال الخاصَّة بالقادة الفرعيين.
المصادر:
القرآن الكريم.
المصادر الدينية:
١- الفصول المهمَّة: ابن الصباغ.
٢- أثبات الهداة: الحرُّ العاملي.
٣- الاحتجاج: الطبرسي.
٤- الآمدي.
٥- بحث حول المهدي: آية الله محمّد باقر الصدر.
٦- الموسوعة المهدوية: آية الله محمّد محمّد صادق الصدر/ ط ١/ دار المجتبى/ ٢٠٠٥م.
٧- بحار الأنوار: العلَّامة المجلسي.
٨- إلزام الناصب: الشيخ عليٌّ اليزدي الحائري.
٩- القيادة الموعودة (الأنماط والممارسات في عصر الظهور): يوسف حجيم الطائي/ دار المرتضى/ ٢٠١٥م/ بيروت.
١٠- الغيبة: النعماني.
١١- كمال الدين: الشيخ الصدوق.
١٢- البيان في أخبار صاحب الزمان: الحافظ أبي عبد الله محمّد الشافعي/ منشورات مؤسَّسة الهادي للمطبوعات/ قم المقدَّسة/ ١٩٧٩م.
المصادر الأكاديمية:
١- تأثير الهيكل التنظيمي واللّاتأكُّد البيئي في فاعلية بعض كلّيات جامعة بغداد والكلّيات الأهلية دراسة ميدانية: خمائل طالب طه مهدي الرسول/ رسالة مقدَّمة إلى مجلس كلّية الإدارة والاقتصاد- جامعة بغداد/ وهي جزء من متطلِّبات نيل شهادة الماجستير في علوم الإدارة العامَّة.
٢- سيكولوجية التفكير والوعي بالذات: سعاد جبر سعيد/ ط ١/ عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع/ ٢٠٠٨م.
٣- مبادئ الإدارة: يوسف حجيم الطائي وآخرون/ الطبعة الأُولى/ ٢٠٠٦م.
٤- الذكاء الشعوري في المنظَّمات (مدخل متكامل): يوسف حجيم الطائي، وعامر العطوي/ دار الورّاق للنشر والتوزيع/ ٢٠٠٩م.
٥- نظرية المنظَّمة (مفاهيم، مداخل، عمليات): سعد عليّ حمود العنزي/ مكتبة السيسبان/ بغداد.
٦- إبداعات الأعمال (قراءات في التميُّز الإداري والتفوّق التنظيمي): سعد عليّ حمود العنزي/ دار الورّاق للنشر والتوزيع/ الطبعة الأُولى/ ٢٠١٤م.
المصادر الأجنبية:
Davis،Keith،PH.d.،Newstrom،John W. “Organizational Behavior Human Behavior At Work،Tenth Edition، McGraw .Hill Co.، ١٩٩٧،U.S.A.
Fielder.f، (Theory of leadership effectiveness) new york، mcgraw hill book co ١٩٧٨
Jones، Gareth “ Organizational Theory Text And Cases” Published By Addison- Wesley،Inc،١٩٩٥، U.S.A..
الإنترنت:
www.rafd.net.maomal
الهوامش:
(١) (Davis; Newstrom): ٧، ط (١٩٩٧م).
(٢) سعيد وآخرون: ٨٧، ط (٢٠٠٣م).
(٣) العنزي: ٢٥٠- ٢٥٤، ط (٢٠١٥م).
(٤) Jones: ٨، ط (٢٠٠١م).
(٥) الرسول: ٢٥، ط (٢٠٠٥م).
(٦) الطائي: ٢٥٨، ط (٢٠١٥م).
(٧) الطائي: ٢٦٠، ط (٢٠١٥م).
(٨) أحد خدمة أهل البيت: ٧- ٩، ط (٢٠١٢م).
(٩) حسب ما جاء في الإرشاد للمفيد ٢: ٣٨٦.
(١٠) بحار الأنوار ٥٢: ٣١٦/ ح ١٢.
(١١) الآمدي ٢: ٣٨٣، ط (١٩٩٢م).
(١٢) الشافعي: ١٠١، ط (١٩٧٩م).
(١٣) الغيبة للنعماني: ٢٦/ مقدّمة المؤلِّف.
(١٤) كمال الدين ٢: ٦١٠؛ بحار الأنوار ٥٢: ٣٩١؛ إثبات الهداة ٣: ٥٨٤.
(١٥) مستدرك سفينة البحار ٦: ١٩٠.
(١٦) إلزام الناصب ١: ١١٦؛ بحار الأنوار ٥٢: ٢٢٣.