الفهرس
لتصفح الصحيفة بـ Flsh
لتحميل الصحيفة كـ Pdf
المسار
صدى المهدي » العدد: ٤ / رمضان / ١٤٣٠ هـ
مواضيع العدد
العدد: 4 / رمضان / 1430 هـ

انتصار الإسلام على الأديان

انتصار الإسلام على الأديان

في محاضرة: الشيخ الدكتور أحمد الوائلي (رحمه الله)

ابتدأ سماحته الكلام بقراءة قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). بمقدمة محاضرته التي تضمنت المحاور الآتية:

1- الأقتداء:

ويكون بمن يجسد في سلوكه الأسلام الحقيقي, وبالذي يأخذ في حكمه منهج الهدى الذي ليس فيه التواء بل فيه الوضوح كل الوضوح.

2- فهمنا للإسلام:

ويجب أنْ يتجاوز هذا الفهم القشري ويتعداه الى المضمون الحق.. فينبغي أن يكون فهمنا لديننا عميقاً ولا يقتصر على الشّهادة والعبادة ومجرد الصيام والقيام.

3- مسألة اختفاء الإمام المهدي:

أي أنْ اختفاءَه عن انظارنا..لا يعني أنّه غير موجود..بل هو موجود ولكنه غير معروف لدى الناس...وان الله عز وجل _وبظهور هذا الإمام_ سيظهر الإسلام على الدين كله .

واليك عزيزي القارئ نصّ المحاضرة:-

تقول الآية:

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى...).

جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا المجتمع هو يحمل رسالة ذات وجهين:

الوجه النظري: وهو القرآن.

والوجه التطبيقي: وهو الممارسات العمليّة.

فقد كان نمط حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجمع بين زمام الدين والدنيا, فالدستور الذي جاء به هو القرآن وتطبيقاته هي الممارسات العملية.

أراد القرآن أن يوضّح هذه النقطة فقال لهم (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) يعني جاء النبي وهو يحمل رسالة ليس فيها خداع أو جبر أو تعدٍّ، بل جاء بالهدى, ورسالته هي الهدى, وبتعبير آخر إنّه يعتمد على خلق الرادع الداخلي وليس الخارجي.

    وفي جانب تقول الآية الكريمة: إنّ هذا الذي حمل لكم الرسالة حملها بالهدى, ولم يستعمل الأساليب التي يستعملها حملة الرسالات الوضعيّة الذين يأتون ليحكموا الشعوب بالقانون _الوضعي_ أو الذي يدعو الى دعواه عن طريق تطبيق قانونه، فانه يستعمل وسائل ملتوية لا يستعملها الدين.

فالآية الكريمة تقول لهم: إن الله عزّ وجل أرسل رسوله بالهدى, يعني بمنهج واضح لا يعتمد على القسر, وبالفعل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعرض الإسلام على الناس, فإذا اعتنقوه كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، لكن إذا امتنعوا عن قبوله يقاتلهم لأنّ الإسلام رسالة السماء, والنبي لم يأت ليملي منهجاً من عنده, بل انّ السماء أرادت تطبيقه وهو يقول: أنا واحد منكم وليس عندي امتيازات, فلا يمكن أن تتّهموني بانّي سوف آخذ بسبب الحكم شيئاً, أو أصل إلى لذّة أو منصب, تقول زوجته  مرّ علينا أربعون يوماً وليس عندنا طعام إلاّ الأسودان: التمر والماء. عاش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك اللّباس البسيط  في تلك العُليّة من الطين التي كان يسكنها إلى أن خرج من الدنيا, فلا يمكن أن يتطرّق الشك إليه بأنّه طلب الأمر لغاية, أو حمل الرسالة لأهداف شخصيّة, بل بالعكس انّه ما جاء إلاّ بالهدى _لهداية الناس_ حتّى انتقدوه وقالوا له: لماذا لا تعمل؟ جاء في القرآن الكريم:

(ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الأَْسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ).

لماذا لا يعطيك الله كنـزاً أو ملكاً يصدّقك؟ قال لهم: لا أسأل هذا بل أتّبع ما أؤمر به, فالآية تقول لهم: المنهج عندكم واضح "أرسل رسوله بالهدى ودين الحق".

 قد يقول قائل: أيوجد دين ليس بحق؟

لأن المركوز في أذهاننا هو أنّ المقصود من الدين هو رسالات السماء، وليست هي الدين فقط، فالدين أشمل لأنه مأخوذ من الدينونة والعقيدة, وكلّ عقيدة بتعبير آخر هي عقيدة حق, والأرض يوجد فيها عقائد غير حقة, وحتّى عقائد السماء دخلها غير الحق, فالتوراة والإنجيل تعرضا إلى عبث, حيث توجد فيهما مواد لا يمكن أن تقبل, كيف أقبل أنّ نبي الله داود عليه السلام رأى زوجة أوريا وعشقها, وأرسل زوجها إلى المعركة حتى يُقتل ويأخذ هو زوجته؟ فهل هذا الحديث عن نبي أم ابن شارع؟ وتجد من هذا النوع في هذه الكتب ما يؤيّد أو يدعم الشك أو الظن بأنّ هذه الكتب حصل فيها عبث لا حدود له، والنص القرآنيّ _ من نعم الله عز وجل _ لم يحصل فيه عبث فانه محفوظ من قبل الله, لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, نعم, حدث العبث في التفسير.

دين الحق يعني عقيدة الحق التي تنشد الصواب والهدى, وليس فيها زور ولا منافرة للواقع, يعني أن الواقع العلمي الذي تعيشونه لا يتنافر مع هذا المنهج الذي جاء به رسول الله, ولذلك لا يمكن أن تجد في العقيدة الإسلاميّة شيئاً يصطدم بالعلم, ولكن أيّ علم؟

يتصوّر بعض الناس أنّ الدين يصطدم بالعلم, لأنّه ــ أي البعض ــ يسمي الأشياء التي هي عبارة عن نفايات الذهن علماً, فيقول مثلاً: أصبح الإسلام اليوم لا يتلاءم مع الواقع, فانه يريد أن يضع المرأة في البيت وهي نصف المجتمع, فإذا جلست المرأة في البيت فان ذلك يعني شلّ الاقتصاد كلّه، نقول له: إن البحوث تفيد أنّ الطفل إذا حصل لديه نقص في الحنان يتحوّل إلى مشروع جريمة ويكون عرضة للإنحراف، ففي سبيل أن تحصل المرأة على عشرة دراهم تترك ثلاثة أطفال في البيت لدى امرأة هنديّة أو فليبينيّة تخرّب أخلاقهم, فلا يحصلون على الحنان والعطف والمودّة, وينشأ الطفل وهو لا يعرف لغته وعقيدته وأخلاقه, وينشأ وهو كتلة فراغ من الحنان, يعني انّه سيتحوّل إلى مشروع جريمة, فأين الحق في ذلك؟

إذا صنع الحدّاد آلة فان المرأة تصنع الذهن والإنسان, الولد مدين في صنعه إلى حِجر الأمُّ, فإذا خرجت الأم إلى هذا المعترك المنحل, وبقي الطفل سائباً خالي الذهن وناقص الحنان والعطف والموّدة فأين هو الحق؟ وأين التقدّم؟

إن شرعة الحق وكتاب الله عز وجل لم يقسوا على المرأة, ومع ذلك إذا اضطرّت المرأة إلى العمل فان الإسلام يسمح لها بشرط المحافظة على فطرتها, وعدم تعرّضها إلى فساد, لان العفّة أثمن شيء, إذا أردت إنساناً ذا إيمان بوطنه ومقدّساته وشعبه فانه لا يبنيه إلاّ الحضن النظيف، أمّا الحضن الملوّث فانه لا يبني إنساناً ذا قيم.

إن شرعة الحق إذن تكون بـ:(أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) يعني ليجعل دينه ظاهراً على الأديان وعلى الشرائع. 

فمتى يكون هذا؟

نعرف أنّ الإسلام فيما مضى قد أخذ ربع الكرة الأرضيّة مثلاً ولم يأخذها كلّها, بعد ذلك انحسر هذا الربع, يعني أخذت بلاد المسلمين تنقص كمّاً وكيفا بدلاً من أن تزداد، كما رجعت بعض البلدان وأصبحت مسيحيّة مثل الأندلس, وبعض المناطق التي خرجت من سلطان المسلمين وذهبت إلى سلطان غيرهم, هذا كمّاً، وأمّا كيفاً وهو الأخطر والذي عبّر عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم _ حينما قالوا له يا رسول الله أمِن قلّة؟ قال لا _ أنتم لستم قليلين, ولكنكم غثاء كغثاء السيل، عندما تمسك الفرد المسلم تجد أنه ليس فيه محتوى صحيح فهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أنّ محمداً رسول الله، أمّا المضمون فلا يوجد فيه لأن عقيدته ومعلوماته فارغة, ليس عنده مضامين ولا فكرة عن دينه، ونحن نعرف أنّ الأجيال الإسلاميّة كانت تستوعب شيئاً من مضامين الإسلام وأخلاقه وتطبيقاته, فلو بدأنا بأسرتنا وجدنا  أنْ ليس عليها الطابع الإسلامي وهكذا تعاملنا واتصالاتنا, وهذه هي مظاهرنا وهذا واقعنا.

متى إذن يظهر دينه على الدين كلّه؟

يميل كثير من المفسّرين إلى أن هذا يكون عند نزول المسيح عيسى بن مريم الذي (يقترن مع خروج الإمام المهدي عليه السلام, لأننا إلى الآن, لم ننتصر, وعيسى نفسه ينـزل ليأتم بالإمام المهدي عليه السلام, وعشرات الروايات والأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبشّر بالمهدي عليه السلام منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّله الله حتّى يخرج المهدي من ولدي".

فإذا أتى أحد الكتّاب الذين ليسوا على صلة بتأريخنا وعقائدنا ليقول: إن فكرة المهدي فكرة يهوديّة! فانه كلام رخيص لأنّه _أي صاحبها_ رخيص. نقول له هل تعرف تاريخك كمسلم؟ هل راجعت الروايات؟ هل ذهبت إلى صحاح المسلمين وتواريخهم؟ إنها كلّها تجمع على أنّ الله عز وجل سيعطي الإمام المهدي عليه السلام القدرة على إقامة الحق, ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

وأكثر من هذا فان قضية الإمام المهدي عليه السلام, من الضروريات حتّى أفتى المسلمون بكفر من لا يعتقد بذلك, والخلاف بين المسلمين هو هل أنّه موجود بالفعل أو يوجد بعد ذلك؟

دليل الذين يقولون إنه موجود بالفعل هو "إنّ الله لا يخلي الأرض من حجّة" و"من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة" وكيف يحتج الله عز وجل على عباده إذا لم تكن عنده حجّة قائمة في الأرض؟

والاختفاء الذي نذهب إليه ليس الاختفاء عن النظر بل الاختفاء عن المعرفة, أي أن الإمام  يعيش بين ظهرانينا ولا نعرفه.

المهم أنّ فكرة الإمام المهدي عليه السلام, عليها إجماع المسلمين ولا يوجد حولها نقاش, ولا تجد كتاباً من الكتب ذات العلاقة ببحث هذه الأمور إلاّ ويحمل أكثر من نص على وجود الإمام المهدي عليه السلام.

المهم إنّ الله يُظهر الدين على يديه, وتخرج الأرض أفلاذها, وتكثر النعم, ويقام العدل, ويطرد الباطل.

وفي دولتهِ يستغني الناس عن أخذ الأموال, يعرض المال ولا يأخذه أحد لأنّه لا يحتاج إليه.

هذا مجمل الصورة التي تعطيها كتب المسلمين على اختلاف مذاهبهم عن المهدي عليه السلام.

من أين يكون خروجه؟

تقول رواية إنه من مكّة,يأتي ومعه 313 شخصاً بعدد أصحاب بدر إلى ظهر الكوفة ويمرّ على قبر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ويأتي إلى محراب جدّه في الكوفة, ثمّ يأتي إلى كربلاء.

أريد أن أقول أنّ الإمام في غيبته لا يرفض ما أراده الله, لكن ليس الأمر بيده حتّى يمكن أن نطلب منه المبادرة بالخروج, إلاّ أن واقعة الطف تقضّ مضجعه, يقول للحسين عليه السلام في الزيارة المنسوبة إليه: (ولئن أخّرتني الدهور، وعاقني عن نصرك القدر المقدور، فلأندبنّك صباحاً ومساءً، ولأذرفنّ عليك بدل الدموع دما).

العدد: ٤ / رمضان / ١٤٣٠ هـ : ٢٠١٢/١٢/٠٢ : ٥.٠ K : ٠
التعليقات:
لا توجد تعليقات.