تراتيل الروح
تراتيل الروح
في يوم من الأيام أرهقني عملي الدؤوب المتواصل, فاستلقيت على فراشي بعد أن استقر بي المقام في بيتي, لاطفت أبنائي ولعبت معهم فذهب عني عناء العمل وجهد الانشغال الطويل.
نظرت في النجوم فاستغرقني التفكير حتى كأني خرجت من جسدي وتنقلت في فضاء العالم أفكر في سيدي ومولاي صاحب العصر والزمان عليه السلام الذي يدير هذا العالم وقلت في نفسي: أيرجع الإمام عليه السلام إلى بيته بعد ان ينتهي من عمله؟ أم إلى أي مكان يذهب عليه السلام؟
ولم انسَ أن عمره الشريف كان عند غيبته عليه السلام خمس سنوات, فتصورت هذا النور الإلهي, تصورت كونه نور الله ووجهه ولم يفتني أنه بشر مثلنا, يتعب ويمرض ويتألم ويتأثر كما هي طبيعة البشر وكما خلقنا الله تعالى.
فقلت في نفسي: إذا كنت أنا أتألم عندما أرى شخصاً كبيراً يتعرض لحادثة معينة, أتألم له كثيراً وقد لا أنام تلك الليلة بسبب تفكيري بحالته كذلك أتألم إذا شاهدت صورة من صور الدمار والقتل والتشريد الكثيرة جداً في عالمنا اليوم. وان شخصاً عادياً مثلي يمتلك من المشاعر ما يتساوى فيه مع الآخرين الجميع فيأرق ويمتنع عن الطعام لأنه يشاهد صورة ولا يشاهد حقيقة فكيف بمن يشاهد حقيقة, بل حقائق العالم كلها, يشاهد ما يجري في الشرق, ويشاهد ما يجري في الغرب, يشاهد الجائع وهو يتضور من الم الجوع, ويشاهد الغني وهو يتبجح ويتبختر بكثرة أمواله, يشاهد الأرملة, ويشاهد الطفل الذي قتل أبواه وليس له معين, يشاهد الرجل الكبير الذي ترتعش يداه ولا يقدر على إعانة نفسه وتلبية حاجته, يشاهد المرضى في المستشفيات, ويطلع على حال الأموات وهم في سكرات الموت, يشاهد ويشاهد و يشاهد, يشاهد كل ذلك مشاهدة عيان, انه يشاهد الآم الناس ومعاصيهم, يشاهد الآم الأمم, يشاهد الآم الشعوب.
فأي مشاعر يحمل هذا النور الإلهي مع كل ذلك, وفي عين الوقت يفيض على الجميع _وبلا استثناء_ بركات الله ونعمه التي تنزل على يديه.
أحمد الناصري