الفهرس
لتصفح الصحيفة بـ Flsh
لتحميل الصحيفة كـ Pdf
المسار
صدى المهدي » العدد: ٢٠ / محرم الحرام / ١٤٣٢ هـ
مواضيع العدد
العدد: 20 / محرم الحرام / 1432 هـ

استشراف المستقبل

استشراف المستقبل بين الدراسات الاكاديمية والاشارات الاسلامية

عبد الرحيم الحصيني

تعاظمت الدراسات المستقبلية في العقود الاخيرة من القرن العشرين وستزداد بالتأكيد في مطلع القرن الحالي كباقي الدراسات الجارية في مختلف الحقول.

وانطلاقا من اهمية اكتشاف المستقبل في حياة الانسان,  وكذا في مجالات السياسة الدولية ومصالح الحكام دعت تلك القوى بأن يولوا اهتمامهم بهذا العلم ويسعوا بجد لاحتكاره وحصره في الدوائر الحكومية الخاصة ومراكز البحوث الاستراتيجية, وضم انجازاته  وتوظيفها لاغراض الهيمنة واستعمار الشعوب,وذلك للقدرة الهائلة التي يمتلكها هذا العلم, ولياقته الواسعة في تقديم الخدمات المختلفة في مجالات متعددة من حياة الانسان. كذلك جهة قدرته على السيطرة والتلاعب بالظواهر الاجتماعية المحتملة الحدوث, بالاضافة إلى امكانيته في تهيئة البدائل وايجاد الظواهر المرغوبة عند الساسة , أو توظيف هذا العلم لغرض التخلص من العقبات التي تحول دون تحقيق النمو والتطور الذي يرتئيه المخططون واصحاب القرار في السياسة الدولية كالمستقبل العسكري, أو المستقبل التكنولوجي, أو السياسي.

ومن المعروف ان الطروحات العلمية في حقل المستقبليات قد استبعدت الوسائل التي تنظر للمستقبل برؤى خرافية, كما استبعدت قرار ات الحاكمين القائمة على الانفعال, أو النزوات الشخصية الطارئة, بالاضافة إلى تجاوزها. _اي تلك الدراسات - أو ادوات الصراع القديمة -, فلما استطاعت الدوائر الاستكبارية توظيف كل الانجازات العلمية في المجالات الاخرى,  نجدها قد سيطرت على علم المستقبليات لما فيه من القدرة لتحقيق الهيمنة والاستكبار, واسست مبادئ لهذا العلم والاشراف على اساسه, وانشأت  له مدارس وجمعيات ومراكز ابحاث,  بل نجد مثلا دولة السويد قد انشأت وزارة خاصة بالمستقبل, وقد بلغ عدد المؤسسات في امريكا حتى عام 1967م إلى ما يقرب من (600) مؤسسة وارتفع الرقم إلى (1000) بعد اقل من عشرين عاما, وتفرع عن علم المستقبل علوم اخرى كعلم اجتماع المستقبل وغيره.

لكن الخبرة الاسلامية لا زالت متواضعة بالقياس إلى التقدم الذي احرزته الدول الاخرى في هذا الحقل. الامر الذي يدعونا في هذا الظرف بالذات إلى ان نترصد بوعي ثاقب الاحداث الظالمة التي تمر بها الامة الاسلامية.

وأن نعي ان التحدي الاستكباري باساليبه الحديثة لا تقف حركته عند حد, بل هي في تقدم سريع ومستمر يتجاوز مواقفنا السطحية وحركتنا الارتجالية, أو المتفرجة احيانا لتعمد بالتالي إلى سحق الهوية واخضاعنا لحضارته الشيطانية.

وان مواقفنا اللامسؤولة ازاء هذا التحدي الرهيب لا تنسجم مع ما تدعو اليه الرسالة الاسلامية, وما قدمه القرآن الكريم والسنة الشريفة وحركة أئمة أهل البيت عليهم السلام من تصورات ونظريات الامة لأن تحتل مكانتها الطبيعية, واداء دورها القيمومي, ووسطيتها بين الامم.

ففي العقيدة الاسلامية ومصادرها المعتبرة ما يكفي ضمانة لحاضر الامة ومستقبلها, فمن خلال مراجعة النصوص القرآنية والتجربة التاريخية لخط العصمة الالهي في الحياة يتبين ان الإسلام سبق جميع النظم والنظريات في الدعوة لاستشراف المستقبل استشرافا علميا مدروسا واستباق احداثه ومفاجآته والتخطيط لاحتمالاته.

فلو لاحظنا الايات القرآنية التي تتحدث عن السنن الالهية سنجدها تشير إلى الترابط بين الماضي والمستقبل, وضرورة التعرف على المستقبل بهدف بنائه, فقوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ...) اشارة واضحة لدخول الارادة الانسانية ومسوؤليتها, حين تبدو مظاهر الفساد من قلة البركات وغيرها في حياة الامة لان قوله تعالى: (بما كسبت) اشارة إلى تدخل السلوك البشري ودوره في ايجاد الظواهر, كما توجد حتميات ووعود الهية مستقبلية تكشف عن المخطط الالهي البعيد, وانتصار الامة الاسلامية وتمكينها آخر الزمان, قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ).  وعلى يد خليفة الله في الارض صاحب العصر والزمان الإمام الحجة بن الحسن الإمام المهدي عليه السلام.

كما اننا لو راجعنا السيرة النبوية الشريفة وما تتخللها من احداث, وكذا سيرة الإمام علي عليه السلام, ومن بعده ما كان يخطط له الإمام الحسن عليه السلام حين صالح معاوية وكذا الإمام الحسين عليه السلام وثورته الخالدة, سنلاحظ فيها الدروس المستقبلية وقدرتها حين الاستنطاق الواعي على اثراء التفكير المستقبلي وتأصيله اسلاميا.

وانطلاقا من كل ما سبق فان النظرية الاسلامية قد قدمت بين يدي المسلم اطروحة مستقبلية متكاملة, وما عليه سوى اكتشافها من خلال تلك المصادر والعمل بموجبها بهدف تحقيق العدالة الالهية وتحقيق الكمال المنشود.

العدد: ٢٠ / محرم الحرام / ١٤٣٢ هـ : ٢٠١٢/١٢/٠٩ : ٦.٤ K : ٠
: عبد الرحيم الحصيني
التعليقات:
لا توجد تعليقات.