شرح زيارة آل ياسين: الحلقة السابعة
شرح زيارة آل ياسين: الحلقة السابعة
هيئة التحرير
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح فقرة (السَّلامُ عَلَيْكَ ياتالِيَ كِتابِ الله وَتَرْجُمانَهُ).
وشرح الفقرة المباركة من الزيارة يقع في محور واحد تحت عنوان أهل البيت عليهم السلام أهل القرآن.
إنّ الحديث عن أهل البيت عليهم السلام بمعزل عن القرآن ليس بحديث عنهم، كما ان الحديث عن القرآن بمعزل عنهم ليس بحديث عن القرآن، وانما هو حديث عن شيء آخر وهذه الحقيقة التلازمية من الطرفين، كما انها بحقيقة واقعية، إذ انّ واقع القرآن يستدعي وجودهم كما أنّ وجودهم يستدعي القرآن، فهي أيضاً مؤكد عليها قرآنياً ونبوياً، فالقرآن الذي يخاطب المسلمين دون استثناء، بل الناس كلهم يتحدث عن نفسه بأن وجوده وجود يحتاج في الاستجلاء والبيان إلى أهل العلم وأهل القرآن وإلاّ فإن القرآن بمعزل عن أهل البيت عليهم السلام، ويكون اتباع آياته اتباعاً للمتشابه الذي يؤدي إلى زيغ القلوب، بخلاف الاتباع المقترن الذي ينتج الاستقامة، قال تعالى: (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْويلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ).
امّا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي ما فتئ يؤكد هذه الحقيقة ويصرّح بها مجهراً أنّ بغير التلازم بين القرآن والعترة يكون اتباع تعاليم الإسلام منتجاً لدين جديد ومؤديّاً بصاحبه إلى الضلال والانحراف، حيث خاطب الأمّة مراراً وتكراراً بانّه وباعتبارها سنة طبيعية، تاركها وملتحق بربّه وانه مخلّف فيها ما يجب التمسك به وهو حبل الله المتين الموجب لاستمرارها في خط الهداية والاستقامة، وان تركه ضلال وانحراف ألا وهو كتاب الله وعترته أهل بيته ذلك الحديث المعروف بحديث الثقلين.
فحقيقة الارتباط الملكوتي بين القرآن وأهل البيت عليهم السلام حقيقة لا تخفى على أحد، إذ كيف تخفى وهي السبيل الوحيد بالنجاة من يرغب بالنجاة.
وهنا تأتي الزيارة المباركة لتخاطب الإمام المهدي عليه السلام بانّه هو التالي لكتاب الله، وأنّه ترجمان الآيات القرآنية وهذا يعني أنّ تلاوة الكتاب وترجمته إلى أحكام ونُظم، بل ان وجوده لا يكون إلا بوجود عدله وهو الفرد المعصوم كما أنّ القرآن معصوم فلابد أنْ يكون القائد إلى القرآن والرائد إليه منزّه عمّا من شأنه أنْ يحرف الناس عن الاستقامة فالقرآن الذي جاء لقيادة الناس إلى الهدى، ولا يتصور فيه أنْ يقودهم إلى انحراف وضلال بعد التسليم إلى احتياجه إلى رائد وقائد لابدّ أنْ يكون ذلك معصوماً بعصمة الكتاب ولابدّ أنْ يكون موجوداً في كل زمان لوجود الكتاب في كل زمان، ولحاجة كل إنسان إلى الهداية القرآنية التي لا تتأتّى إلا بوجود الهادي والترجمان فكان إمام الزمان.
وفي روايات أهل البيت عليهم السلام ما يؤكد على حقيقة كونهم ترجمان القرآن وأنهم الناطق الرسمي الوحيد لهذا الكتاب الإلهي المقدس حيث يقول الإمام السجاد عليه السلام: (...نحن تراجمة وحيه)، ويقول الإمام الباقر عليه السلام: (نحن خزّان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله)، فيما يقول الإمام المهدي عليه السلام في الزيارة المروية عنه والمعروفة بالزيارة الجامعة: (اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا اَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ.... وَحُجَجاً عَلى بَرِيَّتِهِ، وَاَنْصاراً لِدينِهِ، وَحَفَظَةً لِسِرِّهِ، وَخَزَنَةً لِعِلْمِهِ، وَمُسْتَوْدَعاً لِحِكْمَتِهِ، وَتَراجِمَةً لِوَحْيِهِ).
ويؤكد الإمام الصادق عليه السلام هذه الحقيقة بقوله: (نحن معادن وحي الله... من تبعنا نجا ومن تخلّف عنا هلك).
فضلاً عن الأدعية الكثيرة التي تحدثت عن هذه الحقيقة كما في بعضها حيث يرد هذا النص: (والمنزّل عليهم ما يتنزل في ليلة القدر وأصحاب الحشر والنشر وتراجمة وحيه)، وفي خبر آخر عن الإمام الصادق عليه السلام يعبر عن الأئمة عليهم السلام بقوله: (نحن...عيبة وحي الله) أي الإناء الوحيد والحامل الفريد للوحي الإلهي القرآني فكل من يؤخذ في هذا الزمان عن غير الإمام المهدي عليه السلام باعتباره تالي الآيات وترجمانها يكون قد اخذ الدين من غير حله وتمسك بما لا ينجيه وانفق عمره هباء وكانت تجارته بورا.