رؤية الإمام المهدي عليه السلام بين الإمكان والمنع
السيّد محمود المقدَّس الغريفي
يتساءل الكثير عن إمكانية رؤية الإمام المهدي عليه السلام في الغيبة الكبرى واللقاء به والتحدّث معه مباشرةً، مع تعيين شخصه الكريم وتحديد هُويَّته، وهل ما يشاع ويُنقَل عن رؤيته في الغيبة الكبرى، له واقع وحقيقة ثابتة، أم أنَّه اشتباه ووهم، وخيال أو حلم؟
وما هو رأي الشارع المقدَّس في دعوى رؤيته في الغيبة الكبرى؟ وهل يمكن رؤيته عليه السلام والتشرّف بلقائه؟
إنَّ هذه التساؤلات وغيرها تدور في أذهان الكثير من المؤمنين، وإن اختلفوا في النتيجة، بين من أقرَّ بذلك، وبين من نفاها، وآخرون فصَّلوا بين إمكانها على أن لا يلازمها أيّ دعوى دينية أو دنيوية، أو نقل لأمر ما عنه عليه السلام، وبعضهم قالوا: إنَّ الصادق لا يدَّعي الرؤية - على فرض ذلك - وغيرها. ولكن الكلام في هذه المسألة فيه شيء من البسط والعرض، والنظر من خلال الأدلَّة الشرعية والنصوص الدينية، وما يحيط ذلك من القرائن والمؤشّرات حتَّى نقف على أصل هذه الدعوى، ومن ثَمَّ الحكم بإمكان القول في ثبوتها أو نفيها في الواقع.
فأقول: إنَّ غياب الإمام المهدي عليه السلام إنَّما هو غياب للهُويَّة الشخصية لا أنَّ غيابه غياب شخصي جسماني.
بمعنى: أنَّ أيَّ شخص يمكن أن يراه ويخالطه، ولكنَّه يكون غافلاً بالمرَّة عن كونه هو الإمام المهدي عليه السلام، وإنَّما يرى فيه شخصاً عادياً كسائر الناس لا يُلفِت النظر على الإطلاق..، وتكون حياته كحياة أيِّ شخص آخر، يكتسب عيشه من بعض الأعمال الحرَّة كالتجارة أو الزراعة أو غيرها، ويبقى على حاله هذه في مدينة واحدة أو عدَّة مُدُن، حتَّى يأذن الله تعالى له بالفرج..، مع القطع بجهل الأجيال بالكلّية - من الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى سوى بعض الخواصّ والسفراء - بسحنة الإمام المهدي عليه السلام وشكله، بحيث لو واجهوه لما عرفوه البتَّه(١).
فإنَّ الإمام عليه السلام ربَّما يعيش بيننا وفي عالمنا، يخالطنا ويتعامل معنا، ويرانا ويعرفنا، ونحن نراه ونُكلِّمه ونتعامل معه، ولكنَّنا لا نعرفه على حقيقته، ولا نُشخِّص هُويَّته. فإنَّه ليس محجوباً عن الأنظار كالجنِّ والملائكة، فلا يمكن رؤيته بتاتاً، إلَّا بسبيل ما، حتَّى قيل: إنَّ الإمام المهدي عليه السلام إذا ظهر للناس بعد الأمر الإلهي - الصيحة وخروج السفياني - ويشاهده الناس عياناً على هُويَّته الواقعية وشخصيته الحقيقية، فإنَّ جملة منهم يقول: إنّي قد التقيت به، وإنّي رأيته، وإنّي صاحبته وسافرت معه، وإنّي جالسته وتحدَّثت إليه، ونحو ذلك، فإنَّ الرؤية بهذا المنظار جارية وحاصلة.
وهذا الرأي لا دليل على نفيه، بل تدعمه جملة من الروايات، منها: ما رواه الكليني في (الكافي) عن الحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن يحيى بن المثنّى، عن عبد الله بن بكير، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «للقائم غيبتان، يشهد في إحداهما المواسم، يرى الناس ولا يرونه»(٢)، بمعنى يعرف الناس ولا يعرفونه.
وما روي عن محمّد بن عثمان العمري، أنَّ صاحب هذا الأمر ليَحضُر الموسم كلّ سنة، يرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه(٣)، وغير ذلك.
أمَّا رؤيته واللقاء به مع تحديد هُويَّته وتشخيصها، فهذا ممَّا لا يستطيع أن يدَّعيه أحد على نحو الجزم واليقين، ويقطع أنَّه قد التقى بشخص الإمام عليه السلام ويُثبِت ذلك، أو أن يُقسِم عليه، على الرغم من كثرة هذه الدعاوى! التي تشير إلى رؤيته واللقاء به، المبنيَّة على الاحتمال، أو الترديد بالقول - ربَّما هو - أو الاستنتاج، بأنَّ الذي رآه هو الإمام المهدي عليه السلام.
فإنَّ كلَّ دعوى لا بدَّ أن تستكمل شروطها وأدلَّتها حتَّى تدخل في خانة العلم والتصديق، وإلَّا فمجرَّد الاحتمال والشكّ والاستنتاج يجعلها في خانة الإمكان.
والحال كذلك في دعاوى رؤية الإمام المهدي عليه السلام في الغيبة الكبرى، فإنكار دعاوى رؤيته في الغيبة الكبرى وإبطالها وردّها، هو لعموم التوقيع الشريف المروي عن الإمام المهدي عليه السلام، الذي خرج على يد آخر السفراء الأربعة الشيخ علي بن محمّد السمري رضي الله عنه في الغيبة الصغرى.
وقد رواه الشيخ الصدوق قدس سره في كتابه (كمال الدين وتمام النعمة)، وغيره(٤)، قال: حدَّثنا أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتِّب، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفّي فيها الشيخ علي بن محمّد السمري قدس سره فحضرته قبل وفاته بأيّام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم
يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميِّت ما بينك وبين ستَّة أيّام، فاجمع أمرك، ولا توصِ إلى أحد، يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية، فلا ظهور إلَّا بعد إذن الله (عزَّ وجلَّ)، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة، ألَا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم.
قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمَّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه. ومضى رضي الله عنه، فهذا آخر كلام سُمع منه(٥).
ومن نافلة القول، الكلام في سند هذا الحديث الشريف، أو الطعن فيه بالإرسال، فإنَّه وبالرغم من شهرته بين الأصحاب، فإنَّ الطائفة مجمعة على العمل بمضمونه، وهذا يُغنينا عن النظر في سنده، مع اعتباره وصحَّته.
قال السيِّد محمّد تقي الأصفهاني قدس سره: اعلم أنَّ هذا حديث صحيح عال اصطلاحاً؛ لأنَّه مروي عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام بتوسّط ثلاثة أشخاص:
الأوَّل: الشيخ الأجلّ أبو الحسن علي بن محمّد السمري - السفير الأخير للإمام المهدي -، وهو لجلالته واشتهاره غنيٌّ عن البيان.
والثاني: الشيخ الصدوق، محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، وهو أيضاً لاشتهاره واشتهار كتابه وجلالة قدره لا يحتاج إلى التوضيح.
والثالث: أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتِّب، وهو كما ذكره الفاضل الألمعي المولى عناية الله في (مجمع الرجال): أبو محمّد الحسن بن الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتِّب، ويروي عنه الصدوق مكرَّراً مترضّياً مترحّماً، وهذا من أمارات الصحَّة والوثاقة، كما نبَّه على ذلك المولى المزبور في (مجمعه)، وذكر له شواهد عديدة، ليس هنا موضع ذكرها، والمكتِّب بكسر التاء المشدَّدة مَنْ يُعلِّم الكتابة.
ثمّ نبَّه على أمر، فقال: قد وقع هنا سهوان في كتابين من كتب علمائنا رحمهم الله تعالى، ينبغي التنبيه عليهما:
الأوَّل: في كتاب (الغيبة) للشيخ الأجلّ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه ففيه - في النسخة التي عندي - هكذا: أخبرنا جماعة، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، قال: حدَّثني أبو محمّد أحمد بن الحسن المكتِّب، قال: كنت بمدينة السلام، وساق الحديث..، مثل ما نقلناه عن (كمال الدين) لابن بابويه رضي الله عنه.
وقد عرفت أنَّ الذي روى عنه ابن بابويه حسن بن أحمد - وليس أحمد بن الحسن كما في كتاب (الغيبة) -، والظاهر أنَّ السهو في كتاب الشيخ الطوسي وقع من النسّاخ، ويُؤيِّد وقوع السهو فيه من بعض النسّاخ؛ أنَّ الحاج ميرزا حسين النوري رضي الله عنه نقل هذا الحديث في (جنَّة المأوى) من (غيبة) الشيخ، عن الحسن بن أحمد المكتِّب - كما في كتاب الصدوق -، والله تعالى هو العالم.
والثاني: في كتاب (مستدرك الوسائل) للعالم المحدِّث المتتبِّع الحاجّ ميرزا حسين النوري رضي الله عنه، فإنَّه مع سعة باعه، وكثرة اطِّلاعه، واهتمامه في استقصاء أسماء مشايخ الصدوق، غفل عن ذكر هذا الشخص الجليل - أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتِّب - الذي روى عنه الصدوق مكرَّراً مترضّياً مترحّماً.
وأمثال هذه الأُمور ممَّا يبعث العالم على الفحص والتتبّع، ويوجب له الظفر بما غفل عنه من قبله، فعليكم يا إخواني بالسعي، والاجتهاد، فإنَّ الله لا يخيب كلّ طالب مرتاد.
وممَّا يدلُّ أيضاً على وقوع السهو والاشتباه في كتاب الشيخ - بعكس اسم الراوي -، وعلى غفلة صاحب المستدرك عن ذكر ذلك الشيخ رضي الله عنه، أنَّ المولى عناية الله المذكور نقل الحديث المسطور عن كتاب (ربيع الشيعة) لابن طاووس، حاكياً عن الحسن بن أحمد المكتِّب.
فتبيَّن بحمد الله تعالى وعونه، أنَّ الراوي عن أبي الحسن السمري رضي الله عنه هو الحسن بن أحمد الذي روى عنه ابن بابويه رضي الله عنه.
وممَّا يدلُّ على صحَّة هذا الحديث وصدوره عن الإمام أيضاً، أنَّ الشيخ الطبرسي رضي الله عنه صاحب كتاب (الاحتجاج) ذكره مرسلاً، من دون ذكر السند، والتزم في أوَّل الكتاب وصرَّح بأنَّه لا يذكر فيه سند الأحاديث، التي لم يذكر أسانيدها، إمَّا بسبب موافقتها للإجماع، أو اشتهارها بين المخالف والمؤالف، أو موافقتها لحكم العقل.
فظهر أنَّ الحديث المذكور أيضاً كان غنيَّاً عن ذكر السند؛ إمَّا لموافقة الإجماع، أو لاشتهاره، أو لكليهما جميعاً.
وممَّا يدلُّ أيضاً على صحَّته، أنَّ علماءنا من زمن الصدوق رضي الله عنه إلى زماننا هذا استندوا إليه، واعتمدوا عليه، ولم يناقش ولم يتأمَّل أحد منهم في اعتباره، كما لا يخفى على من له أُنس وتتبّع في كلماتهم ومصنَّفاتهم.
فتبيَّن من جميع ما ذكرناه أنَّ الحديث المذكور من الروايات القطعية، التي لا ريب فيها، ولا شبهة تعتريها، وهو ممَّا قال فيه الإمام عليه السلام: «فإنَّ المجمع عليه لا ريب فيه»(٦).
ثمّ إنَّ الوجدان والحسّ، والواقع العملي، والسيرة الجارية للشيعة الإماميَّة من الغيبة الكبرى حتَّى يومنا هذا، كلّها تنطق بصدق هذه الرواية، وتشهد على صحَّة صدورها؛ لأنَّه ما ظهر مدَّعوا المهدوية، ولا السفارة أو النيابة عنه، ولا المشاهدة والرؤية المشخِصة له، إلَّا كذَّبتهم الأيّام والليالي، والوقائع والأحداث، والقرائن والدلائل، ولا يكون ذلك ما لم تُسمَع الصيحة ويخرج السفياني، وهذا ممَّا يرفع قيمة هذه الرواية، العلمية والاعتبارية، على فرض التشكيك بها.
ودعوى أنَّ مناسبة الحكم والموضوع في الرواية تقتضي أن يكون الكلام عن السفارة والنيابة الخاصَّة؛ لأنَّ قوله عليه السلام: «ولا توصِ إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك...»، أي بالسفارة والنيابة الخاصَّة. وكذا يكون قوله عليه السلام: «وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة...»، فمناسبة لما سبق يكون المراد من المشاهدة الملازمة لدعوى النيابة الخاصَّة والسفارة، وليس مجرَّد دعوى الرؤية التشريفية له والتي قد حدثت كثيراً في الغيبة الكبرى؟!
مردودة إذ أنَّه لا يخفى على النبيه أنَّ قوله عليه السلام: «لا توصِ لأحد من بعدك...»، فيه دلالة تامَّة لا شبهة فيها ولا ريب على انقطاع السفارة والنيابة الخاصَّة في الغيبة الكبرى، فلو قصد الإمام عليه السلام من نفي المشاهدة الرؤية الملازمة للنيابة الخاصَّة والسفارة، لكان الأولى أن يُعبِّر عن ذلك بسياق ومعنى واحد فيقول مثلاً: (وإنَّ من ادَّعى السفارة والنيابة الخاصَّة فهو كاذب مفتر)، ليرتفع الاشتباه والالتباس من نفوس شيعته، لاسيّما وأنَّ هذا الأمر جدَّاً خطير وحسّاس؛ لأنَّه لو قال ذلك لقلنا: إنَّه عليه السلام منع من النيابة الخاصَّة والسفارة صراحةً ولم يمنع من الرؤية والمشاهدة، فعليه يمكن حينئذٍ القول بالرؤية والمشاهدة في الغيبة الكبرى، ولكنَّه عليه السلام نفى عموم المشاهدة والرؤية، سواء مع دعوى النيابة الخاصَّة والسفارة أم من دونها بأن تكون رؤية تشريفية فقط؛ لأنَّه لا يمكن إيجاد ضابطة يمكن العمل عليها لمعرفة صدق مدَّعي الرؤية واللقاء به عليه السلام، فتصبح دعاوى الرؤية أمراً يسيراً لكلِّ صاحب هوى أو خيال، عن قصد أم بدون قصد، فالإمام عليه السلام أغلق هذا الباب أيضاً وأوصده بالكلّية بعموم قوله: «ألَا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر...»، كما سبق ذلك نفي مطلق الظهور إلَّا بعد إذن الله (عزَّ وجلَّ)، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً. وإن قُيِّد بالظهور العلني التامّ، فتأمَّل.
وأمَّا دعوى المدَّعي أنَّ هذه الرواية خبر واحد فلا تفيد العلم.
فمردودة، وذلك لأنَّه غير خافٍ على النبيه أنَّ خبر الواحد المحفوف بالقرائن يفيد العلم، وخبرنا هذا قد اشتهر بين الأصحاب، بل وقع عليه الإجماع من الطائفة على العمل بمقتضاه بعد أن تلقّاه الأصحاب بالقبول والرضا، وهذا يوجب العلم عادةً بصدقه وصحَّة صدوره، مع عدم وجود الطاعن فيه، أو المعارض لمضمونه من الأصحاب المتقدِّمين، ولا من المتأخِّرين، من الذين يُعتَدُّ بهم، وبوزنهم العلمي وثقلهم المعرفي، ولاستحالة تواطؤهم على القول الباطل استحالة خفاء الحقِّ بينهم.
وممَّا يُؤيِّد رواية الشيخ السمري رحمه الله في التوقيع الأخير ويعضدها، ما روي بسند صحيح أنَّ الإمام عليه السلام يغيب عن شيعته ولا يراه أحد منهم، ولا يلتقي بهم، وأنَّ عليهم التمسّك بما في أيديهم من العلم إلى حين ظهوره عليه السلام، ومن ذلك ما رواه الثقة الجليل الشيخ محمّد بن إبراهيم النعماني في كتابه (الغيبة) بسنده عن عبد الله بن سنان، قال: دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله عليه السلام، فقال: «كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى، ولا علماً يُرى؟ فلا ينجو من تلك الحيرة إلَّا من دعا بدعاء الغريق»، فقال أبي: هذا والله البلاء، فكيف نصنع جُعلت فداك حينئذٍ؟ قال عليه السلام: «إذا كان ذلك ولم تدركه فتمسَّكوا بما في أيديكم حتَّى يصحَّ لكم الأمر»(٧).
وروى الصدوق رضي الله عنه بسنده عن الحارث بن المغيرة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: هل يكون الناس في حال لا يعرفون الإمام؟ فقال: «قد كان يقال ذلك»، قلت: فكيف يصنعون؟ قال: «يتعلَّقون بالأمر الأوَّل، حتَّى يستبين لهم الآخر»(٨).
وروى رضي الله عنه بسنده عن أبان بن تغلب، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: «يأتي على الناس زمان يصيبهم فيه سبطة يأرز العلم فيها...»، قال: قلت: وما السبطة؟ قال: «الفترة والغيبة لإمامكم»، قال: قلت: فكيف نصنع فيما بين ذلك؟ فقال: «كونوا على ما أنتم عليه حتَّى يُطلِع الله لكم نجمكم»(٩).
ودعوى أنَّنا لا بدَّ أن نلتزم بتكذيب دعاوى الرؤية تعبّداً، طاعة للأمر الوارد في التوقيع الأخير للشيخ السمري، ممَّا لا يكاد يصحُّ، فإنَّه خلاف ظاهر الحديث بل صريحه، حيث يقول: «فهو كذّاب مفتر»، الدالّ على عدم مطابقة قوله للواقع. ولم يقل: فكذِّبوه، ليكون من قبيل الأمر الصادر من الإمام ليطاع تعبّداً(١٠).
أقول: عجباً، وما هي دلالة ومفهوم قوله: (عدم مطابقة قوله للواقع) إلَّا عدم تصديقه وعدم الاعتماد على قوله المخالف للواقع، لأنَّه (كذّاب ومفتر) كما شخَّصه الإمام عليه السلام؟! والكذّاب والمفتري فاسق لا يُصدَّق بدلالة مفهوم قوله تعالى (يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) (الحجرات: ٦)، فتأمَّل.
بل وإن كانت هذه الدعاوى ناتجة عن خطأ واشتباه ووهم، فإنَّ مفهوم قول الإمام: «كذّاب ومفتر» يدفعه أيضاً؛ لأنَّ مفهومه هو أنَّ الصادق لا يدَّعي الرؤية، والله العالم.
إذاً، فمن مجموع ذلك كلّه، يتبيَّن أنَّ في اعتبار هذه الرواية والتوقيع الشريف أساساً متيناً، والالتزام بها والاعتقاد بمضمونها تمسّكاً بالعروة الوثقى، وسلوك الطريق الأمين.
* * *
هذا، وقد خُصِّص هذا التوقيع الشريف بما روي من رؤية الناس له عليه السلام في المواسم مع عدم معرفتهم به، ولا تشخيص هُويَّته، كما روي عن محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه، أنَّ صاحب هذا الأمر ليَحضُر الموسم كلّ سنة، يرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه(١١).
وعن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «للقائم غيبتان، يشهد في إحداهما المواسم، يرى الناس ولا يرونه»(١٢)، بمعنى يعرف الناس ولا يعرفونه.
* * *
وقد ذكر آية الله السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم قدس سره في (فوائده الرجالية) التواقيع المنسوبة إلى الإمام صاحب العصر عليه السلام، والموجَّهة إلى الشيخ المفيد قدس سره، ومنها التوقيع الوارد يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجَّة سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، وصورته: من عبد الله المرابط في سبيله، إلى ملهم الحقّ ودليله:
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليك أيّها الناصر للحقِّ، الداعي إليه بكلمة الصدق، فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلَّا هو، إلهنا وإله آبائنا الأوَّلين، ونسأله الصلاة على سيِّدنا ومولانا محمّد خاتم النبيّين وعلى أهل بيته الطاهرين.
وبعد.. فقد كنّا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه لك من أوليائه، وحرسك به من كيد أعدائه والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلاته على سيِّدنا البشير النذير محمّد وآله الطاهرين.
ثمّ علَّق السيِّد بحر العلوم قدس سره على هذا (التوقيع) فقال:
وقد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى، مع جهالة المُبلِّغ، ودعواه المشاهدة المنافية بعد الغيبة الصغرى.
ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن، واشتمال التوقيع على الملاحم والإخبار عن الغيب، الذي لا يطَّلع عليه إلَّا الله وأولياؤه بإظهاره لهم، وأنَّ المشاهدة المنفيَّة أن يشاهد الإمام، ويعلم أنَّه الحجَّة عليه السلام حال مشاهدته له، ولم يعلم من المُبلِّغ ادِّعاؤه لذلك.
وقد يمنع أيضاً امتناعها (أي الرؤية) في شأن الخواصّ - وإن اقتضاه ظاهر النصوص - بشهادة الاعتبار، ودلالة بعض الآثار(١٣).
أقول: وكما ترى فقد استشكل في نفس الأمر والواقع، ونفى المشاهدة في زمن الغيبة الكبرى، المنفيَّة تعبّداً بنصٍّ صريح، وحجَّة ثابتة، وطريق معتبر، وإن خصَّص نفي المشاهدة بأن يشاهد الإمام ويعلم أنَّه المهدي بن الحسن عليه السلام حال مشاهدته له، ولكنَّه استدرك باحتمال أنَّه الإمام عليه السلام من خلال بعض القرائن المحيطة، لا على نحو الجزم واليقين.
وكما ترى، فإنَّه قدس سره دفعها بالاحتمال لا غير، والاحتمال لا يُؤسِّس لشيء، بل هو بنفسه يحتاج إلى قوَّة تدعمه، حتَّى يمكن الاعتماد عليه ويُركَن إليه، وإلى إثبات مدلوله، ليصبح بمستوى يُؤهِّله للاستناد عليه كدليل، ويكون في مقام الاحتجاج به، إذ يمكن نفي الاحتمال ودفعه بأيسر الأُمور، والمعروف أنَّه إذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال.
وأمَّا تقييده إمكان الرؤية بمجرَّد ادِّعاء الدعوى للرؤية فقط، التي لا تُقدِّم أو تُؤخِّر شيئاً للآخرين - على فرض ثبوتها - فنحن مأمورون بتكذيبها تعبّداً، تبعاً للنصِّ الوارد.
بل إنَّه قدس سره أقرَّ بذلك، أي بالتكذيب والامتناع، وأفاد أنَّ مقتضى ظاهر النصوص الواردة امتناع الرؤية، ولكن شهادة الاعتبار، ودلالة بعض الآثار تفيد ذلك، أي إمكان الرؤية كما عبَّر. ولا يخفى أنَّ الاعتبار أمر نسبي لا يمكن البناء عليه، وأمَّا الآثار فقد قرأناها وسمعناها، وتأمَّلنا فيها، الأعمّ الأغلب أنَّها روايات وقصص مهلهلة، لا تفيد العلم ولا التصديق بالرؤية.
هذا، ولكنَّه قدس سره في (فوائد الأُصول) وفي مسألة الإجماع، قال - بعد اشتراط دخول كلّ من لا نعرفه -: وربَّما يحصل لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار العلم بقول الإمام عليه السلام بعينه، على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في مدَّة الغيبة، فلا يسعه التصريح بنسبة القول إليه عليه السلام فيبرزه في صورة الإجماع، جمعاً بين الأمر بإظهار الحقِّ، والنهي عن إذاعة مثله بقول مطلق(١٤).
أقول: على فرض القول بإمكان رؤيته عليه السلام في الجملة، لكن يبقى كلامه في إمكان رؤيته عليه السلام مع تشخيصه في دائرة الاحتمال، كما يستفاد ذلك من ابتداء قوله قدس سره ب (ربَّما) التي تفيد التقليل، الذي لا وثوق بحصوله، وما قد يُفهَم أيضاً من سياق كلامه.
ويُؤيِّد هذا المعنى، ما يُروى عن السيِّد بحر العلوم قدس سره رفضه دعوى المشاهدة في الغيبة الكبرى في جوابه لمَّا سأله سائل عن إمكان رؤية الإمام المهدي عليه السلام في الغيبة الكبرى، كما روي في كتاب (جنَّة المأوى) للميرزا النوري عن المولى السلماسي رحمه الله، قال: كنت حاضراً في محفل إفادته، فسأله رجل عن إمكان رؤية الطلعة الغرّاء في الغيبة الكبرى، وكان بيده الآلة المعروفة لشرب الدخان المسمّى عند العجم بغليان، فسكت عن جوابه وطأطأ رأسه، وخاطب نفسه بكلام خفي أسمعه، فقال ما معناه - والكلام للسلماسي -: ما أقول في جوابه؟ وقد ضمَّني عليه السلام إلى صدره(١٥)، وورد أيضاً في الخبر تكذيب مدَّعي الرؤية، في أيّام الغيبة. فكرَّر هذا الكلام.
ثمّ قال في جواب السائل - الكلام للسيِّد بحر العلوم -: إنَّه قد ورد في أخبار أهل العصمة تكذيب من ادَّعى رؤية المهدي عليه السلام.
واقتصر - والكلام للسلماسي - في جوابه عنه من غير إشارة إلى ما أشار إليه(١٦).
فتأمَّل، وهذا هو المأمول في جوابه شرعاً وعقلاً، وقد عمل قدس سره بتكليفه الشرعي الظاهري؛ لتورّعه واحتياطه وتقواه، مؤيِّداً هذا بما أثبته في كتبه في نفي الرؤية المباشرة كما سبق، وغير هذا القول يُرَدُّ على ناقله وراويه كالسلماسي.
وهذا ما يستفاد من ظاهر كلام السيِّد بحر العلوم قدس سره في أنَّ النهي الوارد عن إذاعة الأحكام الشرعية والمسائل العقائدية، نهي تعبّدي بالنصِّ الصريح المعتبر، ونحن مأمورون بالتمسّك به، وإلَّا لدبَّ الهرج والمرج بين صفوف الناس، وتصدّى لهذا طلَّاب الرئاسة وأبناء الدنيا، وأصبح تشريع الأحكام من أسهل الأُمور، وفي أيسر الدعاوى، بحجَّة رؤية الإمام المهدي عليه السلام والتبليغ عنه.
وأمَّا قول السيِّد بحر العلوم قدس سره في (الفوائد الرجالية): إنَّ المشاهدة المنفيَّة أن يشاهد الإمام ويعلم أنَّه الحجَّة عليه السلام حال مشاهدته له، ولم يعلم من المبلِّغ ادِّعاؤه لذلك، وقد يُمنَع أيضاً امتناعه في شأن الخواصّ - وإن اقتضاه ظاهر النصوص - بشهادة الاعتبار، ودلالة بعض الآثار(١٧).
ففيه أنَّه على فرض دلالة بعض هذه الآثار، على القول بالرؤية الحقيقية أو التشخيصية، وعلى فرض ثبوتها، فإنَّنا لا يمكن أن نُرتِّب عليها أثراً عامَّاً، ولا تكليفاً لعموم الناس، وإلَّا كان للإمام عليه السلام أن يعمل تنظيماً سرّياً، من خُلَّص أصحابه وشيعته، خصوصاً من علمائنا الأعلام، ويدلّهم على المخلصين من شيعته الموثَّقين المؤتمنين، ويُؤيِّدهم ويُسدِّدهم، ويدفع عنهم غائلة الأعداء والمنافقين والنواصب، ولأصبح ذلك مألوفاً بيننا، خصوصاً ونحن شيعته وأنصاره ومواليه، لاسيّما وأنَّ أعداءه ومواليه لا يُشخِّصون صورته ولا يعرفون سحنته..، ولكن هيهاتَ أنَّه عليه السلام ليس هذا من تكليفه الآن، ولا مأموراً بمثل ذلك في عصر الغيبة الكبرى، ما لم يبدأ الإعلان الرسمي الإلهي بالظهور، بعد الصيحة وخروج السفياني.
ولكنَّك تجد بعضاً من هذه الأُمور قد جرت أثناء الغيبة الصغرى، من تنبيه شيعته عليه السلام ونوّابه وتحذيرهم، وتحصينهم من غائلة الحاكم الظالم ومكره، وكشف بعض المفسدين وغير ذلك، منها ما روي عن الحسين بن الحسن العلوي، قال: كان رجل من ندماء روز حسني - الظاهر أنَّه الوالي بالعسكر - وآخر معه فقال له: هو ذا يُجبي الأموال، وله وكلاء، وسمّوا جميع الوكلاء في النواحي، وأنهى ذلك إلى عبيد الله بن سليمان الوزير، فهمَّ الوزير بالقبض عليهم، فقال السلطان: أُطلبوا أين هذا الرجل، فإنَّ هذا أمر غليظ، فقال عبيد الله بن سليمان: نقبض على الوكلاء، فقال السلطان: لا، ولكن دسّوا لهم قوماً لا يُعرَفون بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قُبِضَ عليه، قال: فخرج - أي توقيع من الناحية المقدَّسة - بأن يتقدَّم إلى جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئاً، وأن يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الأمر. فاندسَّ لمحمّد بن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به فقال: معي مال أُريد أن أُوصله. فقال له محمّد: غلطت أنا لا أعرف من هذا شيئاً. فلم يزل يتلطَّفه ومحمّد يتجاهل عليه، وبثّوا الجواسيس وامتنع الوكلاء كلّهم لما كان تقدَّم إليهم.
وروي عن علي بن محمّد، قال: خرج نهي - أي من الناحية المقدَّسة - عن زيارة مقابر قريش والحير، فلمَّا كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له: الق بني الفرات والبرسيين - برس بلدة بين الكوفة والحلَّة -، وقل لهم: لا يزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يُتفقَّد كلّ من زار فيُقبَض عليه. وغير ذلك(١٨).
فإنَّ هذا ما يدعو إلى التوقّف أو إبطال دعوى كلّ من يدَّعي تبليغ أمر ما من الإمام عليه السلام، أو القيام بإعداد تنظيمٍ ما، أو جماعة ترتكز مبادئها على رؤية الإمام عليه السلام، وتتلقّى الأوامر والتعاليم منه، أو ما شابه ذلك في الغيبة الكبرى كدعوى البابية والبهائية ونحوهما ممَّا نسمع ونرى.
هذا، ويُروى عن المولى المقدَّس الأردبيلي تشرّفه بالإمام عليه السلام على ما رواه العلَّامة المجلسي في (بحار الأنوار)، قال: ما أخبرني جماعة عن السيِّد الفاضل أمير علَّام، قال: كنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدَّسة بالغري على مشرِّفها السلام، وقد ذهب كثير من الليل، فبينا أنا أجول فيها، إذ رأيت شخصاً مقبلاً نحو الروضة المقدَّسة، فأقبلت إليه، فلمَّا قربت منه عرفت أنَّه أُستاذنا الفاضل العالم التقي الذكي مولانا أحمد الأردبيلي قدس سره.
فأخفيت نفسي عنه، حتَّى أتى الباب، وكان مغلقاً، فانفتح له عند وصوله إليه، ودخل الروضة، فسمعته يُكلِّم كأنَّه يناجي أحداً، ثمّ خرج، وأُغلق الباب، فمشيت خلفه حتَّى خرج من الغري وتوجَّه نحو مسجد الكوفة. فكنت خلفه بحيث لا يراني حتَّى دخل المسجد وصار إلى المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين عليه السلام عنده، ومكث طويلاً، ثمّ رجع وخرج من المسجد وأقبل نحو الغري.
فكنت خلفه حتَّى قرب من الحنّانة، فأخذني سعال لم أقدر على دفعه، فالتفت إليَّ فعرفني، وقال: أنت مير علَّام؟ قلت: نعم، قال: ما تصنع هاهنا؟ قلت: كنت معك حيث دخلت الروضة المقدَّسة إلى الآن، وأُقسم عليك بحقِّ صاحب القبر أن تُخبِرني بما جرى عليك في تلك الليلة، من البداية إلى النهاية. فقال: أُخبِرك على أن لا تُخبِر به أحداً ما دمت حيَّاً، فلمَّا توثَّق ذلك منّي قال: كنت أُفكِّر في بعض المسائل، وقد أغلقت عليَّ، فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنين عليه السلام وأسأله عن ذلك، فلمَّا وصلت إلى الباب فُتِحَ لي بغير مفتاح كما رأيت، فدخلت الروضة وابتهلت إلى الله تعالى في أن يجيبني مولاي عن ذلك، فسمعت صوتاً من القبر: أن ائتِ مسجد الكوفة وسَلْ عن القائم عليه السلام، فإنَّه إمام زمانك. فأتيت عند المحراب، وسألته عنها وأُجبت، وها أنا أرجع إلى بيتي(١٩).
أقول: تأمَّل جيِّداً في وقت الخروج ليلاً حيث تُغلَق أسوار مدينة النجف الأشرف، ولم يشاهده أحد، وهو العلم الذي تُرصَد حركاته وسكناته، وسيره في تلك البراري أثناء ساعات الليل المظلم وحيداً، في القرن العاشر الهجري، حيث لم تُعبَّد الطرق ولم تُسكن إلَّا متأخِّراً، ووحوش الفلاة منتشرة. وعلى فرض انطواء الأرض له فكيف بمن وراءه؟ و... و... و...!؟ فتأمَّل(٢٠).
ثمّ إنَّ الميرزا حسين النوري نقل هذا الإشكال في خاتمة (مستدرك وسائل الشيعة)، والجواب عنه، ثمّ قال: ونحن أوضحنا جواز الرؤية في الغيبة الكبرى بما لا مزيد عليه في رسالتنا (جنَّة المأوى)(٢١)، وفي كتاب (النجم الثاقب)(٢٢)، وذكرنا له شواهد وقرائن! لا تبقى معها ريبة! ونقلنا عن السيِّد المرتضى، وشيخ الطائفة، وابن طاووس التصريح بذلك، وذكرنا لما ورد من تكذيب مدَّعي الرؤية ضروباً من التأويل تُستَظهر من كلماتهم، فلاحظ هذا(٢٣).
أقول: مع تحفّظنا على الكتابين المذكورين، بل توقّفنا في قبول كثير ممَّا ورد فيهما، مع تناقضهما مع غيرها من الأخبار(٢٤). وممَّن تحفَّظ على كتب الميرزا النوري أيضاً آية الله السيِّد الخميني قدس سره، فقال: هذا حال كتب روايته غالباً كالمستدرك، ولا تسأل عن سائر كتبه المشحونة بالقصص والحكايات الغريبة التي غالبها بالهزل أشبه منه بالجدِّ، وهو قدس سره شخص صالح متتبِّع، إلَّا أنَّ اشتياقه لجمع الضعاف والغرائب والعجائب وما لا يقبلها العقل السليم والرأي المستقيم، أكثر من الكلام النافع، والعجب من معاصريه من أهل اليقظة! كيف ذهلوا وغفلوا حتَّى وقع ما وقع ممَّا بكت عليه السماوات، وكادت تتدكدك الأرض(٢٥)؟!
ثمّ إنَّ هناك فرقاً بين رؤية الإمام عليه السلام والتشرّف بخدمته عموماً، مع عدم تحديد هُويَّته، وبين دعوى الرؤية والتبليغ لأمر ما عنه عليه السلام مباشرةً، وإنَّنا وإن أقررنا بالأُولى، نرفض الثانية البتَّة، ولو تنزَّلنا وقلنا على فرض ثبوتها، فهي حجَّة على صاحبها لا غير، فتأمَّل.
ولو تنزَّلنا، فلا بدَّ أن يكون مبنى دعوى المدَّعي للرؤية على نحو القطع واليقين، لا الاحتمال والظنّ والأحلام، حتَّى يكون قول الإمام عليه السلام حجَّة عليه فعلاً؛ لعلمه بالحكم الواقعي من الإمام عليه السلام مباشرةً، وهيهاتَ ذلك!
ولكن لا يكون قول صاحب هذه الدعوى حجَّة علينا، إذ لا يوجد دليل معتبر يساعد على الأخذ بما رأى وادَّعى، بل الدليل المعتبر يخالف ذلك، ويكون هذا الأمر تكليف المدَّعي وقطعه، فيكون حجَّة عليه بحسب دعواه، وليس تكليفنا ولا حجَّة علينا، بل إنَّنا مأمورون بتكذيبه وعدم تصديقه، تبعاً للنصِّ السابق عنه عليه السلام، هذا كلّه مع سلامة العقل والنيَّة وأن لا يكون في موضع تهمة - على فرض ثبوت ذلك -.
وعلى كلِّ حالٍ، فإنَّه يمكن القول: إنَّ رؤيته عليه السلام في عالم الثبوت ممكنة، ولكن إثبات دعوى الرؤية إليه وتحقّقها في عالم الإثبات في عداد المستحيل، فافهم وانتبه، فإنَّ الصيد كلّه في جوف الفراء.
* * *
ودعوى أنَّ هناك جملةً من الأخبار الدالّة على مشاهدة الإمام المهدي عليه السلام، في غيبته الكبرى، مع تمحيصها، وهي إن أمكن النقاش في كلِّ رواية بمفردها وبمعزل عن المجموع إلَّا أنَّ العلم الحاصل من المجموع غير قابل للمناقشة، فإنَّه يصل إلى حدِّ التواتر، أو تورث الاطمئنان بصحَّتها؛ لقرائن مفيدة تحيطها، وشواهد محفوفة تلازمها، فلا حاجة بعد هذا إلى النظر في سندها، والتأمّل برجالها، فينتفي احتمال الكذب والخطأ والوهم، ولو في بعضها على الأقلّ(٢٦). أو كما قال الميرزا النوري: (إنَّها لا تقدر أن تعارض الوجدان القطعي، الذي يحصل من مجموع هذه القصص والحكايات)(٢٧).
مردودة باعتبار أنَّ ذلك لا ينفع؛ لأنَّ هذا القول لا ينفي أن يكون المجموع مبنيَّاً على المحتملات والاستنتاجات أو الاشتباهات، إن أحسنّا الظنَّ بِمُدَّعيها وسلامة نيَّتهم وذهنيتهم، إن لم يكن اشتباه من الرواة في نقلهم لهذه الدعاوى، التي يكون منشؤها الرؤيا والمنام، أو برزخ بين المنام واليقظة، فتُنقَل وتُروى على أنَّها قضيَّة واقعية حقيقية؛ وذلك لتعدّد وسائط النقل عن الراوي الأوَّل، وتغيّر الألفاظ والتعابير، والمعاني والأُسلوب، وصورة العرض بينهم، وهذا الأمر ليس بمستغرب.
وعليه، فإذا دخل الاحتمال والاستنتاج، والاشتباه والشكّ في ذلك، فطرحها أولى من التمسّك بها، والرجوع إلى عموم النصّ الثابت والصريح، عن الشيخ السمري قدس سره: «ألَا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم».
والتسامح في نقل تلك القصص رغم عموم المنع له نظائر، فإنَّ هناك أُموراً تعارف عليها الناس وتسامح بها المؤمنون، بمرأى ومنظر الفقهاء والعلماء، ومع ذلك لم تجعل من وجودها تواتراً أو اطمئناناً على قبولها وصحَّتها وحجّيتها، ككراهة تسنيم القبور مثلاً، فإنَّ هذا التسامح لا يُغيِّر من الواقع شيئاً، والحكم باقٍ ٍعلى الكراهة، والحال كما هو في دعاوى الرؤية للإمام المهدي عليه السلام وإن نُقِلَت من هنا وهناك، إلَّا أنَّه لا يُغيِّر من واقعها الشرعي والعلمي والعملي بالرفض وعدم القبول، وشتّان ما بين الأمرين.
* * *
وفي توجيههم إلى هذا القول، ودعوى الرؤية المباشرة، المنهي الاعتماد عليها في المذهب الإمامي، فقهاً وعقيدةً، نصَّاً وإجماعاً، محلّ إشكال وريبة، وإن كنّا لا نمنع من رؤية الإمام عليه السلام في الجملة، مع عدم تحديد هُويَّته مطلقاً.
ولا أرى في عقيدتي وجهاً مبرِّراً لذلك، إلَّا شدَّة التمسّك بحسن الظنِّ في علمائنا الأبرار، وهم إن كانوا أهلاً لذلك (رضي الله عنهم)، إلَّا أنَّه ليس كلّ ما يقال عنهم وفيهم يجب التصديق به، وأخذه على نحو المسلَّمات، وإنّي لا أرى أنَّهم - أي علماءنا الأبرار - يوافقون على دعوى الرؤية في حقِّهم، أو توجيه دعواهم للإجماع - المدَّعى عنهم - إلى مقام التشرّف بلقاء الإمام عليه السلام كدعوى الإجماع التشرّفي، وينسبون ذلك لأنفسهم على نحو القطع والجزم.
ومن المعلوم لمن استعرض أخبار المشاهدة والرؤية أنَّ أكثرها يتضمَّن نقلاً للحادث، ولكن صاحب الحادثة لا يُخبِر عن دعوى الرؤية بالصراحة والوضوح، وأنَّه قد شاهد الإمام المهدي عليه السلام وعرفه، إلَّا أنَّ السامع أو الناقل للحادثة يستنتج من ذلك أنَّ صاحب القصَّة المرويَّة عنه قد التقى بالإمام المهدي عليه السلام، ولو بعد تعدّد النقل والوسائط، أو بعد مضي فترة زمنية طويلة على الحكاية، وربَّما قد يوحي صاحب الحادثة بذلك...، فتأمَّل.
وعلى فرض إمكان الرؤية زمن الغيبة الكبرى لبعض حملة الأسرار في الجملة كما يقال - وفرض المحال ليس بمحال -، فلا ينبغي أن يُصَدَّق على ذلك، تبعاً للنصِّ الوارد، وإن لم نُكذِّبه، لعلَّة ما، بل يجب على المدَّعي عدم ذكر ذلك - إن ثبت - على أيّ نحو من الدلالة، احترازاً عن الاتِّهام؛ وكما قيل: الصادق لا يدَّعي الرؤية.
* * *
على أنَّنا نقف هذه الوقفة من هكذا دعاوى، لا لسوء الظنِّ بعلمائنا الأبرار، أو التجاوز على مقامهم العالي، ولكن من باب الحفاظ على صورة مذهب أهل البيت عليهم السلام ناصعة، وأن تكون طرق الدليل لأحكامه واضحة، وأبواب مصادره الفقهية والعقائدية مألوفة، ودفع القول بالاحتمال والظنِّ غير المعتبر؛ لأنَّ الظنَّ لا يُغني من الحقِّ شيئاً، قال تعالى: (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (النجم: ٢٨)، ولا أظنُّ أنَّهم يخالفونني الرأي.
فضلاً عن الحذر من هكذا دعاوى، التي تجرُّ إلى تشويش الفكر والعقيدة عند العوامّ، لاستغلالها من قِبَل البعض من ذوي العقول المريضة والنفوس الضعيفة في الدخول إلى البسطاء والسُّذَج من الناس والتأثير فيهم، وَجَرِّهم إلى ما لا يُحمَد عقباه.
فعلينا قطع دابر هؤلاء، وإخماد طموحهم غير المشروع، خصوصاً ممَّن له مِسحة من العلم، من الذين غرَّتهم الدنيا وزخارفها، باستغلال مثل هذه الدعاوى وغيرها في خداع الناس وتضليلهم بدعوى لقاء الإمام المهدي عليه السلام وأخذ التعاليم الدينية، والأوامر الشرعية، منه مباشرةً، بالاعتماد على بعض المرويّات المهلهلة للتدليل على ذلك وأخذها من بعض الكتب المشحونة بالقصص العجيبة والحكايات الغريبة التي لا يقبلها العقل السليم، أو إلباس ما صورته حقيقية كـ (الإجماع التشرّفي) كأنَّه حقيقة فعلاً، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم.
* * *
ثمّ إنَّ إثبات وجود الإمام المهدي عليه السلام، وأنَّه ما زال حيَّاً يُرزَق منذ أن وُلِدَ سنة (٢٥٥هـ)، لا يحتاج لهذه الشواهد والقرائن والدعاوى المهلهلة، التي نُقِلَت بطيبة، وسذاجة، ومبالغة، والتي تُستَغلُّ! وقد استغلَّتها بعض النفوس المريضة! واستندت إليها في تجميل دعواها الباطلة والضالّة، لإثبات صدقها كالبابية والبهائية وغيرهما من دجّالي العصر.
وفي عقيدتي ويقيني أنَّ في سُنَّة أهل البيت عليهم السلام وسيرتهم، وما أصَّلهُ الأصحاب بالتبع، من الأدلَّة الثابتة والبراهين القويَّة على إثبات وجوده عليه السلام الكثير الطيِّب، والحجَّة على إثبات ولادته، وإمكان حياته، هذه الفترة الطويلة ساطعة، بأدلَّة عقلية ونقلية، فلا حاجة لنا بمثل هذه الدعاوى المهلهلة؛ لترسيخ عقيدتنا أو تقوية إيماننا بوجود الإمام المهدي عليه السلام - كما قد يقال -.
على أنَّ غيبة الإمام المهدي عليه السلام لا تمنع من قيامه بواجبه الإسلامي والقيادي والاجتماعي في مصلحة الإسلام كأيِّ فردٍ آخر من المسلمين، في أيِّ قسم اقتضت المصلحة تنفيذه كهداية شخص أو جماعة من الكفر إلى الإسلام، أو من الانحراف إلى الوعي، أو من الظلم إلى الاعتدال، أو جعل الموانع ضدّ الظلم القائم على المجتمع من تأثيره في الإسلام والمسلمين عامَّة، وضدّ قواعده الشعبية خاصَّة، إلى غير ذلك(٢٨)، ولكن بحدود معيَّنة.
* * *
وأمَّا قول بعض الأعلام: إنَّ المشاهدة غير الرؤية، فإنَّ الرؤية تفيد العموم، سواء عرف أنَّه الإمام المهدي عليه السلام حين الرؤية، أو عرفه بعد غيابه عنه ورحيله، من خلال بعض القرائن المحيطة باللقاء والواقعة، فيستنتج منها ويحتمل أنَّ الذي رآه هو الإمام المهدي عليه السلام. والرؤية قد تحدث مرَّة واحدة للشخص ولا تتكرَّر، فهذا المعنى من الرؤية لا مانع منه، وقد حدثت لكثير من الناس، على اختلاف طبقاتهم.
وأمَّا المشاهدة - التي ورد اللفظ بها في التوقيع الأخير- فهي تدلُّ على الحضور والاستمرار برؤية الإمام المهدي عليه السلام واللقاء به، مع تشخيص هُويَّته، والتي يستلزم منها دعوى النيابة والسفارة الخاصَّة، وهذا الأمر ممنوع بتاتاً، وهو المشار إليه في التوقيع الأخير، قبل الصيحة وخروج السفياني.
ففيه تأمّل، فإنَّ الرُّؤيَةَ، بالضَّمِّ: إدْراكُ المَرْئي، بمعنى بلوغ غاية الشيء وأقصاه، وهو على أنواع بحَسَبِ قُوَى النَّفْس البشرية:
الأوَّل: النَّظَرُ بالعَيْنِ التي هي الحاسَّة، وما يَجْرِي مجْراها، نحو قوله تعالى:
(لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) (التكاثر: ٦ و٧)، وقوله تعالى: (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ) (الزمر: ٦٠). ومِن الأخيرِ قوْلُه تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) (التوبة: ١٠٥)، فإنَّه ممَّا أُجْرِي مجْرَى الرُّؤْيَة بالحاسَّةِ، فإنَّ الحاسَّةَ لا تصحُّ على الله تعالى، وعلى ذلكَ قَوْله تعالى: (يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (الأعراف: ٢٧).
والثَّاني: بالوَهْمِ والتَّخَيُّل نَحْو: أَرَى أَنَّ زيْداً مُنْطَلقٌ، ونحو قوله تعالى:
(وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا) (الأنفال: ٥٠).
والثَّالث: بالتَّفَكُّر، نحو قوله تعالى: (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) (الأنفال: ٤٨).
والَّرابع: بالقَلْبِ، أَي بالعَقْل، وعلى ذلك قوْلُه تعالى: (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (النجم: ١١)، وعلى ذلكَ قوْلُه تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) (النجم: ١٣)(٢٩).
المراد في المقام من معنى الرؤية للإمام المهدي عليه السلام، هي الرؤية بالحاسَّة البصرية، أي بالعين، تقول: رأيت بعيني رؤيةً، ورأيته رأي العين، أي: حيث يقع البصر عليه(٣٠). وهذا يستلزم إدراك ومعرفة أنَّ الرجل الذي يقف أمامه هو الإمام المهدي عليه السلام، وهذا هو أيضاً من معاني المشاهدة والحضور كما سيأتي، وإنَّما ذكر العين بقوله: (رأيت بعيني)؛ لأنَّ الرؤية قد تكون بمعنى (العلم).
أمَّا في حال ذهاب الرجل عنه، وإدراك الرائي واعتقاده بعد اللقاء أنَّ الذي رآه هو الإمام المهدي، من خلال بعض القرائن المُحيطة للواقعة، فإنَّه لا يدخل في باب الرؤية البصرية الآنية المباشرة، وإنَّما يدخل في واحد من الأُمور الثلاثة الأُخرى لمعنى الرؤية المذكورة آنفاً، والتي نتائجها نسبية مقدَّرة من شخص لآخر، وأنَّها مضطربة، وغير مستقرَّة في النفس، بل ويتحكَّم فيها عامل التقوى والإيمان والورع، وسيرة مدَّعي الرؤية وسلوكه العملي، فضلاً عن حدود مستواه العلمي، وقابليته الذهنية والعقلية، وكيفية تعامله مع القرائن المحيطة لدعوى الرؤية والمشاهدة وقراءته لها.
على أنَّ هذه الأُمور الثلاثة الأخيرة، خارجة تخصّصاً عن محور كلامنا؛ لأنَّ كلامنا مبنيٌّ على أساس دعوى الرؤية للإمام المهدي عليه السلام بالعين الباصرة المُدرِكة المشخِّصة له، لا غير.
أمَّا المشاهدة فهي وإن كانت بمستوى دلالة الرؤية، وتؤدّي إلى نفس الغرض المراد، وهي رؤية الإمام المهدي وتشخيصه، إلَّا أنَّه يمكن القول: إنَّها أقوى دلالة من الرؤية، حيث إنَّ المشاهدة تفيد القطع بمعرفة هُويَّة الإمام مع الحضور، بناءً على القول بعدم وجود الألفاظ المترادفة في اللغة العربية.
قال أبو هلال العسكري: إنَّ المُشاهد للشيء هو المدرِك له رؤيةً، وقال بعضهم: رؤيةً وسمعاً، وهو في الرؤية أشهر(٣١).
وقال الراغب الأصبهاني: الشهود والشهادة الحضور مع المشاهدة، إمَّا بالبصر أو بالبصيرة...، لكن الشهود بالحضور المجرَّد أولى، والشهادة مع المشاهدة أولى(٣٢). والكلام في البصيرة فيه تأمّل.
وقال الزبيدي: الشَّهَادةُ خَبَرٌ قاطعٌ، كذا في (اللِّسَان)، و(الأَساس). وقد شَهُدَ الرجلُ على كذا، كعَلِمَ وكَرُمَ شَهَداً وشَهَادةً...، وشَهِدَه كسَمِعَه شُهُوداً أي حَضَره، فهو شاهِدٌ، جمع شُهودٌ، أَي حُضُورٌ. وشاهَدَهُ مُشَاهدةً: عايَنَهُ كشَهِده(٣٣).
فتحصَّل من ذلك، أنَّ المشاهدة والرؤية البصرية مع إدراك ومعرفة الإمام المهدي عليه السلام، يؤدّيان إلى نفس الغرض والنتيجة، وهو إثبات دعوى رؤيته واللقاء به، مع تشخيص هُويَّته في زمن الغيبة الكبرى، المنفيَّة بالتوقيع الأخير للشيخ السمري رضي الله عنه، والمعبَّر عنها بالمشاهدة، التي تفيد الرؤية القطعية، كما تفيد أيضاً معنى الرؤية البصرية الثابتة له عليه السلام، سواء أكانت الرؤية مرَّة واحدة أو كانت متعدِّدة.
وأمَّا دعوى أنَّ المشاهدة للإمام المهدي عليه السلام تفيد النيابة والسفارة فلا ملازمة بينهما، فكما تجري دعاوى النيابة والتبليغ عن الإمام المهدي عليه السلام على مدَّعي الرؤية بلفظها ومعناها الخاصّ بالعين الباصرة، كذا تجري على مدَّعي المشاهدة بلفظها، بناءً على هذا الفرض.
* * *
إنَّ عقيدتنا بالإمام المهدي عليه السلام قويَّة في نفوسنا، راسخة في عقولنا، لا يتطرَّق إليها الشكّ والريب، منذ أن عرفنا أنَّه الحقّ؛ لأنَّ وجوده قائم على الدليل والبرهان والحجَّة، ونحن أبناء مدرسة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام وتربيته، وهو القائل: «ما شككت في الحقِّ مُذ أريته»، وقال عليه السلام: «لو كُشِفَ لي الغطاء ما ازددت يقيناً».
إنَّ غياب الإمام عليه السلام ظاهر في عقول المؤمنين، مكشوف في قلوبهم، قائم على الوضوح في الرؤية، وصدق الإحساس في العقل، وسلامة الفطرة، وصفاء الوجدان، وليس غيابه يُولد فيهم حالة خوفٍ أو غموضٍ أو إبهامٍ للمستقبل، بل يُشعِرهم بالأمن والسلام، والسكينة والاطمئنان، والعمل لبناء حياة سعيدة يتكامل فيها الإنسان ويرتقي، وإنَّ ديمومة الحياة جارية بالثقلين: كتاب الله (عزَّ وجلَّ) حبل ممدود من السماء إلى الأرض، والعترةِ الطاهرة، التي يُمثِّلها الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، اللذَين لن يفترقا حتَّى يردا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحوض، متلازمين متصاحبين، كما قال النبيُّ (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) في الحديث المتواتر عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تُخلِّفوني فيهما»(٣٤).
ومن لطيف ما قيل في الإمام المهدي عليه السلام: نحن متى نعود إلى العقل ونناشده عن هذا المهدي المؤمَّل عليه السلام نجده يقول الفصل، ويهدي لما هو الحقّ والصواب، فيقول: إنَّ الحجَّة المنتظر عليه السلام هو في وجوده حقيقة جوهرية قائمة في هذا العالم بأمر ربِّها، كما تقوم الملائكة في نظامها وسرّ وجودها، ولا مانع أن يكون لها مدار حيوي ينتفع به الوجود، فاستلزم ذلك إضمارها، ولا يمنع العقل بقاء تلك الحقيقة على صلاحية كاملة في عالم الدنيا وإخفاءها بعد أن استلزم تكوينها المقدَّر على هذا الوجود، أمَّا الحياة الخارجية فلا تثبت إلَّا بالمشاهدة والسير الاختياري؛ لتحقّق النفع المشترك الذي يقع على عهدة هذه الأفراد ما دامت لها الحياة، وإلَّا فإنَّ وجوداً في الخارج، ومخفيَّاً عن الأبصار، ومحجوزاً غير مختار، لا يمكن للعقل أن يُطبِّقه على فائدة توجب ذلك، فليس إلَّا أن نقول: حقيقة ذات وجود حيوي في نطاق القدرة(٣٥).
وإلى هذا المعنى تشير بعض الروايات في كيفية الانتفاع بالإمام المهدي عليه السلام في حال غيبته عن الناس، منها: ما رواه الحمويني الشافعي بسنده عن سليمان بن مهران الأعمش، عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام، قال: «نحن أئمَّة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغرّ المحجَّلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان لأهل الأرض، كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يُمسِك الله السماء أن تقع على الأرض إلَّا بإذنه، وبنا يُمسِك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا يُنزِل الغيث وينشر الرحمة، ويخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها».
ثمّ قال: «ولم تخلُ الأرض منذ خلق الله آدم من حجَّة لله فيها، ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجَّة لله فيها، ولولا ذلك لم يُعبَد الله».
فقال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام: فكيف ينتفع الناس بالحجَّة الغائب المستور؟
قال: «كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب»(٣٦).
وروى القندوزي الحنفي بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا جابر، إنَّ أوصيائي وأئمَّة المسلمين من بعدي أوَّلهم علي، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي المعروف بالباقر ستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ القائم، اسمه اسمي وكنيته كنيتي، ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبةً، لا يثبت على القول بإمامته إلَّا من امتحن الله قلبه للإيمان».
قال جابر: فقلت: يا رسول الله، فهل للناس الانتفاع به في غيبته؟
فقال: «إي والذي بعثني بالنبوَّة، إنَّهم يستضيؤون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن سترها سحاب، هذا من مكنون سرّ الله ومخزون علم الله، فاكتمه إلَّا عن أهله»(٣٧).
وقد ذكر العلَّامة المجلسي ثمانية أُمور في وجه تشبيه الإمام الحجَّة المنتظر عليه السلام بالشمس التي يُجلِّلها السحاب، يمكن مراجعتها في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٩٣ و٩٤).
وعلَّق سيِّدنا الأُستاذ الشهيد الصدر الثاني قدس سره على قوله عليه السلام: «كانتفاع الناس بالشمس وإن سترها سحاب»، فقال: فالسحاب كناية عن خفاء العنوان - أي الهُويَّة -، والشمس كناية عن التأثير النافع المنتج في المجتمع. على أنَّنا نحتمل في كلِّ عمل خيري عامّ، أو سُنَّة اجتماعية حسنة، أو فكرة إسلاميَّة جديدة، أو نحو ذلك من الأُمور، نحتمل أن يكون وراءها إصبع مخلص متحرِّك من قِبَل الإمام المهدي عليه السلام، وأنَّه هو الذي زرع بذرته الأُولى في صدر أو عمل أحد الأشخاص أو الجماعات، بحيث انتجت أُكُلها في كلِّ حين بإذن ربِّها. غاية الفرق أنَّ تلك الأعمال كانت منه ومن آبائه بالصفة الحقيقية لهم، أمَّا عمله خلال هذه الفترة - الغيبة الكبرى - فليس بهذه الصفة، وإنَّما بصفته فرداً اعتيادياً في المجتمع. بعد وضوح أنَّ العمل الذي يمكن للمهدي عليه السلام تنفيذه مع جهل الناس بحقيقته وعنوانه - أي في غيبته - أقلّ بكثير ممَّا يستطيع القيام به حال ظهوره وإعلان أمره - أي بتحديد هُويَّته -.
إذن فعمل الإمام المهدي عليه السلام لا بدَّ أن يقتصر على الحدود التي لا تؤدّي إلى انكشاف أمره، فيُدقِّق في ذلك ويُخطِّط له، وهو الخبير الألمعي ويحسب لكلِّ عمل حسابه، وأيّ عملِ عَلِمَ أنَّ التدخّل فيه يوجب الانكشاف انسحب عنه، مهما ترتَّبت عليه من نتائج؛ لأنَّ حفاظ سرِّه وذخره لليوم الموعود، أهّم من جميع ما يتركه من أعمال، ولكن هذا لا ينافي تأثيره في الأعمال الإسلاميَّة الخيِّرة التي نراها صائرة في المجتمع؛ وذلك لإمكان أن يكون هو المؤثِّر في تأسيسها حال صغرها وضآلة شأنها، وقد أودعها إلى المخلصين الذين يأخذون بها ويذكرون أوارها، بدون أن يلتفتوا أو يُلتَفت إلى حقيقة عمله، بقليل ولا كثير(٣٨).
* * *
ومن كلمات للسيِّد علي بن طاووس تناسب المقام، قوله: مع أنَّه عليه السلام حاضر مع الله (جلَّ جلاله) على اليقين، وإنَّما غاب من لم يلقه عنهم، لغيبتهم عن حضرة المتابعة له، ولربِّ العالمين(٣٩).
أقول: وفي عقيدتي من كانت هذه صلته بربِّ العالمين (عزَّ وجلَّ)، ومن كان هذا شأنه عند حجَّة الله في الأرض عليه السلام بالمتابعة والاتِّصال الروحي والمعنوي والمادّي، فهو أسمى من أن يدَّعي لنفسه مثل دعوى الرؤية ويشيعها بين الناس، ويضع نفسه موضع التهمة والقيل والشبهة، فضلاً عن مخالفة ظاهر كلام الإمام عليه السلام في التوقيع الأخير الصادر منه عليه السلام، إلى السفير الرابع الشيخ السمري رضي الله عنه، وقد مَرَّ ذكره، وإجماع المذهب، ومخالفة ضرورة من ضروراته. والصادق لا يدَّعي الرؤية.
* * *
ثمّ نتساءل: هل الإمام المهدي عليه السلام مأمور ببثِّ العقائد الدينية والأحكام الشرعية وغير ذلك، إلى الناس في زمن الغيبة الكبرى، وبيان ما وقعوا فيه من اختلاف فيها، أم لا؟ لأنَّهم عليهم السلام قد أَصَّلوا الأُصول وبيَّنوا الفروع للناس، فإذا ضاع شيء منها أو فُقِدَ فهو بسبب إهمالنا وتقصيرنا في حفظها لا بتقصير منهم في التبليغ والبيان للأحكام الشرعية والعقائد الدينية.
فهذا سؤال يطرح نفسه بقوَّة، قال الشيخ المظفَّر قدس سره في (أُصول الفقه): إنَّ اختفاء الإمام واحتجاب نفعه - مع ما فيه من تفويت لأعظم المصالح النوعية للبشر - هو نفسه قد يدعو إلى احتجاب حكم الله عند إجماع العلماء على حكم مخالف للواقع، لاسيّما إذا كان الإجماع من أهل عصر واحد، ولا يلزم من ذلك إخلال الإمام بالواجب عليه، وهو تبليغ الأحكام، لأنَّ الاحتجاب ليس من سببه.
وعلى هذا فمن أين يحصل لنا القطع بأنَّه لا بدَّ للإمام من إظهار الحقِّ حال غيبته، عند حصول إجماع ما هو مخالف للواقع؟
وللمشكِّك أن يزيد على ذلك، فيقول: لماذا لا تقتضي هذه القاعدة أن يُظهِر الإمام الحقَّ حتَّى في صورة الخلاف، لاسيّما أنَّ بعض المسائل الخلافية قد يقع فيها أكثر الناس في مخالفة الواقع؟
بل لو أحصينا المسائل الخلافية في الفقه التي هي الأكثر من مسائله، لوجدنا أنَّ كثيراً من الناس لا محالة واقعون في مخالفة الواقع، فلماذا لا يجب على الإمام هنا تبليغ الأحكام؛ حتَّى يقلَّ الخلاف أو ينعدم، وبه تكون نجاة المؤمنين من الوقوع في مخالفة الواقع؟
وإذا جاء الاحتمال لا يبقى مجال لاستلزام الإجماع القطع بقول المعصوم من جهة قاعدة اللطف(٤٠).
إنَّه ليس من تكليف الإمام المهدي عليه السلام تبليغ الأحكام إلى الناس في عصر الغيبة الكبرى، أو توجيههم وإرشادهم وإعانتهم بالمباشرة، لاسيّما وأنَّ أمر غيابه واحتجابه عن الناس لم يكن بإرادته ولا باختياره، بل بأمر من مشرِّع الأحكام سبحانه وتعالى، وباعث الرسل، ومُنزِل الكتب السماوية، حتَّى يقال: إنَّ من رآه وادَّعى تبليغ شيء عنه - كدعوى الإجماع التشرّفي - إنَّه يجمع بين الأمر بإظهار الحقِّ، والنهي التعبّدي عن إذاعة مثل ذلك؛ لأنَّ في هذا نقضاً للغرض، وهذا لا يجوز على الحكماء والعقلاء، فضلاً عن وجود كثير من الأحكام الخلافية الابتلائية المتناقضة بين آراء الفقهاء من زمن الغيبة الكبرى وحتَّى يومنا هذا، ولم نرَ لها حكماً يُوضِّحها منه عليه السلام، أو تبليغاً يرفع الخلاف عنها مع تطاول الأزمان.
والغريب في الأمر، أنَّه مع دقَّة علمائنا الأعلام، ومسلك فقهائنا العظام، في التثبّت بأخذ الرواية، وشدَّة تحرّزهم في العمل عليها، واحتياطهم في الاستدلال بها، ما لم يقطعوا بتمام الحجّية من جهات عدَّة، وأهمّها جهة السند، ترى البعض يتسامح في قبول مثل هذه الدعاوى كنقل حكم شرعي عن طريقه بدعوى الإجماع التشرّفي، مع عدم ثبوت حجّيته!، وغيره من دعاوى الرؤية المباشرة المُشخِصة للإمام المهدي عليه السلام مع أنَّ طرق نقلها مرسلة، وبعضها عن مجاهيل، واعتماد أغلب هذه الدعاوى على نقل التابعيين البسطاء، والعوامّ السُّذَج، وإن كانوا مؤمنين!!
* * *
وهذا ما يقال - كما قال المحقِّق الكاظمي - من أنَّ هذه الدعاوى ربَّما تكون هي الأصل في كثير من الزيارات والآداب والأعمال المعروفة التي تداولت بين الإماميَّة، ولا مستند لها ظاهراً من أخبارهم، ولا من كتب قدمائهم الواقفين على آثار الأئمَّة وأسرارهم، ولا أمارة تشهد بأنَّ منشأها أخبار مطلقة، أو وجوه مستحسنة، هي التي دعتهم إلى إنشائها، وترتيبها، والاعتناء بجمعها، وتدوينها كما هو الظاهر في جملة منها(٤١).
أقول: إنَّ إثبات هذه الأعمال والمستحبّات كالزيارات والآداب العامَّة جاءت بطريق رؤية الإمام المهدي عليه السلام والإخبار عنه، هو أوَّل الكلام. ولكن كلامنا وإن كان في الحكم الشرعي التكليفي التعبّدي، وطريق الوصول إليه، أمَّا في غير ذلك من السنن، فلا بأس بالتأسّي بها، والعمل بما ورد فيها مع التحفّظ من نسبتها إلى الشارع المقدَّس، وذلك للتسامح والسعة في أدلَّتها وطرقها، والتي قد تكون داخلة في عموميات الأحكام الأُخرى، ما لم تخالف حكماً شرعياً ظاهرياً، أو أمراً عقائدياً مُسلَّماً به، أو ارتكازاً عقلياً، أو سيرةً ثابتةً، مع الاحتياط والتحرّز من نسبتها إلى الإمام عليه السلام جزماً وقطعاً، لا أقلَّ من القول: إنَّه ممَّا يُنسَب إلى الإمام عليه السلام، ولو على نحو الإرسال، والله العالم.
وأمَّا ما قرَّره المحقِّق الكاظمي فيها من أنَّه لا مستند لها ظاهراً من الأخبار، ولا من كتب قدماء الأصحاب الواقفين على آثار الأئمَّة الأطهار، بل ولا أمارة تشهد بأنَّ منشأها أخبار مطلقة، أو وجوه مستحسنة، دعتهم إلى إنشائها، وترتيبها، وتدوينها، والاعتناء بجمعها.. فهذا منه في غاية العجب!!
ومنها - أي إثبات بعض الأعمال عن طريق رؤية الإمام عليه السلام - كما روى والد العلَّامة وابن طاووس طاب ثراهما، عن السيِّد الكبير العابد رضي الدين محمّد بن محمّد الآوي الحسيني، المجاور بالمشهد المقدَّس الغروي قدس سره، عن صاحب الزمان عليه السلام في طريق الاستخارة بالسبحة وغيره أيضاً على ما يظهر من كلام الشهيد، كما رواه الميرزا النوري، قال: ذكر العلَّامة الحلّي رحمه الله في (منهاج الصلاح)، قال: نوع آخر من الاستخارة رويته عن والدي الفقيه سديد الدين يوسف بن علي بن المطهَّر رحمه الله، عن السيِّد رضي الدين محمّد الآوي الحسيني، عن صاحب الأمر عليه السلام، وهو أن يقرأ فاتحة الكتاب عشر مرَّات وأقلّه ثلاث مرَّات، والأدون منه مرَّة، ثمّ يقرأ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) عشر مرَّات، ثمّ يقرأ هذا الدعاء ثلاث مرَّات: «اللّهمّ إنّي أستخيرك لعلمك بعواقب الأُمور، وأستشيرك لحسن ظنّي بك في المأمول والمحذور، اللّهمّ إن كان الأمر الفلاني قد نيطت بالبركة أعجازه وبواديه، وحفَّت بالكرامة أيّامه ولياليه، فخِرْ لي فيه خيرة تردُّ شموسه ذلولاً، وتقعض أيّامه سروراً. اللّهمّ إمَّا أمر فأئتمر وإمَّا نهي فأنتهي. اللّهمّ إنّي أستخيرك برحمتك خيرةً في عافية». ثمّ يقبض على قطعة من السبحة، ويضمر حاجته، ويُخرِج إن كان عدد تلك القطعة زوجاً فهو (افعل)، وإن كان فرداً (لا تفعل)، أو بالعكس.
قال الشهيد رحمه الله في الذكرى (ج ٤/ ص ٢٦٩): ومنها الاستخارة بالعدد، ولم يكن هذه مشهورة في العصور الماضية، قبل زمان السيِّد الكبير العابد رضي الدين محمّد الآوي الحسيني المجاور بالمشهد المقدَّس الغروي رضي الله عنه، وقد رويناها عنه وجميع مرويّاته عن عدَّة من مشايخنا، عن الشيخ الكبير الفاضل جمال الدين ابن المطهَّر عن السيِّد الرضي، عن صاحب الأمر عليه السلام. وتقدَّم عنه رحمه الله حكاية أُخرى.
وفي بحار الأنوار (ج ٨٨/ ص ٢٥١): وروي أيضاً عن الشيخ يوسف بن الحسين أنَّه وجد بخطِّ الشهيد السعيد محمّد بن مكّي قدس سره، قال: تقرأ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) عشر مرَّات، ثمّ تدعو بهذا الدعاء: «اللّهمّ إنّي أستخيرك لعلمك بعاقبة الأُمور».
وقال أيضاً: ووجدت بخطِّ الشيخ الجليل محمّد بن علي الجباعي جدّ شيخنا البهائي رحمه الله أنَّه نقل من خطِّ السعيد الشهيد محمّد بن مكّي (نوَّر الله ضريحه) هكذا: طريق الاستخارة الصلاة على محمّد وآله سبع مرَّات، وبعده: «يا أسمع السامعين، ويا أبصر الناظرين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، ويا أحكم الحاكمين، صلِّ على محمّد وآل محمّد»، ثمّ الزوج والفرد(٤٢).
هذا، ولم نعرف طريق الراوي إلى الإمام المهدي عليه السلام وصورة نقله لهذه الأعمال، أكان مسنداً عنه، أم رواه بالإرسال، أو عن طريق الوجادة، أو عن طريق المنام والرؤيا، أم بالمشاهدة والرؤية البصرية؟! والله العالم.
ومنها ما روي عنه في قصَّة الجزيرة الخضراء المعروفة المذكورة في (البحار)(٤٣).
أقول: وهي قصَّة أقرب إلى الخيال من الواقع، تحكي مشاهد حيَّة لبعض الأشخاص المجهولين، ادَّعى أنَّ للإمام المهدي عليه السلام أولاداً وأحفاداً يتناسلون ويعيشون في جزيرة واقعة في البحر الأبيض تُعرَف ب (الجزيرة الخضراء)، وأنَّ الحياة فيها والتعامل بين أهلها في صورة أقرب إلى صورة المدينة الفاضلة.
وهذه الجزيرة حتَّى يومنا هذا لم يُعرَف موقعها جغرافياً، أو تُحدَّد خارطتها على سطح الأرض، أو تُرصَد فلكيَّاً، على الرغم من الاكتشافات الحديثة، والمسح العامّ لخارطة كوكب الأرض بواسطة الأقمار الاصطناعية، ونحو ذلك.
فهو حديث لا واقع له، ولا يَعضُده نقل صحيح، ولا نصٌّ صريح.
هذا، وإنَّ من جملة ما أفاده آية الله البحّاثة الشيخ آغا بزرك الطهراني في كتاب (الذريعة) تعليقاً على قصَّة (الجزيرة الخضراء) ما جاء فيه: وقد حكى خصوصيات تلك الجزيرة من ادَّعى أنَّه رآها بعينه وهو الرجل الجليل الذي لم يُعلَم اسمه ولم يُعرَف شخصه قبل مجلس نقله...
وبالجملة لم تصل هذه الحكاية إلينا إلَّا بالوجادة، ولم نعرف من أحوال الحاكي لها إلَّا أنَّه كان رجلاً محترماً في ذلك المجلس، وقد اشتمل سندها على عدَّة تواريخ تناقض ما في متنها!!، واشتمل متنها على أُمور عجيبة قابلة للإنكار!!، وما هذا شأنه لا يمكن أن يكون داعي العلماء من إدراجه في كتبهم المعتمدة بيان لزوم الاعتماد عليها أو الحكم بصحَّتها مثلاً، أو جعل الاعتقاد بصدقها واجباً، حاشاهم عن ذلك، بل إنَّما غرضهم من نقل هذه الحكايات مجرَّد الاستئناس بذكر الحبيب وذكر دياره، والاستماع لآثاره مع ما فيها من رفع الاستبعاد عن حياته في دار الدنيا، وبقائه متنعِّماً فيها في أحسن عيش وأفر حال!!...(٤٤).
ومنها ما سمعه ابن طاووس منه عليه السلام من دعاءه لشيعته عليه السلام في السرداب الشريف، قال الميرزا النوري: رأيت في ملحقات كتاب (أنيس العابدين)، وهو كتاب كبير في الأدعية والأوراد ينقل عنه العلَّامة المجلسي في المجلَّد التاسع عشر من (البحار) والميرزا في (الصحيفة الثالثة) ما لفظه: نُقِلَ عن ابن طاووس رحمه الله أنَّه سمع سحراً في السرداب عن صاحب الأمر عليه السلام أنَّه يقول: «اللّهمّ إنَّ شيعتنا خُلِقَت من شعاع أنوارنا وبقيَّة طينتنا، وقد فعلوا ذنوباً كثيرةً اتِّكالاً على حبِّنا وولايتنا، فإن كانت ذنوبهم بينك وبينهم فاصفح عنهم فقد رضينا، وما كان منها فيما بينهم فأصلح بينهم وقاص بها عن خمسنا، وأدخلهم الجنَّة، وزحزحهم عن النار، ولا تجمع بينهم وبين أعدائنا في سخطك»(٤٥).
ولا نعلم ربَّما كان ذلك في المنام أو برزخ بين النوم واليقظة، فتأمَّل، والله العالم.
ومنها ما علَّمه الإمام المهدي عليه السلام إلى محمّد بن علي العلوي الحسيني المصري في حائر الحسين، وهو بين اليقظان والنائم، وقد أتاه الإمام مكرَّراً وعلَّمه، إلى أن تعلَّمه في خمس ليالٍ وحفظه، ثمّ دعا به واستجيب دعاؤه، وهو الدعاء المعروف بالعلوي المصري، روى السيِّد الجليل علي بن طاووس في (مهج الدعوات): وجدت في مجلَّد عتيق ذكر كاتبه أنَّ اسمه الحسين بن علي بن هند، وأنَّه كتب في شوّال سنة ستّ وتسعين وثلاث مائة دعاء العلوي المصري بما هذا لفظ إسناده: دعاء علَّمه سيِّدنا المؤمَّل (صلوات الله عليه) رجلاً من شيعته وأهله في المنام، وكان مظلوماً ففرَّج الله عنه، وقُتِلَ عدوّه. حدَّثني أبو علي أحمد بن محمّد بن الحسين، وإسحاق بن جعفر بن محمّد العلوي العريضي بحرّان، قال: حدَّثني محمّد بن علي العلوي الحسيني، وكان يسكن بمصر، قال: دهمني أمر عظيم، وهمٌّ شديد، من قِبَل صاحب مصر، فخشيته على نفسي، وكان سعى بي إلى أحمد بن طولون، فخرجت من مصر حاجَّاً، فصرت من الحجاز إلى العراق، فقصدت مشهد مولانا الحسين بن علي عليهما السلام عائذاً به، ولائذاً بقبره، ومستجيراً به، من سطوة من كنت أخافه، فأقمت بالحائر خمسة عشر يوماً أدعو وأتضرَّع ليلي ونهاري، فتراءى لي قيِّم الزمان عليه السلام ووليّ الرحمن، وأنا بين النائم واليقظان، فقال لي: «يقول لك الحسين بن علي عليهم السلام: يا بني خفت فلاناً؟».
فقلت: نعم أراد هلاكي، فلجأت إلى سيِّدي عليه السلام أشكو إليه عظيم ما أراد بي.
فقال عليه السلام: «هلَّا دعوت الله ربُّك (عزَّ وجلَّ) وربُّ آبائك بالأدعية التي دعا بها من سلف من الأنبياء عليهم السلام، فقد كانوا في شدَّة فكشف الله عنهم ذلك».
قلت: وماذا أدعوه؟
فقال عليه السلام: «إذا كان ليلة الجمعة، فاغتسل وصلِّ صلاة الليل، فإذا سجدت سجدة الشكر، دعوت بهذا الدعاء، وأنت بارك على ركبتك»، فذكر لي دعاء، قال: ورأيته في مثل ذلك الوقت، يأتيني وأنا بين النائم واليقظان، قال: وكان يأتيني خمس ليال متواليات يُكرِّر عليَّ هذا القول والدعاء حتَّى حفظته وانقطع مجيئه ليلة الجمعة.
فاغتسلت وغيَّرت ثيابي، وتطيَّبت وصلَّيت صلاة الليل، وسجدت سجدة الشكر، وجثوت على ركبتي، ودعوت الله جلَّ وتعالى بهذا الدعاء، فأتاني ليلة السبت، فقال لي: «قد أُجيبت دعوتك يا محمّد! وقُتِلَ عدوّك عند فراغك من الدعاء عند من وشى به إليه». فلمَّا أصبحت ودَّعت سيِّدي، وخرجت متوجِّهاً إلى مصر، فلمَّا بلغت الأُردن وأنا متوجِّه إلى مصر، رأيت رجلاً من جيراني بمصر وكان مؤمناً، فحدَّثني أنَّ خصمي قبض عليه أحمد بن طولون، فأمر به فأصبح مذبوحاً من قفاه، قال: وذلك في ليلة الجمعة، فأمر به فطُرِحَ في النيل، وكان فيما أخبرني جماعة من أهلينا وإخواننا الشيعة أنَّ ذلك كان فيما بلغهم عند فراغي من الدعاء كما أخبرني مولاي عليه السلام.
ثمّ ذكر له طريقاً آخر عن أبي الحسن علي بن حمّاد البصري، ثمّ ساق رحمه الله الدعاء بتمامه وهو طويل، ولذا تركنا نقله حذراً من الخروج عن وضع البحث، مع كونه في غاية الانتشار، وهذه الحكاية موجودة في باب المعاجز من (البحار)(٤٦).
أقول: وكما تقرأ أنَّه لم يعلم أنَّه الإمام عليه السلام يقيناً، بل ربَّما كانت رؤيا صادقة مع صفاء النفس، ونقاء الروح، وخلوصه لله تعالى وقتئذٍ، فتأمَّل. وغير ذلك ممَّا يوجب التأمّل والوقوف عنده طويلاً.
وأخيراً فالقول ما قلناه: إنَّ رؤيته عليه السلام في عالم الثبوت ممكنة، ولكن إثبات دعوى الرؤية وتحقّقها في عالم الإثبات في عداد المستحيل، فافهم.
والله تعالى العالم بحقائق الأُمور والهادي إلى النور المبين.
المصادر والمراجع
*القرآن الكريم: كلام ربّ العالمين.
* الاحتجاج: الشيخ الطبرسي/ تعليق محمّد باقر الخرسان/ طبع ١٣٨٦هـ/١٩٦٦م، الناشر دار النعمان للطباعة والنشر/ النجف الأشراف.
* أُصول الفقه: الشيخ محمّد رضا المظفَّر/ نشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم.
* أنوار الهداية في التعليق على الكفاية: السيِّد روح الله الخميني/ تحقيق ونشر مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني/ قم/ الطبعة الثانية/ شعبان ١٤١٥هـ/ مطبعة مؤسّسة العروج.
* بحارالأنوار: العلَّامة المجلسي/ تحقيق محمّد باقر البهبودي/ الطبعة الثانية المصحَّحة/ ١٤٠٣هـ/ الناشر مؤسّسة الوفاء/ دار إحياء التراث العربي/ لبنان/ بيروت.
* تاج العروس: الزبيدي/ تحقيق علي شيري/١٤١٤هـ ١٩٩٤م/ طباعة ونشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت.
* تاريخ الغيبة الصغرى: السيِّد محمّد الصدر/ الطبعة الأُولى/ ١٤٢٧هـ/ مؤسّسة التاريخ العربي للطباعة والنشر/ بيروت.
* تاريخ الغيبة الكبرى: السيِّد محمّد الصدر/ الطبعة الأُولى/ ١٤٢٧هـ/ مؤسّسة التاريخ العربي للطباعة والنشر/ بيروت.
* حقائق التكوين: الشيخ ناصر الحمادي/ تحقيق فالح عبد الرزّاق العبيدي/ الطبعة الأُولى/ نشر أنوار الهدى/ المطبعة وفا/ قم.
* خاتمة مستدرك الوسائل: الميرزا النوري/ تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث/ الطبعة الأُولى/ محرَّم الحرام ١٤١٦هـ/ المطبعة ستارة، قم.
* الذريعة إلى تصانيف الشيعة: الشيخ أغا بزرك الطهراني/ الطبعة الثانية/ الناشر دار الأضواء/ لبنان/ بيروت.
* سنن الترمذي: الترمذي/ تحقيق وتصحيح عبد الوهّاب عبد اللطيف/ الطبعة الثانية/ ١٤٠٣هـ ١٩٨٣م/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/ لبنان/ بيروت.
* عوائد الأيّام: المحقِّق النراقي/ الطبعة الأُولى/ ١٤١٧هـ/ مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي/ الناشر مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي.
* الغيبة: الشيخ الطوسي/ تحقيق الشيخ عبد الله الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح/ الطبعة الأُولى/ ١٤١١هـ/ مطبعة بهمن/ نشر مؤسّسة المعارف الإسلاميَّة/ قم.
* الغيبة: الشيخ محمّدبن إبراهيم النعماني/ تحقيق فارس الحسّون/ الطبعة الأُولى/ ١٤٢٢هـ/ مطبعة مهر/ الناشر أنوار الهدى.
* الفروق اللغوية: أبو هلال العسكري/ تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي/ الطبعة الأُولى/ شوّال المكرَّم ١٤١٢هـ/ نشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
* الفوائد الرجالية: السيِّد مهدي بحر العلوم/ تحقيق وتعليق محمّد صادق بحر العلوم وحسين بحر العلوم/ الطبعة الأُولى/ ١٣٦٣ش/ مطبعة آفتاب/ الناشر مكتبة الصادق/ طهران.
* قصص العلماء: الميرزا محمّد التنكابني/ ترجمة الشيخ مالكوهبي/ الطبعة الثانية/ ١٤٢٩هـ/ نشر ذوي القربى/ مطبعة ستارة/ قم.
* الكافي: الشيخ الكليني/ تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري/ الطبعة الخامسة/ ١٣٦٣ش/ مطبعة حيدري/ الناشر دار الكتاب الإسلامي/ طهران.
* كتاب العين: الخليل الفراهيدي/ تحقيق د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي/ الطبعة الثانية/ ١٤٠٩هـ/ نشر مؤسّسة دار الهجرة/ قم المشرَّفة.
* كشف القناع عن وجوه حجّية الإجماع: أسد الله التستري الكاظمي/ طبعة حجرية.
* كشف المحجَّة لثمرة المهجة: السيِّد ابن طاووس/ طبع ١٣٧٠هـ ١٩٥٠م/ الناشر المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف.
* كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري/ طبع محرَّم ١٤٠٥هـ/ الناشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين/ قم.
* مفردات ألفاظ القرآن: الراغب الأصبهاني/ تحقيق صفوان عدنان داوودي/ الطبعة الأُولى/ ١٤١٦هـ/ طباعة ونشر دار القلم/ دمشق، ودار الشامية/ بيروت.
* مكيال المكارم: السيِّد محمّد تقي الأصفهاني/ تحقيق السيِّد علي عاشور/ الطبعة الأُولى/ ١٤٢١هـ/ الناشر مؤسّسة العالمي للمطبوعات/ بيروت.
* من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري/ الطبعة الثانية/ الناشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين/ قم.
* النجم الثاقب: الميرزا النوري/ تقديم وترجمة وتحقيق وتعليق السيِّد ياسين الموسوي/ الطبعة الأُولى/ ١٤١٥هـ/ الناشر أنوار الهدى/ المطبعة مهر/ قم المقدَّسة.
* ينابيع المودَّة لذوي القربى: القندوزي الحنفي/ تحقيق سيِّد علي جمال أشرف الحسيني/ الطبعة الأُولى/ ١٤١٦هـ/ المطبعة أُسوه/ الناشر دار الأُسوة للطباعة والنشر/ قم المطهَّرة.
الهوامش:
(١) أُنظر: الغيبة الكبرى للسيِّد محمّد الصدر: ٢٧.
(٢) الكافي للكليني ١: ٣٣٩.
(٣) من لا يحضره الفقيه للصدوق ٢: ٣٠٧.
(٤) الغيبة للطوسي: ٣٩٥؛ الاحتجاج للطبرسي ٢: ٢٩٧.
(٥) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: ٥١٦.
(٦) أُنظر: مكيال المكرام للأصفهاني ٢: ٣٣٣ - ٣٣٥.
(٧) الغيبة للنعماني: ١٦١ و١٦٢.
(٨) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: ٣٥٠ و٣٥١.
(٩) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: ٣٤٩.
(١٠) الغيبة الصغرى للسيِّد محمّد الصدر: ٣٧٢.
(١١) من لا يحضره الفقيه للصدوق ٢: ٣٠٧.
(١٢) الكافي للكليني ١: ٣٣٩.
(١٣) الفوائد الرجالية للسيِّد بحر العلوم ٣: ٣١٨ - ٣٢١.
(١٤) فوائد الأُصول للسيِّد بحر العلوم: ٨٢/ فائدة ٢٣، عن عوائد الأيّام للنراقي: ٧٠٠.
(١٥) قال السيِّد بحر العلوم قدس سره في (الفوائد الرجالية) وقد مرَّ ذكره: وإنَّ المشاهدة المنفية أن يشاهد الإمام ويعلم أنَّه الحجَّة عليه السلام حال مشاهدته له.
(١٦) أُنظر: بحار الأنوار للعلَّامة المجلسي ٥٣: ٢٣٦، والمطبوع ضمنه كتاب (جنَّة المأوى) للميرزا النوري.
(١٧) الفوائد الرجالية للسيِّد بحر العلوم ٣: ٣١٨ - ٣٢١.
(١٨) أُنظر: الكافي للكليني ١: ٥٢٥.
(١٩) بحار الأنوار ٥٢: ١٧٤ - ١٧٩.
(٢٠) نقل لي بعض أساتذتي من طرائف ما يروى عن شيخنا المرتضى الأنصاري أنَّه في إحدى زياراته إلى الإمام الحسين عليه السلام تأخَّر في الوصول إلى مدينة النجف الأشرف ليلاً حيث تُغلَق أبواب سور النجف ولا يدخلها أحد أو يخرج منها إلى الفجر، فبات الشيخ الأنصاري قدس سره ومن معه ليلته خارج السور إلى الفجر حيث فُتِحَت الأبواب، فهمس الشيخ الأنصاري قدس سره في أُذُن أحد أصحابه وقال له: بعد موتي سيقول الناس: إنَّ الشيخ الأنصاري مَرَّ على أبواب سور النجف ليلاً، وكانت مغلقة فأراد أن يدخل، وإذا بالأبواب قد فُتِحَت وحدها...، وهذا الأمر ليس بالغريب.
(٢١) عنوان الكامل (جنَّة المأوى فيمن فاز بلقاء الحجَّة ومعجزاته في الغيبة الكبرى).
(٢٢) عنوانه الكامل (النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجَّة الغائب).
(٢٣) خاتمة مستدرك الوسائل للميرزا النوري ٣: ٢٢٩ و٢٣٠.
(٢٤) أُنظر: قصص العلماء للتنكابني: ٢٩٦ و٢٩٧ وغيرها، تجد اختلافاً في الروايات المنقولة.
(٢٥) أنوار الهداية في التعليق على الكفاية للسيِّد الخميني ١: ٢٤٥.
(٢٦) أُنظر: تاريخ الغيبة الكبرى للسيِّد محمّد الصدر: ٧٣ و٨١.
(٢٧) النجم الثاقب للميرزا النوري ٢: ٤٠٤.
(٢٨) أُنظر: الغيبة الكبرى للسيِّد محمّد الصدر: ٣٨ و٣٩.
(٢٩) أُنظر: تاج العروس للزبيدي ١٩: ٤٣٤ و٤٣٥؛ مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصبهاني: ٣٧٤.
(٣٠) كتاب العين للخليل الفراهيدي ٨: ٣٠٧.
(٣١) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري: ٤٩٦.
(٣٢) مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصبهاني: ٤٦٥.
(٣٣) تاج العروس للزبيدي ٥: ٤٥ - ٤٧.
(٣٤) أُنظر: سنن الترمذي ٥: ٦٦٣، وغيره.
(٣٥) حقائق التكوين للشيخ ناصر الحمادي: ٦١.
(٣٦) أُنظر: فرائد السمطين ١: ٤٦؛ كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: ٢٠٧؛ وباختصار ورد في بحار الأنوار ٥٢: ٩٢ و٩٣.
(٣٧) ينابيع المودَّة للقندوزي الحنفي ٣: ٣٩٩.
(٣٨) أُنظر: الغيبة الكبرى للسيِّد محمّد الصدر: ٣٩ - ٤١ بتصرّف.
(٣٩) بحار الأنوار للعلَّامة المجلسي ٥٣: ٣٠٤؛ كشف المحجَّة لابن طاووس: ٥٣؛ وفي نصِّ الكتاب الثاني التباس.
(٤٠) أُصول الفقه للشيخ المظفَّر ٣: ١٢٠ و١٢١.
(٤١) كشف القناع عن وجوه حجّية الإجماع للمحقِّق الكاظمي التستري: ٢٣٠.
(٤٢) جنَّة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجَّة عليه السلام للميرزا حسين النوري/ المطبوع ضمن كتاب بحار الأنوار للعلَّامة المجلسي/ الحكاية السادسة والثلاثون (ج ٥٣/ ص ٢٧١ - ٢٧٣).
(٤٣) أُنظر: بحار الأنوار ٥٣: ٢١٣ - ٢٢٢، ونظراً لطول الخبر أعرضنا عن إدراجه، فإن شئت الاطِّلاع عليه راجع المصدر.
(٤٤) الذريعة للطهراني ٥: ١٠٦.
(٤٥) جنَّة الماوى للميرزا النوري/ المطبوع ضمن بحار الأنوار للعلَّامة المجلسي ٥٣: ٣٠٢/ الحكاية الخامسة والخمسون.
(٤٦) جنَّة المأوى للميرزا النوري/ المطبوع ضمن بحار الأنوار للعلَّامة المجلسي ٥٣: ٢٢٧ - ٢٣٠/ الحكاية السابعة.